عنـــــف قاتـــــــل وقـــــانون أســـــير الأدراج!
في العلن أم في الخفاء.. أمام الاطفال والاهل والجيران، وخصوصاً خلف <الاسوار الذكورية> والمفاهيم المتوارثة البالية، كما القول «شرف المرأة مثل عود الكبريت>، أو <لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى>... علينا أن نصدق كل يوم أن جسد امرأة يهوي تحت ضربات الرجل، أباً كان أم شقيقاً أم زوجاً، وأن نفسية امرأة تنهار على وقع صراخ وشتائم.. الى ما هنالك من اشكال التعنيف المادي والمعنوي.
الاسماء المعلن عنها في الإعلام كثيرة ينتظر اصحابها البت في دعواها من قبل القضاة والاختصاصيين، في حين تختفي مئات الاسماء خوفاً من فضائح تجعلها في مرمى الاتهامات العشوائية والشائعات المغرضة. ظاهرة آخذة بالاتساع في لبنان المدينة والقرية والارياف، ما يدعو للسؤال: هل حقوق المرأة، أماً وزوجة وبنتاً وطفلة أخذت طريقها الى سلة المهملات في زحمة الانهيارات الاخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية، وان ما سبق وحققته المرأة اللبنانية بعد نضال خمسة عقود تحوّل الى أنقاض امام هجمة ذكورية شرسة تكاد تنتصر بالضربة القاضية، في مواجهة شلل شبه تام للقوانين المدنية والوصايا الدينية والتشريعات الانسانية، <من شرعة حقوق الانسان، الى شرعة الامم المتحدة، الى القوانين اللبنانية المرعية>، بكلام للنائب ميشال موسى رئيس اللجنة البرلمانية.
نضال طويل ومستمر
في خطاب تناول تعليم النساء عام 1849، في <الجمعية السورية> في بيروت، نادى المعلم بطرس البستاني، رائد حقوق المرأة في العالم العربي بوجوب تعليم المرأة <لأن الله اسبغ عليها قوى عقلية وأدبية لم تعطَ لها عبثاً، ويجب أن يكون لها حق التصرف بها وتهذيبها وتوسيعها بحسب الاقتضاء. في المرحلة التاريخية ذاتها، اعتبر الرائد النهضوي فرنسيس المراش <أن المرأة خير الاصحاب وأطيب الأحباب وجوهر بديع البنية واللطافة. وأهلاً لكل كرامة.. وهي الجزء الاهم في الانسانية والمساعد العظيم لقيام الجنس البشري. وعليه لا يجوز ضرب المرأة وإهانتها وإذلالها أو تزويجها قسراً من دون إرادتها>... وفي العام 1870، أكدت الرائدة النسائية الحلبية مريانا مراش في أول مقالة تكتبها امرأة عربية في مجلة <الجنان> البيروتية، كفاءة المرأة وقدراتها الابداعية، داعية الى إفساح المجال أمامها لتلعب دورها الاجتماعي والانساني وتشارك في نهضة مجتمعها وتقدمه. لكن ما جرى في القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في أوضاع المرأة العربية من بعض الوجوه، بدا بصورة عامة مخيباً بل صادماً لتطلعات هؤلاء الاصلاحيين من بطرس البستاني وفرنسيس المراش وقاسم أمين الى نوال السعداوي ورجاء بن سلامة وهشام شرابي وليندا مطر التي انطلقت من الماضي الى الحاضر في رحلة نضال نسوية صعبة ومعقدة وسط مجتمع <مفطوم> على الذكورية وحكومات متوالية عاجزة.
