تفاصيل الخبر

حكايات ناجين من إنفجار المرفأ تعتصر الألم والحزن ولكنها أيضاً تبعث الأمل والحياة

20/08/2020
حكايات ناجين من إنفجار المرفأ تعتصر الألم والحزن ولكنها أيضاً تبعث الأمل والحياة

حكايات ناجين من إنفجار المرفأ تعتصر الألم والحزن ولكنها أيضاً تبعث الأمل والحياة

بقلم وردية بطرس

[caption id="attachment_80550" align="alignleft" width="349"] الممرضة باميلا زينون تحتضن ثلاثة اطفال في مستشفى الروم لحظة وقوع الكارثة[/caption]

 لحظات رعب وخوف عاشها اللبنانيون عصر يوم الثلاثاء الواقع في 4 آب (أغسطس) الجاري جراء الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت الذي هزّ لبنان... قصص الناس الذين نجوا من ذلك الانفجار كثيرة وهي مؤلمة اذ لا تكفي صفحات وصفحات لنشرها، الا أننا اخترنا أربع  قصص لأشخاص استطاعوا ان يحولوا ذكرى ذلك اليوم المشؤوم والحزين الى ذكرى فيها الفرح وحب الحياة ، لكل من هذه القصص لحظات مؤلمة وموجعة ولكن في الوقت نفسه تدعو الى الأمل والصمود. سنظل نتذكر تلك الحكايات لأنها تركت أثراً كبيراً في نفوسنا، فمن سينسى الممرضة الشجاعة باميلا زينون ملاك الرحمة التي انتشرت صورتها وهي تحمل الأطفال الثلاثة حديثي الولادة في مستشفى الروم بعدما اصيب المستشفى بأضرار بالغة من جراء الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت. أما القصة الثانية فتظهر أنه مقابل الموت هناك ولادة وحياة، إذ إن صورة جاد صوايا ومولوده نبيل تلخص ما حصل في ذلك اليوم والتي ستبقى شاهداً على الكابوس الذي ضرب بيروت في ذلك اليوم الحزين، فنظرة الوالد الى ابنه الذي كان يحتضنه أثرت في نفوس الكثيرين، لقد انتظر جاد وزوجته كريستال لحظة ولادة طفلهما وبعدما وضعت طفلها وخرجت الى الغرفة بربع ساعة حلت الكارثة، ولكن مقابل الموت هناك الولادة والحياة... والقصة الثالثة هي عندما تكون الموسيقى الأمل الوحيد وسط الدمار، فالسيدة مي ملكي فرغت الحزن في موسيقى اذ شعرت أنها في عالم آخر فعزفت موسيقى الأمل على البيانو لأنها أرادت أن تنشر الأمل في هذه اللحظات لأفراد أسرتها ومنهم الى الآخرين وبالفعل استطاعت أن تبعث فينا الأمل ولو قليلاً في تلك اللحظات الصعبة. والقصة الرابعة ترويها ندى دبس من أشهر مصممي الديكور المنزلي في الشرق الأوسط والتي وصلت الى العالمية اذ استطاعت بفضل ابداعاتها أن تقوم بشراكة مع الشركة العالمية  المتخصصة في صناعة الأثاث "IKEA" التي تنتح وتبيع الأثاث المنزلي الجاهز، الاكسسوارات، تجهيزات المطابخ كونها أكبر شركة منتجة للأثاث في العالم. وبالرغم مما حققته في الخارج أرادت أن تعود الى بلدها وفتحت غاليري في منطقة الصيفي لمدة 14 سنة من ثم انتقلت الى شارع الجميزة لسبع سنوات، وبالرغم من ظروف البلد الصعبة لم تغادر بل أصرت على البقاء ولكن بلحظة تدمّر استديو التصميم لديها في الجميزة الا أنها مصّرة على اصلاحه ومواصلة العمل مهما كانت التحديات صعبة لأنها لا تريد أن تغادر لبنان.

 

 الممرضة زينون تنقذ ثلاثة أطفال في مستشفى الروم

 انتشرت صورة الممرضة باميلا زينون وهي تحتضن ثلاثة أطفال حديثي الولادة على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والعالم عقب انفجار مرفأ بيروت. لقد أصبحت الممرضة باميلا حديث وسائل الاعلام العالمية بعد تلك الصورة المؤثرة محتضنة الأطفال لكي يظلوا بحالة من الدفء واخراجهم من وسط الدمار فكان همها الوحيد انقاذ حياتهم مهما كان لأنها تعتبر الرضع مسؤوليتها وفقاً للقسم الذي أقسمته حين تخرجت.

