تفاصيل الخبر

حقائــــق تاريخيـــــة وواقـــــع مريــــــر فــي انتخـــــاب الــــرؤساء!  

15/07/2016
حقائــــق تاريخيـــــة وواقـــــع مريــــــر  فــي انتخـــــاب الــــرؤساء!   

حقائــــق تاريخيـــــة وواقـــــع مريــــــر فــي انتخـــــاب الــــرؤساء!  

بقلم هشام جابر

 

غريبٌ أمر اللبنانيين يسألون ويتساءلون كل يوم: لماذا لا ننتخب رئيساً للجمهورية؟ وكأنهم لا يعرفون الجواب أو لا يريدون معرفته. ينحنون باللائمة على هذا المجلس وكأن القرار بيده. لا يكلفون أنفسهم جهد قراءة التاريخ، ولا حتى الإطلاع على fالواقع أو الاعتراف به.

ففي التاريخ الماضي ومنذ بداية الاستقلال إذا لم نقل قبله وحتى هذه الساعة، كان انتخاب الرئيس في لبنان نتيجة تنافس أو توافق دولي وإقليمي، أو نتيجة أحداث جسام وتطورات دراماتيكية يشهدها هذا البلد. وخلال عقود من الزمن كان الغرب هو من يختار الرئيس بالاشتراك مع النافذ العربي.

عام 1943، ترشح بشارة الخوري بوجه اميل إده فدعمت الأول بريطانيا، والثاني فرنسا. وكان التنافس يشبه التعادل، فجاءت بيضة القبان أي النافذ العربي وكانت مصر حينئذٍ، وأيد الملك فاروق ورئيس حكومته مصطفى النحاس باشا ترشيح بشارة الخوري فأتى رئيساً. وكان النافذ العربي (ولم يزل) قبلة المسلمين في لبنان.

عام 1952 ترشح كميل شمعون المدعوم من بريطانيا ضد حميد فرنجية المدعوم من فرنسا وكان النافذ العربي قد انتقل من القاهرة إلى دمشق بسبب قيام الانقلاب الناصري على الملك، وأعلن العقيد أديب الشيشكلي تأييده لشمعون فجاء رئيساً.

الغرب الممثل ببريطانيا وفرنسا انكفأ وفقد أكثر نفوذه عام 1958 لصالح أميركا (ايزنهاور) وتمثل النافذ العربي بالزعيم جمال عبد الناصر، فجاء الرئيس فؤاد شهاب نتيجة توافق أميركي - مصري.

ويروي العميد ريمون اده رحمه الله أنه في صيف 1958 فوجئ بالسفير الأميركي <روبرت مكلنتوك> يزوره في منزله عند شارع ليون في حي الصنائع، داعياً نفسه للغداء ومخاطباً إياه بعبارة <مستر برزيدان> أي <سيد الرئيس> إلى أن وصلت برقية مستعجلة من السفارة الأميركية ينقلها <دراج> تقول للسفير حرفياً: <لا تعطِ أي وعد بالرئاسة للسيد إده، فقد اتفق مبعوث الرئيس <ايزنهاور> السفير <روبرت مورفي> مع الرئيس عبد الناصر في القاهرة على اختيار الجنرال فؤاد شهاب رئيساً>!.

بعد ست سنوات عام 1964 نام عبد العزيز شهاب رئيساً بعد اجتماع النواب في فندق <الكارلتون>، ثم استيقظ ليجد ان الأكثرية المطلقة أجمعت على اختيار وزير التربية شارل حلو، حيث تبين أن الفاتيكان سوّق له لدى واشنطن والقاهرة معاً.

وقد روى لي الوزير الراحل محمد صفي الدين وكان مقرباً من فؤاد شهاب وصوت كغيره لشارل حلو، أنه زار الرئيس الراحل فؤاد شهاب في منزله في جونيه وسأله بصدق وبراءة وبساطة إذا كان هنالك خلاف عائلي أو سياسي مع قريبه الأمير عبد العزيز شهاب ولماذا فقد التأييد فجأة، فأمسكه الرئيس الراحل بيده وانتقل معه إلى النافذة المطلة على البحر قائلاً ربما بحسرة: <رئيس لبنان يُنتخب هونيك مش هون>!.

مقولة أن سليمان فرنجية <صُـنع في لبنان> غير صحيحة. فموسكو كانت بيضة القبان في انتخابه. فعلى أثر فضيحة محاولة خطف طائرة <ميراج> عسكرية إلى الاتحاد السوفياتي وبطلبها الملازم الأول الطيار (العميد لاحقاً) محمود مطر، وجرح دبلوماسيين روسيين، غضبت موسكو على المكتب الثاني والشهابية بأسرها، وكان الراحل سليمان فرنجية قد زار موسكو وزيراً للاقتصاد عام 1969 وأرسى علاقات جيدة فأوعزت موسكو إلى حلفائها بتأييده، ودعمه الزعيم الراحل كمال جنبلاط فأمسك العصا من الوسط وقسم نوابه الثمانية بين مؤيد لفرنجية ومؤيد للياس سركيس، وفاز فرنجية بفارق صوت واحد كما نعلم.

انتخاب الرئيس الراحل الياس سركيس عام 1976 جاء بتوافق سوري - فلسطيني وبموافقة أميركية، ولا تفسير آخر.

