تفاصيل الخبر

حكومة العهد الأولى: عون نال ”حصة الأسد“ وزيادة وزراء الحريري ترافقت مع ”انفتاح“ على النسبية!

23/12/2016
حكومة العهد الأولى: عون نال ”حصة الأسد“  وزيادة وزراء الحريري ترافقت مع ”انفتاح“ على النسبية!

حكومة العهد الأولى: عون نال ”حصة الأسد“ وزيادة وزراء الحريري ترافقت مع ”انفتاح“ على النسبية!

hariri-1 بعد يوم الأحد 18 كانون الأول/ ديسمبر 2016، لن يكون في مقدور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القول بأن حكومة الرئيس سعد الحريري الثلاثينية التي ولدت في التاسعة ليل ذلك الأحد، ليست <حكومة العهد الأولى> أو أنها <لا تعنيه> ولا تمثله... فالرئيس عون ظفر من خلال هذه الحكومة بـ<حصة الأسد>، ونال عدد وزراء لم ينله أي رئيس جمهورية ما بعد <الطائف>، لا الرئيس الراحل الياس هراوي ولا حتى الرئيس العماد إميل لحود، ولا خليفته العماد ميشال سليمان...

وإذا قُيّض للأرقام أن تتحدث لظهر جلياً، أن حصة الرئيس عون في الحكومة الجديدة بلغت 5 وزراء، فيما نال تكتل التغيير والإصلاح الذي رأسه <الجنرال> طوال سنوات أربعة وزراء، ما يعني أن رئيس الجمهورية يدخل الى مجلس الوزراء متكئاً على كتلة وزارية تلامس ثلث أعضاء الحكومة، وإذا ما دعت الضرورة فإن الوزراء التسعة يرتفع عددهم مباشرة الى 12 مع احتساب حصة الحليف (القوات اللبنانية) البالغ عدد الوزراء منها ثلاثة، وهذا يعني أن زمام المبادرة في الحكومة الحريرية الأولى في عهد الرئيس عون تبقى في يد رئيس الجمهورية وحليفه حزب القوات اللبنانية الذي اعتبر رئيسه الدكتور سمير جعجع أنه حقق نصراً مهماً في <حرب داحس والغبراء> كما سماها <الحكيم> في إشارة الى <الحرب> التي مورست على <القوات> لتحجيمها واختصار مشاركتها في الحكومة على وزير أو اثنين كأقصى حد. وإذا تم احتساب المقعد الوزاري الثالث الذي <أهداه> رئيس الجمهورية للوزير طلال أرسلان، فإن عدد الوزراء الذين يمكن أن يشكلوا <وزراء الرئيس> يرتفع الى 13 وزيراً.

وفي لغة الأرقام ايضاً خرج الرئيس سعد الحريري بتركيبة وزارية أعطته 6 وزراء له ولـ<تيار المستقبل> الذي يرئسه إضافة الى وزيرين لـ<المستقبل> وللقوات اللبنانية في وقت واحد. أما <الثنائية الشيعية> فقد بدا أنها اكتفت بخمسة وزراء: 3 لحركة <أمل> و2 لحزب الله، أما الوزير الشيعي السادس والذي كان من حصة رئيس الجمهورية، فقد أُعطي لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصوه الذي لطالما كان <المخرج> في حكومات سابقة، ويبدو أنه عاد ليلعب الدور نفسه. وحده حزب الكتائب اعتذر عن عدم المشاركة في الحكومة بعدما عرض عليه الرئيس الحريري حقيبة وزير دولة لشؤون المرأة والتي كان الرئيس الحريري يريد أن تكون من حصته، قبل أن يتبين أنه لا يمكن لرئيس الحكومة أن يشغل أي مركز وزاري غير منصوص عنه في القوانين المرعية الإجراء ولاسيما قانون إنشاء الوزارات واستحداثها. كذلك يمكن تسجيل غياب ممثل عن حزب البعث عن الحكومة، اضافة الى عدد من <المستقلين> الذين كانوا يحلمون بأن يكونوا في عداد وزراء الحكومة، واتضح أنهم ظلوا خارجها!

 

