تفاصيل الخبر

جـــيء بجثــة أمــام فــؤاد عمـــون عـــلى أساس انهـــا للإمــام الصــدر فتبيــن أنهــا لمنصـــور الكيخيـــا!

05/09/2014
جـــيء بجثــة أمــام فــؤاد عمـــون عـــلى أساس انهـــا للإمــام الصــدر فتبيــن أنهــا لمنصـــور الكيخيـــا!

جـــيء بجثــة أمــام فــؤاد عمـــون عـــلى أساس انهـــا للإمــام الصــدر فتبيــن أنهــا لمنصـــور الكيخيـــا!

1

تمرّ الذكرى السادسة والثلاثون لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين دون أن يفك لغز اختفائهم رغم سقوط النظام الليبي المسؤول عن خطفهم منذ 36 سنة. فماذا يقول المعنيون بهذه القضية الوطنية والإنسانية؟

<الأفكار>  استضافت في مكاتبها نائب حاكم مصرف لبنان الأول رائد شرف الدين ابن السيدة رباب الصدر شقيقة الإمام المغيّب، وحاورته على هذا الخط بالإضافة الى الشؤون والشجون المالية ووضع الليرة اللبنانية وتأثيرات ما يجري من أحداث داخلية وإقليمية على المالية العامة وتطور البنك المركزي مع مرور 50 سنة على تأسيسه.

حوار شامل حول اختفاء خاله الإمام الصدر وحول الوضع النقدي بكل جوانبه، كان خلاله رائد شرف الدين هادئاً وموضوعياً وشفافاً ووضع النقاط فوق الحروف.

سألناه بداية:

ــ كيف يشعر رائد شرف الدين في هذه اللحظة التي يمر بها وطنه لبنان وماذا يعتبر نفسه؟

- أنا كأي مواطن لبناني يسعى ليكون جديراً بهذه المواطنية بكل ما يقوم به لأنه يعتبر لبنان نموذجاً يستحق التعب والجهد وأن نقدم له الغالي والنفيس. ورغم كل الصعوبات التي يمر بها لبنان، فإنه يبقى كما عبّر عنه قداسة البابا <يوحنا بولس الثاني> لبنان الرسالة واكبر من وطن، وكما عبّر عنه الإمام موسى الصدر قبل البابا  عندما قال: <لبنان ضرورة حضارية وإذا سقطت تجربة لبنان أظلمت البشرية لمدة 50 سنة>، وبالتالي هذا الوطن الذي يحمل في ذاته كل عوامل شقاقه يحمل أيضاً كل عوامل إبداعه ووحدته ويستحق منا كل التضحيات.

ــ على ذكر الإمام موسى الصدر، أي ملامح وصفات أخذت من خالك الإمام، لاسيما وان المثل يقول: <الخال خوّال>!

-  يا ريت يصدق المثل القائل: <الولد لو بار بيطلع تلتينو للخال>... فأنا لا أريد الثلثين بل يكفي الثلث أو حتى 10 بالمئة من صفات الإمام الصدر. وعلى كل حال، فهناك عدة صفات تأثرت بها وهي الشخصية الحوارية المنفتحة المستعدة دائماً لأن تصغي للآخر قبل أن تتكلم، وأن تتفهّمه.

لا جديد في ملف الإمام الصدر

ــ يوم الأحد الماضي، مرت الذكرى السادسة والثلاثون لتغييب الإمام ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. فما آخر المعلومات عن هذا الملف، علماً أن نائب رئيس الجمهورية السوري عبد الحليم خدام وصف في مقابلة مع الصحافي الراحل نبيل خوري سماحة الإمام بالمرحوم؟

- أولاً الرحمة تجوز على الطيّب وعلى الميت، وثانياً هناك روايات عديدة سيقت  لما حدث، والملفت أن كل رواية تتهاوى وحدها كأوراق الخريف وليس هناك من داعٍ لربطها مع رواية أخرى. وسبق أن تم الاتصال بأحمد رمضان داخل السجن بعد انتصار الثورة الليبية وهو كاتم أسرار معمر القذافي، فقال إن الإمام ورفيقيه جاءوا يوم 25 آب/ أغسطس من العام 1978 واستقبلهم وفد رسمي وأخذهم الى خيمة القذافي، وكشف أن مشادة حصلت داخل الخيمة حيث أمر القذافي بأن يتم أخذهم أو بمعنى آخر قتلهم. واستعمل كلمة <يقال>، لكن في اليوم الآخر اتصل بنا شخص آخر سبق وذكر أحمد رمضان والده، وكان من ضمن الوفد الرسمي ورفض زج اسم والده لأنه قُتل في شباط/ فبراير من العام 1978 أي قبل وصول الإمام الى ليبيا بستة أشهر خلال سقوط طائرة مروحية، وبالتالي فكل الروايات مجرد تأويلات وقس على ذلك.

