تفاصيل الخبر

حـكـايـــــــــة عـائـلــــــــــة

15/06/2017
حـكـايـــــــــة عـائـلــــــــــة

حـكـايـــــــــة عـائـلــــــــــة

بقلم سعيد غريب

SAM_5208

قصة تستحق النشر، رواها أستاذ لا أعرفه هو عاصي عاصي باللغة العامية، وصلتني عبر خدمة <الواتس آب>، وأنقلها بمضمونها كما هي وباللغة الفصحى، وتحمل عنوان <حكاية عائلة>.

<هي، أعني الأم، أمضت حياتها معلمة وتعيش اليوم من راتبها التقاعدي، وهو، أعني الأب، أمضى عمره أستاذاً، ويتقاضى كزوجته راتباً تقاعدياً...>.

رزق الوالدان بثلاثة أولاد، صبي وابنتين، وسهرا الليالي على تربيتهم وتعليمهم، فأصبح الصبي طبيباً، وتخرجت الفتاتان مهندستين: الأولى مدنية والثانية في علم الآثار.

الطبيب يعيش في الولايات المتحدة الاميركية، والمهندسة المدنية في فرنسا، ومهندسة الآثار تزوجت في أوستراليا.

اليوم، يعيش الوالدان وحيدين، كما كانا قبل الزواج، مع فارق العمر وفراق الأولاد، وأصبح رفيق ابنهما في الدراسة طبيبهما وصديقهما، وأدوية الضغط والقلب ملاذهما وتحليتهما بعد تناول الطعام.

أما جنى العمر فشقة في بيروت تشهد على تقدمهما في السن، وتتحمل معهما ضجر الوحدة وقهر العمر، وتستقبل الأولاد والأحفاد لأسبوعين هما الفترة المسموح بها للعطلة السنوية.

وتكتمل الغصّة عندما تقابل لهفة <تيتا وجدّو> ببرودة طفولية بريئة، من أحفاد لا يرون الجدّ والجدّة إلا أسبوعين في السنة، وعندما يحاول الأستاذ إقناع ابنه الطبيب في الاقتراب أكثر من لبنان، كالخليج مثلاً، يأتيه الجواب بعدم تحمّل غربة جديدة. وعندما تحمل المعلمة <الايفون> القديم، الذي كان لابنتها لتتكلم مع أولادها وأحفادها، تشاهد ابنها على غلاف الشاشة وهو صغير.

المعلمة تمضي وقتها في حياكة كنزات الصوف لأحفادها، وتحلم بأن يأتي يوم تكون فيه الى جانبهم، تعدّ الأيام، بل ما تبقى منها، وفي قلبها شيء من <حتى>، شيء من كل وجبة طعام، شيء في كل زاوية من البيت القديم، وفي غرف تحمل كل واحدة اسم ولد من أولادها الثلاثة.

نعم، هذه ليست قصة عادية، إنها قصة وجع وقهر ودمعة آباء وأمهات أمضوا حياتهم يربّون ويعلّمون، وحين جاء وقت الاستراحة لم يجدوا يد ابن تسندهم، ولا قلب ابنة يتلهف لرؤيتهم.

هذه حرقة كل ولد مسجون في الغربة لأن وطنه مسروق من عصابات. هذه ليست مجرد قصة ولا مجرد شعر أو فلسفة أو خواطر أو نثر، ولا أي نوع من أنواع الأدب، هذه حقيقة رجل يهذي في غرفة العمليات وهو ينادي: <أين ابني؟ أريد ابني>، فيما الأم تطمئن ولدها: <والدك في السوق لا تشغل بالك>.

هذه دمعة كل يوم يذرفها ملايين اللبنانيين المهاجرين، بل المهجّرين في كل بقاع العالم، ويحاولون إقناع أنفسهم بأن اللبناني مبدع أينما حلّ، وموجود في كل مكان، فيما الحقيقة أسهل بكثير... نحن مهجّرون ومسروقون، و<الأزعر> نفسه يحاول أن يقنعنا بأننا نلمع <برّا> ليستمر في السرقة <جوّا>.

ويختم صاحب الرواية بهذه النصيحة: <انتبهوا قبل أن تصوّتوا ولمن تصوّتون>.

نعم، عمر بكامله مضى، أحبة غادرونا، وكبار رحلوا وأخذوا لبنان معهم.

نعم، عمر بكامله أمضيناه مغلوبين بالوقت والتطورات والتفاهات والسرقات وتعميم ثقافة الفساد.

نعم، عمر بكامله أمضيناه بالساعات والشهور والسنين، ولم نكن ندري اننا أضعنا أجمل ما وهبنا إياه الله: الفرح.

التهينا بالحرب وتداعياتها، فيما أزمتنا تتفاقم كل يوم، و<الزعران> يجولون على الطرقات.

نعم، اعتقدنا أنها خُتمت، واكتشفنا أنها خُتمت على زغل لأنها نتيجة تسوية، والتسوية بالمفهوم العلمي هي هدنة بين حربين، والاتفاقات والحلول التي تختم الأمور على زغل إنما هي تلك التي تتم هرباً من الاعتراف المتبادل بين الاطراف المباشرة.

وليس غريباً أن الضليعين في حسابات الطرح والقسمة والضرب يجهلون الجمع، فهو مخالف لطبيعتهم.

ومع هذا كله، تبقى بارقة أمل... <ومن بلع البحر لن يغصّ بالساقية>...