تفاصيل الخبر

هكذا أصبح توزيع الصلاحيات السياسية بين رئيس الجمهورية ورئـيــــس مـجـلــــس الـنــــواب ورئـيـــس مـجـلــــس الــــوزراء!

26/10/2018
هكذا أصبح توزيع الصلاحيات السياسية بين رئيس الجمهورية ورئـيــــس مـجـلــــس الـنــــواب ورئـيـــس مـجـلــــس الــــوزراء!

هكذا أصبح توزيع الصلاحيات السياسية بين رئيس الجمهورية ورئـيــــس مـجـلــــس الـنــــواب ورئـيـــس مـجـلــــس الــــوزراء!

 

بقلــــــــم المحامـــــــي سامـــــي نحــــــاس

إن <وثيقة الوفاق الوطني> لسنة 1989 لم تكن ثمرة دراسة قانونية شكلية اعتمدت بنتيجتها التعديلات على الدستور اللبناني، بل كانت تعود لأسباب جوهرية تتعلق بظروف مرّت بها البلاد خلال قرن كامل.

لا بد من العودة بالذاكرة الى الأحكام والقواعد السابقة التي رعت المجتمع اللبناني ابتداءً من تاريخ إعلان لبنان الكبير سنة 1920 مروراً بفترة الانتداب الفرنسي التي وضع خلالها دستور سنة 1926 ومن ثم الى مرحلة الاستقلال والميثاق الوطني غير المكتوب لسنة 1943، وكذلك الى الخلافات الدموية التي حصلت على الأراضي اللبنانية، والتي تعود خلفيتها الى تخوف بعض اللبنانيين على مستقبلهم ومصيرهم فضلاً عما كان البعض الآخر يشعر به من تهميش في المشاركة بالسلطة.

وفي العودة الى الدستور اللبناني لسنة 1926، يتبين أنه كان لرئيس الجمهورية كافة الصلاحيات في السلطة التنفيذية بحيث يخضع تأليف الحكومة لقراره واستنسابه، فهو الذي كان يعيّن الوزراء ويختار من بينهم رئيساً، الأمر الذي أدى الى تقليص حقوق سائر الطوائف في المشاركة الفاعلة بالسلطة.

سنة 1943 وبعد فوز الكتلة الدستورية بالانتخابات، تولى الشيخ بشارة الخوري سدة رئاسة الجمهورية فكلف شهيد لبنان المرحوم الرئيس رياض الصلح بتولي رئاسة الحكومة التي تألفت من 6 وزراء بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ونالت ثقة المجلس النيابي على أساس بيانها الوزاري والذي شكّل بحد ذاته وثيقة تاريخية هي الميثاق الوطني لسنة 1943 والذي استند الى المبادئ الآتية:

1 - الاستقلال والسيادة التامة للدولة اللبنانية بحيث يقرر اللبنانيون مصيرهم.

2 - اعتبار لبنان ذا وجه عربي، فتكون علاقاته إذاً مع الدول العربية الشقيقة علاقات مبنية على الاحترام المتبادل وعدم تدخل أي دولة بشأن أية دولة أخرى.

3 - اعتبار لبنان وطناً لجميع أبنائه قائماً على التوافق والعيش المشترك بين مختلف طوائفه على أساس المساواة والعدالة.

وبالتالي حصل المسيحيون على شعور بالطمأنينة والأمان، والمسلمون على المساواة والمشاركة الفعلية بالسلطة بحيث أصبح لبنان وطناً لجميع أبنائه قائماً على الوفاق والتوافق، مما يعني أن الميثاق الوطني لسنة 1943 أدى الى تعريب المسيحيين ولبننة المسلمين وبذلك أصبح لبنان يحلّق بجناحيه المسيحي والمسلم، فضلاً عن أنه بالتوافق في حينه تمّ توزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف الرئيسية، فخصصت رئاسة الجمهورية للطائفة المارونية ورئاسة الحكومة للطائفة السنية ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية.

إلا أنه لا بد من الإشارة في هذا الإطار الى أنه بعد سنة 1943 لم يقم أي رئيس جمهورية - رغم بقاء نص دستور 1926 على حاله - باختيار رئيس للوزراء، دون التشاور المسبق مع القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي للاستئناس برأيها، والتشاور المسبق مع الرئيس المكلف في اختيار الوزراء، ما عدا حالة خالف فيها رئيس الجمهورية الرئيس شارل حلو هذا العُرف ولم يكلف الرئيس صائب سلام تأليف الحكومة رغم نيله أصوات أكثرية النواب، وذلك مراعاة منه لما سمي بـ<المكتب الثاني> والذي كان الخصم اللدود للرئيس سلام.

