تفاصيل الخبر

”حكومة انقاذ لبنان“ ولدت بعد شهر من المخاض و”الدلع“وأكثرية أعضائها من الاختصاصيين... لكن غير المستقلين!

23/01/2020
”حكومة انقاذ لبنان“ ولدت بعد شهر من المخاض و”الدلع“وأكثرية أعضائها من الاختصاصيين... لكن غير المستقلين!

”حكومة انقاذ لبنان“ ولدت بعد شهر من المخاض و”الدلع“وأكثرية أعضائها من الاختصاصيين... لكن غير المستقلين!

هل تكون حكومة الرئيس حسان دياب <حكومة انقاذ لبنان> كما وصفها رئيسها بعد قليل من صدور مراسيم تشكيلها ليل الثلاثاء 21 كانون الثاني (يناير) الجاري، بعد شهر إلا يومين من تاريخ تكليفه في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي؟

قد يكون من الصعب الحكم منذ اليوم على قدرة حكومة الرئيس دياب على <انقاذ لبنان> كما أراد رئيسها، لاسيما وان التطورات الأمنية والسياسية تتسارع، وردود الفعل الأولى في الشارع لم تكن متجاوبة مع رغبة من شكل الحكومة وسعى الى جمع تناقضات فيها، وإن كانت الحكومة الجديدة يمكن توصيفها بـ<حكومة اللون الواحد> ما كان يفترض ألا تقع خلافات بين فرقاء <اللون الواحد>، إلا ان هذه الخلافات وقعت بالفعل وهي التي ستؤثر لاحقاً على أدائها.

وفي انتظار أن تتمكن الحكومة من اثبات وجودها واظهار <قدراتها> على العمل لكسب الثقة الشعبية وحماية التدهور الاقتصادي وتحصين الجبهة الداخلية، لا بد من التوقف عند تركيبتها التي ضمت لأول مرة في تاريخ الحكومات 6 وزيرات فيما يحمل معظم الأعضاء فيها شهادات دكتوراه ولهم خبرات في التدريس الجامعي أو في مجالات اختصاصهم. وقد تكون الحكومة الأولى في تاريخ لبنان التي لا تضم في عدادها نواباً بمن فيهم رئيسها ونجح الرئيس دياب في جعل مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة قائمة، وهي أيضاً حكومة مصغرة تضم اختصاصيين لكن بعض هؤلاء لم تكن حقيبته تتناسب واختصاصه، وغالبية الأعضاء من أعمار متقاربة، كبيرهم من مواليد 1952، وصغيرتهم من مواليد العام 1984، أي انها حكومة شابة يريدها رئيسها <فريق عمل الانقاذ>، علماً ان بعض الوزراء لهم خبرات عدة وقد عملوا في جامعات وادارات رسمية وشركات كبرى وأثبتوا جدارتهم.

 

سلبيات في الحكومة!

 

إلا ان الايجابيات في الحكومة الجديدة لا تحجب سلبيات أبرزها الآتي:

ــ أولاً: الحكومة التي أريد لها أن تكون حكومة اختصاصيين مستقلين، لم تكن كذلك. فأهل الاختصاص الذين شاركوا في الحكومة، تمت تسمية غالبيتهم من أحزاب سياسية من ضمن <كوتا> واضحة، ومحاصصة نافرة لم يتمكن الرئيس دياب من نكران وجودها وإن زيّن ذلك بعبارات منمقة. ولعل التأخير الذي حصل في ولادة الحكومة خير دليل على أن الأطراف السياسيين <تدللوا> في اختيار ممثليهم في الحكومة وقدموا أسماء وحجبوا أخرى، وبدلوا فيها ووضعوا <فيتو> على غيرها من دون أن يتمكن الرئيس دياب من <ردع> هذه الأطراف وإن كان أظهر صلابة في بادئ الأمر، ثم ليونة أبرز وجوهها ارتفاع عدد أعضاء الحكومة من 18 وزيراً (كما كان يريد وتمسك بذلك) الى 20 وزيراً والهدف الوحيد هو إرضاء كتلتين نيابيتين هما نواب <المردة> والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لم يتمثل في النهاية لأنه أراد تسمية وزير مسيحي، فيما عُرض عليه المقعد الدرزي الذي أضيف مع المقعد الكاثوليكي لدى رفع العدد الى 20 وزيراً. وعليه فإن <حكومة الاختصاصيين المستقلين> بدت حكومة اختصاصيين سمّوا من سياسيين، أي انهم وزراء واجهة لسياسيين سيعودون إليهم في كل شاردة وواردة!

