تفاصيل الخبر

حكومة التسويات تسقط من الأيدي وأول الضحايا.. الصفدي!

21/11/2019
حكومة التسويات تسقط من الأيدي وأول الضحايا.. الصفدي!

حكومة التسويات تسقط من الأيدي وأول الضحايا.. الصفدي!

 

بقلم علي الحسيني

حتى اللحظة لم تظهر بوادر جديدة في الملف المتعلق بتشكيل الحكومة ولا باختيار الشخصية المناسبة والمُتفق عليها للقيام بالمهمة اللازمة. والأنكى أن غياب الإتفاق السياسي بين الأطراف على اسم وهوية هذه الشخصية، إنما يؤكد على استمرار الطبقة السياسية بضرب مطالب الحراك بعرض الحائط ويزيد من الإعتقاد بأنها تُصر على إحياء نفسها باقية حتى أجل غير مُسمى. وإلى جانب هذه المعضلة، واجهت الجلسة التشريعية الثانية والمؤجلة، مصير سابقتها إذ رُحلت هي الأخرى إلى موعد يُحدد لاحقاً بسبب عدم اكتمال النصاب وأيضاً بسبب طبيعة الحراك في الشارع الذي وسع من حصاره صباح الثلاثاء الفائت عند الطريق المؤدية الى مجلس النواب. كما اعلنت رئاسة المجلس اعتبار اللجان النيابية الحالية قائمة بجميع اعضائها الحاليين.

الحراك يطوق مجلس النواب.. ورصاص في الهواء!

 

منذ الساعات الأولى لفجر الثلاثاء الماضي، عمد الثوار إلى تطويق كافة الطرق المؤدية إلى مجلس النواب، وذلك بهدف منع أكبر عدد منهم من الوصول إلى الجلسة التشريعية التي كان دعا إليها رئيس المجلس نبيه بري بعد تأجيل موعد الجلسة الماضية وذلك احتجاجاً على تمرير قانون العفو العام والمماطلة بالدعوة للاستشارات النيابية. وكان لافتاً الإشكالات التي حصلت في محيط المجلس بعد اغلاق المتظاهرين الطرق أمام النواب، مما أدى في بعض الحالات إلى إطلاق أعيرة نارية من قبل مرافقي النواب في الهواء، في محاولة منهم لتأمين الطرق، إما خلال دخولهم إلى ساحة المجلس، او خلال خروجهم منها. كما منع المتظاهرون عدداً من النواب من الدخول إلى المجلس وذلك خلال سيرهم على الأقدام بعد تعذر وصول سياراتهم أبرزهم النائب جورج عطاالله الذي أصدر لاحقاً بياناً شدد فيه على ضرورة أن يكون الحوار والوعي أساس أي تحرك للوصول الى نتائج عملية لأن ترك الساحة للفوضويين لا يؤدي الى أي نتيجة.

وفي نهاية المطاف، فقد نجح المحتجون بمنع انعقاد الجلسة اذ لم يتمكن من الوصول سوى 5 نواب، فيما العدد المطلوب لانعقادها هو النصف زائداً واحداً اي 65 نائباً، اضافة الى اعلان كتلة <المستقبل> و<الجمهورية القوية>، و<اللقاء الديمقراطي> مقاطعة الجلسة.

بدورها هنأت جمعية <إعلاميون ضد العنف> الشعب اللبناني الثائر دفاعاً عن كرامته ولقمة عيشه في مواجهة سلطة بدت وتبدي مقاعدها السلطوية على حساب الناس وأولوياتها، وعلى حساب المصلحة العليا للبلد. وأضافت في بيان: تخشع الجمعية أمام إصرار الشعب اللبناني على تحقيق مطالبه بتظاهرات سلمية وحضارية تختزن حرصاً على الدستور والمؤسسات أكثر بكثير من القيمين على هذه المؤسسات الذين انتهكوا وينتهكون الدستور والقوانين المرعية الإجراء. وأكدت ان لا إرادة تعلو فوق إرادة الناس وصوت الناس الذي ينادي المسؤولين بضرورة احترام الدستور والذهاب فوراً إلى استشارات نيابية ملزمة من أجل تكليف رئيس حكومة تمهيداً لتأليف حكومة تجسد مطالب هؤلاء الناس بأن تكون بعيدة عن القوى السياسية من أجل ان تتمكن من معالجة الوضع المالي الكارثي.

جبهة نسائية متجددة في الساحات!