عناق عبد الجليل وابن موسى الصدر

ــ ما آخر المعلومات؟

- لم يستطع أحد أن يخبرنا شيئاً حاسماً، ونحن نرى أن هناك أشخاصاً لا يعرفون ويوحون بأنهم يعرفون، وأشخاصاً لا يتعاونون كيلا يقروا على آخرين، علماً ان المسلّمة لدينا هي القذافي وهو المسؤول الأول والأخير، وإذا نفذ من هم حوله فلا يبرر ذلك أنه المسؤول وحده، لكن في غياب القذافي تغيب الحلقة الأصغر من المرتكبين والمتورطين أو من المطلعين على الملف، ولكن لم يظهر أي منهم أي استعداد للتعاون ولم يكشف عن أي معلومة حتى ان الوفد الرسمي اللبناني الذي زار ليبيا بعد الثورة والتقى رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل والذي كان وزيراً للعدل زمن اختفاء الإمام الصدر، كان هذا الوفد يضم وزير الخارجية عدنان منصور وآخرين ومنهم صدر الدين ابن الإمام الصدر، وما ان تعرف عليه مصطفى عبد الجليل حتى شده الى صدره وقبّله. وأبدى الليبيون كل تعاون على مستوى اللياقات، لكن عملياً لم يحصل أي شيء، وأركان النظام السابق حسب استنتاجنا لا يريدون أن يدلوا على أي متورط أو مرتكب.

ــ ألا ترى ضوءاً يكشف هذا اللغز؟

- هناك روايات عديدة، ومنها أن الإمام قُتل ورُمي في المياه، وأخرى أنه رمي في الصحراء وثالثة أنه دفن في نفق تحت الأرض، وبالتالي تعدد الروايات مقصود لتضييع الحقيقة، لكن الأكيد أن الإمام بقي في ليبيا ولم يغادرها الى ايطاليا، وهذا مثبت من قبل القضاء الإيطالي، وصحيح أن تعاطينا مع الموضوع عاطفي ووجداني، ولكن أيضاً بشكل عقلاني ونعتبر ان من يسير في هذا الخط النضالي لا بد أن يتعرض الى مخاطر، والإمام الصدر لم يكن يوماً على هامش المخاطر بل كان في عمقها وفي عين العاصفة دائماً وجرت محاولات لاغتياله أكثر من مرة..

ــ هل معنى ذلك أن الموضوع أقفل؟

- قضية مثل قضية الإمام الصدر لا يجوز أن تقفل لأننا آنئذٍ نهين كرامتنا كلبنانيين ومسلمين وأناس على قناعة بقداسة هذه القضية وفداحة هذه الخسارة، ومهما تكن قناعة الناس بإمكانية بقائه على قيد الحياة، علماً ان عمر الإمام الصدر اليوم هو 86 سنة، وجدتي أو والدته عندما توفيت كان عمرها 101 سنة، فإن ذلك يعني أن العائلة معمّرة بيولوجياً، ويمكن أن تكون هناك أماكن احتجاز غير معروفة حتى الآن، لأنه منذ قيام الثورة وهناك إرباك وانقسام بين الشرق والغرب وبين القبائل، وللأسف هذا الانقسام يترسخ ما يعني أن الملف مفتوح لحين تحرير الإمام ورفيقيه، والبعض يقول حتى إماطة اللثام عن هذا اللغز، وكل واحد حر في رأيه، لكن الى هذه الساعة لم نحصل على رواية متماسكة تؤكد ما حصل رغم أننا لا نخشى من مواجهة أي حقيقة، لكن الحقائق التي تطرح لا تزال مُلتبسة، حتى ان الجثة التي وجدت في مدفن تاجوراء وأرسلتها السلطات الليبية إلينا لفحصها بعد الاشتباه بها، تبيّن بعد الذهاب الى هناك أنها لا تعود للإمام الصدر على اثر فحص الحمض النووي في مختبرات <سراييفو> في البوسنة وهي من أهم المختبرات العالمية تحت إشراف فؤاد عمون الذي كان ضمن الوفد الرسمي اللبناني وهو قال عن الجثمان فور رؤيته انه لا يعود للإمام الصدر، لأن الإمام الصدر أطول وعظمة الساق تكون بحجم ثلث الجسم، لكن استنتج الليبيون فيما بعد ان الجثة قد تعود لمنصور الكيخيا الذي كان وزيراً للخارجية واغتيل في ليبيا ولم يعرف مصيره وأين جثته.

