تفاصيل الخبر

هبوط بورصة التكليف وتراجع التأليف.. والحريري إلى المربع الأول!

12/12/2019
هبوط بورصة التكليف وتراجع التأليف.. والحريري إلى المربع الأول!

هبوط بورصة التكليف وتراجع التأليف.. والحريري إلى المربع الأول!

بقلم علي الحسيني

 

بعد نفحات التفاؤل بالخروج من أزمة التكليف والتأليف والتي تحولت إلى محطة أساسية عند أهل الحكم، عاد ودخل لبنان في غيبوبة تُشبه نومة أهل الكهف وذلك بعد تعذّر إيصال المرشح المهندس سمير الخطيب لمهمة التأليف بفتوى سنيّة مصدرها دار الفتوى، تحديداً بشخص مفتيها الشيخ عبد اللطيف دريان ليتحوّل من مرشح فعلي إلى ساعي بريد كانت آخر مهماته إبلاغ الرئيس سعد الحريري بوجود توافق سُنيّ على اسمه لتولّي هذه المهمة التي بدت ثقيلة منذ البداية إلى حد ما على شخص حامت حوله الروايات والتهم. وبين سقوط خيارات السلطة وتأجيل الإستشارات النيابية واستعجال الحراك في الشارع، تتوجه الأنظار الى النتائج التي ستخرج عن اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان وما يُمكن ان يُحققه اجتماع كهذا في ظل عاصفة من الأزمات، تكاد أن تُطيح ليس بالوضع الإقتصادي فقط، إنما بالبلد كله.

التكليف طبخة من بحص!

على غرار ما كان متوقعاً، فقد سقطت مهمة التكليف عن آخر ضحاياها سمير الخطيب الذي التحق بالوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة في منتدى الأسماء المحروقة سياسياً، وفي الشارع. اليوم وبعد الإعلان عن تأجيل الإستشارات النيابية من الأثنين إلى الأثنين، يبدو أن لعبة القط والفأر بين السلطة والحراك في الشارع سوف تصل إلى أوجّها خلال الأيام المقبلة وخصوصاً خلال الساعات التي ستسبق الموعد المحدد علماً أن أجواء قصر بعبدا وحلفاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كانت عملت على تعميم أجواء مُحمّلة بالتفاؤل تؤكد حصول الإستشارات في موعدها، وبأنها ستنتهي بتكليف سمير الخطيب. ولتأكيد ما كان مؤكداً بالنسبة إلى بعبدا ودوائره، فقد صب كلام وزير الدولة لشؤون مجلس النواب في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي في السياق ذاته، وذلك من خلال تشديد منه على ان <ما خرج به الخليلان و<التيار الوطني الحر> والرسائل التي وصلت الى الرئيس عون تؤكد أن الأمور انتهت لجهة التكليف، وأنه بحسب الإلتزام فإن التكليف سيتم يوم الإثنين (الماضي) لسمير الخطيب>.

لا بد من القول، إنه وقبل الزيارة التي قام بها الخطيب الى دار الفتوى بساعة أو ربما أقل، خرجت عن قوى الثامن من أذار معلومات تؤكد أنه حتى الساعة ليس هناك من خيار آخر غير الخطيب وفي حال عدم وجوده فإنه سيؤدي الى استمرار مرحلة تصريف الأعمال واستمرار الوضع على ما هو عليه، محذرة من أن تكون هناك بعض المحاولات لـ<خربطة> الوضع الذي تم الاتفاق عليه ولذلك يجب الاسراع في الاستشارات النيابية الملزمة وإعلان النتيجة بسرعة. هذا الواقع ينفيه مسؤول في تيّار <المستقبل> إذ يقول إن ما حُكي الاسبوع المنصرم عن مواقف <حاسمة> فقد أتت في اطار الضغوط التي كانت تمارس على الرئيس سعد الحريري في ربع الساعة الاخير الذي يسبق الاستشارات، علّها تفلح في إقناعه بالعودة الى السراي من جديد. وتجزم بأن الحريري ولغاية اليوم، لا يزال الخيار المفضّل لدي جميع المكونات السياسية بما فيهم الثنائي الشيعي والفريق الرئاسي، نظراً الى قاعدته السنية وشبكة علاقاته الدولية.

