تفاصيل الخبر

حكومة برئاسة دياب..هل من صفقة بين الحريري و”الثنائي الشيعي“؟

26/12/2019
حكومة برئاسة دياب..هل من صفقة بين الحريري و”الثنائي الشيعي“؟

حكومة برئاسة دياب..هل من صفقة بين الحريري و”الثنائي الشيعي“؟

 

بقلم علي الحسيني

بعد فشل أكثر من محاولة لاختيار مرشح لتولي مهمة تشكيل الحكومة منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول تحت ضغط الشارع والإحتجاجات الشعبية، تم تكليف الوزير السابق حسان دياب بالمهمة في محاولة من الاكثرية في السلطة، لتلبية بعض مطالب الحراك المُصر حتى الساعة على تشكيل حكومة اختصاصيين لا حكومة سياسيين. وقد نال الرئيس المُكلف حسان دياب 69 صوتاً خلال الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون والتي أفضت إلى تكليفه بتشكيل حكومة جديدة. وما ظهر بشكل لافت بعد عملية التكليف، خروج الشارع المؤيد لتيار المستقبل في البلد من الشمال الى البقاع ووصولاً الى بيروت، ليُعبر عن رفضه لتسمية دياب، مطالباً بعودة الحريري إلى الحكومة لأنه برأيهم الوحيد الذي يُوجد حوله إجماع سُني واعتبارهم أن طريقة تسمية الرئيس المكلف تتناقض مع العيش المشترك ولا تخضع للميثاقية التي تحدث عنها البعض.

 

لا لتكرار سيناريو الحكومات المتعاقبة!

 

منذ استقالة حكومة سعد الحريري على وقع الاحتجاجات الشعبية، يكرر معظم الأفرقاء السياسيين لازمة عدم الرغبة في استنساخ تجارب الحكومات السابقة لجهة المكونات أو الأداء، وذلك منذ استقالة حكومة الحريري، باعتبار أن مصير مثل تلك الحكومات سيكون الفشل الحتمي خصوصاً في ظل المراقبة الشديدة التي يفرضها الشارع على الجميع من دون استثناء، بالإضافة أيضاً إلى ان أي حكومة تعتمد معايير الحكومات السابقة، سيُكتب لها الهبوط الفوري في بورصة الإقتصاد والمال وتحديداً في وقت لبنان أحوج فيه إلى أسماء بارزة

ودراسات واسعة ومساعدات داخلية وخارجية، للخروج من أزماته، وإلا فإن ما يُمكن أن يحصل، هو أسوأ بكثير مما هو متوقع، لذلك فإن كل الآمال مبنية اليوم على توليفة اختصاصية باجتراع الحلول والصمود أمام الرياح العاتية لأنه وباعتراف الجميع، فإن لبنان امام مفترق خطر اما انقاذ مالي واقتصادي او فقر وجوع وهجرة وبالتالي فإن هذا الأمر يُرتب على اللبنانيين كافة، مسؤوليات كبيرة وكثيرة كون المسؤولين عنهم في السلطة، هم الأكثر عجزاً لجهة تحقيق الوعود، وقد خبروهم طوال عقود طويلة، لكنهم أثبتوا فشلهم في كل المراكز والمواقع التي شغلوها.

في الشارع جاءت التحركات التي قام بها مناصرو <تيار المستقبل> في سياق الرد على اختيار دياب خارج <الوفاق> السني بحسب تعبير المتظاهرين الذين يُصرون على مواصلة تحركاتهم الميدانية وقطع الطرقات. ولكن وسط هذا الإصرار <المستقبلي> ترى أوساط أن دياب لن يُقدم بأي شكل من الأشكال على الاعتذار عن مهمة التكليف بل العكس فهو ماض في مهمته وأن لا شيء يمنع نجاحه فيها، خصوصاً أن الظروف قد تكون مساعدة، على عكس ما اظهرته الساعات الاولى لتكليفه، نظراً إلى أن الكلمة التي عاد وتوجه بها إلى اللبنانيين، بعد تكليفه، يمكن البناء عليها. وتفضل المصادرالعودة إلى الرسائل التي رافقت عملية التأليف قبل الحديث عن فرص التأليف، وتوضح أن قوى الثامن من آذار نجحت في تحقيق الهدف الأول لها، من خلال إسقاط المرشح الآخر السفير الأسبق في الأمم المتحدة نواف سلام، الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي توجيه رسالة حازمة بأن مرشح واشنطن لن يمر في بيروت. وكذلك الرسالة الثانية التي وجهتها قوى 8 أذار لواشنطن وتحديداً قبل وصول مبعوثها <ديفيد هيل>، وهي أن رئيس الحكومة يختاره لبنان بالإتفاق الداخلي وليس بالضغط الخارجي.