هكذا ولدت الحكومة الجديدة

وإذا كانت ولادة الحكومة ليل ذلك الأحد أتت مفاجئة لأهل السياسة والإعلام على حد سواء، فإن الذين تولوا الطبخة الوزارية الأخيرة، نجحوا في العمل بصمت وبعيداً عن الأضواء عملاً بالقول المأثور <واستعينوا على قضاء  حوائجكم بالكتمان>. وفي هذا السياق، روت مصادر حكومية لـ<الأفكار> أنه على أثر تعثر التشكيل قبل أسبوعين وبروز مواقف تتحدث عن أن لا ولادة قريبة للحكومة، وذهاب البعض الى حد الحديث عن أزمة حكومية حادة، وقول البعض الآخر <راحت ربما بعد الأعياد...>، صدرت معلومات عن <بيت الوسط> بأن الرئيس الحريري ينوي السفر الى فرنسا أو الرياض لأسباب عائلية وخاصة. وبالفعل تم الاعتذار من الصحافيين الذين يترددون الى <بيت الوسط> بأن لا نشاط لدى <الرئيس المكلف>، إلا أن الواقع كان غير ذلك. فقد كانت أروقة <بيت الوسط> وأجنحته تشهد اجتماعات متتالية بين الرئيس الحريري من جهة، والوزير جبران باسيل من جهة ثانية كان ينضم إليها تباعاً مدير مكتب الحريري المهندس نادر الحريري، ركزت على ضرورة إنجاز التشكيل قبل حلول عيدي الميلاد ورأس السنة مهما كانت الاعتبارات والأسباب. وعليه، بدا أن اقتراح رفع عدد الوزراء من 24 وزيراً الى 30 وزيراً والذي كان سبباً لتأجيل إعلان التشكيلة قبل أسبوعين، بات هو المخرج الذي ستصبح الحكومة الجديدة بناء عليه واقعاً قائماً.

وتضيف المصادر الحكومية أن المشكلة التي أدت الى تعثر التشكيل كانت في توزيع الوزراء الستة الاضافيين، مع الحفاظ على التوازن والميثاقية وحجم الكتل، ما أدخل النقاش في متاهات راوحت بين <الطمع> في المشاركة في الحكومة، وبين التوازنات المطلوبة وإرضاء الغاضبين والقلقين والطامحين. إلا أن البحث الذي استمر طوال قبل ظهر يوم الأحد 18 كانون الأول/ ديسمبر وصل في النهاية الى منعطف دقيق: إما تصدر مراسيم الحكومة في اليوم نفسه، أو لا حكومة في المدى القريب المنظور! عند هذا الحد كان تصميم القيادات التي تواصل معها كل من الرئيس عون والرئيس بري على تسهيل المهمة والقبول بوزراء الدولة الستة الذين توزعوا على المذاهب الستة، وعلى الكتل الكبيرة المشاركة في الحكومة. وما ان بدا أن العقبات ذُللت حتى انتقل الوزير باسيل الى قصر بعبدا ومعه <مسودة> الحكومة ناقصة نحو 5 أسماء، إضافة الى أسماء وزراء <الثنائية الشيعية> الذين أبقاهم الرئيس بري طي الكتمان حتى آخر دقيقة.

 

أسماء سقطت وأخرى أضيفت...

 

وتروي المصادر الوزارية أن الاتفاق على تشكيل الحكومة تم بصورة نهائية قرابة الثامنة والنصف حين تكثفت الاتصالات وصارت الأسماء تعلو وتنخفض فتم استبعاد أسماء وإضافة أخرى، بالتزامن مع مشاورات حول الحقائب التي تبدل بعضها (من غير الحقائب السيادية والأساسية) تبعاً للحسابات السياسية، الى درجة أن أكثر من اسم كتب على اللائحة النهائية سرعان ما كان يتبدّل بآخر. ومع الوصول الى الصيغة شبه النهائية، أجرى الرئيس عون اتصالاً هاتفياً بالرئيس بري متمنياً عليه الحضور الى القصر لاطلاعه على الأسماء قبل صدور المراسيم، وللحصول منه على أسماء الوزراء الشيعة الخمسة والحقائب التي سيتولونها. ومع وصول رئيس مجلس النواب اكتملت الأسماء بعد إضافة الوزراء الشيعة الخمسة (3 من حركة <أمل> و2 من حزب الله) الذين كانت بينهم امرأة سماها الرئيس official-photoبري وهي الدكتورة عناية عز الدين التي أسندت إليها حقيبة التنمية الإدارية.

وتشير المصادر الحكومية الى أن عملية التبديل في عدد من الأسماء تمت مع وجود الرئيس بري مع الرئيسين عون والحريري، إلا أن رئيس المجلس لم يتدخل إلا في ما تعلق بالحصة الشيعية وتوزيع وزراء الدولة... وبعد أخذ ورد وحذف اسم من هنا واسم من هناك، تم الاتفاق على إعلان التشكيلة <على بركة الله>، وهذا ما حصل قرابة التاسعة والنصف ليلاً، في وقت كان بعض الحاضرين في بعبدا يرصد ردود الفعل السياسية حيث تبين أن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اعتذر عن عدم القبول بمشاركة ممثل عن الكتائب في الحكومة لأن ما عُرض عليه كان وزير دولة لشؤون المرأة، في وقت كان يريد حقيبة، فأفسح هذا الخروج للكتائب في المجال أمام إحلال النائب جان أوغاسبيان مكان الوزير الكتائبي مع تحديد المهمة نفسها، أي شؤون المرأة اللبنانية!

الكل ربح... بنسب متفاوتة!

