فتحت العلاقات المصرية - الألمانية نافذة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للعاصمة الألمانية برلين، والتي جاءت في إطار التحركات الخارجية التي يجريها الرئيس السيسي في مختلف دول العالم، لفتح أبواب جديدة للاستثمار والسياحة في مصر، بالإضافة إلى دحر المخططات الإخوانية لتشويه صورة مصر عقب ثورة 30 يونيو وتوضيح مخططات الجماعة الإرهابية في نشر الإرهاب على طول منطقة الشرق الأوسط، وذلك رغم معارضة بعض الجهات الألمانية لهذه الزيارة وفي مقدمتها إعلان رئيس البرلمان الألماني <نوربيرت لامرت> عدم لقائه مع الرئيس المصري، مشيراً إلى إن المستجدات الأخيرة في مصر أظهرت عدم وجود أي تطور ديموقراطي في المجال السياسي، وبالتالي فلم تبقَ أية أرضية للقاء. وتطرق <لامرت> إلى أحكام الإعدام والسجن التي طالت عدداً كبيراً من الأشخاص، بينهم الرئيس المخلوع محمد مرسي، ولافتاً إلى أن النظام الحالي لم يفِ بوعوده التي أعطاها من أجل عملية المصالحة السياسية والانتخابات، وأنه لم يتخذ أي خطوات جدية بهذا الخصوص، لذلك فلقاء الرئيس المصري لا جدوى منه.
<نوربيرت لامرت> لم يكن الوحيد الرافض لهذه الزيارة، فقد تبعه عدد من الخبراء والسياسيين والأحزاب السياسية في ألمانيا لمقابلة الرئيس <السيسي>، منها رئيسة كتلة حزب الخضر في البرلمان الألماني، <كاترين غورينغ - إكارت> التي اعتبرت الاستقبال الرسمي للسيسي، إشارة خاطئة. في المقابل اتجهت جهات رسمية ألمانية إلى تأييد الزيارة منها <فولكر كاودر> رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي الذي عمل على مقابلة الرئيس المصري في الفندق الذي يقيم فيه. واتجهت الفئات المؤيدة إلى دعم موقفها، تحت عدة أسباب ترتكز في مجملها على كون مصر قد تمثل حليفاً مستقراً نسبياً عن الدول العربية الأخرى في المنطقة، ودور مصر في ما يوصف بـ<الحرب على الإرهاب>، بالإضافة إلى الحاجة للدعم المصري لموقف الاتحاد الأوروبي لحل أزمة الهجرة غير الشرعية من السواحل الليبية لأوروبا، إذ يسعى <الاتحاد الأوروبي> إلى طلب تفويض دولي لحل عسكري ضد قوارب الهجرة غير الشرعية من ليبيا بعد أسوأ كارثة غرق جماعي في شرق المتوسط. كما وإن الحوار بين القاهرة وبرلين يمكن أن يظل قائماً باعتبار القاهرة ممثلاً إقليمياً جوهرياً بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر السياسية، إذ تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات عديدة ومصر تمثل لاعباً أساسياً في المنطقة. وأن قرار الحكومة الألمانية على مد البساط الأحمر للسيسي يأتي في إطار السياسة الواقعية، لأن بوادر التفكك التي تظهر حالياً في دول عربية مثل سوريا أو اليمن أو ليبيا، ستجعل التعامل مع أي نظام لا يزال متماسكاً أمراً مرحباً به حتى لو كان على قمته قيادة عسكرية.
بدأت الزيارة لألمانيا التي اتفق على إتمامها خلال مباحثات هاتفية جرت في أيلول/ سبتمبر 2014 بين الرئيس السيسي والمستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل>، باستقبال شعبي أمام مطار <تيغل>، وآخ ر أمام مقر إقامته داخل العاصمة برلين شارك فيه عدد كبير من أبناء الجالية المصرية في ألمانيا وعدد من الذين قدموا من عدة دول أوروبية والوفد الشعبي المرافق للإعراب عن تأييدهم للرئيس السيسي، وشاركتهم فيه مجموعة من الفتيات والشباب الألمان من المدارس الألمانية الذين يحملون الأعلام المصرية، ثم كان هناك استقبال رسمي قام به الرئيس الألماني <يواخيم جاويك> حيث أجرى الجانبان محادثات حول أهم المواضيع المشتركة.