إن توزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف الرئيسية في البلاد كان لمرحلة انتقالية، تنتهي عند إلغاء الطائفية السياسية. علماً بأن الرئيس صائب سلام رحمه الله، كان أول من اقترح حلاً عملياً لإلغاء الطائفية السياسية خلال محاضرته في الندوة البرلمانية اللبنانية سنة 1972 حيث اقترح أن يتم الانتخاب على أساس 125 دائرة فردية وفق النظام الأكثري، وأن يتحرر المجلس ورئيسه والحكومة ورئيسها من القيد الطائفي، على أن يكون هناك مجلس رئاسي مؤلف من ستة أعضاء يمثلون الطوائف الكبرى يتناوبون على الرئاسة، فتكون ولاية المجلس ست سنوات وولاية رئيسه سنة واحدة.

وتجدر الإشارة الى أن دستور سنة 1926، لم يمنح رئيس الحكومة أية صلاحيات خاصة أو أي وضع قانوني، مع العلم أنه كان واقعياً وفعلياً وعُرفاً يشترك مع رئيس الجمهورية في ممارسة السلطة وإن لم يرد أي نص بهذا الخصوص في الدستور النافذ. وفضلاً عن ذلك كان العُرف يقضي أيضاً بتشاور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب أسبوعياً للعمل على إزالة معوّقات تعترض مسيرة الوفاق ولتسيير أمور الدولة.

أما وثيقة <اتفاق الطائف> لسنة 1989 فلم يتم إعدادها حسب رؤية خاصة باللجنة العربية السداسية أو اللجنة الثلاثية المنبثقة عنها أو الوسيط الأخضر الإبراهيمي، بل كانت ثمرة جوجلة للاقتراحات والأفكار التي وردت في مذكرات خطية كان

مختلف الفرقاء المتصارعين على الاراضي اللبنانية منذ سنة 1975 ولغاية سنة 1989 قد تقدموا بها، فتم اختيار منها ما من شأنه إرساء المصالحة والوفاق وإقامة توازن دقيق في توزيع الصلاحيات بين مكونات المجتمع اللبناني.

ولقد لقيت هذه الوثيقة شرعية وطنية من خلال موافقة النواب المشاركين بـ<الطائف> عليها، وشرعية دولية من خلال بيان مجلس الأمن الدولي الصادر خلال العام 1989 وبيان المجموعة الأوروبية الصادر في 9 كانون الأول/ ديسمبر سنة 1999.

وقد حسم <اتفاق الطائف> الإشكالات السابقة حول هوية لبنان وتوزيع السلطات فيه سواء في ما يتعلق برئاسة الجمهورية أو مجلس النواب ورئيسه والحكومة ورئيسها وكيفية استقالة الحكومة واعتبارها مستقيلة وكيفية إلغاء الطائفية السياسية إلخ... وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادئ والإصلاحات تشكّل وحدة متكاملة لا تتجزأ بحيث لا يجوز المس بأي منها وإلا تعتبر سائر الأحكام كأنها لم تكن.

وبالفعل، حدد <اتفاق الطائف> هوية لبنان وانتماءه العربي الأصيل، وأكد على سيادته واستقلاله على أراضيه وعلى أنه جمهورية ديموقراطية برلمانية قائمة على المساواة بين جميع ابناء الوطن دون تفريق أو تمييز. كما جرى توزيع المقاعد النيابية مناصفة ما بين المسلمين والمسيحيين، وذلك دون اللجوء الى أية إحصاءات، مما يعني أنه بعد هذا الاتفاق تم التوافق على <وقف العد> وفق العبارة الشهيرة للزعيم الكبير والقامة الوطنية الكبرى مهندس <الطائف> شهيد لبنان الرئيس الراحل رفيق الحريري.

وقد طالت الإصلاحات السلطة التنفيذية، فعهد الى رئاسة الجمهورية بالمحافظة على الميثاقية واحترام أحكام الدستور والقوانين النافذة وعلى استقلال الوطن وسلامة أراضيه وإبعاده عن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، وجرى نقل الصلاحيات التنفيذية الى مجلس الوزراء مجتمعاً.

