تفاصيل الخبر

حكومة "بساط الريح".. لا بتريّح ولا بتستريح

18/06/2020
حكومة "بساط الريح".. لا بتريّح ولا بتستريح

حكومة "بساط الريح".. لا بتريّح ولا بتستريح

 

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_78799" align="alignleft" width="375"] الثورة السلمية..هنا الحقيقة[/caption]

 تثبت كل المُعطيات الحاصلة في البلاد أن الظروف هي التي تتحكّم بلبنان ومصيره وليس العكس، وأنه ليس سوى ساحة صدى وليس ساحة فعل خصوصاً إذا ما تمت المُقارنة بين التعاطي السياسي فيه، وبين السياسات القائمة في بقيّة الدول بما فيها تلك التي كان زارها "الربيع العربي". فمن "كورونا" الذي يواصل تحليقه إلى الأزمة المالية والاقتصادية مروراً بالاحتجاجات ووصولاً إلى العلاقة مع الخارج، لم تظهر حتّى الساعة أي خطّة يمكن الركون اليها لتصحيح الخلل القائم في أي من هذه المعضلات، وعليه فإن لبنان اليوم أشبه بعقار موضوع تحت الحجز، إلى أن يظهر فاعل خير ويفكّ رهنه.

أزمات حكومة دياب وأعراضها

[caption id="attachment_78798" align="alignleft" width="444"] إصابات "كورونا"..العودة الى التحليق[/caption]

 يوماً بعد يوم يتأكد أن العراقيل أمام حكومة الرئيس حسّان دياب التي فرضت على اللبنايين فرضاً ووصلت على "بساط الريح" السياسي، أصبحت بمثابة "متلازمة" لكن من دون الوصول إلى دليل حسّي حول الطرف الذي يُمكن أن تُنسب اليه هذه المُتلازمة، أكان "حزب الله" أو رئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أو أي طرف آخر، من داخل أو خارج السلطة. والمعروف أن المُتلازمة هي مجموعة من العلامات والأعراض الطبيّة التي ترتبط ببعضها البعض، والكلمة مُشتّقة في الأصل من كلمة يونانية (sundromos) أي التزامن بحيث يظهر المرض بشكل متزامن مع بداية الأعراض.

 هذا المعنى أو التوضيح لـ"المُتلازمة"، يأخذنا تلقائياً للأعراض التي ترافقت مع ولادة الحكومة العتيدة والصعوبات التي رافقتها من خلال الشروط التي وضعها المُشرفون على عمليّة الولادة نظراً للشروط التي كانت وُضعت على دياب، سواء لجهة شكل الحكومة او طبيعتها، أو حتى الأسماء. وحتى عبارة "إختصاصيين" كانت مُجرد عملية التفاف، لتمرير صفقة التأليف بعدما كانت لامست حدّ الانهيار.

 منذ خروج حكومة دياب إلى النور في الواحد والعشرين من كانون الثاني الماضي وحتى اليوم لم يُعثر لها على إنجازات، رغم تخطيه حاجز "المحاسبة" الذي كان وضعه لنفسه. وحتّى اليوم، تُصرّ الحكومة على خسارة ما تبقّى لديها من مصداقية، إن في الداخل لجهة الأزمات التي لا تُعد ولا تُحصى، أو بما يتعلق بعلاقاتها مع الخارج لدرجة أصبحت كاللقيط، غير المعترف به وبالتالي المطلوب منه، الخضوع لتحليلات مخبرية تُثبت نسبه، أو لإملاءات حتّى ولو كانت تتعارض مع مصالحها، او مصالح شعبها.

إنجازات الحكومة.. أين هي؟

المشكلة أن الرئيس دياب، عيّب على الرئيس سعد الحريري في أول خطاب له بعد تسلّمه رئاسة المجلس من دون ان يُسميه بقوله، "لقد تسلّمنا الحكم، والبلد يغرق بسرعة قياسية. فهل كان بإمكان أيّ حكومة أن توقف هذا الانهيار الدراماتيكي؟ هل يمكن وقف الانهيار من قبل الذين تسببوا به ثم تركوه لحظة السقوط؟". اليوم وبعد مرور خمسة أشهر تقريباً على استلامه منصب سلفه، هل يُمكن أن يذكر دياب للبنانيين الانجازات التي حقّقها، وهل يُمكنه التهرّب أو التنصّل من صفقة التعيينات التي أبرمها خلال اليومين المنصرمين، طمعاً في الاستمرار بمنصبه؟

 اليوم وصلت البلاد بمعيّة هذه الحكومة إلى شفير الهاوية من خلال الإفلاس المُتعدّد الجوانب الذي يعود الفضل فيه للسياسة المُبهمة التي تتبعها والتي تسير بها وفقاً لقاعدة "على ما يقدّر الله"، مع العلم أن مصلحة الحكومة ومصلحة اللبنانيين تكمن في إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والناس، إلّا أن ما نراه اليوم هو أشبه بقطيعة بين هذين المكوّنين، وخصوصاً في ظل الفقر المُخيف الذي يُهيمن على الشعب بأكمله. والمؤكد أن في تحميل رئيس الجمهوريّة ميشال عون الاسبوع الماضي، مسؤولية التداعيات الحاصلة لكل من الحكومة ومصرف لبنان، هو كلام خطير يتخطّى حدود اللوم أو الإتهام السياسي.

