تفاصيل الخبر

حجم الدين العام يرسخ لبنان منصة لتصدير العقول! 

07/04/2017
حجم الدين العام يرسخ لبنان منصة لتصدير العقول! 

حجم الدين العام يرسخ لبنان منصة لتصدير العقول! 

بقلم خالد عوض

الحريري

هناك سؤال أو بالأحرى خيار على اللبنانيين البدء جديا بالبحث به: من سيدفع الدين العام الذي ينمو بوتيرة ٥ مليارات دولار سنوياً؟ هل ننتظر الغاز الموعود من البحر لندفع أكثر من نصف موارده من أجل تسديد معظم الدين العام، فنبدد بذلك ثروة المستقبل لدفع حسابات الماضي؟ هذا السؤال ليس نظرياً ولا افتراضياً لأن البدء بالإجابة عليه يساعد إلى حد كبير في رسم السياسة الاقتصادية والمالية للأعوام الخمسة المقبلة.

لماذا هذا السؤال الآن؟ هناك كلام في عدة دول أوروبية غارقة في الديون، أن الدين الذي تراكم عليها هو من مسؤولية النظام المصرفي وبالتالي على هذا القطاع تحمل جل العبء المالي، وليس من خلال فرض ضرائب على الناس. هناك إقتراحات مثلا بأن يستوعب البنك المركزي الأوروبي كل ديون دول اليورو ويعيد ترتيبها و<توزيعها> بشكل أخف بكثير على شعوب الدول بحيث تحمل الدول الأغنى (الكل يقصد ألمانيا) العبء الأكبر.

هذا الكلام نفسه أو شبيه له سمعناه في تظاهرات بيروت التي خرجت منذ اسابيع ضد الضرائب في الموازنة، وسنسمعه مجدداً مع كل موازنة، لأن أرباح المصارف في لبنان لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي العام في البلد وهذا يجيش الناس ضد البنوك رغم كل ما تحاول أن تقوم به لمساعدة الاقتصاد وإقراض الدولة. المصارف اللبنانية ليست مسؤولة نهائياً عن التراجع الاقتصادي والهريان السياسي الذي هو السبب الأول لتنامي الدين العام، ولكن استفادتها من هذا الواقع عبر إقراض الدولة المفلسة ستصوب نحوها المزيد من السهام.

حالة الدين العام في لبنان اليوم طارئة جداً ولكنها لا تعامل كذلك.

الفائدة على الدولار في مسار تصاعدي وهذا يعني أن الدين العام اللبناني سينتفخ بوتيرة أسرع. الفساد والهدر على حالهما، وكذلك العجز في <مؤسسة كهرباء لبنان>، ومع التوجه إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب وعدم وجود دلائل نمو اقتصادي حقيقي، فإن العجز المالي في الموازنة مستمر على حاله. هذا يعني أيضا وأيضا أن الدين العام سيظل ينتفخ، والكلام عن وصول الدين العام إلى مئة مليار دولار قبل نهاية عام ٢٠٢٠ لم يعد تهويلاً بقدر ما هو افتراضية واقعية.

وقبل البحث بحل لمسألة الدين العام لا بد من دراسة كيفية تكونه. هو نتج عن مكونين اساسيين. الأول هو العجز في الموازنة والشق الثاني هو الفوائد عليه أي ما يسمى <خدمة الدين>. بالنسبة للعجز، تمثل <مؤسسة سلامةكهرباء لبنان> ومنافعها أكثر من ٧٠ بالمئة من مجموع عجز الموازنة منذ بداية التسعينات، وهناك بعض الإنفاق الاستثماري الذي حصل على البنية التحتية خلال مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلا أنه لا يتجاوز الأربعة مليارات دولار، بينما مجموع العجز في الموازنات منذ ١٩٩٠ هو أكثر من ٤٥ مليار دولار، جله ذهب في مغارة الكهرباء ولا يزال. أما مجموع <خدمة الدين> الذي ذهب معظمها إلى البنوك اللبنانية فهو أكثر من ٦٠ مليار دولار منذ ١٩٩٣، ولولا تحقيق فائض أولي من الإيرادات خلال بعض سنوات النمو لكان الدين العام أساساً اليوم أكثر من مئة مليار دولار. المشكلة إذاً جزءان رئيسان: الكهرباء والفوائد.

حتى يتوقف تضخم الدين لا بد أولا من وقف الهدر في الكهرباء، والكلام عن الخصخصة يأتي في هذا الاتجاه، أي توفير حل سريع لوقف النزف المالي عن طريق تخصيص كل المؤسسة لمدة عشرين عاماً، تستعيد بعدها الدولة معظم الأصول إن أرادت، ولكن من يخصخص قطاع الكهرباء؟ الذين أوصلونا إلى هذه العتمة أنفسهم؟!

أما الجزء الثاني فلا بد وأن يشمل اتفاقاً طويل الأمد مع المصارف المحلية لتتحمل جزءاً من الفائدة عبر ضرائب مؤقتة على أرباح المصارف توازن بين أهمية الحفاظ على الودائع وبين ضرورة مساعدة الدولة، ولكن من يكون في الجهة المقابلة للبنوك في هكذا اتفاق؟ الطاقم السياسي الحالي نفسه؟

كل هذا يبقى نظرياً. فالمسؤول الأول عن الدين العام هو الطاقم السياسي برمته وليس المصارف، ومن دون محاسبته على كل ما جلبه للبلد من ديون من خلال الإدارة السيئة للدولة فلا يمكن المضي بأي حل لمشكلة الدين، هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد مستقبل لبنان وتجعل منه منصة لتصدير الشباب.