ــ ثانياً: في حساب الربح والخسارة يمكن القول إن ثمة من ربح، وثمة من ربح وخسر في آن ولم تكن هناك خسارة كاملة إذ ان الذي خسر في مكان، ربح في مكان آخر. الوزراء الذين سماهم الرئيس دياب واعتبروا من حصته كانوا قلة وهم: وزير الداخلية العميد محمد فهمي، وزير التربية والتعليم العالي القاضي طارق مجذوب، وزير البيئة وشؤون التنمية الادارية دميانوس قطار (الذي تمسك دياب بتوزيره رغم معارضة رئيس <التيار الوطني الحر> الوزير جبران باسيل الذي نجح في استبعاده من وزارة التربية، ثم من وزارة العمل وصولاً الى البيئة)، ووزيرة الإعلام منال عبد الصمد التي تمسك بها دياب رغم الاعتراض الملح من باسيل بحجة قربها من الحزب التقدمي الاشتراكي. وفي ما عدا هذه الأسماء، فإن الوزراء الآخرين توزعوا على الكتل السياسية التي منحت دياب الثقة، باستثناء الحزب القومي الذي غيّب نفسه عن التشكيلة الحكومية إذ لم يعط حق تسمية وزير مسيحي.

توزيع الحصص!

ويمكن توزيع الحصص السياسية كالآتي: حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و<تكتل لبنان القوي> ضمت 8 وزراء، هم: زينة عكر (زوجة ناشر الوكالة الدولية للمعلومات جواد عدرا) نائبة لرئيس الحكومة ووزيرة للدفاع، السفير ناصيف حتي (سفير الجامعة العربية في باريس سابقاً) وزيراً للخارجية والمغتربين، ريمون غجر وزير الطاقة والمياه، ماري كلود نجم وزيرة العدل، راوول نعمة وزيراً للاقتصاد والتجارة، غادة شريم وزيرة للمهجرين، وسمى النائب طلال ارسلان الوزير رمزي مشرفية للشؤون الاجتماعية والسياحة، وحزب الطاشناق سمى فارتينيه أوهانيان وزيرة الشباب والرياضة. وبذلك يكون فريق الرئيس عون و<تكتل لبنان القوي> نال 8 وزراء، أي الثلث الضامن أو المعطل لا فرق. ونال <اللقاء التشاوري> مقعداً وزارياً واحداً شغله ممثله الوزير طلال حواط في الاتصالات.

أما <الثنائي الشيعي> فكانت حصته <صافية> لا زغل فيها. حزب الله سمى وزيريه حمد حسن للصحة، وعماد حب الله للصناعة، وحركة <أمل> سمت وزيريها أيضاً غازي وزني للمال وعباس مرتضى للزراعة والثقافة. وقد حمل الرئيس بري أسماء وزراء <الثنائي> الشيعي معه الى قصر بعبدا وأضيفت في أثناء كتابة المراسيم ولم يكن معروفاً منهم إلا الخبير الاقتصادي غازي وزني لأنه شغل وزارة سيادية. ويقول متابعون ان الرئيس دياب استعلم عن الوزراء التابعين لـ<الثنائي> (ما عدا وزني) قبيل توقيع المراسيم، وهو لم يكن على علم مسبق بهم ولا بأي معلومات عنهم ولم يحصل على سيرهم الذاتية!

فرنجية ربح مقعدين!