انتخاب بشير الجميل جاء في ظل الإحتلال الإسرائيلي للبنان مع أن الرئيس الراحل كامل الأسعد كان يستطيع ربما تعطيل الجلسة فلم يفعل. وقد انتُخب أمين الجميل، وكان إنتخابه طبيعياً ومتوقعاً على أثر الحادث المفجع الذي أودى بحياة أخيه الشيخ بشير. بعد انتهاء ولاية الرئيس الجميل عاشت البلاد فراغاً رئاسياً إلى أن عُقد مؤتمر <الطائف> برعاية عربية ودولية فانتُخب رينيه معوض بناء لهذه المقاييس، ثم انتُخب الرئيس الياس الهراوي خلال 48 ساعة من مقتل رينيه معوض بعد موافقة الرئيس حافظ الأسد على ذلك، كما مُدد له ثلاث سنوات بناء على اقتراح عبد الحليم خدام وتوافقه مع رفيق الحريري بموافقة سعودية. وقد حصل ذلك خلال غداء داخل منزل الرئيس الهراوي في زحلة بداية عام 1995 أُقيم على شرف خدام وبحضور أركان الدولة، إذ وقف خدام - كما روى الحاضرون - وسأل بلهجة الواثق: <ما رأيكم بالتجديد لأبو جورج؟>، فوافق الحاضرون وصفقوا، وقام بعد ذلك المجلس الكريم بالإقرار به.

هل من ضرورة للمتابعة بهذا الشأن لإقناع من لم يقتنع بأن الرئيس لا يُصنع عندنا؟

يعلم الجميع بأن انتخاب الرئيس لحود جاء بقرار من حافظ الأسد بعد أخذ الضوء الأخضر من واشنطن، كما أن التجديد له جاء بقرار من بشار الأسد رغم معارضة فرنسية من <جاك شيراك>.

الرئيس ميشال سليمان جاء نتيجة <اتفاق الدوحة>، وهذا الاتفاق جاء نتيجة الأحداث الدراماتيكية في 7 أيار/ مايو. 2008.

أين نحن الآن؟ فالنافذ العربي الذي شغل منصبه حافظ الأسد منذ عام 1970 وانتقلت إليه سلطة اعطاء الكلمة الأولى التي تستلزم موافقة واشنطن واستمرت مع بشار الأسد حتى عام 2005، تغيرت فيه الأحوال واختلطت الأوراق وتوزع النفوذ بتوزع الولاءات، وقد احتلت الرياض مرتبة النفوذ العربي الأول في لبنان تليها دمشق بمسافة. ودمشق ترتبط بطهران بحلف متين ومحور عتيد مقابل محور الرياض - واشنطن. وقد جاء النزاع الرئاسي اللبناني في أسوأ الأوقات لعلاقة هي الأكثر توتراً منذ عقود بين الرياض وطهران، وكلتاهما تهديان النصائح والتمنيات، مع التأكيد بأن انتخاب الرئيس هو <شأن لبناني> وربما هذه هي المقولة الوحيدة التي تتفق عليها المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية.

لقد صُرفت على انتخابات عام 2009 مئات الملايين من الدولارات، ونوابنا أوفياء لمن دعم، والتملص من الجهات الداعمة أو التمرد عليها غير واردين.

فهل يُصنع الرئيس في لبنان؟ نعم، فالمصنع موجود وهو المجلس النيابي، إنما المواد الأولية والخرائط التقنية والمهندسون وسر التركيبة جميعها مستوردة، وما علينا سوى التركيب والتوضيب والتسويق.

هذا هو الواقع الذي لا يمكن نكرانه، فكفى مواعظ من رجال الدين، وتهكماً متبادلاً من رجال السياسة، وآمالاً فارغة من عامة الناس، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

والآن هل هنالك من أمل؟ ربما... لنجرب اقتراح الرئيس حسين الحسيني بانتخاب رئيس لمدة سنة واحدة أو سنتين، وإجراء انتخابات نيابية مع إعطاء الحق للرئيس المؤقت للترشح لولاية كاملة.

والحــل الأمثلُ هو أن تقوم الانتخابات على أسس عصرية ونسبية ونزيهـــــة، وبـــاعتراف دولي، وبقانون حازم وصارم، وبأن يتم إسقاط سيطرة المال والسلاح والترغيب والترهيب، فينتخب المجلس النيابي ساعتئذٍ من يشاء.

وأخيراً وليس آخراً وإذا كانت بكركي تعترض على أن يجري انتخاب الرئيس من الشعب خشية اختياره من قبل مسلمين رغم الالتزام بهوية المرشح الماروني، فيمكن لهذا الصرح الكبير أن يطرح ثلاثة أسماء من نخبة الطائفة وممن لا شك في انتمائهم لها، وعلى الشعب بمسيحيه ومسلميه أن ينتقي واحداً منهم، أوَليس ذلك حلاً؟

إنما سيؤدي ذلك إلى بناء الدولة... فهل تقبل الدول النافذة ببناء الدولة وأين يصبح نفوذها؟ وهل يقبل بذلك أمراء الطوائف وأين تصبح دويلاتهم؟ لا اعتقد أنهم سيقبلون ومع ذلك فلنتمسك بحبل... الأمل.