تقول ليندا مطر: <من الماضي، شابات اختبرن جميع أشكال التمييز، من سلطة الاب والاخ والزوج التي تحكّمت بجميع فصول حياتهن الشخصية، الى سلطة مجتمع <سي السيد> الذي حرمهن التعلّم والعمل وقيدهن بتقاليد وقيم كلها لمصلحة الرجل.. حتى الدولة الذكورية التي بقوانينها فرضت اللامبالاة بنحو صارخ>. تضيف ليندا: <في الحاضر شابات اختبرن التمييز ايضاً وان بشكل اقل تخلصن جزئياً من الهيمنة المطلقة للرجل، تساوين معه في التحصيل العلمي بكل مستوياته، ونافسنه في بعض ميادين العمل. تقلصت سلطة بعض القيم والتقاليد. قوانين تبدلت وأعادت الاعتبار للمرأة.. لكن النضال طويل، ورحلة تحرير المرأة لا تزال في بدايتها. اجتماعياً يستمر العنف الاسري، الاغتصاب، التحرش الجنسي، جرائم الشرف، الزواج القسري، زواج القاصرات، النظرة الدونية والتسليعية لجسد المرأة، والقوانين الاجتماعية الصارمة التي تتحكم بأسلوب الحياة وأسس العلاقات مع الرجل والوصاية التي يفرضها>.
المرأة أولى الضحايا
وتؤكد السيدة ليندا مطر عميدة المناضلات اللبنانيات أنها لم تشهد في مشوارها النضالي الطويل <هذه الدرجة من العنف الاسري المتزايد في لبنان، والذي أودى بحياة نساء مستضعفات في الشهور الثلاثة الاخيرة>، ولفتت الى ان <غياب القانون وثقافة المجتمع الابوي ساهما في جعل المرأة ضحية عنف اعمى. ذلك ان القوانين تقف الى جانب الرجل ولا تساند المرأة المواطنة التي تجهد في تأمين لقمة عيش العائلة والساهرة أيضاً على تربية الاولاد>.
مديرة جمعية <كفى عنف واستغلال> زويا روحانا أشارت الى أن حالات العنف الاسري <لم تتفاقم اليوم اكثر من الماضي>. ورأت <ان هذه الجرائم كانت تقع في الماضي، لكن اولياء الضحية كانوا يخشون التحدث عنها محاولين اعتبار موت الضحايا مجرد حادث أوموت طبيعي>. أضافت: <اليوم تغيرت المفاهيم عند اولياء الضحية الذين اصبحوا اكثر جرأة في الحديث عن العنف الاسري>. واعتبرت ان الاعلام يؤدي دوراً مهماً في تسليط الضوء على وقائع هذا العنف ومراحله، مما يضع هذه الآفة في الواجهة امام الرأي العام. وذكّرت بالتحرك الشعبي في الشارع يوم الثامن من آذار/ مارس الحالي وقالت: <بدأنا في نشر الدعوات لتحريك قانون العنف الاسري الذي أقرته حكومة الرئيس ميقاتي عام 2010 وهو اليوم في عهدة مجلس النواب>.
النائب الدكتور ميشال موسى رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية لا ينفي ان العنف الاسري في لبنان تعدى الخط الاحمر، بما هو معلوم وبما هو مستور، <وبالتالي لا بد من تمرير قانون العنف الاسري، وجرى تأجيل اقراره لشلل اصاب البرلمان خلال سنتين تقريباً. ولفت الى ان الانظار تتجه لعودة المؤسسات الرسمية وتفعيل عملها بعد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام. وبما يشكل عودة الحراك الى مجلس النواب وجرعة أمل لإعادة تحريك مطلب محق وملحّ>. وهو إذ يؤكد أن المرأة اللبنانية نالت كامل حقوقها، قول غير صحيح، يشير الى ان هذا الامر يعود طبعاً وعملياً، أقله في احد وجوهه الى المناخ المجتمعي، اي غلبة الذكورية على المفاهيم الاجتماعية المتوارثة في لبنان.