 

<أمل> وحزب الله ودغدغة مشاعر الحريري!

 

الجميع بات يعلم أن رئيس الحزب <التقدمي الإشتراكي> وليد جنبلاط كان نقل الاسبوع الماضي من عين التينة إلى <بيت الوسط> رسالة ظل مضمونها طيّ الكتمان وإن خرجت بعض العناوين منها، مثل دعوة بري الحريري لإبداء مرونة أكثر في موضوع شكل الحكومة مقترحاً عليه القبول بحكومة تكنوقراط تتضمن أربعة وزراء دولة يُمثلون قوى حزبية من بينها <الثنائي الشيعي> على أن لا يكونون منتسبين إلى نادي النوّاب. وهذا برأي بري كان خطوة مهمة لكسر جليد التكليف والذهاب فوراً إلى التأليف بحكومة تنال ثقة معظم الحراك في الشارع ومن شأنها أن تأخذ البلاد باتجاه مرحلة جديدة من العلاقات بين السلطة والشعب. لكن هذا الإقتراح رفضه الحريري الذي عاد وشدد على حكومة تكنوقراط خصوصاً وأنه الجهة الوحيدة

التي سيواجه غضب الشارع في ما بعد، وهو الذي خبر هذا الأمر في الأيام الأولى للتظاهرات الشعبية في كل لبنان، وقد رأى بأم العين، كيف انكفئ الجميع، فما كان بيده حيلة سوى إعلان إستقالة الحكومة.

مصادر مقربة من <الثنائي الشيعي> تؤكد لـ<الافكار> أن خيار الحريري بالنسبة إلى <أمل> وحزب الله لم يسقط بعد وهو حتى اليوم ورغم كل ما يصدر من هنا او هناك، ما زال يُمثل الخيار الأنسب للجميع، لما يتمتع بمصداقية بالنسبة الى الخارج، وبتأييد واسع في طائفته. ولا يجب أن ننسى أن اللعبة السياسية في البلد، تقتضي حصول إجماع مذهبي على أي شخصية

سياسية، قبل الإجماع الوطني، وللأسف هذا هو الوضع اللبناني بشكل عام. ولا يجب أن ننسى أن الحريري نفسه كان ولا يزال يرغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة، والجميع لمس هذا الأمر من خلال التحركات التي كانت وما زالت تجري والتي تدور في فلك تأييد عودته، سواء من خلال الموقف الذي ظهر من دار الفتوى مؤخراً، أو من خلال تحرك الجمعيات المدعومة حريرياً في الشارع. وهنا يُمكن الغوص في أفكار الحريري فيتبيّن أنه لجأ إلى ممارسة تمرير كل هذه الفترة من أجل تحسين شروطه خلال عملية التفاوض المقبلة، والتي سوف تنطلق الخميس أو الجمعة على أبعد تقدير.

ومن باب تأكيد المؤكد، فقد أدلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل في حديث صحافي حول سقوط حظوظ الخطيب والذهاب الى خيارات جديدة، أن ما حصل يمكن أن يكون قد فتح الباب على مرحلة جديدة، وأنه بإرجاء رئيس الجمهورية لموعد الاستشارات النيابية يبدأ البحث ويُبنى على الشيء مقتضاه، مؤكداً أن الموقف الذي حددته دار الفتوى لم نكن بعيدين عنه. من الأساس كنا نحن مع عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة وهو كان يبتعد. أصررنا عليه بمعزل عن موقف دار الفتوى الذي لم يغيّر كثيراً في المعطيات بالنسبة لنا.

 

تنازلات حزب الله.. ولكن!

