تفاصيل الخبر

حديقة... أو غابة؟

18/10/2019
حديقة... أو غابة؟

حديقة... أو غابة؟

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

 

ميرا: عبير!

عبير: ميرا!

(عِناق وقُبُلات)

عبير: إشتقتُ إليكِ! صحيحٌ أن الصّدفة خيرٌ من ألف ميعاد! (إلتَقتا في مركز تجاري)

ميرا: لم أرَكِ منذ دهر يا عبير! من حين تركتِ الشركة على ما أظن. <دَخيلك عقبالي!> أخبريني، كيف حال الجميع؟ الأولاد، غسان...

عبير: غسان؟؟ <بَحّ> غسان

ميرا: (جحَظَت عيناها) <شو بَحّ>؟! قولي لي إنني لم أفهم قصدَك!

عبير: لا بل فهِمتِه جيداً...

ميرا: إنفصلتما؟!

عبير: إنفصلنا. إنتهينا من معاملات الطلاق منذ شهرين.

ميرا: ماذا؟! (أخرسَتها الدهشة). ولكن يا عبير، أليس غسان هو نفسه الشخص الذي قلتِ لي عنه ذات يوم <هيدا الرجل يلّي بَدّي موت حَدّو>؟؟

عبير: بلى، وقد حصل ما تمنّيت. <مِتِت حدّو> (تنفجر ضاحكة)

(ميرا، مصدومة، وعاجزة عن مُجاراة عبير في الضحك)

عبير: فلننسَ أخباري ونكدَها. أخبريني عنك! كيفَ حال سوق الخضار؟

ميرا: (محاولةً الخروج من صدمتها وابتلاع أسئلتها) سوق الخضار؟ لم أفهم!

عبير: أنسيتِ <يا خَوتة> أنك كنت تشبّهين كل شاب تخرجين معه بفاكهة معينة؟ <واحد تقوليلي ما بِخلّيكي تشتاقيلو وتُنطريه متل البِردقان بْيُلبُص بْوِجّك كل السنة. واحد تقوليلي بْحِسّو بلا شخصية متل التفاح. وواحد ما عم بِفهَملو عبير شي بِطِلّ بِغيب يا مَحلا العِنّاب... شو كان إسمو دخلك هيدا اللي كنتي تْشَبّهيه بدرّاق آخر الموسم، مْلَيّف وبلا طعمة>؟

ميرا: (تفكّر قليلاً ثم تنفجر ضاحكة وهي تلفظ اسمه) عماد!! ونَسيتِ <البومَلي رامي، حجم بلا غَلّة، تْلاتِّرباعو عالكَبّ>! (تدخلان في نوبة ضحك)

عبير: <طيّب وإنتِ>؟ على أي صُنف رسَيتِ؟ تبدين متوهّجة يا مُحتالة!

ميرا: أخ يا عبير، <عْلِقت>... سألتقيه ما أن أنتهي من جولتي هنا.

عبير: لا أصدّق! وأخيراً وقعَت ميرا في شِباك الحب!

ميرا: ويا ليتني لَمْ! ما أصعب الشوق يا عبير. حين أقود سيارتي لألقاه، <بْحِس عم باكل الزِّفتات لأوصل بسرعة>!

عبير: <إي كِلِيُن شيري كِلِيُن>. سيأتي يوم تُهرولين فيه بالسرعة نفسها، لكن في الاتجاه المعاكس (وتضحك)

ميرا: (خفتت حماستُها وبَطُؤَ إيقاعُها) <ما أسألِك، شو مُحبِطة!>

عبير: <وَلا مُحبِطة ولا شي حياتي، كِنت مِتلك بالفضا قبل ما إلبُد فَرد لَبدِة عالأرض>.

ميرا: (وقد أُغمِي على حيويّتها) عبير، أتعتقدين أن ثمّة تاريخ صلاحية لكل العلاقات العاطفية، من دون استثناء؟ (مذعورة من الجواب، قبل أن يأتي الجواب)

عبير: (بعد تنهيدة) والله يا ميرا لا أعلم. إن وصلنا، غسان وأنا، إلى ما وصلنا إليه، فهذا يعني أنه لا يُراهن على أي علاقة في هذه الدنيا.