وإذا كان <الثنائي الشيعي> ربح المقاعد الشيعية الأربعة ولم يخضع وزراؤه لـ<فحص> من الرئيس دياب كما حصل مع غيرهم من المرشحين لدخول الحكومة، فإن رئيس تيار <المردة> الوزير السابق سليمان فرنجية ربح في الحكومة الجديدة مقعدين في وزارتين خدماتيتين، وزارة الأشغال العامة والنقل، ووزارة العمل التي انتزعها من الوزير قطار، أي من حصة الرئيس دياب، فسلم الأولى لميشال نجار النائب السابق لرئيس جامعة البلمند، وأعطى الثانية لسيدة هي لميا يمين. وقد انتزع فرنجية المقعدين بعدما أصر على الحصول عليهما وليس الاكتفاء بمقعد واحد واستفاد من رفع عدد الوزراء الى 20، واعتُبر رابحاً وغير خاسر، علماً ان الفريق المسيحي الآخر، أي فريق رئيس الجمهورية وتكتل <لبنان القوي> احتفظ بالوزارات التي كان يريدها، أي الخارجية والدفاع والطاقة والمياه والعمل والاقتصاد والتجارة والمهجرين، ولم يتمكن من الحصول على وزارة الصناعة التي كانت يتطلع إليها مع وزارة السياحة.

ــ ثالثاً: ثمة وزراء حلوا في وزارات ليست من اختصاصهم المباشر وإن كانوا يمكن أن يلمّوا بها من خلال التمرس. ولا يمكن للرئيس دياب أن يضمن مع هذه التركيبة عدم التأثر بالسياسة، كما قال، علماً انه جزم بأن الوزراء ليسوا مرشحين للنيابة في الانتخابات النيابية المقبلة التي لم يحدد تاريخها وإن كان أشار الى ضرورة إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية. أما إذا كان قصد الانتخابات المحددة في العام 2022 فهو يكون قد أوحى بذلك بأن حكومته باقية حتى هذا التاريخ.

ــ رابعاً: من سلبيات الحكومة الجديدة، عدم وجود ممثلين عن <الحراك الشعبي> فيها، وإن كان الرئيس دياب وعد بتمثيلهم في التصريح الذي أدلى به بعيد تكليفه تشكيل الحكومة في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ولعل ردة فعل المتظاهرين بعيد دقائق من اعلان التشكيلة، خير دليل على رفض المتظاهرين في الشارع للحكومة واستمرارهم في التحرك والاعتصام والاضرابات.

<ترف> و<دلع>!

تجدر الإشارة الى ان ولادة الحكومة لم تكن سهلة بعد <الترف> الذي أظهره رؤساء الكتل النيابية المشاركة على رغم اللون الواحد للحكومة وكان لا بد لحزب الله، وهو الأقوى في الساحة السياسية والأكثر تأثيراً من أن يتدخل مراراً لاصلاح ذات البين بين رفاق الصف الواحد فنجح حيناً وأخفق أحياناً، الى أن بلغ <الدلع> حداً كبيراً جعل الحزب يوقف محركاته ويرفع <العشرة> تاركاً لحلفائه أن يواجهوا مصيرهم ويتحملوا مسؤوليتهم في ضرورة ولادة الحكومة في الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد والأوضاع الاقتصادية المتردية. وأدى هذا الموقف الاعتراضي الى تدخل الرئيس نبيه بري الذي التقى الوزير باسيل ورسم خطة تحرك كاد موقف الوزير السابق فرنجية أن يعطلها لولا لم يستجب لطلبه بالحصول على حقيبة ثانية مع وزارة الأشغال وحددها من بين ثلاث وزارات هي العمل والبيئة والثقافة، فأقدم الرئيس دياب على التضحية بحقيبة العمل وأعطاها لفرنجية مستبدلاً إياها بحقيبة البيئة للوزير قطار مع التنمية الادارية.

في أي حال، الحكومة الجديدة أمام تحديات عدة، لعل أهمها تحديات الشارع والاضرابات والتظاهرات، فهل تصمد وتصل الى مجلس النواب وتنال ثقة النواب الذين تمثلوا فيها بصورة غير مباشرة. إن غداً لناظره قريب!