من جهته أكد رئيس <كتلة الوفاء للمقاومة> النائب محمد رعد أن تشكيل الحكومة سيتم في النهاية لكننا لم نعش للحظة أن الأمور ستسير بشكل جيد وأن سمير الخطيب هو سيتكلف وهو سيشكل حكومة، وبأحسن الحالات كانوا سيسمحون له أن يتكلف ثم يتعذر التأليف فيعتذر فيأتي الحريري، لم يسمحوا له بأن يصل وأبقوه لعشية الإستشارات ونحن الآن أمام معطيات جديدة. وقال: بتقديري، في النهاية سنجد حلاً لموضوع الحكومة. ممكن أن تطول شهراً أو شهرين لكننا سنجد لها حلاً. ليست المشكلة في تشكيل الحكومة وعدم تشكيل الحكومة بل الوضع الإقتصادي مع الناس ما العمل به؟ سعر صرف الدولار الذي اختلف ما العمل به؟ ورغم قربنا من الناس لأننا منهم لكن لا تصدقوا أحداً بأننا يمكن أن نحل محل الدولة، الدولة هي التي يجب أن تتصدى لمعالجة الوضع الإقتصادي بكل ممثليها عن المكونات اللبنانية كلها، وعلى كل الممثلين لهذا الشعب أن يتحدوا ويتعاونوا حتى يضعوا تشريعات ومبادرات للتخفيف من معاناة الناس.

وختم: لن نناقش بشروط تمس بسيادة البلد. وشروط تجعل لبنان تابعاً لدولة خارجية بسياستها، لا نستطيع أن نتجاوب معها. ونحن مستعدون لتقديم تنازلات لكن ليس على حساب الكرامة والسيادة الوطنية أبداً.

 وفي السياق، تعتبر مصادر مُحايدة أن تيار المستقبل، بوصفه الممثل الأقوى للمكون السني في لبنان، يبدو اليوم أكثر المستفيدين من موقع القوة هذا لفرض الشروط على مآل الحكومة العتيدة، بعدما دفع غالياً ثمن خياراته السياسية والرئاسية، لاسيما منها التسوية المبرمة مع رئيس الجمهورية، وهو ما برز بقوة في الانتخابات النيابية <النسبية> الأخيرة، والتي انتهت إلى انخفاض عدد المقاعد الزرقاء في المجلس النيابي. إنطلاقاً من هذه المعطيات، تلفت المصادر إلى أن الحريري ما كان ليعقد اتفاقه الشهير مع عون إلا لأن هذا الأخير رفع طويلاً شعار <الممثل الأقوى للمسيحيين>، مراهنا، من هذا المنطلق على حقه في الوصول إلى الموقع المسيحي الأول والأهم في الهرمية السياسية اللبنانية.

المؤكد أن لا مجال لتكليف أيّ شخصيّة لرئاسة الحُكومة من دون غطاء الطائفة السنيّة، وتحديداً نقاط الثقل فيها إذا جاز التعبير، أي كل من دار الفتوى لنيل الغطاء الديني، و<تيّار المُستقبل> لنيل الغطاء السياسي من قبل القُوّة الأكثر تمثيلاً شعبياً، بغض النظر عن نتيجة أيّ إستشارات وأيّ أغلبيّة نيابيّة. وبالتالي، ما لم يحظَ مُطلق أيّ مُرشّح بهذا الغطاء، سيفتقر للشرعية الميثاقية على مُستوى الوطن في ظل إستمرار التقوقع الطائفي والمذهبي في لبنان على حساب الفكر العلماني، وسيفتقر أيضاً للشرعية الشعبيّة على مُستوى طائفته، حتى لو تمّت تسميته من قبل أغلبيّة نيابيّة في مجلس النوّاب، مع الإشارة إلى أنّ جهات سياسية عدة رأت في هذا الموقف ضرباً للدُستور، وسطوة دينية، وفرضاً لأعراف جديدة.

 

اعتذار الخطيب في شقيه المذهبي والسياسي!

بناءً على كل تلك التعقديات والعصي التي وضعت في عجلة التكليف والتأليف، أوضح الخطيب من <بيت الوسط> بعد لقائه الحريري وبعد أن كان زار المفتي دريان أنه عندما جرى التداول باسمي لتسميتي رئيساً مكلفاً، نزلت عند تمنيات العديد من الأصدقاء والقيادات السياسية. وهذه مناسبة لأتقدم فيها بالشكر إلى الرئيس عون والرئيس نبيه بري والرئيس الحريري والقيادات التي أولتني ثقتها. وكان من الطبيعي أن أبادر في ضوء ذلك الى إجراء سلسلة اتصالات مع الفاعليات السياسية المعنية. وقد أجريت هذه الاتصالات على مدى أسبوعين تعرضت خلالهما لحملة جائرة من بعض المغرضين. أضاف: بعد اجتماعي الأخير اليوم مع المفتي دريان، توجهت للاجتماع بالحريري الذي هو سماني ودعمني، وأطلعته على موقف سماحة المفتي الذي أعلنته من دار الفتوى.