وعن اصعب اللحظات التي عاشتها في ذلك اليوم تقول الممرضة باميلا:

- كان الأمر رهيباً اذ تحطم كل شيء من حولنا، في البدلية لم نعرف ماذا حصل، وعندما استطعت أن اقف على رجلي أول ما فكرت به هو انقاذ الأطفال، إذ إنني اعمل في قسم عناية الأطفال حيث إنه قسم مخصص للأطفال الذين لديهم صعوبة في التنفس او مشاكل صحية أخرى ويحتاجون الى مساعدة طبية فيُوضعون في حاضنة خاصة. لذا كممرضات نهتم بهم اذ لا يُسمح للأهل بالبقاء معهم. فتخيلي مدى خوفي عليهم في تلك اللحظة، اذ هرعت مسرعة اليهم وحملت ثلاثة أطفال لاخراجهم من المستشفى وانقاذ حياتهم. لن أنسى تلك اللحظات الصعبة فعندما حملتهم كان همي الوحيد انقاذهم مهما كلف الأمر. كلنا كنا في حالة من الصدمة لأننا لم نعرف ماذا يجري. ولكنني ما إن حملتهم ارتحت وقلت سأنقذ أرواحهم مهما حصل.

نظراً لهول الكارثة والدمار لم تلحظ باميلا أنه كان هناك مصور التقط لها صورة وهي تحمل الأطفال الثلاثة وصلت الى أنحاء العالم. وعن ذلك تقول:

- لم أنتبه أنه كان هناك مصور والتقط لي هذه الصورة التي انتشرت في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لأنني كنت مصدومة، وعندما رأيت الصورة لاحقاً استغربت كثيراً لأنني لم أتذكر ذلك على الاطلاق نظراً لفظاعة المشهد داخل المستشفى. كانت لحظات صعبة يعجز اللسان عن تفسيرها، وكل يوم نتذكر تفصيل ما حدث في ذلك اليوم الرهيب... عندما وقع الانفجار لم اتمكن من التواصل مع أهلي لأن الخطوط انقطعت ولكن عندما عاد الارسال اتصلت بوالدتي لأطمئنها وسمعتها تقول لوالدي إنها بخير إنها بخير... كان يوماً صعباً جداً لن أنساه.

 وبالسؤال عما اذا تريد أن تواصل عملها كممرضة بعد هذه التجربة الصعبة في بلد ينهار على المستوى الصحي خصوصاً مع تفشي الكورونا تقول:

- طبعاً سأواصل عملي مهما كانت الظروف صعبة، لا شك أن ما نمر به في لبنان يفوق التصور، فاليوم مستشفى الروم مدمر ولكنني سأظل أقوم بواجبي المهني والانساني، وأؤمن بأن ادارة المستشفى ستعيد بناءه وسيصبح أفضل من ذي أفضل. وفي ظل ما تشهده البلاد من تفشي كامل للفيروس وبسبب تدمير خمسة مستشفيات في بيروت ننصح الناس بضرورة الالتزام بالتدابير الوقائية لأن الوضع خطير والمطلوب الكثير من الوعي لأنه للأسف ليس هناك أماكن لتلقي العلاج.

 

السيدة ملكي والعزف على البيانو وسط  دمار منزلها في بيروت

[caption id="attachment_80551" align="alignleft" width="250"] السيدة ملكي وسط الدمار في منزلها[/caption]

 السيدة مي ملكي البالغة من العمر 78 عاماً توجهت الى البيانو وعزفت مقطوعات موسيقية لتعيش لحظة من السلام ولتبعث رسالة من الأمل بعد أن تضرر منزلها في بيروت جراء انفجار مرفأ بيروت. أشادت السيدة ملكي من خلاله بذكرى جميع ضحايا هذه المأساة وتذكيراً بأهمية الموسيقى كشفاء لنا في هذه الأوقات العصيبة. لقد انتشر الفيديو الذي التقطته السيدة هدى ملكي زوجة ابنها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي حيث اعتبر رواد المواقع أن عزف مي ملكي برغم الدمار من حولها يعد رسالة تعبر عن استمرار الحياة رغم النكبات والمآسي التي يعيشها اللبنانيون.