زمن القحط

 مصادر وزارية تؤكد لـ"الأفكار" أن فالمرحلة المُقبلة سوف تحمل الكثير من الصعوبات والأزمات المُستعصية، وقد يجد أهل الحكم أنفسهم وسط مركب تتقاذفه الأمواج، و"الشاطر بشطارته". وتقول إن ثمّة معطى داخلياً وخارجياً

اليوم يؤكد أن لبنان لم يعد دولة مؤسّسات، إنّما منظومة قائمة على المصالح بين السياسيين ومجموعة احزاب وتيّارات تتحّكم بمصيره ومساره.

 وتضيف المصادر الوزاريّة: يبدو أن المناصب الرئاسيّة تحوّلت إلى بروتوكول الهدف منها حماية المكتسبات والمصالح الطائفيّة والمذهبيّة. والحقيقة أن ما يُسمّى بلبنان لم يعد موجوداً سوى في الكتب أو المُخيّلات، فهناك دويلات استوطنت البلاد وحلّت المحسوبيّات في الإدارات وتوزّعت الأزلام على المناصب. أمّا ما تبقّى من قطعة الجبن، فقد تُركت للبنانيين حتى يتلهّون بها في زمن القحط.

الثورة تحرق "وسط بيروت"

[caption id="attachment_78800" align="alignleft" width="371"] الخراب والتكسير في وسط البلد..كلمة السر[/caption]

 بدا مشهد إحراق وتكسير المحال التجارية في "وسط بيروت" غير مألوف بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين، فالاستنكار كان موّحداً لجهة الإعتداء على الأملاك العامة والخاصة والهمجيّة التي ساقها البعض أو ممن الذين ركبوا موجة الثورة أو تظلّلوا باسمها، كانت مكشوفة للعيان وواضحة الأهداف، حتّى ولو تحت غطاء أسباب إقتصاديّة قبل أن يتبيّن أنها سياسيّة. من هنا، كانت استطلاعات الرأي الأسبوع الماضي حول ما جرى في العاصمة من خراب وتدمير وإحراق، تصبّ في معظمها في خانة أحقيّة الاعتصام والتظاهر وإعلاء الصوت في مواجهة الارتفاع الجنوني أو الهستيري لسعر صرف الدولار، لكن هذا لا يُبرّر ما جرى على الأرض خصوصاً الاعتداء على أملاك وأرزاق الناس.

 معظم الأفرقاء السياسيين اتهموا "حزب الله" بالوقوف خلف هذه الاعتداءات بحجّة الوضع الاقتصادي، وذلك من أجل إعطاء مبرّر فعلي للإطاحة بحكومة دياب التي تحوّلت إلى عبء عليه يُضاف إلى الضغوطات الدولية التي تُمارس عليه وآخرها "قانون قيصر" وما سيحمله من تداعيات كبيرة على محور الممانعة بقيادة إيران، لذلك هؤلاء الأفرقاء يعتقدون أن الحزب بحاجة الى حكومة تحظى بحدّ أدنى من الثقة الداخلية والمحلية لمواجهة التحديات المقبلة.

"حزب الله" وضخّ الدولارات في السوق!

 هذا الأمر أو هذه الافتراضات، نفاها عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب أنور جمعة في حديث صحافي إذ اعتبر أن تغيير الحكومة "عقلاً ومنطقاً" غير وارد، لأن النتائج غير مضمونة والبديل حتى لو كان مؤمّناً لن يُحرّك ساكناً، وهذه الحكومة تقوم بما تستطيع فعله في ظل الازمة الكبيرة التي تعصف بالبلد، فالجدار كبير جداً ولا أحد يمكنه إحداث خرق عاجل ومباشر الآن، لافتاً إلى أن هناك شائعات تروّج في هذا المجال لا يجوز الاستمرار بها، لأن وضع البلد حسّاس.