 

على خط الإنجاز الجديد الذي شكلته التظاهرات الشعبية والمتعلق بتأجيل الجلسة التشريعية للمرة الثانية على التوالي تحت ضغط الشارع، وذلك مع تعذر تحقيق النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، كان لافتاً الدور الحاسم الذي لعبته النساء في الاحتجاجات التي شهدها محيط مجلس النواب منعاً لانزلاقها إلى العنف، تأكيداً على سلمية هذه التظاهرات المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية. فقد تحدت الجبهة النسائية القوى الأمنية التي كانت منتشرة بكثافة في مختلف الساحات التي تؤدي الى المجلس، من خلال اقامة طوقاً بشرياً وتقدمت مجموعة من النساء المحتجين عبر اقامة جدار بين المحتجين والقوى الأمنية لضمان سلمية الثورة.

وعلى الرغم من وقوع عدة اشكالات بين القوى الأمنية والمحتجين الذين حاولوا ازالة العوائق والاسلاك الشائكة في محيط مبنى النهار وفي ساحة النجمة، الا انه في اكثر المحطات استطاعت النساء منع الاحتكاك بين الاجهزة الامنية والمحتجين. كما شاركت النساء مجموعة من الشباب المحتجين بقطع الطريق امام المواكب السياسية ومنع النواب من الوصول الى البرلمان، فيما عمدت مجموعة منهن الى قرع <الطناجر> في تعبير منهن على معارضة انعقاد الجلسة والتشويش.

والمُلاحظ انه ومنذ اليوم الأول لانطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أكدت النساء على دورهن في الاحتجاجات، وقد نجحن بإعادة التعريف بدورهن في لبنان.

تسوية الصفدي وسقوطها قبل وصولها!

                                                 

أما في ما يتعلق بالوضع الحكومي الباقي على حاله، فبعد مجموعة لقاءات عالية المستوى عُقدت بهدف تذليل العقبات التي تحول دون الإتفاق على آلية محددة لعملية التشكيل، شهد منتصف الأسبوع الماضي تحريكاً في المياه الراقدة المتعلقة بعملية التأليف وذلك من خلال اتفاق جرى بين الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ومعاون رئيس مجلس النواب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل على تسمية الوزير السابق محمد الصفدي لتولي مهمة التأليف، وذلك بعد عرض مجموعة أسماء <تكنوقراط> وسياسيين، كان من بينها الرئيس تمام سلام وآخرون، لكن سلام رفض تولي هذه المهمة على الرغم تأييد الرئيس بري له ودعمه وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الله. والأبرز في هذا الإختيار، الإتفاق الجماعي على مجموعة عناوين ابرزها اختيار أسماء غير مُستفزة للشارع. والأمر الثاني، اعتماد خيار حكومة تكنو ـ سياسية، لتتراجع بعدها أسهم الصفدي ويُعلن إنسحابه من <سباق> التكليف وذلك بعد موجة غضب شعبية على اختياره.

قبل تنحية الصفدي عن المُهمة التي أوكلت اليه بشكل غير دستوري كون اختيار أي شخصية لتولي مهمة تشكيل الحكومة، إنما تخضع لاستشارات نيابية يُجريها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية والنواب المنفردين، وقعت حرب المصادر على <جبهات> عين التينة و<بيت الوسط> وحارة حريك. فبيت الوسط اعتبرت مصادره أن تسمية الصفدي خطوة لتأكيد ضرورة الإسراع في الاستشارات النيابية، وأن الحريري وضع مجموعة أسماء لاختيار أحدها لتشكيل الحكومة منها نواف سلام وسمير حمود ووليد علم الدين وأسامة بكداشي بالإضافة الى سلام والصفدي، إلا ان الإختيار وقع على الأخير من قبل الأحزاب الأخرى. أما أوساط <الخليلين> فقد كشفت أنه كان هناك إصرار من قبلهما بأن يتولى الحريري رئاسة الحكومة وأن لا مانع لدى <الحزب> أو <الحركة> أن يكون ثلثا الحكومة من التكنوقراط، لكن الحريري اصر على تكليف غيره بعد أن أكد أن الرئيس سلام يرفض ترؤس الحكومة وتأكيده أن رؤساء الوزراء السابقين وافقوا على الصفدي. وقالت مصادر الخليلين إن الحريري تعهد أن يتمثل المستقبل وأن يسمي الوزراء في الحكومة.

 

حرب المصادر وحرق الأسماء!

