تفاصيل الخبر

هــكـذا الـمـصـلـحــــة تـقـتـضــــي...

16/07/2015
هــكـذا الـمـصـلـحــــة تـقـتـضــــي...

هــكـذا الـمـصـلـحــــة تـقـتـضــــي...

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208في النصف الأول من القرن الماضي، قررت إحدى أشهر شركات النفط <التابلاين> تعيين محامٍ لها في بيروت.. فأقامت مباراة سريعة خضع خلالها أكثر من عشرين محامياً لسؤال واحد في الرياضيات، بل في الحساب، لا يخطر ببال أحد.

دخل الأول، سأله مدير الموظفين وكان بريطانياً: <كم تعطي خمسة ضرب ستة؟>، فأجابه مستغرباً: <ثلاثون.. شكراً هذا كل شيء>..

دخل الثاني: <ما نتيجة سبعة ضرب سبعة؟> أخذته الدهشة وأجابه: <تسعة وأربعون>... شكراً...

دخل الثالث: <كم لنا من المجموع إذا ضربنا خمسة بأربعة؟>، الجواب باستغراب شديد: <عشرون>...

اثنا عشر محامياً سألهم مدير <التابلاين> عن جدول الضرب... والجميع خرج ساخراً مشدوهاً مستغرباً: <يا له من غبيّ!>، الى أن جاء دور حبيب أبو شهلا المحامي المتدرج الذي فهم مغزى الأسئلة التي طرحت على زملائه.

سأله المدير: <قدّيش بتعمل ستة بسبعة؟>، أجابه من دون تردد: <قدّ ما بدّا مصلحة الشركة، فإذا اقتضت المصلحة ان نبقيها على ما هي (اثنان وأربعون) نبقيها، وإذا ارتأت مصلحة الشركة ان نرفع العدد، نرفعه، وإذا ارتأت أن ننقصه لا نتردد في ذلك>.

وقف المدير وانحنى أمام أبو شهلا وقال له: <مبروك أنت محامي (التابلاين)...>.

هذه واقعة من وقائع كثيرة في التاريخ اعتمد أصحابها على الذكاء المقرون بالدهاء والحكمة، أحياناً كثيرة فقط من أجل مصلحة المجموعة... فكم بالحري إذا كانت المصلحة تخص وطناً؟...

وهذه واقعة أوروبية تمثلت بلجوء الجنرال الديموقراطي <شارل ديغول> الى غير وسيلة غير ديموقراطية من أجل مصلحة بلاده، إن في الجزائر وإن في فرنسا نفسها، إذ قال ذات يوم: <لن أضحي بمستقبل فرنسا من أجل نص ولو اسمه الدستور...>.

وثمة واقعة خطيرة تمثلت بحرب عالمية ثالثة كادت أن تقع لولا استدراك الوضع في اللحظة الأخيرة: الولايات المتحدة بشخص رئيسها <جون كينيدي> أنذرت الاتحاد السوفياتي بشخص زعيمها <نيكيتا خروتشوف> بوجوب سحب صواريخه من شواطئ كوبا... رضخ <خروتشوف> وسحب الصواريخ وقال في خطاب شهير له في الكرملين: <إن ما جنّب العالم حرباً عالمية ثالثة ليس تهديد واشنطن، بل حكمة السوفيات>...

أما في لبنان، فلا مصلحة ولا من يحزنون. لما كان البلد يحترق كانت دول المنطقة من حوله تنعم باستقرار وازدهار قلّ نظيرهما، ولما خمدت النيران فيه واشتعلت من حوله، نعم بالاستقرار ولم يعرف حتى الآن مصلحته.. يعطّل نفسه ويجلد ذاته ويعيش مع النزيف حتى الرمق الأخير...

- الاستحقاق في لبنان تطور مع الوقت الى استلحاق.

- المجلس النيابي مشكوك بشرعيته حيث المصلحة تقضي وغير مشكوك بأمره حيث المصلحة تقضي.

حكومة المصلحة الوطنية بأربعة وعشرين قيراطاً حيث المصلحة تقضي وبأربعة وعشرين فلساً حيث المصلحة تقتضي...

الديموقراطية التي كانت علاجنا الأول والوحيد أصبحت مثلنا تمرّ في أخطر ساعاتها لأن المصلحة الشخصية تغلّبت بالنقاط على المصلحة الوطنية...

المصلحة تحوّلت من قضية بحجم وطن الى قضية بحجم فئات وأشخاص.

والخطر الأساسي الذي يهدّد الوضع العام هو ضياع مضمون الديموقراطية وهدفها، واستمرار الخلط بين الخاص والعام، وممارسة التحكم لا الحكم، التسلّط لا السلطة، ومعالجة مشاكل الديموقراطية بالديكتاتورية، وعــــدم تــــــذكّر القيــــادي أو الحاكم أو المســــــؤول بأنــــــه غــــير دائـــــم.

المصلحة العليا تقضي بأن يهتدي الحكّام بمن سبقوهم وقد سلموا الأمانة، وبمن رفضوا التجديد لولايتهم زاهدين بالحكم وتجربته المرّة. المصلحة العليا تقضي بأن يترفع طالبو الحكم ويكونوا بالفعل كباراً قادرين على الاستغناء عن المنصب إذا كان الوصول إليه متعذراً لغير سبب.

المصلحة العليا تقضي بالفصل ولاسيما لدى عامة الناس بين الخاص والعام، بالمحافظة على الجيش برموش العين، بالاستعداد للبدء بمحاسبة حقيقية لكل من أساء ويسيء وسيسيء لهذا الوطن العزيز.

المصلحة العليا تقضي بأن نختار نحن اللبنانيين طبقة سياسية جديدة، نظيفة، نقية من رواسب الماضي، حكيمة وهادئة، تكون قادرة على قبول التداول في السلطة وخلق طاقات جديدة، تنبثق منها قيادات طليعية ناشطة وشفافة.

هــــذه الطبقــــــة وحدها قادرة على إعادة الوطن الى أبنائه والأبناء الى وطنهم ليبدو من جديد وكأنه خالد كالأرز...