ونسأل السيدة مي ملكي عما شعرت به عندما دخلت الى منزلها المدمر ولماذا توجهت الى البيانو وعزفت وسط الدمار فقالت:

- عندما وقع الانفجار لم اكن في المنزل والا لما بقيت حية ربما، وأشكر الرب لأنني لم أوجد في المنزل، اذ كنت في منزلنا في فيطرون كما تعلمين ان الطقس في بيروت حار خلال الصيف، ولكن زوجي كل يوم يقصد بيروت ويذهب الى محله في الاشرفية كما يقصد المنزل ليروي الزريعات على الشرفة وما شابه من ثم يفتح المحل ومعظم الأوقات تكون الكهرباء مقطوعة وزوجي عمره 88 سنة اذ خلال حياته تعرض لوقعات وحوادث، لقد سبق أن تعرضنا لحوادث سواء في لبنان او الخارج. وذات مرة تعرضنا للخطف والضرب في اسبانيا وقلت آنذاك خلال الحرب اللبنانية لم نتعرض للخطف والضرب كما حصل معنا في اسبانيا. بالنسبة لي فأعاني من ترقق العظام وينصحني دائماً الدكتور سويدان بأهمية التعرض للشمس والسباحة والحمد لله على كل شيء. طبعاً غيرنا دفع الكثير من أرواحهم وأرزاقهم، ما جرى يوم الانفجار مؤلم جداً، لقد قصد ابني المبنى وحاول جاهداً أن يصل الى المنزل لتفقده، ابني معتاد على مساعدة الآخرين اذ يعمل في "NGO" ومعه فريق عمل وبالتالي اعتاد على هذه الأمور، اتصل بي وبوالده وقال إنه سيصحبنا الى منزلنا فاستغربت وقلت والدك يقود سيارته ونصل الى المنزل ولكنه كان مصراً. وعندما وصلنا الى المنطقة صُدمت بالمشهد فالزجاج محطم ولا تقدري أن تسيري في الشارع وبالكاد وصلنا الى الطابق حيث منزلنا، وبطبيعة الحال أخذت مفتاحي لأفتح الباب فكانت الصدمة. فما رأيته كان رهيباً ولم أصدق ما أراه من دمار وقلت اين بيتي فكل شيء مدمر، وشعرت كأنه خيال أمر لا يُصدق وعندما نظرت ورأيت البيانو لم يُدمر توجهت اليه في الحال ورحت أعزف، اذ إنني أحب الموسيقى منذ صغري، بالنسبة اليّ البيانو آلة مميزة اذ تعلمت العزف عليه منذ الرابعة من عمري.

* لا شك أنها كانت لحظات مؤلمة ومحزنة بماذا فكرت في تلك الحظة؟

- في تلك اللحظة فكرت بالعزف على البيانو بعدما رأيت أنه لم يتحطم، وقلت لنفسي اذا البيانو لم يُدمر فكيف الحال أنا انسانة من روح ودم اذ علي أن أناضل واستمر، فوجدت معزوفة الوداع أمامي فرحت أعزفها وأفكر بالضحايا الذين سقطوا في ذلك الانفجار، وفكرت بالناس الذين لا يزالون تحت الركام ولهم أهل وأحباء لا عزاء لهم، فقلت أنا مي ملكي وأريد أن أشجعهم وأمنحهم الأمل من خلال هذه المعزوفة. ولكن قلت لنفسي من أنا مي ملكي لأعطيهم الأمل؟ ولكن في الحال أجبت أنا مي ملكي زوجة ايلي ملكي حيث ناضلنا ومرت علينا ظروف صعبة وكان يتدمر كل شيء من حولنا في الحروب وكنا نبدأ من جديد، اذا كنت لا ازال حية فلأن لدي رسالة، وبقوة الرب سأكمل هذه الرسالة متمنية لكل الناس الخير والبركة. أصلي لمدينة بيروت التي تدمرت مراراً ولكنها كانت تنهض من تحت الأنقاض وتستعيد حياتها ورونقها.

وعندما سألناها عما اذا بكت اثناء العزف فقالت:

- لم تسقط الدموع ولكن قلبي بكى اذ لم اعد أرى ماذا اعزف لأن عيني مدمعة وقلبي ايضاً.