الجيش ملك الشعب
وعقب القمة المصرية ـ الألمانية، أجرى الرئيس جلسة مباحثات مع المستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل>، تناولت عدداً كبيراً من الموضوعات على رأسها الأوضاع في المنطقة ومكافحة الإرهاب ومنظمات المجتمع المدني ودورها في مصر. كما تناولت سبل دعم العلاقات الثنائية وعدداً من الملفات.
وفى مؤتمر صحافي مشترك عقب المباحثات، أكد الرئيس السيسي أنه لولا شعب مصر الذي خرج بالملايين لمكافحة الفاشية الدينية في ٣٠ حزيران/ يونيو لكان للمنطقة شأن آخر، ولم نكن نستطيع أن نترك بلداً فيه 90 مليون نسمة لأن الأوضاع لو كانت قد تطورت أكثر من ذلك لكانت ستصبح مجرد دولة للاجئين وكنتم ستضطرون لإرسال المساعدات بالطائرات ولن تستطيعوا النزول على أرض مصر. وأضاف الرئيس السيسي ان الجيش المصري لديه علاقة خاصة بشعبه لأن الجيش جزء من الشعب وملك له وليس ملك لأي حاكم بدءاً من مبارك حتى السيسي.. فما حدث في مصر أمر كبير جداً.
وحول أحكام الإعدام، قال الرئيس إن مصر دولة دستورية ذات قانون وسيادة والقضاء المصري مستقل ولا يمكن التعليق عليه أو مناقشة أحكامه ولكن هذا لا يمنع من توضيح الأمور، مشيراً إلى أن قرارات الإعدام المحالة الى المفتي هي مجرد استبيان لتنفيذها من وجهة النظر الشرعية.
وأشار الرئيس المصري إلى أن أحكام الإعدام التي صدرت غيابياً تسقط بحكم القانون فور القبض على المتهم المحكوم عليه ويتم إعادة محاكمته، كما أن هناك درجات للتقاضي، موضحاً أن القانون الجنائي في مصر يخضع للاعتبارات الدولية وليس لمحاكم ثورية تصدر أحكاماً عشوائية على المواطنين.
وخلال المؤتمر وقفت فجر العادلي، الطالبة في كلية الطب والتي استطاعت دخول المؤتمر الصحافي لعبد الفتاح السيسي مع المستشارة الألمانية لتصل بصوت قلّة من المعارضين في الخارج وتهتف في وجه السيسي بسقوط حكم العسكر ومجموعة من الهتافات مثل <السيسي قاتل>، وضد المجازر التي ارتكبها السيسي بحق المصريين حسب زعمها، و<علامة رابعة> رغم نفيها لاحقاً أنها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، فما كان من جانب الأمن الألماني إلا إخراجها من الصالة.
عقد بثمانية مليارات يورو
كما التقى الرئيس المصري بوزير الخارجية الألماني <شتاينماير> ووزير الاقتصاد <غابريل>. وعلى الصعيد الاقتصادي شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الاقتصاد الألماني <غابريل> في جلسة المنتدى الاقتصادي المصري الألماني، وحضرا توقيع عقد مع شركة <سيمنس> لأكبر طلبيه لها على الإطلاق بقيمة ثمانية مليارات يورو حول الغاز الطبيعي وتوليد الطاقة من الرياح، في خطوة من شأنها رفع قدرات مصر في مجال الطاقة الكهربائية إلى 16,4 <ميغاوات>.
