تفاصيل الخبر

حادثة قبرشمون تعطل جلسات ”حكومة الى العمل “ وتهدد بفرط عقدها

19/07/2019
حادثة قبرشمون تعطل جلسات ”حكومة الى العمل “ وتهدد بفرط عقدها

حادثة قبرشمون تعطل جلسات ”حكومة الى العمل “ وتهدد بفرط عقدها

 

بقلم حسين حمية

لا يزال لبنان الرسمي والشعبي مشغولاً بحادثة قبرشمون التي جرت في 30 حزيران (يونيو) الماضي عندما حصل اشتباك بين حراس موكب وزير شؤون النازحين صالح الغريب وعناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض الاهالي في البلدة الذين كانوا يقطعون الطريق بالعوائق احتجاجاً على زيارة وزير الخارجية جبران باسيل لمنطقة الشحار الغربي ما ادى الى سقوط اثنين من مرافقي الوزير الغريب هما سامر ابي فراج ورامي سلمان الامر الذي أيقظ الفتنة واحدث بلبلة وردود فعل من الحزب الديموقراطي حيث قطع انصاره بعض الطرقات ليجتمع المجلس الاعلى للدفاع ويصدر قراراً بفتح الطرقات وملاحقة المخلين بالامن وتوقيف المتورطين بالحادثة التي ارخت بثقلها على الوضع الحكومي حيث عمد رئيس الحكومة سعد الحريري الى تأجيل الجلسات على مدى اسبوعين لكي لا يتحول مجلس الوزراء الى ساحة اشتباك نتيجة الخلاف حول احالة الجريمة الى المجلس العدلي كما يطالب رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان ومعه تكتل لبنان القوي، حيث سأل ارسلان: لماذا الخوف من المجلس العدلي؟ رافضاً التعاطي مع ما حصل بخلفيات سياسية ودم الناس لا علاقة له بالسياسة، معتبراً ان كل من يهرب من المجلس العدلي يغطي الجريمة، بينما قال الوزير الغريب ان دم الشهداء أمانة في أعناقنا وحقنا مع القضاء اللبناني ونأمل أن يأخذ التحقيق مجراه، علما بأن الوزير السابق وئام وهاب دعا الى التصويت بهذا الشأن في مجلس الوزراء، فيما رفض الحزب التقدمي الاشتراكي ذلك مدعوماً من قوى اخرى لاسيما <المستقبل> والقوات، وقال رئيس الحزب التقدمي النائب السابق وليد جنبلاط: لسنا قطاع طرق، ووحده التحقيق يقرر مسار

العدالة وكفى القفز الصبياني على الاستنتاجات بأن حادثة البساتين كانت محاولة اغتيال، في وقت نشطت الوساطات لاسيما من قبل رئيس المجلس نبيه بري ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم لحل هذه الاشكالية ولمنع تفاقم الوضع اكثر ولكي يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد بشكل طبيعي دون ان يكون مفخخاً من داخله ويتحول الى ساحة لتصفية الحسابات قد يطير معه حكومة الى العمل بالكامل وينفرط عقدها، ناهيك عن تصدع مصالحة الجبل التي انجزت عام 2000 وعاد على أثرها المهجرون المسيحيون الى قراهم وبلداتهم التي هجروا منها في حرب الجبل عام

1983.

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد شدّد في هذا الاطار على أن ما حدث يجب ألا يتكرر وحرية تنقل اللبنانيين في المناطق ولا سيما ممثلي الشعب يجب أن تبقى مصانة، مؤكداً أن المصالحة في الجبل ثابتة ولا نريد للبنان ان يصبح بلداً للكانتونات، وقال ان التدابير التي اتخذت في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع ستنفّذ ومرتكبي الاحداث الاخيرة سيقدمون الى القضاء لتأخذ العدالة مجراها الطبيعي، فيما نشط الرئيس بري على خط المعالجة وتواصل مع كافة الاطراف، وقال ان الحل لا يكون بالسياسة وحدها، ولا بالقضاء وحده ولا بالأمن وحده بل بالثلاثة معاً، معتبراً انه بناء على نتائج التحقيقات يتقرر ما إذا كان ثمة ضرورة لاحالة الجريمة على المجلس العدلي، أي إذا ثبُت بأن الحادث مدبّر أو يمسّ بأمن الدولة، متسائلاً عن جدوى الإحالة على المجلس العدلي، وقال: إذا كان في إطار العجلة، فهناك عشرات الملفات التي لم يُبت بها في المجلس، وقد تكون المحكمة العسكرية أسرع منه، مشدداً على ضرورة الإنهاء السريع للوضع المتوتر بعد حادثة قبرشمون، بينما تواصل الرئيس الحريري مع المعنيين ساعياً لإيجاد حل للأزمة، معتبراً أن على القضاء أن يأخذ مجراه في التحقيق أولاً لتبيان مدى جواز إحالة القضية الى المجلس العدلي أو لا، وفي حال دعا القضاء الى الإحالة لكل حادث حديث، مشدداً على انه لن يسمح بتفجير مجلس الوزراء من الداخل، كما انه لن يسمح بتعطيل الجلسات الى ما لا نهاية.