 

اللافت الأبرز في ما يتعلق بحرب المصادر، أنه ومنذ إعلان أو طرح اسم الصفدي، ظهرت العديد من الشكوك حول طبيعة الإتفاق على الاسم أو النجاح بإقناع الشارع به وهو المطروح كاسم بارز من بين الشخصيات المُطالب بمحاسبتها على خلفية <الزيتونة باي> وما رشح عن هذا المشروع في الإعلان من ارتكابات ومخالفات، وكأنه كانت توجد في بعض زوايا التسمية والإتفاق، شكوك حول إمكانية وصوله إلى منصة التتويج بلقب <دولة الرئيس>. وكذلك لم يُسقط الشارع اسم الصفدي كواحد من المشتبه بهم في تورطهم بصفقة اليمامة الذائعة الصيت، ولا حتى كونه واحداً من الذين ينتمون إلى نادي وزراء الأشغال العامة، وجميع اللبنانيين يعلمون جيداً ما تحمله هذه الوزارة من هدر وقلة في الإنتاج سواء الصيفي أو الشتوي.

المؤكد أن مصادر الأطراف لإعلان التوافق على اسم الصفدي وترشيحه لتشكيل الحكومة كانت تسابقت في ما بينها لنشر فحوى الإتفاق، علماً أن الأختيار الذي بدا مُبطناً ومُبهماً، كان قد حمل في طياته وجود قطب مخفية تعزز الشك في سلوك اسم الصفدي الى مرحلة التكليف الرسمي، وهذا ما فسره البعض على أنه مناورة سياسية تهدف أولاً إلى قطع الطريق على وصول الصفدي إلى رئاسة الحكومة وذلك من خلال إحراق اسمه في الشارع، وهذا ما ظهر فعلاً بعد موجة الغضب الشعبية التي اجتاحت مناطق طرابلسية بعد تزكية اسمه، وثانياً إلى رفع بورصة الحريري في معركة التسميات وإظهاره على أنه الشخص الأبرز لتولي هذه المهمة في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها البلاد.

 

حرب البيانات بين الصفدي و<المستقبل>!

انفجر الجدال بين الصفدي و<تيار المستقبل> مع نفي الأول علمه بالأسباب التي حالت دون التزام الحريري بالوعود التي على أساسها تم القبول التسوية لخلافته. وقال الصفدي: <أعلن أنني أردت أن يكون بيان انسحابي يجمع ولا يفرق، شكرت فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على تسميتي لتشكيل الحكومة العتيدة، ولم أود أن أذكر تفاصيل المفاوضات بيني وبينه، فإذا بي أفاجأ ببيان صادر عن المكتب الإعلامي للحريري يتضمن تفنيداً لما صدر عني وذلك في إطار الاستخدام السياسي، وهنا أود أن أؤكد أن المرحلة التي يمر بها لبنان مرحلة صعبة ومفصلية وخطيرة وتتطلب منا جميعاً التكاتف والتضامن ووضع الخلافات السياسية جانباً، وانطلاقاً من هذا الامر تخطيت الوعود التي على أساسها قبلت أن أسمى لرئاسة الحكومة المقبلة والتي كان الحريري قطعها لي لكنه لم يلتزم بها لأسباب ما زلت أجهلها، فما كان مني إلا أن أعلنت انسحابي>.

وفي السياق، رد القيادي في <تيار المستقبل> مصطفى علوش على بيان الصفدي، بتغريدة عبر <تويتر>، فقال: <محمد الصفدي سكت دهراً، نطقتَ كفراً، ليتك بقيت في تقاعدك، فمن رفض تسميتك هم الناس وأهل مدينتك بالتحديد، وعندما أعلنتَ العزوف عن التسمية، ظن الجميع أن ذاك كان عين الصواب، لكن البيان الذي صدر عنك، يؤكد أن ولاءك الحقيقي هو لولي عهد العهد، ولم يكن يوماً لغير ذلك. نصيحة لوجه الله عد سريعاً للنوم.

هاشم: حكومة تكنوسياسية هي الأنسب!