وختم: بناء عليه، أعلن بكل راحة ضمير اعتذاري عن عدم إكمال المشوار الذي رشحت له، سائلاً الله عز وجل أن يحمي لبنان من كل شر وان ينير ضمائر اللبنانيين والقيادات السياسية وعقولهم لتجاوز الأزمة وبلوغ شاطئ الأمان، مجدداً الشكر

للرئيس سعد الحريري، الذي غمرني بمحبته وثقته والذي سيبقى بالنسبة إلي قدوة في الوفاء والوطنية والقيادة الحكيمة.

واللافت أنه فور الإعلان عن تراجع الخطيب عن الترشح، تم تداول أنباء عن أن متظاهرين يرفضون ترشح الحريري، وتوجهوا إلى <بيت الوسط>. ورداً على من اعتبروا بأن هذه التحركات أتت من متظاهرين ينتمون للحراك ويرفضون ما يعتبرونه تلاعباً من الحريري بمطالبهم بالتخلص من النخبة السياسية القائمة، اعتبر نائب <مستقبلي> رفض الكشف عن اسمه أننا لا نستبعد أن يكونوا مدفوعين من حزب الله أو <الوطني الحر> أو قوى من الحراك ليست بعيدة عنهما في إطار مناوأة الحريري في ظل إصراره على مطلبه بتشكيل حكومة تكنوقراط بينما يطالب <الحزب> وحلفاؤه بتشكيل حكومة تكنوسياسية.

لبنان الى اجتماع باريس!

تلقى لبنان دعوة رسمية لحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولية لدعم لبنان، الذي عُرض الأربعاء الماضي وليوم واحد في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس على مستوى الأمناء العامين لوزراء خارجية الدول الأعضاء للمجموعة أو نواب وزراء الخارجية للدول التي ليس لديها أمناء عامون، وقد افتتح المؤتمر وزير الخارجية الفرنسي <جان إيف لودريان>.

وقد وُجهت الدعوة للمشاركة في الاجتماع إلى أمين عام وزارة الخارجية هاني شميطلي، فيما أرسل السفير الفرنسي لدى لبنان <برونو فوشيه>، إلى الرئيسين عون والحريري نسخة منها، وسط حدوث إرباك إثر توجيه الدعوات. ويأتي اجتماع مجموعة الدعم الدولية لدعم لبنان في وقت مهم يتعلق بعملية التكليف الحكومي والتي تطالب المجموعة بضرورة الإسراع في إنجــــــــــــــــــازها، وفقاً لما ورد في الدعوة للاجتماع، دون أن يعني ذلك أن المجموعة تتدخل في اختيار اسم رئيس

الوزراء أو وزراء الحكومة المرتقبة..

واللافت في الدعوة التي وجهها الأمين العام للخارجية الفرنسية <دولاتر>، قوله إن الحالة الاقتصادية في لبنان تبعث على القلق الشديد وتتطلب من جميع الشركاء اللبنانيين أن يحشدوا قواهم بسرعة، والمطلوب التشجيع الجماعي للسلطات اللبنانية بهدف تشكيل سريع لحكومة فعالة وذات مصداقية قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية لاستعادة الوضع الاقتصادي والمالي، وأيضاً التجاوب مع التطلعات التي عبّر عنها اللبنانيون. وأكد أنه ينبغي على هذا الاجتماع للمجموعة الدولية لدعم لبنان السماح لنا بأن يكون بمثابة مؤشر لتصميم المجموعة الدولية على تجنّب أن تؤدي الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان إلى تعريض الاستقرار وسلامة البلاد والمنطقة وأمن الدولة، للخطر. ومن شأن هذا الاجتماع أن يوضح الالتزامات المتوقعة للعمل على الدعم الممكن للسلطات اللبنانية من أجل إجراء الإصلاحات اللازمة على المدى القصير والمتوسط والطويل بغرض إخراج البلد من الأزمة وإعادته إلى ديناميكية فعالة. وعلى هذا الأساس يمكن الاطلاع بالعمل حول الدعم الممكن للاقتصاد اللبناني.