إنشاء المجلس العدلي ومهامه

 

 وبالعودة الى المجلس العدلي فهو محكمة استثنائية أنشئت مع إنشاء دولة لبنان الكبير بموجب القرار الرقم 1905 تاريخ 12 أيار(مايو) 1923 الصادر عن حاكم لبنان الكبير نص على إنشاء محكمة استثنائية اسمها المجلس العدلي ووظيفتها النظر في جنايات القتل تعمداً أو بلا تعمد، كما نص القانون الصادر في 3 شباط(فبراير) 1948 على: تألفت محكمة استثنائية تعرف بالمجلس العدلي ووظيفتها النظر في الجرائم المنصوص والمعاقب عليها في المواد 270 إلى آخر المادة 326 من قانون العقوبات.

 وإختصاص المجلس العدلي النظر في الجرائم الواقعة على أمن الدولة: الخيانة ــ التجسّس ــ الصلات غير المشروعة بالعدو ــ الجرائم الماسّة بالقانون الدولي ــ النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي ــ جرائم المتعهدين ــ الجنايات الواقعة على الدستور ــ إغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية ــ الفتنة ــ الإرهاب ــ الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة ــ النيل من مكانة الدولة المالية ــ جرائم الأسلحة والذخائر ــ التعدي على الحقوق والواجبات

المدنية ــ وجمعيات الأشرار.

كذلك من اختصاصه جرائم الإعتداء أو محاولة الإعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضد البعض الآخر، أو الحضّ على التقتيل والنهب والتخريب، وجرائم ترؤّس عصابة مسلحة أو تولي وظيفة أو قيادة فيها بقصد إجتياح مدينة أو محلة أو بعض أملاك الدولة أو بعض أملاك جماعة من الأهلين، أو بقصد مهاجمة أو مقاومة القوة العامة العاملة ضد مرتكبي هذه الجنايات، وجرائم صنع أو اقتناء أو حيازة المواد المتفجرة

أو الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة أو الأجزاء التي تستعمل في تركيبها أو صنعها بقصد اقتراف الجنايات المذكورة أو أية جناية ضد الدولة، وكل عمل إرهابي أو مؤامرة بقصد ارتكاب هذه الجنايات.

وايضاً جميع الجرائم الناتجة عن صفقات الأسلحة والأعتدة التي عقدتها أو تعقدها وزارة الدفاع الوطني والجرائم المرتبطة بها أو المتفرعة عنها لا سيما جرائم الرشوة وصرف النفوذ والإختلاس واستثمار الوظيفة، وجرائم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة، والتزوير والشهادات الكاذبة وانتحال الهوية، وجرائم العسكريين

في تزوير الحساب في شؤون المحاسبة واستعمال أوراق مزوّرة، وسرقة الأموال أو الأعتدة أو الأجهزة أو الألبسة أو الأسلحة أو الذخائر أو الحيوانات أو أي شيء من أشياء الجيش إذا اختُلست أو بيعت أو رُهنت أو بُددت.

وتحال الدعاوى المتعلقة بهذه الجرائم والتي هي قيد النظر أمام القضاءين العسكري والعادي الى المجلس العدلي الذي تشمل صلاحياته المدنيين والعسكريين على السواء، حيث ان قرار الإتهام الصادر عن المحقّق العدلي بتجريم المتهمين وإحالتهم أمام المجلس العدلي ليحاكموا بالجرائم المتهمين بها هو قرار مبرم بدون استئناف او تمييز. وتحال الدعوى العامة على المجلس العدلي بناءً على مرسوم يُتخذّ في مجلس الوزراء بالاكثرية العادية.