وعن انطباعها بالفيديو الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والذي تفاعل معه الناس في لبنان والعالم قالت:

- انطباعي هو ما لم استطع أن أقوله بالكلام استطعت أن أجول العالم بهذه المعزوفة حيث تفاعل الناس مع هذا الفيديو بشكل لافت. وأطلب من كل الناس أن يناضلوا ويقفوا على أقدامهم اذا كان بالامكان والمضي الى الأمام. أصلي لكل الأشخاص لكي تُضمد جراحهم ويستعيدوا عافيتهم. بالنسبة الينا فسنبقى في المنزل وسنصلحه ولن نغادره وسنناضل دائماً كما فعلنا في الماضي.

 

 ندى دبس: تدمر الغاليري ولكنني سأصلحه ولن أغادر لبنان

[caption id="attachment_80552" align="alignleft" width="225"] وفريق عمل السيدة دبس يباشر بتنظيف الغاليري[/caption]

بالعادة تبقى مصممة الديكور الداخلي ندى دبس في الغاليري الكائن في شارع الجميزة حتى الساعة السادسة مساءً، ولكن يوم الانفجار غادرت وفريق العمل الغاليري قبل السادسة نظراً للتعبئة التي قُرر تنفيذها بعد يومين، فوقع الانفجار وخلّف دماراً في المكان. وعن تلك اللحظات قالت ندى:

- عادة عند الساعة السادسة أكون في غرفة اليوغا الذي تقع بالقرب من الغاليري واذا قصدت المكان سترين الجدران والسقف قد تضررت بالكامل اذ وقع السقف على الأرض. فلو كنت هناك لا أدري ماذا كان حلّ بي في تلك اللحظة. الحمد لله شاءت الظروف وبسبب فيروس "كورونا" والتزامنا بالتعبئة وما شابه لم نبق للساعة السادسة. عند وقوع الانفجار كنت في منزل والدتي في فردان وسمعنا دوي الانفجار وطبعاً كان قوياً مخيفاً. عندما وقع الانفجار اتصلت بالمسؤول في الغاليري لكي يتفقد المكان.   

وعن الدمار الذي لحق بالاستديو تقول مصممة الديكور ندى دبس:

- في الطابق الأعلى يقع الغاليري وفي الطابق السفلي هناك البوتيك، بالنسبة للبوتيك فلقد تدمر بالكامل، ونصف الأغراض بداخله قد تحطمت. في الطابق العلوي تكسّرت كل النوافذ والأبواب، وتحطمت الاضاءة وكل شيء وتقريباً 60 في المئة من المفروشات قد تحطمت. بالرغم من كل الدمار هناك لا تزال الجدران ولقد قررت أنه في الطابق السفلي سأقوم باصلاح النوافذ. بالنسبة للمفروشات فلقد أخذنا القطع التي تحتاج للتصليح اذ نحاول تصليح ما يمكن اصلاحه. لقد بدأنا بهذه الأعمال ونحتاج تقريباً لشهر. ونقلت "SERVER" الى البيت لأنني احتاج الى 24 ساعة كهرباء لأتمكن من مواصلة العمل، وجميع العاملين في الغاليري يعملون من منازلهم، لأن لدينا طلبيات للخارج. بالنسبة الينا مهم جداً أن نواصل العمل لأنني لا أريد أن ينقطع التواصل مع زبائن في الخارج. الحمد لله أن ورشة العمل لا تقع في بيروت بل هي في المكلس، وبالتالي لا نزال نعمل من هناك. اما البوتيك فيدخله الناس ويصورونه وهو مدمر.

[caption id="attachment_80553" align="alignleft" width="376"] ما تبقى من استديو ندى دبس[/caption]

* سبق وان قلت مهما حصل في لبنان لن تغادري البلد فهل ما زلت مصممة على البقاء والبدء من جديد؟

- عندما وصلتني صور الدمار داخل الغاليري صُدمت كثيراً وتجمدت في مكاني ولكن لم ارد أن استسلم بل قصدت المكان ورحت أنظف وارتب مع فريق العمل إذ إنه فريق نشيط ويعمل بتفان، للأسف نشعر كلبنانيين أننا وحدنا ومتروكون وعلينا أن نعمل جاهدين لانقاذ أعمالنا والبدء من جديد. طبعاً أفضلّ البقاء في بيروت وسأظل هنا ولن اغادر. صحيح أن تقديم الطعام والدواء للناس المتضررين أمر جيد وضروري ولكن غالبية الناس يريدون أن يعملوا لأنهم خسروا وظائفهم وأعمالهم. لهذا أشعر أن مهمتي أن أواصل العمل لكي لا يخسر اي موظف فرصة العمل في الغاليري حتى يعيلوا عائلاتهم. لدي تقريباً 15 موظفاً، وأيضاً 35  نجاراً وبالتالي أريد أن أجد طريقة يستمر بها الموظفون بإعالة عائلاتهم في هذه الظروف الصعبة. واذا كنت ضعيفة لن اقدر أن اساعدهم لذا سأكون قوية لكي نستمر جميعنا. سأحاول تصليح ما يمكن اصلاحه فقط لنستمر بالعمل.