 وأكد "أن حزب الله هو الوحيد في لبنان الآن الذي يضخّ الدولار في السوق.  فهو يضخّ ملايين الدولارات شهرياً وهذا الأمر يساهم في عدم سقوط لبنان راهناً وفي تحريك العجلة الاقتصادية". وأضاف جمعة: "الأميركي يُخطط لخنق لبنان والضغط عليه سياسياً وعبر شروط صندوق النقد الدولي من أجل إخضاعه وتفتيته لاحقاً الى جزئين. وهو يخشى أن يلقى مصير الاتحاد السوفياتي، لذلك هو يستشرس ويتوحش حتى مع شعبه لأنه يعلم أن نجمه بدأ بالأفول".

عجز وهروب إلى الأمام

[caption id="attachment_78802" align="alignleft" width="439"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة..النجاة من الغرق[/caption]

 تهرب الحكومة الى الأمام من جديد بدل أن تواجه الأزمات التي تعهّدت بإيجاد الحلول لها، بحيث قررت إطلاق اسم حكومة "مواجهة التحديات" على نفسها، لكن الحقيقة أنها تختار أن تلتف وتراوغ وتتعاطى مع كارثة ستودي باللبنانيين ولبنان الى الهلاك الحتمي، بالمُسكّنات. وقد كانت لجأت الحكومة عند ظهور عوارض الأزمات المالية ـ الاقتصادية الى الحل الأمني – القضائي حيث لاحقت الصرافين وموظفي المصرف المركزي، لتعود وتُعلن بعدها أنها توصّلت الى اتفاق معهم سيضبط تفلت العملة الخضراء. لكن قبل أن يجف حبر هذا التفاهم ويدخل فعلياً حيز التنفيذ، حلّق الدولار من جديد ولامس سقوفاً قياسية.

 في السياق يكشف خبير مالي أن سياسة الحكومة الاقتصادية لن تُجدي نفعاً ولن يترجم أي منها ولا حتى وعود رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتصدي لعملية ارتفاع سعر صرف الدولار، ستصمد كثيراً، وذلك لأسباب معروفة وهي أن العملة الخضراء ستبقى تتسرّب الى سوريا، فيما الأموال التي سيضخّها المركزي ستكون من الاحتياط الصغير الذي لا يزال يُستخدم لدعم الطحين والمازوت والبنزين والقمح والمواد الأولية الأساسية للمواطن اللبناني. أي أننا سنجد أنفسنا خلال اسابيع غير قادرين على شراء هذه المواد، لا كمواطنين ولا كتجّار.

بري وخط "السلامة" الأحمر

[caption id="attachment_78801" align="alignleft" width="420"] الرئيس نبيه بري .. خليّة الأزمة[/caption]

 التلويح باستقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، باء بالفشل بعدما رسم الرئيس بري خارطة طريق للمعركة السياسية الحاصلة بين "الحاكم" من جهة والمدعوم من رئيس المجلس نفسه، وبين "حزب الله" ومعه دياب من جهة أخرى، أدّت للوصول إلى إتفاق يقضي بضخ مصرف لبنان الدولار في السوق، وإلّا فإن استقالة سلامة ستكون إلزامية ونهائية. في المقابل، كان هناك أفرقاء أساسيون من ضمن الأكثرية النيابية، أبرزهم بري​، يرفضون الذهاب إلى مثل هذا الإجراء، وهو ما عبر عنه الأخير بشكل واضح وعلني، في تصريحه من ​القصر الجمهوري.

 وتشير المعلومات إلى أن الخلاصة الأساسية لمجمل الاتصالات السياسية، كانت بأن الذهاب إلى أخذ أي إجراء بحق سلامة من الممكن أن تكون له تداعيات سلبية تفاقم من ​الأزمة​، في حين أن ضغط سعر صرف الدولار لم يعد من الممكن تجاهله، نظراً إلى التداعيات الإجتماعية والإقتصادية التي تترتب على ذلك، وبالتالي المطلوب خطوات حاسمة تحول دون تدهور الأوضاع. ويبقى الأساس أن جميع هذه الحلول هي مرحلية، نظراً إلى أن الأساس يبقى هو الحل السياسي، الذي قد يكون صعباً في ظل المواجهة المفتوحة على مستوى المنطقة، خصوصاً أن ​الولايات المتحدة الأميركية لا تزال في بداية مرحلة من التصعيد، تسعى عبرها للحصول على مكاسب سياسية، وهو ما تؤكده العديد من القوى المحلية التي ترى أن الوجه الخارجي من الأزمة هو الأكبر، وإلا فإن ما تم الإتفاق عليه اليوم كان من الممكن أن يحصل قبل ذلك.

ويبقى القول، إن الأيام المقبلة ستكشف مدى قدرة الاجراءات ​الجديدة على المعالجة أو على الحد من تداعيات الأزمة.