أما الإصلاحات المتعلقة برئاسة مجلس النواب والتي تعود عُرفاً للطائفة الشيعية، فتناولت مدة ولاية رئيس مجلس النواب لمدة موازية لمدة المجلس أي أربع سنوات مع إمكانية سحب الثقة منه بعد مرور سنتين على انتخابه وبأكثرية الثلثين رغم ان

انتخابه يتم بالأكثرية العادية.

أما رئيس مجلس الوزراء فقد أصبح له كيان مستقل مع سلطة وصلاحيات محددة خطياً، وأصبحت العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية قائمة على التنسيق عملاً بمبدأ تعاون السلطات الذي نص عليه الاتفاق المذكور.

أما في ما خص تشكيل الحكومات، فأصبح يتم نتيجة استشارات نيابية ملزمة يقوم على أثرها رئيس الجمهورية بتكليف تأليف الحكومة للشخص الذي نال الأكثرية النيابية. وأما دور الرئيس المكلف فهو إجراء استشارات نيابية ليستأنس من خلالها بآراء القوى السياسية المتمثلة في المجلس النيابي، ومن بعدها يقوم بتأليف الحكومة وتعيين الوزراء انطلاقاً من تقديره لكيفية تأمين الانسجام بين أعضاء الحكومة وتأمين ثقة مجلس النواب بها حسب مضمون بيانها الوزاري الذي تحدد فيه الأهداف التي تنوي الحكومة تحقيقها لتأمين المصلحة العامة.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار الى أنه خلال المداولات التي جرت بهذا الخصوص في مؤتمر <الطائف> تحضيراً لـ<وثيقة الوفاق الوطني>، فقد كان للرئيس صائب سلام موقف وطني حرص من خلاله على المحافظة على دور لرئيس الجمهورية في التأليف من خلال توقيعه على مراسيم تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف، ورفض اقتراح بعض القوى السياسية إعطاء رئيس الحكومة وحده حق تأليف الحكومة والمثول بها أمام المجلس النيابي لنيل ثقته، شرط عدم تحديد أية مهلة زمنية لإنجاز الرئيس المكلف تأليف الحكومة.

وقد انطلق موقف الرئيس سلام من خشية قيام رئيس الجمهورية بالمماطلة في الموافقة على التشكيلة الوزارية الى حين انقضاء المهلة المخصصة للتأليف، وبالتالي التملص من نتائج الاستشارات النيابية الملزمة ومن الشخص الذي حاز عليها، مما يشكل تعدياً على التوازنات التي أرساها <اتفاق الطائف> الأمر الذي ينعكس سلباً على الاستقرار ويعيد شعور الطائفة السنية بالتهميش.

لذا، فإن دور رئيس الجمهورية بالتأليف يأتي إذاً - وحسب النص الدستوري - في مرحلة التوقيع على مراسيم التأليف اي بعد تحديد الرئيس المكلف أسماء الوزراء وحقائبهم، مما يعني عدم تدخل رئيس الجمهورية في مراحل التأليف السابقة التي يجري فيها تحديد حجم تمثيل القوى السياسية من قبل الرئيس المكلف، علماً أنه يتوجب على الرئيس المكلف تفهّم هواجس رئيس الجمهورية والتعاون معه على تجاوزها.

ويعود لرئيس الجمهورية عند عرض التشكيلة الوزارية عليه لإصدار المراسيم، الحق باستبدال أي وزير مقترح بوزير آخر إذا كان وجوده من شأنه أن يمس بصلاحياته الدستورية أو بمضمون القسم الدستوري. وفي السياق نفسه، لا بد لنا من الإشارة الى أن بدعة حصة رئيس الجمهورية في الحكومة لا مكان لها في <اتفاق الطائف> ولا في الدستور لا بل أكثر من ذلك فإنها تشكّل مخالفة لأحكام المادة 53 منه التي كرّست قاعدة عدم مشاركة رئيس الجمهورية بالتصويت في مجلس الوزراء، فكيف يمكن بالتالي زج رئيس الجمهورية في زواريب السياسية الداخلية ومنحه بصورة غير مباشرة حق التصويت في مجلس الوزراء من خلال بعض الوزراء المحسوبين عليه؟!

يضاف الى ما تقدم أن المادة 60 من الدستور قد رفعت أي تبعة عن رئيس الجمهورية عند حسن تنفيذ المهام الموكولة اليه، فكيف يمكن تحميل رئيس الجمهورية بصورة غير مباشرة تبعة عمل وزرائه الذين يمكن للمجلس النيابي نزع الثقة عنهم عملاً بالمادة 66 معطوفة على المادة 68 من الدستور؟!