عضو كتلة <التنمية والتحرير> النائب قاسم هاشم أكد في حديث لـ<الافكار> أن الظروف التي تمر بها البلاد اليوم، يجب تداركها قبل أن نفقد البوصلة جميعاً، وهذه الظروف تستوجب من الجميع التنبه للمخاطر التي نمر بها وذلك يكون من خلال تقارب وجهات النظر في ما يتعلق بمعالجة الحلول، والتفاهم يجب أن يكون مبنياً على الإيجابيات التي تُريح المواطن بدل أن تكون على حسابه، مشدداً على أن رئيس مجلس النواب نبيه بري حريص على المصلحة الوطنية في هذا الظرف وما تستدعيه لجهة وجود رئيس حكومة بمستوى الرئيس سعد الحريري. وأوضح ان أول مسار مطلوب للحكومة العتيدة هو الإنقاذ، كما لا بد لهذه الحكومة ان تكون لها نكهة سياسية وليست سياسية صرف ولا تكنوقراط، وبالتالي تكنوسياسية هي الأنسب.

ولفت هاشم الى أن الأولوية كانت للحريري، ثم دخل موضوع النقاش لرئاسة الحكومة خمسة أسماء منهم اقتصاديون. ولا بد من الإشارة إلى أن الاتفاق على الصفدي لم يكن مناورة لأننا لسنا في مرحلة ترف سياسي إنما نحن في ظرف استثنائي. وحكومة التكنوقراط صعبة في لبنان رغم ان المرحلة تتطلب أصحاب كفاءة، ولكن الأكثر واقعية ان تكون تكنوسياسية من غير الاستفزازيين. وتوقع أنه ستكون هناك مرونة بتشكيل الحكومة وهناك نقاش لتدوير الزوايا ويجب الاستفادة من الحراك لتصحيح مسار بلادنا والنهوض بالبلد وعلى الجميع تحمل المسؤولية. ورداً على سؤال أجاب: ليس في لبنان من هو مستقل حتى من هم في الساحات اليوم.

مواجهة طروحات الحريري ومحاولات تحيي حزب الله!

ثمة من يُصور الازمة الراهنة بأنها أزمة نظام قام على أساس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، لكن في حقيقة الأمر هي أزمة تسوية سياسية تحتاج إلى إعادة انضاج وفق شروط جديدة، بدليل عدم تبني معظم الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة في الحراك الشعبي الدعوات إلى إسقاط النظام، باستثناء تلك التي لديها توجهات تاريخية واضحة على هذا الصعيد. وإنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم موقف قوى الثامن من آذار و<التيار الوطني الحر> لناحية الإصرار على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة، لكن مع رفض طرح الذهاب إلى حكومة تكنوقراط صرف، والدعوة إلى حكومة تكنوسياسية، نظراً إلى أنه من غير المنطقي الإنقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، لاسيما أن الحريري نفسه هو رئيس تيار سياسي وكتلة نيابية، وبالتالي لا يمكن له أن يكون رئيساً لحكومة تكنوقراط.

وتشير مصادر سياسية إلى أنه يمكن فهم موقف قوى الرابع عشر من آذار، التي ترى أن الفرصة سانحة أمامها للإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية السابقة، التي تعتبر أنها سقطت نتيجة الحراك الشعبي، وهو ما يدفعها إلى الإصرار على تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، خصوصاً أن أغلب أفرقاء هذه القوى لم يتأخروا في الإعلان عن الإلتحاق به، من دون التماهي مع كل مطالبه، خصوصاً تلك التي تعتبر أن الحريري جزءاً من المشكلة، وبالتالي لا يمكن أن يعود إلى رئاسة الحكومة من جديد. وبين الثامن والرابع عشر من أذار، لا يُمكن بأي شكل من الأشكال، التغاضي عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تنتهجها ضد محور <الممانعة> وتحديداً رغبتها اليوم بإخراج <حزب الله> من الحكومة المنوي تأليفها. ولكن في المقابل، فإن الشارع اللبناني بكل تلاوينه وكذلك المجتمع برمته، يُدرك أن أي حكومة سياسية مُقبلة لا تكون للحزب مشاركة فيها، لا يُعول عليها لا عملياً ولا حتى سياسياً.

وفي الإطار نفسه، يُمكن الجزم بأن الأزمة الحكومية باتت مغلقة في الوقت الراهن، حيث لا يمكن الحديث عن أية إنفراجات في وقت قريب، نظراً إلى أن لا جديد على مستوى الإتصالات السياسية، بعد سقوط اسم الصفدي، وتؤكد أن الأمور قد تكون ذاهبة إلى المزيد من التعقيد، بإنتظار الوصول إلى تسوية جديدة بين القوى السياسية الفاعلة، لاسيما أنها لا تزال المقرر الأول لهوية رئيس الحكومة المكلف، من دون تجاهل دور الحراك الشعبي المعنوي.