الى جانب الهموم الكثيرة التي تقلق المسؤولين اللبنانيين في هذه الايام، ثمة همّ آخر يزداد يوماً بعد يوم هو هجرة اللبنانيين الى الخارج مع ارتفاع أعداد المهاجرين لاسيما بعد انفجار الرابع من آب (اغسطس) الماضي والتداعيات التي خلفها اقتصادياً واجتماعياً والتي اضيفت الى الوضع الاقتصادي والمالي المتردي في البلاد... ولعل الازدحام التي تشهده دوائر الامن العام للحصول على جوازات سفر خير دليل على الهجرة المتزايدة للبنانيين، تضاف اليها تسهيلات تقدمها سفارات دول اجنبية. واللافت ان اعمار المتقدمين للحصول على جوازات سفر هم من الجيل الشاب او المتوسط في العمر، وغالبيتهم من الشباب الذين يدفعون رسوماً اضافية للحصول على جواز سفر لمدة عشر سنوات ما يؤشر بوضوح الى ان الهدف هو الهجرة!. تشير احصاءات الامن العام انه بعد 4 آب ( اغسطس) الماضي غادر القسم الاكبر من اللبنانيين من حاملي الجنسيات الاخرى، وهؤلاء اضيفوا الى اللبنانيين الذين لا يحملون غير جنسية بلدهم، والذين كانوا غادروا البلاد نتيجة تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية المتدهورة وانهيار سعر صرف الليرة. صحيح ان اسباب الهجرة تتفاوت بين عائلة واخرى، لكن الصحيح ايضا ان الاعداد تتزايد مع وجود آخرين يريدون السفر لكنهم ارجأوا تحديد الموعد في انتظار ان يتمكنوا من الحصول على اموالهم في المصارف التي تحتجز اموال المودعين ما يحول دون حيازتهم المبالغ اللازمة بالدولار لبدء حياة جديدة في بلد جديد.
قبل ايام اعلنت المؤسسة "الدولية للمعلومات" للابحاث والاحصاءات انه منذ 4 آب (اغسطس) 2020 ارتفع متوسط عدد المغادرين لبنان بنسبة 37.9 في المئة وانخفض متوسط عدد القادمين بنسبة 16 في المئة. وفي دراسة سابقة اجرتها المؤسسة نفسها مطلع العام الحالي، كشفت ان عدد اللبنانيين الذين غادروا البلاد من دون عودة في عام 2019 وصل الى 61.924 مقارنة بــ 41.766 في العام السابق اي زيادة بنسبة 42 في المئة. وكان لافتاً ما اعلن عن وجود 380 الف طلب هجرة في السفارات الاوروبية في لبنان بينها 300 الف طلب هجرة في السفارة الكندية وحدها. وفي اجراء غير مسبوق، اعلن موقع "اخبار كندا 24" ان وزيري الهجرة والخارجية الكنديين بصدد تشكيل فريق عمل لدعم تقديم الخدمات القنصلية وضمان الاجابة عن الاسئلة المرتبطة بهجرة اللبنانيين المتضررين من انفجار 4 آب (اغسطس) الماضي بسرعة. وعبرت مصادر رسمية عن مخاوفها من موجة هجرة غير مسبوقة ستتظهر ارقامها بشكل اوضح نهاية العام الجاري، لافتة الى انه وبعدما فقد قسم كبير من اللبنانيين ثقتهم بالاحزاب والطبقة الحاكمة كما بالمعارضة التي لم تقدم اي بديل جدي، فهم لا يجدون امامهم خيار افضل من الهجرة. وشددت المصادر على وجوب النهوض بالبلد سريعاً للحد من هذه الموجة لان اي اجراءات اخرى كالتنسيق مع السفارات لعدم اعطاء فيزا للهجرة، ستكون اجراءات غير عادلة خاصة مع بلوغ البطالة نسب مخيفة من المرجح ان تستمر بالارتفاع في حال ظل الوضع على ما هو عليه. ونبه اكثر من قطاع مؤخراً من فقدان اليد العاملة المميزة وآخر هذه القطاعات، القطاع الطبي. واصدرت نقابة الممرضات والممرضين في لبنان بياناً دقت من خلاله ناقوس الخطر ونبهت فيه من تكاثر هجرة اليد العاملة التمريضية ذات الكفاءة العلمية والخبرات بحثاً عن ظروف عمل خارج لبنان وهذا امر يدعو الى القلق على مستقبل الصحة في لبنان ومستقبل المهنة. خسارة 370 الف وظيفة في غضون ذلك، كشفت ارقام لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الــ "الاسكوا" عن ان سوق العمل في القطاع الاقتصادي خسر 370 الف وظيفة منذ بداية تشرين الاول (اكتوبر) الماضي حتى الآن، وبسبب وباء "كورونا" خسر سوق العمل اللبناني حوالي 130 الف وظيفة واقفل 20 في المئـــة من قطاع الشركات. وفي هذا السياق، قالت الامينة العامة لــ " لاسكوا" السيدة رولا دشتي "ان اللجنة لاحظت ان 55 في المئة من المجتمع اللبناني اصبح تحت خط الفقر حيث ان غالبية الناس تعمل في قطاعات غير منظمة، وهذه القطاعات اقفلت لانها كانت معرضة لـ"كورونا"، هذه الشريحة اصبحت عاطلة عن العمل وانضمت الى شريحة الفقراء". واكدت دشتي "ان السياسات العمالية هي في غاية الاهمية، وعلينا مواكبة السياسات الاقتصادية مع السياسات العمالية والعمل على جعل هذا القطاع غير المنظم منظماً ومندمجاً بسياسات متكاملة، والخطة الاولية التي بدأناها مع وزارة العمل هي ركيزة للعمل على الامن الاقتصادي وتطوير القدرات، وان شاء الله يكون هذا التعاون مثمراً واستكمالاً للتعاون الذي تقوم به الاسكوا مع لبنان". فرار الى قبرص.... في المقابل، سجل في الاسابيع الماضية فرار عشرات اللبنانيين والسوريين بحراً الى قبرص هرباً من الجوع، لكن السلطات القبرصية اعادت هؤلاء الى طرابلس بعدما حاولوا دخول الجزيرة بشكل غير قانوني، وبين هؤلاء نساء واطفال. وقد اثارت هذه الحوادث السلطات القبرصية التي طلبت من المسؤولين اللبنانيين وضع حد لمثل هذه التصرفات لأن قبرص ليست في وارد استقبال اي لاجىء اليها بصرف النظر عن اسباب او ظروف هذا اللجوء. وينقل عن مصدر امني قبرصي قوله إن السلطات المعنية ترصد كل بضعة ايام ما بين 40 و 60 شخصاً يحاولون الخروج من المياه الاقليمية اللبنانية عبر شواطىء طرابلس، مضيفاً ان "اللافت هذه الفترة اعداد اللبنانيين بين هؤلاء، اذ كان في السابق معظمهم من السوريين". ويشرح المصدر ان الاشخاص الذين يحاولون الهجرة غير الشرعية غالباً ما يذهبون سباحة او عبر زوارق الى احدى جزر طرابلس وينتظرون حلول الليل فيستغلون وجود الصيادين وحركة المراكب او يختبئون بظل باخرة كبيرة، وينجحون بالخروج من المياه اللبنانية قبل ان تصل اليهم السلطات اللبنانية المعنية، مضيفــــاً انه في اكثر الاحيان يعيدهم الجيش اللبناني او السلطــــات القبرصية (حسب مكان وجودهم) ومن ثم يتم تسليمهم الى الامن العام. وفي هذا السياق لم يستغرب رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ويتوقع ان تشهد الاشهر المقبلة المزيد من محاولات الهجرة غير الشرعية عبر البحر، وذلك في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة. موضحاً ان هذه الرحلات "تنطلق من مرافىء غير شرعية وعلى الارجح من مرفأ الصيادين، وانه من المتوقع ان يكون هناك اشخاص يستفيدون من هذا الموضوع ويجنون الاموال مقابل تسهيل هجرة الفقراء عبر البحر. وتتحدث معلومات عن وجود شبكة متخصصة بـــ "رحلات التهريب الى شواطىء قبرص" وعبر مكاتب سرية واتصالات هاتفية ما بين الخارج ولبنان لهذا الغرض. وينقل احد اللبنانيين الذي يحمل الجنسية القبرصية وتربطه علاقة وثيقة بالرئيس القبرصي ومعظم المسؤولين في الجزيرة، ان ما جرى في الايام الاخيرة امر مخيف ومريب. ويتساءل المسؤولون القبارصة عن "تطنيش" الدولة اللبنانية والمعنيين عما يحصل والذي فاق التوقعات من خلال هذه الشبكة وعمليات الابحار باعداد كبيرة معظمها عائلات بكاملها ولا يقتصر الامر على الشباب فقط، وان اتصالات رفيعة المستوى جرت مع مسؤولين لبنانيين بغية وضع حد لهذه العمليات التي قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه، خصوصاً ان الظروف الراهنة في قبرص على المستوى الاقتصادي ولجهة وباء "كورونا" لا تتحمل اعباء هذه الهجرة الجديدة التي لم يسبق ان حصلت في كل الحروب التي مرت على لبنان!
1_ طرابلسيون على متن سفينة في هجرة غير شرعية.