النائب موسى يلفت الى النتائج ويرى <ان مشاركة المرأة اللبنانية في الوظائف والاعمال الخاصة باتت واضحة ومميزة، لكنها تستمر ناقصة بشكل كبير في المؤسسات العامة، وخصوصاً في السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن هذا النقص لا ينفي أبداً ان القوانين اللبنانية، قياساً على كثير من الدول الجارة والشقيقة، هي احسن بكثير وهي ترعى الى حد كبير المساواة بين المرأة والرجل>. وكشف عن اسباب كثيرة تعرقل هذه المعادلة الانسانية <نتيجة التدخلات الدينية وقانون الاحوال الشخصية التي تخلق احياناً عقداً كثيرة دون ان نغرق في التفاصيل>.
والدليل على ذلك، يقول الدكتور موسى: <تفشيل مشروع الزواج الاختياري، وهو جزء من حرية الذكر والانثى. أما الموضوع الاهم فهو العنف ضد المرأة.. وأكد ان هذه الامور تتقدم ببطء، لكننا ما زلنا بعيدين عن كل الاهداف التي يجب تحقيقها. وللاسف نحن في بلد نصدر قوانين ونعجز عن تنفيذها لظروف سياسية.
ورداً عن سؤال حول اهم بنود القانون <النائم> في الادراج، اشار الدكتور موسى الى نقاط متقدمة جداً، وخصوصاً لجهة حماية المرأة والاسرة، بدءاً من توصيف العنف ضد المرأة الجسدي والنفسي والمعنوي والمادي والجنسي، ثم تشديد العقوبات وحماية الشهود والمرأة نفسها. كان المطلوب سابقاً دليلاً حسياً ومادياً، وقد جاء القانون لينصف هؤلاء ويحميهم. وهناك ايضاً تشكيل فريق متخصص في الضابطة العدلية للقيام بالتحقيقات المطلوبة، وصندوق لرعاية المرأة المعنفة يتكلف بحماية المرأة والشهود، بانتظار جلاء الامور.
كل ذلك يبقى حبراً على ورق، وتبقى المرأة ضحية التعنيف بكل أشكاله واساليبه!
في رأي الدكتور ميشال موسى ان الامور ليست متروكة، خصوصاً ان قوانين سابقة لاحظت حالات العنف ضد المرأة وغير المرأة. الجريمة تنال عقابها.. لكن الجديد في القضية ونتيجة المطالب الملحة من المنظمات الاهلية والمدنية وقد بلغت حوالى 170 جمعية، هو اتخاذ اجراءات مشددة وسريعة لمعالجة هذه القضايا من قبل النيابات العامة وان يتمتع المدعي العام بسلطة وضع المعنفة في مكان آمن، وهذا ما لم تلحظه القوانين السابقة.
وهو إذ لاحظ في الوقت نفسه ارتفاع نسبة العنف ضد المرأة في الشهور الاخيرة، لفت الى أن <الخوف من الفضيحة كان السبب وراء ذلك، حيث كانت الامور تبقى خارج الاعلام والشارع، بمعنى <لفلفة> الموضوع، وثانياً بسبب التفلت الاخلاقي العام، ما جعل الامور العنفية تتعدى حدود المعقول، وصولاً الى القتل، فضلاً عن الاوضاع الاقتصادية والاحداث الامنية والتشنج العام، ما يخلق مناخاً عاماً دافعاً أو محفزاً للعنف>.
وانتهى الدكتور موسى الى التأكيد على أن لبنان يتقدم حثيثاً في هذا الشأن، وذلك من خلال قوانين تقدم أفضل الممكن. وقال: لبنان وقع على المعاهدات الدولية الخاصة بحماية المرأة والاسرة والاطفال، ولا بد من اصدار تشريعات تلبي متطلبات القوانين الدولية، علماً أن النضال النسوي مهمة لا تتوقف لإقرار قوانين جديدة وتنفيذها. وحسب المرحومة لور مغيزل: موضوع المرأة نضال مستمر يجب متابعته لتحقيق المساواة والعدالة بين المرأة والرجل.