*هل تقومين باصلاح المفروشات بكلفة اقل لتخفيف الأعباء على الناس؟

- هذا أقل ما يمكن أن اقوم به، اذ كما تعلمين فإن معظم الناس قد تحطمت مفروشاتهم فطلبت من كل الأشخاص الذين سبق أن اشتروا من عندنا المفروشات أن نقوم باصلاحها بأقل كلفة لأنها قطع مكلفة وبالتالي اسعى لتخفيف الأعباء عليهم في هذه الظروف الصعبة. لقد قصدنا تقريباً 25 شخصاً لاصلاح مفروشاته. صحيح الوضع صعب ولكنني سأبقى في لبنان وفي الوقت نفسه سأعزز التواصل مع الخارج لكي يستمر العمل والانتاج، مثلاً في مدينة طرابلس هناك مجموعة من مصنعّي المفروشات، ولأنني اقوم بتصنيع مفروشات مكلفة أفكر أن أطلق خطاً لصنع مفروشات أقل كلفة لكي يتسنى للناس في المدينة شراء هذه المفروشات. اذا تشجعنا وقررنا النضال سنتمكن من القيام بذلك، واللبناني استطاع دائماً أن ينهض ويسير نحو الامام. اليوم نشعر بأننا ضعفاء ولكن علينا أن نجد طريقة لننطلق من جديد. لقد عشت في الكثير من البلدان ولكن لا أقدر أن اعيش بعيدة عن لبنان، أشعر بضرورة البقاء في هذا البلد والمضي قدماً لأن لبنان يستحق منا كل التضحيات.

جاد صوايا: بعد ولادة ابننا بربع ساعة وقع الانفجار

[caption id="attachment_80554" align="alignleft" width="188"] جاد صوايا مع ابنه نبيل الذي ابصر النور قبل ربع ساعة من الانفجار[/caption]

 أما صورة جاد صوايا وهو يجلس في زاوية المستشفى ممسكاً بطفله حديث الولادة ملطخاً بالدماء بجانب زوجته كريستل على فراش المستشفى بعد الولادة فلقد أبكت الناس، هذه الصورة التي انتشرت في جميع أنحاء العالم أثارت صدمة وتعاطفاً كبيراً... فقبل وقوع الانفجار بـ 15 دقيقة أبصر نبيل النور في مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، اذ كانت من أصعب اللحظات التي عاشها الوالدان اللذان انتظرا طفلهما 9 أشهر ليجدا نفسيهما وسط الدمار والدماء. وعندما حمل جاد طفله قال له (تقبرني يا بيّ) انني اشعر بالخجل منه وقلت لنفسي ماذا فعلت به والى اين أتيت به. نأسف بأن نقول اننا نأتي بضحايا الى هذا البلد عندما ننجبهم هنا. تلك اللحظات لن أنساها اذ بعد ولادة طفلنا نبيل سمعت صوتاً قوياً جداً، لا أعرف ما هو فاقتربت من النافذة، وما هي الا ثوان معدودة حتى انقلب كل شيء ووقعت على الأرض، لم نعد نرى او نسمع شيئاً غير الزجاج المتساقط والصراخ والركام. لا أعلم كيف استجمعت أنفاسي ونهضت وتوجهت الى ابني مباشرة لحمله والاطمئنان عليه، وعلى زوجتي التي تكسّر كل شيء موجود أمامها ولم تستوعب ما حدث، بعدها بدقائق رأتني وابني بجانبها، فاطمأنت والتقطت لنا الصورة التي أصبحت الآن منتشرة في كل العالم. بعد الحدث المروّع شعرت بالعجز أحسست أنني غير قادر على حماية عائلتي وهذا شعور سيء جداً. نشكر الله ابني نبيل بخير ولم يُصب بأذى. أفكر الآن كيف يمكن تأمين حياة جيدة لابني. أفكر فيما يمكن أن أفعله من أجل التعويض لابني على تلك اللحظات الصعبة التي عاشها في أول دقائق من ابصاره للنور.