 

وبينما كان الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل يتلو المراسيم الصادرة والتي حملت الأرقام 1 و2 و3 تاريخ 18/12/2016، كانت الأوساط المراقبة تجري قراءة أولية لمعادلة الربح والخسارة ليتضح أن التركيبة الحكومية التي ضمت مزيجاً من الصقور والحمائم والتكنوقراط والثوابت، أفرزت حصول غالبية الكتل النيابية على <نعمة> المشاركة في الحكومة، ما عدا حزب الكتائب وحزب البعث، فالأول رفض عدم إعطائه حقيبة وزارية، والثاني لم يدع أصلاً الى المشاركة في الحكومة! وشملت الآخرون <نعمة> الربح، فالرئيس عون نجح في الحصول على حصة تمثلت بأعلى عدد وزراء في حكومات ما بعد <اتفاق الطائف> نالها أي رئيس من الرؤساء الثلاثة الياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان، فيما نال الرئيس الحريري عدداً من الوزراء قارب ما كان يحصل عليه والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري في حكومات عهد الرئيس هراوي. أما <الثنائية الشيعية> فحافظت على حصتها الوزارية اذ في وقت نجح الرئيس بري في الاحتفاظ بوزارة المال ونال أيضاً حقيبتين غير أساسيتين، احتفظ حزب الله بحصته (وزيران) لم يتغيرا بل تبدلت حقيبة احدهما (الوزير فنيش من وزير دولة لشؤون مجلس النواب في حكومة الرئيس تمام سلام الى وزير للشباب والرياضة). في غضون ذلك عززت القوات اللبنانية حضورها الوزاري لأول مرة منذ مشاركتها في الحكومات، مع نيلها 3 مقاعد وزارية بينها نيابة رئاسة الحكومة. أما النائب وليد جنبلاط فقد باتت صيغة الـ30 وزيراً ذات مردود سلبي عليه قياساً الى صيغة الـ24 وزيراً التي كان سينال فيها حقيبتين، فنال في صيغة الـ30، حقيبة واحدة (التربية للوزير مروان حمادة) ووزير دولة لشؤون حقوق الإنسان (أيمن شقير) وذهب المقعد الثالث للنائب طلال أرسلان الذي أصر على أن تكون له حقيبة فكان له ما أراد ونال وزارة المهجرين. كذلك نجح رئيس تيار <المردة> في الحصول على حقيبة الأشغال (الوزير يوسف فنيانوس) وان أتت <هبة> من الرئيس بري الذي تنازل عنها لحليفه ومرشحه الرئاسي اي النائب سليمان فرنجية.

في المقابل، حصل الحزب السوري القومي الاجتماعي على مقعد وزاري من الحصة الشيعية حل فيه رئيسه علي قانصوه، وهو مقعد كان سيؤول الى حصة رئيس الجمهورية لولا أن الرئيس عون جيّره للحزب القومي، في حين احتفظ رئيس الجمهورية بالمقعد السني الذي كان من حصته وأحلّ فيه رئيس بلدية حصروت في إقليم الخروب (الشوف) طارق الخطيب في وزارة البيئة.

وتمكن الأرمن من الحصول على حقيبتين وزاريتين، ذهبت الأولى لممثل حزب الطاشناق نائب أمينه العام افيديس كيدانيان، وآلت الثانية الى الوزير جان اوغاسبيان (وزير دولة لشؤون المرأة)، أما الوزير المستقل ميشال فرعون والذي دارت حوله <معركة> قوية فقد نجح بالبقاء في الحكومة لكنه لم ينل وزارة السياحة كما كان يرغب بل وزارة دولة لشؤون التخطيط.

الحريري ينفتح على النسبية

وتؤكد مصادر حكومية أن الاتفاق الذي أنتج ولادة الحكومة الجديدة لم يكن فقط على الأسماء والحقائب والحصص، بل شمل أيضاً وبصورة خاصة، تفاهماً على مسار قانون الانتخابات النيابية الذي سيكون في صلب عمل الحكومة وأولوياتها، إذ تمكن الوزير باسيل من الحصول على وعد من الرئيس الحريري بالبحث في صيغة النسبية التي كان رفضها رئيس الحكومة على رغم تسليمه بأن حكومته هي <حكومة انتخابات> يفترض أن تجري في الربيع المقبل (شهر أيار/ مايو على الأرجح)، كذلك كان تفاهم على أن الحكومة الجديدة ليست حكومة أعراف ولا حكومة تكرس سوابق في الحصص والـــــوزارات والحقـــــائب... ما يعنــــي أن المسيرة طويلة بـــين الرئيس عـــــون والتيــــار الوطنـــــي الحــــــر مـــــــن جهة، والرئيس الحريري وتيار <المستقبل> من جهة ثانية، ما يرسم مشهداً سياسياً جديداً على الساحة اللبنانية في مجال التحالفات الوزارية والنيابية في آن مع ما يمكن أن يحدثه ذلك من <نقزة> لدى <الثنائية الشيعية>، وربما أيضاً لدى النائب وليد جنبلاط خصوصاً إذا لم ينضم الى <حلف> رئيسي الجمهورية والحكومة وتياريهما السياسيين!