ولم تكن <فجر العدلي> الوحيدة التي حاولت التشويش على الزيارة أو تشويه سمعة الرئيس المصري، فقد تعرضت الحافلة التي تقل الوفد الفني والإعلامي ضمن الوفد الشعبي الذي يضم نخبة من مختلف الطوائف السياسية والفنية والإعلامية، بالإضافة إلى مجموعة شبابية كبيرة، إلى اعتداء من جانب بعض عناصر الإخوان، حيث اعترض شابان الحافلة التي تقل الوفد الفني وأجبرا السائق على التوقف ثم سارعا بسب وشتم أعضاء الوفد كافة الذين لم يبادلوهما الشتائم، كما اعتدى أحدهماعلى الفنان فتوح أحمد لفظياً وجسدياً. وطلب مندوب السفارة المصرية المرافق لهم الهدوء واستدعى الشرطة التي وصلت الى المكان بسرعة وتمكنت من ضبط أحد الشابين فيما فر الآخر هارباً مؤكداً أنهما مصريان وكان أحدهما يرتدي <تي شيرت> أصفر عليه علامة <رابعة> (نسبة الى ميدان رابعة) وصورة الرئيس المعزول محمد مرسي.
واستمعت الشرطة الألمانية إلى شكوى الفنان فتوح أحمد في حضور الشاب الاخواني الذي بادر بخلع <التي شيرت> في محاولة للهروب من المساءلة القانونية.
وقال شهود عيان إن وفود المصريين المستقبلين للرئيس تعرضوا لاحتكاك اخواني حيث اعترضهم بعض عناصر الإخوان الذين رددوا هتافات ضد مصر و30 يونيو وقابله أعضاء من الوفد الشعبي بهدوء وصمت تام حتى انطلق المطرب الفنان هشام عباس في إنشاد أغنية <تسلم الأيادي>، والهتاف <تحيا مصر>.
وقد هاجمت صحف ألمانية مأجورة من قبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين اصطحاب الرئيس لوفد شعبي معه في هذه الزيارة. لكن الصحافي الألماني الكبير <فولكا هارد> رئيس جمعية <المراسلين الأجانب> في مصر، أكد أن زيارة الرئيس السيسي جاءت في وقت مهم جداً، وهناك بعض الدوائر تحاول ضرب <إسفين> في العلاقات المصرية الألمانية. وأضاف <فولكا> أن من معه المال يستطيع أن يشتري صحفاً وجرائد سواء في مصر أو حتى ألمانيا، وهذا ما نراه في وقتنا الحالي لتوجيه الرأي العام.
ولفت <هارد> إلى أن الرئيس عرض على المستشارة الألمانية < انجيلا ميركل> أن يؤخر زيارته إلى أن تتم الانتخابات في مصر قبل نهاية العام وتشكيل حكومة وبرلمان نيابي ديموقراطي، ولكن وجوده حالياً في غاية الأهمية.
وحرصت النجمة إلهام شاهين أن ترد على منتقديها ممن هاجموا سفرها إلى ألمانيا ضمن وفد يرافق الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته وقالت: إن وفد الفنانين حضر من نفسه إلى ألمانيا، ونفت أي تدخل لمؤسسة الرئاسة بالأمر، وأضافت: <نسافر لمساندة اسم مصر أولاً، وإظهار صورتها الحضارية في وجود وفد يضم فنانين وإعلاميين ورجال أعمال، وعملنا على فتح مجالات للتعاون في برلين>. وتابعت بالسياق ذاته: <أوضحنا الصورة الحقيقية لمصر، ونؤكد على أن فئات الشعب كافة تساند الرئيس وتفتخر بوجود رئيس وطني مثله>.
وضم الوفد الشعبي المرافق للرئيس السيسي كلاً من الفنانة يسرا، وإلهام شاهين، وهالة صدقي، ولبلبة، وداليا البحيري، وعزت العلايلي، وممدوح عبد العليم، وماجد المصري، وأحمد بدير، وهشام عباس، ومدحت صالح، وفتوح أحمد، وعبير صبري، ومحمد كريم، ومحمد الصاوي، وياسمين الخيام، وأيمن عزب. فيما جاء على رأس وفد الإعلاميين: وائل الإبراشي، ويوسف الحسيني، وعادل حمودة، وجيلان جبر، وتامر أمين، ورامي رضوان، ومحمد مصطفى شردي، وشافكي المنيري، ومحمد الأمين، رئيس غرفة صناعة الإعلام، ودعاء جاد الحق، ودندراوي الهواري، ومحمد دسوقي رشدي، وأسماء مصطفى، وأحمد موسى. وأكد الإعلامي وائل الإبراشي أنه شارك في الوفد الشعبي الذي يمثل أطياف المجتمع المصري، وأن الهدف من سفر الوفد هو توصيل رسالة لألمانيا بأن المصريين يلتفون حول رئيسهم وحول السلطة الحالية المعبرة عنهم.