وزراء عدل سابقون يحددون

مــــواقفهم من الاحالة

 

فماذا يقول بعض وزراء العدل عن هذه الحادثة وهل تستوفي الشروط القانونية والمعطيات الكاملة لكي تحال على المجلس العدلي، علماً بأن لمجلس الوزراء سلطة استنسابية واسعة بإحالة أي جريمة تمس بالأمن الداخلي والسلم الأهلي الى هذا المجلس الذي يشكل في تكوينه واختصاصه وأصول العمل لديه محكمة استثنائية بامتياز، إلا أنه كما هو متعارف عليه الإحالة تكون بقرار سياسي يتم التوافق عليه بين مختلف الأفرقاء؟

وزير العدل الحالي القاضي البرت سرحان قال ان المجلس العدلي له طابع محكمة استثنائية، ولا تحال عليه الدعاوى إلا بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. فالإحالة على المجلس العدلي قرار سياسي، فإذا كانت هناك جريمة معينة القانون يحدد الاختصاص والمدعي سيذهب الى المحكمة حتى لو لم يكن يحب القضاة. والمجلس العدلي يحدد الحالات التي ينظر فيها، وكي يستطيع ان ينظر فيها يحتاج الى مرسوم وقرار سياسي من مجلس الوزراء، وهذا القرار حتى اليوم لم يصدر، ونحن في انتظاره، وهذا يدخل ضمن تقدير مجلس الوزراء.

اما وزيرالعدل الاسبق ادمون رزق(1989 ــ 1990) فقال: كل جريمة يعتبرها مجلس الوزراء تمس بالسلم الاهلي وتهدد امن الدولة تحال على المجلس العدلي لأن هذا المجلس هو محكمة استثنائية تحاكم على درجة واحدة غير قابلة للإستئناف او

التمييز، حيث يعتبر ذلك نوعاً من الاجراء الخاص لمواجهة تفاقم الخطر على امن الدولة عبر اقتراح من وزير العدل مباشرة يضع مجلس الوزراء يده على الملف ووزير العدل يعين محققاً عدلياً تكون لديه صلاحية الهيئة الاتهامية.

واوضح ان الجرائم التي تكون طابعاً عاماً تهدد السلم الاهلي والامن الوطني تحال على المجلس العدلي، معتبراً ان حادثة قبرشمون لها بعدها الامني والوطني على مستوى الدولة لأنها تتعلق بحساسيات طائفية ومذهبية وحزبية وليست جريمة فردية، ولذلك يجب ان تحال على المجلس العدلي خاصة وان المتهمين يتجاوزون صفة الاشخاص الفرديين لأن المعركة لم تكن بين افراد عاديين قتل بعضهم البعض الآخر بل كانوا افراداً حزبيين في صراع حزبي وطائفي ومذهبي، ولأن القاتل والمقتول لا يعرفان بعضهما البعض ايضاً ولذلك فالموضوع يتجاوز الصفة الفردية الى صراع سياسي له وجهه الطائفي والمذهبي والحزبي وبالتالي لا اعرف لماذا هذا التمنع عن احالتها بشكل طبيعي ودون خلافات على المجلس العدلي.

وقال وزير العدل الاسبق النائب سمير الجسر (2000 ــ 2003) بأن هناك شرطين لكي تحول اي جريمة الى المجلس العدلي الذي يعتبر محكمة استثنائية، الاول موضوعي يتعلق بوجود جريمة تشكل اعتداء على امن الدولة الخارجي والداخلي كجرائم الخيانة، التجسّس، الصلات غير المشروعة بالعدو،الجرائم الماسّة بالقانون الدولي والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، او إغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية، الفتنة والإرهاب والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة، وكذلك الجرائم التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين والحض على الاقتتال والنهب وما الى ذلك او ما يتعلق بصفقات الأسلحة والأعتدة التي عقدتها أو تعقدها وزارة الدفاع الوطني والجرائم المرتبطة بها أو المتفرعة عنها. والثاني هو الشرط الشكلي المتعلق بإحالتها بمرسوم من مجلس الوزراء بعد التصويت وتوفير الشرط الموضوعي، حيث تحال مباشرة اذا كانت واضحة وكاملة المعطيات كإغتيال احد الشخصيات كما حصل

سابقاً او اثارة الفتنة وتهديد السلم الاهلي او فيما بعد نتيجة اكتمال التحقيقات المطلوبة للتأكد ما اذا كان الشرط الموضوعي متوفراً، ويتم التصويت بالاكثرية العددية.