وكان لافتاً، انه بعد إعلان التكليف، انقسمت الدعوات بين المتظاهرين، حيث دعا البعض إلى رفضه فوراً بينما طالب آخرون بانتظار تشكيلة الحكومة. كما تناول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي تقريراً تلفزيونياً عن كتاب أصدره دياب حين كان وزيراً عن إنجازاته خلال ولايته الوزارية، وعلى حساب وزارة التربية والتعليم بكلفة 70 مليون ليرة لبنانية. وتجمع عدد من المتظاهرين أمام مجلس النواب رفضاً لتكليفه. ومن جهتها، ركزت وسائل الاعلام العالمية في عناوينها على خبر تكليف دياب وكونه مرشح حزب الله أو المرشح المدعوم منه. علماً أن <الحزب> أبدى أكثر من مرة تأييده تكليف الحريري لتشكيل الحكومة إلا أن الأخير رفض واضعاً عدة شروط لقبوله التأليف أهمها، تشكيل حكومة من الاختصاصيين فقط أو حكومة تكنوقراط، وهذا ما ادى لاحقاً إلى اختلال التوافق السياسي، تحديداً بين الحريري و<الثنائي الشيعي>.

بين بيان الحريري والتكليف!

في عز ما كان متوقعاً الوصول إلى نتيجة ملموسة بين الأفرقاء السياسيين وتحديداً بين الحريري وخصومه السياسيين، صدر عن الحريري بيان قال فيه: منذ ان تقدمت باستقالتي قبل خمسين يوماً تلبية لصرخة اللبنانيين واللبنانيات سعيت جاهداً للوصول الى تلبية مطلبهم بحكومة اختصاصيين رأيت انها الوحيدة القادرة على معالجة الازمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها بلدنا. أضاف: ولما تبين لي انه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين، فإن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن انني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وأنني متوجه غداً للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الاساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت.

 بعد إعلان الحريري اعتذاره عن مهمة التكليف، بدت الأمور وكأنها سلكت طريق الحل بعد الإفساح في المجال لطرح أسم لتولي المهمة بدلاً عنه، ولو أن الوقائع الأولى ظلت ترسم شكوكاً حول إمكانية الوصول إلى اسم بديل يتم التوافق عليه. مصادر في قوى 8 أذار أكدت ان حزب الله وحركة <امل> سعيا منذ لحظة استقالة الحريري للتمسك بالتفاهم معه، لا لسبب سوى لأنه الأكثر تمثيلاً للطائفة السنية ولا تندرج المحاولات الحثيثة للتفاهم معه أو مع من يسميه إلا لحماية البلد من فتنة طائفية يخطط لها أعداء لبنان. وتقول: في اليوم السابق للاعتذار، زار الحريري عين التينة، حيث أكد لرئيس مجلس النواب نبيه بري أنه ماض بخيار رئاسة الحكومة، فلاقاه بري في منتصف الطريق عبر اقتراح حكومة من 18 وزيراً، 14 من التكنوقراط و4 من الأحزاب السياسية واقتضى الاتفاق أن يبذل الحريري جهداً باتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون والقوات اللبنانية، لمحاولة الحصول على أصواتهم للتسمية، في موازاة سعي بري لتأمين نحو 60 صوتاً للحريري، عبر إقناع حزبي الطاشناق والسوري القومي الاجتماعي والنائب إيلي الفرزلي وغيرهم بالتصويت لمصلحته.

وتختم المصادر مؤكدة أن ثمة قطبة مخفية في الموضوع وتحديداً بما يتعلق باعتذار الحريري، مع الترجيح بأن تكون الاسباب خارجية وليست داخلية.

 

صدام <تويتري>.. حريري قواتي!