وبهذه المناسبة يثمّن الجميع موقف الرئيس عون من هذا الموضوع عندما انتقد تخصيص عدد من الوزراء في <اتفاق الدوحة> الى رئيس الجمهورية حتى لو كان هذا التخصيص قد جرى في حينه لمرة واحدة.

أما ما سمّي بالثلث المعطل الذي يمكن أن ترغب به بعض القوى السياسية عند تأليف الحكومة، فإنه يؤدي الى إرساء معادلة جديدة يُمنح من خلالها فريق معيّن منذ تأليف الحكومة صلاحية توازي صلاحية رئيس مجلس الوزراء باتخاذ القرار باستقالة حكومته، مما يشكل تعدياً على هذه الصلاحية.

 وان سبب النص المتعلق باعتبار الحكومة مستقيلة عند استقالة ثلث أعضائها لاختلافهم مع الأكثرية الوزارية بعد تأليف الحكومة وخلال فترة عملها، فيعود الى أمور جديدة قد تطرأ كالدخول بأحلاف أو محاور أو أية مواضيع استثنائية يجب في الأساس طرحها على الاستفتاء الشعبي العام، وطالما أن هذا الاستفتاء غير متوافر دستورياً، فقد فُتح الباب أمام عدد من الوزراء يمثل الثلث زائد واحد، بإلزام الأكثرية الوزارية بالعودة الى المجلس النيابي بهدف طرح المسألة المعترض عليها عند تلاوة الحكومة الجديدة بيانها الوزاري لنيل موافقته عليها. وعلى ضوء ما ذُكر ينبغي تفسير النص المشار إليه للمادة 53 مما يعني أنه لا يجوز تفسير النص الدستوري على خلاف ما ذكر لأن أي تفسير آخر يعني أن تكون لأقلية سياسية إمكانية السيطرة على قرارات الأكثرية الحكومية من خلال التهديد المستمر بالاستقالة.

أما لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية بتوجيه رسائل الى المجلس النيابي بغية حثه على مناقشة إقرار مواضيع يرى أهمية ومصلحة للبلاد في إقرارها، فإن مضمون تلك الرسائل يجب ان يبقى ضمن المواضيع التي يعود للمجلس النيابي دور في معالجتها والبت بها، والتي تخرج عنها حكماً المواضيع التي لها علاقة بتأليف الحكومات.

وأسارع إلى القول بأن <اتفاق الطائف> لم يلغ كافة صلاحيات رئيس الجمهورية بل العكس فقد حدد له العديد منها والتي تمكّنه من المشاركة الفعلية بالسلطة سواء من خلال ترأسه مجلس الوزراء عند حضوره وإدخال أي موضوع استثنائي على جدول الأعمال وإبداء وجهة نظره وتوجيه المجلس عند بداية الجلسة، او من خلال حقه في رد قرارات مجلس الوزراء ووقف المجلس عن العمل لمدة شهر ورد القوانين إليه لإعادة بحثها ومشاركته بالتوقيع على جميع المراسيم.

وفي الختام، وإذا كان لا بد لي من تقديم اقتراح متواضع لحل الأزمة الحكومية الحالية، فأقول إنه لمن المفيد ومن أجل تسيير أمور الدولة بشكل مهني مميز، بأن تتألف حكومة من 30 وزيراً، يمنح من أصلهم للطوائف الست الكبرى ستة وزراء دولة، تكون مهمتهم تقديم الرؤية العملية لإلغاء الطائفية السياسية وتعزيز العيش المشترك وتحقيق الإنماء المتوازن ووضع أسس وآلية لتحقيق اللامركزية الإدارية الموسعة وخلافه من المواضيع التي نص عليها <اتفاق الطائف> ولم تنفذ لتاريخه، أما الوزارات الأربع والعشرون الأخرى فتوزع على وزراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة بحيث يكون كل واحد منهم متخصصاً في مجال عمله بما يعيد ثقة المواطن بالدولة.

وإنني في هذه الأسطر التي وضعتها بكل تجرد، بعد أن شاركت في <مؤتمر جنيف> و<مؤتمر لوزان> و<مؤتمر الطائف> بصفتي مستشاراً قانونياً للرئيس المغفور له صائب سلام، وكذلك بصفتي عضواً في حينه باللجنة المنبثقة عن <مؤتمر لوزان> لتعديل الدستور، أود التأكيد بأن هدفي الوحيد مما تقدم ينحصر بإظهار الحقائق التي اطلعت عليها بكل تجرد.