وعما اذا كان يجب احالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي قال انه لم يطلع على تفاصيل التحقيقات ولكن كنظرة اولية من خلال ما اوردته الصحف حول ما جرى من قطع طرقات وحصول حادث عرضي نتيجة الاصطدام والعمل على فتح الطريق فلا يوجد ما يتهدد السلم الاهلي وهي حادثة عادية لم يكن مخططاً لها كما يبدو بل بنت ساعتها وبالتالي فلا يتوفر الشرط الموضوعي لاحالتها الا اذا ارتأى مجلس الوزراء خلاف ذلك نتيجة التوافق دون اللجوء الى خيار التصويت.

كما أكّد الوزير السابق ابراهيم نجار(2008 ــ 2009) ان الجميع يعرف ان طلب احالة حادثة الجبل الى المجلس العدلي، يحتاج الى اكثرية معينة في مجلس الوزراء ويستوجب الحد الادنى من التوافق السياسي، في حين ان رئيس الحكومة سعد الحريري لا يريد ان يفقد عناصر اساسية في الحكومة مثل الحزب الاشتراكي وبعض حلفائه مثل القوات اللبنانية التي تراعي رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط.

وشدّد نجار على ان من الناحية القانونية تحال الى المجلس العدلي الدعاوى المتعلقة بالجرائم التي ينص عليها القانون وهي الاعتداء على السلامة العامة واثارة الفتنة وتعريض السلم الاهلي للخطر، رابطاً هذه الشروط بقرار احالة من مجلس الوزراء في حين ان هناك شيئاً ما تخربط في الجبل وحدث نوع من الفتنة، وليس ضرورياً ان ننتظر ان يوصف المحقق الجريمة لنحول القضية الى المجلس العدلي، لافتاً الى ان الاشارات الاولى توحي ان هناك محاولة لوقف حركة الموكب، ولم تكن هناك

من نية لاغتيال وزير، فيما يحكى انه يمكن احالة القضية الى المجلس العدلي، في حال لوحق امامه جميع مطلقي النار من الفريقين، لا فقط المنتمون الى الاشتراكي.

وأكد وزير العدل الأسبق شكيب قرطباوي(2011 ــ 2014) أن قانون العقوبات هو قانون واحد، والجريمة إن كانت أمام محكمة الجنايات أو أمام المجلس العدلي فنص قانون العقوبات هو نفسه ولا يتعدل، وان الفرق بين المحكمتين هو أن المجلس العدلي محكمة استثنائية لا يمكن اللجوء إليه إلا بقرار من مجلس الوزراء، إذا تبين له أن الجريمة التي حصلت يمكن أن تشكل خطراً على الأمن الوطني او تهدد السلم الاهلي وتحرك النعرات الطائفية والمذهبية فآنذاك له الحق بإحالتها الى المجلس

العدلي، كما أن قراراته نهائية غير قابلة للتمييز على ان التقدير يعود لمجلس الوزراء الذي يطلع على سير التحقيقات ويبني انذاك على الشيء مقتضاه.

وعن إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، اعتبر قرطباوي أننا نكبر الموضوع ونضخمه، فهناك قضايا كثيرة أحيلت الى المجلس العدلي ومنها قضية الإمام المغيب السيد موسى الصدر، إغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض والمفتي حسن خالد وغيرها، وبالتالي يجب أن تحصل تهدئة ونعرف أصل المشكلة وننتظر التحقيقات التي بدأت فور حصول الجريمة ولا نبدأ من الصفر، سائلاً : هل هذه القضية خطيرة لدرجة ارسالها الى المجلس العدلي؟ يجب اعادة الامور الى حجمها الطبيعي، داعياً الى الخروج من المشكلة وتخفيف التشنج، وقال: نحن نضخم المشكلة ونعطيها حجماً أكبر مما هي عليه والبلد بحاجة الى هدوء.