 

سجال حاد وقع على موقع التواصل الاجتماعي <تويتر>، بين النائب ستريدا جعجع من جهة، ومستشار الحريري، الوزير السابق غطاس خوري، من جهة أخرى، وذلك على خلفية البيان الذي أصدره الرئيس الحريري والذي أعلن فيه أنه لن يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة المقبلة. فالنائب جعجع توجهت في بيان لها إلى <الذين يرددون بأن <القوات اللبنانية> لم تكن وفية لحلفائها>، بالقول: إن الإتصال الذي أجريته مع دولة الرئيس الحريري ليل الأحد ــ الإثنين وقلت له فيه: <صديقك من صدَقَكَ، نحن كتكتل <الجمهورية القوية> لا يمكننا أن نسميك>، هذا الذي أدى إلى تأجيل الإستشارات الإثنين، وأدى أيضاً إلى انسحابه في ما بعد من قبول التكليف، وهذا ما أدى أيضاً وأخيراً إلى صيانة الخط السياسي الوطني الذي يقوده.

هذا البيان استدعي رداً من خوري الذي قال: من الواضح أن النائب ستريدا جعجع لم تحسن قراءة بيان الرئيس الحريري وبخاصة قوله إن قراره نتج عن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميته رغم أنه كان أثبت التزامه القاطع بحكومة اختصاصيين!>، وأرفق تغريدته بصورة لوثيقة <الماغنا كارتا> أو <الوثيقة العظمى> الإنكليزية الصادرة عام 1215 والتي تحد من النفوذ المطلق للملك. لتعود جعجع وترد على خوري في تغريدة قالت فيها: من المؤكد أن الوزير غطاس خوري حضر رده قبل قراءته بياننا، لأنه فاته أن ما قلناه لا يتعارض مع بيان الرئيس الحريري، ولكن الأساس يبقى دائماً للفعل وليس لردة الفعل>، وأرفقت ردها بشعار <الثورة الفرنسية>: <الوحدة غير القابلة للتجزئة للجمهورية.. حرية.. عدالة.. أخوة أو الموت>.

كما علق مقربون من الحريري على كلام جعجع بالقول: اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

ولكن.. هل يعود الحريري؟

ثمة جهات اعتبرت أن اعتذار الحريري جاء بالإتفاق مع <الثنائي الشيعي> بهدف تمرير المرحلة بأقل الأضرار المُمكنة وذلك على خلفية الضغوط التي تُمارس ضدهما في الداخل والخارج. هذه الجهات رأت أن حزب الله ومعه الرئيس بري ليس من مصلحتهما اليوم الدخول في كباش مع الولايات المتحدة الاميركية ومنحها المزيد من الذرائع لزيادة العقوبات المالية على الطرفين. وكذلك الامر بالنسبة الى الحريري الذي لا يُريد أن يضع نفسه في مواجهة الشارع المُصر بدوره على تطبيق شعار <كلن يعني كلن>. من هنا تشير المعلومات الى ان ثمة تسوية شاملة بين الثلاثي (الحزب، امل، الحريري) صبت باختيار دياب لمهمة التأليف الحكومي وقد ظهر هذا الامر خلال المفاوضات التي جرت بينهم والتي استمرت حتى ساعات الصباح الاولى، وكانت تدور حول ثلاثة خيارات اما تكليف دياب او اعادة تكليف الحريري او تأجيل الاستشارات.

وتقول المعلومات إن الجزء الآخر من المفاوضات، كان في الاتفاق مع الحريري على عدم تسمية كتلة <المستقبل> السفير نواف سلام تحديداً، بموازاة تأمين نصف تغطية لتكليف دياب من خلال المشاركة في المشاورات والامتناع عن تسمية اية شخصية سنية في مواجهته، وهكذا كان. اما الجزء الاهم من التسوية، كان في التزام الثنائي ولو بشكل غير مباشر بعودة الحريري مجدداً الى رئاسة الحكومة سواء اذا فشل دياب في مهمة التأليف او بعد انقضاء ولاية حكومته الانقاذية، والتي يرجح ان تستمر حتى نهاية عهد الرئيس الحالي. ولكن في جميع الأحوال، يبقى شيطان الشارع وحده الذي يكمن في تفاصيل مهمة دياب في تأليف الحكومة، فوحده الشارع قد يكون قادراً على الضغط عليه مما يدفعه الى الانسحاب واعادة ورقة التكليف والتأليف الى جيب الحريري.

رد سلام على <حملة التشهير>!