ميرا: <بِذْكُر كيف كِنتو دايبين ببعض>. لا أزال عاجزة عن استيعاب انفصالك عن غسان يا عبير...

عبير: كنت أختصر له الجميع، وكذا هو. كان يردّد <ما رح تِخلَص الدني إلاّ حَدِّك>. (صَفَنَت في اللاشيء) لا أعلم من فينا كان كذّاباً. هو... أنا... الحب نفسه... لا أعلم (تصمت قليلا، ثم بِكآبة من انتبه فجأة إلى بشاعة النهايات) <قولِك يا ميرا القلب يْحِب مرّة ما يْحبِّش مرِّتين> كما تقول الأغنية؟ غسان كان حُب حياتي الوحيد...

ميرا: <لا مرّة ولا مرّتين بِحِبّ مية مرة، مَشّينا>...

عبير: (تتحدث ببطء وعيناها شاردتان بعيداً) خلال فترة خلافاتنا وطلاقنا، سمعت ألف مرة أغنية فيروز <شو بيبقى من الرواية؟>. كنت أسمعها وأجهش بالبكاء ميرا <متل لِمْهابيل>.

ميرا: <بيبقى قِصص زْغيرة عم بِتشَرّدها الريح> يا حبيبتي... لكن لو كنت مكانك، لسَمِعت ملحم زين حين غنّى <ما في جِرح بتِخلَص الدِّنيي من بَعدو>.

عبير: <أوف>. كلام جميل. لا أعرف أغنيته هذه. سأبحث عنها على النَتّ وأسمعها هذا المساء.

ميرا: واقرَئي كتاب <الحب غابة أم حديقة؟> لمُريد البرغوثي.

عبير: يا الله ما أجمل العنوان! (تَشرُد). أغابة هو أم حديقة يا ميرا؟

ميرا: (تستعيد فجأة توقّدَها) أنا في الحديقة حاليا، وأرى الدنيا من حولي أفواجاً من المارغوريت كما كنت أرى، في صغري، الحقلَ بالقرب من بيتنا أوّل الربيع!

عبير: <يا الله يا ميرا كيفِك رايحة فيه. عم بِتذكّريني بحالي من كم سنة لَوَرا>...

ميرا: تقصدين قبل أن تتحوّل حديقتُك إلى غابة؟

عبير: يا ليتَها تحوّلت إلى غابة. <صارِت مَسِكْبة!>

(تضحكان... ثم تنتبه ميرا فجأة إلى مرور الوقت)

ميرا: إن ظللنا واقفتَين هنا لَتحدّثنا حتى صباح غد! لن أُكمل جولتي في الـ<مول> فقد تأخرت. سأغادر مباشرةً إلى <حديقتي> (تبتسم)

عبير: <إي يَلاّ، روحي كِلي الزّفتات>، أما أنا، فليس لي سوى ملحم هذه الليلة. <بس دخلِك، فْهِمنا ما في جِرح بتِخلص الدّنيي من بَعدو، بس ما فهمنا كيف بِتكفّي>؟؟

ميرا: <بِتكفّي عبير بِتكفّي>. حتى موتانا نتخطّاهم... ألم تسمعي مقولة <الحياة بِتكَمّل وما حدا بِموت ورا مَيّتو>؟

عبير: (نظرة فراغ) بلى، لكن لم يقولوا لنا <كيف. كيف بِتكَمّل>؟! (تصفن قليلاً) إذهبي. نتحدّث لاحقاً. كوني بخير وظلّي متوهّجة.

ميرا: <وإنتِ رجَعي وردة طبيعية>.

عبير: وردة طبيعية؟ وهل من وردة غير طبيعية؟

ميرا: نعم. ثمّة ورود إصطناعية كضحكتِك اليوم. <لَونا فاقع، بس ما إلا ريحة>...