من جانبها عبّرت الفنانة يسرا عن سعادتها بالمشاركة مع الوفد الفني المرافق للسيسي، وقالت <لم أتردد لحظة في تلبية نداء الوطن. البلد تواجه حروباً خفية من بعض خفافيش الظلام، ويجب علينا كمثقفين ومبدعين أن نؤكد دعمنا للدولة واستقرارها في الوقت الحالي بعد الثورة العظيمة التي قمنا بها في 30 يونيو (حزيران)، والتي كانت تعبر عن الأغلبية العظمى من الشعب المصري>.
وأضافت: <يجب أن يعرف العالم كله أن مصر وشعبها وقيادتها ومبدعيها يؤكدون على هذه الثورة، وأنها ليست كما يدعي البعض انقلاباً>.
وقالت الإعلامية جيهان جبر إن سفر الوفد الفني ضمن الوفد الشعبي يعتبر عنصر جذب للمصريين من كل أوروبا، وأن كثيرين منهم جاءوا الى التقاط الصور مع الفنانين ولتأييد الرئيس، كما أن حضور الوفد في المؤتمر الصحافي المشترك قد أجهض الاعتداءات اللفظية على الرئيس وتصدى لمحاولات الإخوان النيل من الزيارة عندما هتفنا جميعاً <تحييا مصر>، وحتى بعد انتهاء المؤتمر الصحافي انبرت إحدى الصحفيات الفرنسيات لمهاجمتنا باللغة الفرنسية قائلة: <أننا لا نحترم الإخوان وهم فصيل مصري كما أننا لا نحترم ألمانيا والألمان وفرنسا..>. فرددت عليها باللغة الفرنسية التي كانت تظن أننا نجهلها قائلة: <كيف تريدين منا احترام الأخوان وهم فئة إرهابية يقومون بعمليات إرهابية ضد الشعب والشرطة والجيش؟ أما بالنسبة لادعائك بأننا لا نحترم الألمان، لو صح ذلك لما كنت تشاهديننا هنا في ألمانيا، ولو صح عدم احترامنا لفرنسا ما رددت عليك>. باللغة الفرنسية. وأضافت <جيلان> ان الإخوان كانوا يمارسون أساليب ملتوية للتعبير عن رفضهم للزيارة، فمثلاً كانوا يحملون العلم المصري ويتقربون منا، ثم يفتحون أزرار قمصانهم ليظهر شعار الإخوان ويرفعون شعار <رابعة> حتى يظهروا أن عددهم كبير أمام عدسات المصورين والتلفزيون.
من برلين الى <بودابست>
وفي ختام زيارة الرئيس الأوروبية توجه إلى المجر في زيارة رسمية، وشهدت العاصمة المجرية بودابست نشاطاً واسعاً للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي عقد ورئيس الوزراء المجري <فيكتور أوربان> جلسة مباحثات ثنائية حضرها سامح شكري وزير الخارجية وأشرف سلمان وزير الاستثمار ومحمد شاكر وزير الكهرباء والوفد المرافق. وتم بحث سبل التعاون في شتى المجالات لاسيما في المجالين الاقتصادي ومكافحة الإرهاب.
ومنحت جامعة <كورفينوس> المجرية إحدى أعرق الجامعات في العاصمة المجرية <بودابست> الدكتوراه الفخرية للرئيس عبد الفتاح السيسي والتي كانت قد منحت الأمير الوليد بن طلال درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم الاجتماعية، في أوائل كانون الثاني/ يناير 2015 خلال زيارته للمجر.