 

صعوبات اقتصادية مستقبلية!

في هذا السياق، تؤكد مراجع اقتصادية عليا، أن لبنان يحتاج إلى تخفيض إجمالي ديونه العامة التي وصلت الى نحو 85 مليار دولار مع الركود السياسي والاقتصادي المستمر، إذ إن إعادة الهيكلة هي الخيار الوحيد. ويقُدر الدين الخارجي بنحو190 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018 بحسب صندوق النقد الدولي. كما ان سياسة مصرف لبنان  المتمثلة في الاستمرار في سداد التزامات السندات قد ينظر إليها بشكل إيجابي من قبل المستثمرين الدوليين، لكنها في الوقت عينه تقنن الدولارات لاستيراد المعدات الطبية والمواد الغذائية الأساسية وهذا يشكل خطراً كبيراً. ويعتبر المستثمر ان لبنان سيواجه صعوبات في المستقبل بتسديد مستحقات سندات اليوروبوندز.

ورأت ان أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيتطلب من لبنان تخفيض التزاماته على الديون. وهي الطريقة الوحيدة التي يعتبرها المحللون الاقتصاديون قادرة على ضمان إعادة ضبط سياسية واقتصادية كاملة تحتاجها البلاد. والجدير بالذكر، أن هذا الأمر قد يتخذ شكل إعادة هيكلة أو اقتطاع على حاملي السندات.

 

قمة القهر والوجع!

إلى جانب الإستهتار الذي تُمارسه السلطة الحاكمة بما يتعلق بالوضع المُهترئ سياسياً واجتماعياً، كذلك تقاعصت الدولة عن القيام بأدنى واجباتها الإنسانية تجاه المواطن الذي وصل صوت وجعه إلى العالم الآخر. في يوم جارف سيظل محفوراً بالأذهان، أطفاً المسؤولون اللبنانيون هواتفهم وتغيّبوا عن مد يد المساعدة لفئة كبيرة من الشعب اللبناني أمضت يومها على الطرقات التي تحوّلت إلى أنهار بفعل العوامل الطبيعية. كانت تُجرف أجسادهم وأرزاقهم في شوارع أين منها المُحيطات، صغار أو طاعنون في السن، لا فرق، فالمشاهد كانت كافية لتنقل حجم القهر والذل الذي يُعاني منه المواطن اللبناني، وهناك كانت الأوضاع متساوية بين فقير وغني بعد ان جمعتهم المصيبة تحت سماء وطن واحد. وحدهم أهل السياسة تلهّوا برشق بعضهم البعض بالإتهامات، والأنكى أن الجميع تخلّى عن بقعة جغرافية لم يعد يدري اللبناني إلى أي بلدية لبنانية تتبع وربما لم تكن هذه البقعة على خريطة لبنان من أصله.

ويستكمل الوجع طريقه من بيروت والجبل والجنوب والبقاع إلى الشمال، فقد توفي عبد الرحمن كاخية وشقيقته راما كاخية مساء الإثنين الفائت، بعد انهيار سقف منزلهما المتداعي في منطقة الميناء في طرابلس، وبغض النظر عن جنسيــــــــــــــــــــــــــــة القتيلين وهما من التابعية السورية، إلا أن هذا الإستخفاف بحياة البشر على أرض يُفترض أن هناك دولة وقانون تحكمها، استدعى تحرّكاً لأهالي المنطقـــة حيث قاموا بتنفيذ اعتصام امام مبنى بلدية الميناء مطالبين رئيس البلدية بالاستقالة من منصبه ومن الدولة النظر اليهم بدل التلهّي بالمحاصصة وتقسيم غنائم التأليف قبل التكليف.