 

السفير السابق للبنان لدى الأمم المتحدة الدكتور نواف سلام، اعتبر في بيان، أن حملة التشهير التي تعرض لها لم يجد ما يستدعي الرد عليها لأنها لم تستند الى أي دليل، معرباً عن <تأثره بالثقة التي أولاني إياها العديد من شابات وشباب بلادي وأهل الرأي الحر والمواقف النبيلة فيه، لاسيما الساعين الى قيام الدولة الديموقراطية الحقة>. وقال: منذ بداية حملة التشهير المبرمجة التي تعرضت لها، لم أجد ما يستدعي الرد على أي من الافتراءات التي حاول أصحابها النيل مني بها، لأنها لم تستند

أصلاً الى أي دليل أو حتى بداية دليل، فضلاً عن التزامي مبدأ التحفظ كوني اليوم قاضياً في محكمة العدل الدولية. فعلى ماذا أرد إذا؟

وسأل: هل أرد مثلاً على التهمة بأنني تابع لهذه الجهة الأجنبية أو تلك بعدما أمضيت عشر سنوات في خدمة لبنان في الأمم المتحدة؟ فعلى سبيل الجدل ليس إلا، وفيما لو صح شيء من هذه التهمة الباطلة، أليس الأصح سؤال المروجين لها اليوم لماذا سكتوا عنها طوال هذه السنين وأنا في هذا الموقع الحساس معيناً ممثلاً للبنان بإجماع مجلس الوزراء؟ ومما يؤكد أيضاً كذب كل هذه الإفتراءات، هو أن مئات المواقف التي اتخذتها والخطب التي أدليت بها دفاعاً عن لبنان وقضايا العرب وفلسطين موثقة بالكامل، ولم يجد أحد فيها أو في أي من كتبي ومقالاتي المنشورة ولو حرفاً واحداً يمكن ان يسند إليه أي من هذه الإفتراءات.

فعلى ماذا أرد إذاً؟ على شيء غير موجود ومن نسج خيال أصحاب الغرض؟ وما يحزنني هنا هو اعتقاد هؤلاء انه يمكنهم الإستمرار في الإستخفاف بعقول الناس والعمل على فرضية أنه قد يكفي ترداد الكذبة لتصبح حقيقة.

بانتظار المعجزات!

من المؤكد أن الحكومة المقبلة لن تحقق المعجزات، بسبب الظروف التي سترافق ولادتها وعملها في مرحلة ما بعد التأليف، لكنها وفي مكان ما، قد تكون أفضل الممكن، أي افضل من الإستمرار في الحالة السابقة التي كانت أقرب إلى الفراغ القاتل، بالإضافة إلى الأفرقاء السياسيين الذين سيتمثلون فيها، سوف يسعون لتفعيلها عبر دعمها المطلق وذلك في سبيل حفظ ماء وجههم امام الداخل الذي ما عاد يرضى أقل من المطلوب، وأمام الخارج الذي سيكون بمثابة مراقب دولي سياسي واقتصادي ومالي للبنان وسيبني على الشيء مقتضاه. وهذا يعني ان الحكومة ستكون أمام امتحان صعب وسوف تكون الأشهر الأولى لها في حال مُنحت الضوء الأخضر، مرحلة زرع بذور القطاف، بانتظار شهور الحصاد.

أما بالنسبة إلى الحراك في الشارع، فتشدد أوساط سياسية بارزة على أن الحراك الحقيقي قد يكون أمام فرصة جديدة ليكون شريكاً في الحل، بعيداً عن المجموعات والقوى التي تريد استخدامه ورقة في المشروع الأميركي، لكن الأوساط السياسية نفسها تعتبر، أن على الحراك أن يبدأ منذ الآن بتنظيم نفسه أولاً، خصوصاً أن المرحلة السابقة أثبتت عدم جدوى الاستمرار في حالة الغموض، خصوصاً وأن ما يجري في الشارع من تسكير طرق وتعد على الناس والقوى الأمنية، تحول إلى أمر مرفوض وغير مقبول على الإطلاق وخصوصاً من بعض الذين يُمثلون هذا الحراك.

في المحصلة، ثمة من يعتبر أن تسمية دياب قد تكون مفتاحاً للحل، أو الخروج من دائرة المراوحة، وإلا فإن الأمور ستعود إلى المربع الأول، لا بل قد تكون مرشحة للدخول في حالة من الفراغ القاتل بانتظار التسوية الكبرى على مستوى المنطقة.