نأتي الى الوضع النقدي والشق المالي ونسألك:

ــ 50 سنة مرّت على تأسيس مصرف لبنان. فكيف تلخص لنا دوره المالي والنقدي وأثره الإيجابي على المالية العامة، وما هو التطور الأبرز الذي شهده خلال هذه السنوات؟

- لعب مصرف لبنان منذ تأسيسه دوراً محورياً في تفعيل القطاع المصرفي والمالي اللبناني خلال التعاميم التي أصدرها، والتي نظم بموجبها عمل المصارف، كما والقوانين التي ساهم في إعدادها، وانتقل بنتيجته العمل المصرفي <من نواة الى قطاع» تجاوزت أصوله الـ170 من مليار دولار أميركي في حزيران/ يونيو 2014. وبالرغم من الصعوبات التي مرّت عليه، استطاع مصرف لبنان أن يبني قطاعاً مصرفياً سليماً وناجحاً وأن ينظم كل العمليات المصرفية، وذلك من خلال الدور المعطى له بموجب قانون النقد والتسليف، ما سمح له بالتحرّك عندما تكون المؤسسات الأخرى تواجه الصعوبات. وفي هذا الإطار، قام مصرف لبنان بورشة عمل كبيرة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة الثقة بالليرة اللبنانية.

وأضاف:

- اليوم نشهد على متانة هذه الليرة والثقة التي تتمتع بها في الأسواق ولقد أصبحت عملة تسليف أساسية. في بعض الأحيان، وجد مصرف لبنان نفسه مضطراً للمساهمة في تمويل الدولة من دون أن يخلق تضخماً والقيام بأعمال لها طابع تجاري كشراء شركة طيران الشرق الأوسط على سبيل المثال. وكذلك قام بمبادرات في قطاع التسليف من خلال القروض المدعومة، وعمل على تفعيل الاقتصاد في بلد كان تصنيفه منخفضاً. كذلك عمد مصرف لبنان الى اتخاذ مبادرات في القطاع المصرفي من خلال عمليات الدمج التي تمت لتدعيم القطاع، وبالتالي هناك محطات عدة بارزة مرت على المصرف خلال هذه السنوات الطويلة أهمها انه استطاع تأمين الاستقرار النقدي وإنشاء مؤسسات تحمي مدخرات اللبنانيين وتنمّي الاقتصاد الوطني وتجعل القطاع العام مرتاحاً في التمويل بشكل تنخفض في ظله الفوائد على السندات.

ــ السرية المصرفية هي ميزة لبنان الأساسية مالياً والتي لم تعد تعتمدها أي دولة أخرى حتى سويسرا. فما أثرها على حركة نقل الأموال والاستثمار من جهة وتبييض الأموال من جهة أخرى. ألا تزال ضرورة للبنان؟

- خلال الأعوام الماضية، برز نهج جديد لدى دول العالم المؤثرة يميل الى إلغاء السرية المصرفية في الدول التي لا تزال تحافظ عليها. فآخر المعاقل سويسرا اضطرت للرضوخ الى الضغوط الأميركية تحت ستار التهرب الضريبي. أما في لبنان، فلعبت السرية المصرفية منذ إقرارها دوراً إيجابياً في استقطاب الرساميل وتطوير القطاع المصرفي. بالفعل، تشكل السرية المصرفية أحد العناصر الثلاثة الأساسية (إضافة الى الثقة في حاكمية مصرف لبنان والذهب)، في بناء اندفاعة المتعاملين في السوق اللبنانية. وهي ما زالت ركيزة  أساسية في العمل المصرفي اللبناني، والمصرف المركزي يعمل ضمن الصلاحيات المعطاة له بالقانون النقدي. كما ساهم مصرف لبنان بتجاوز مرحلة الضغوط على إلغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعّالة بإقرار قانون مكافحة تبييض الأموال وإنشاء هيئة التحقيق الخاصة.

واستطرد قائلاً:

- اليوم باتت لدى لبنان قوانين تساعده للتعاون مع التحقيقات ذات المصادر الخارجية وهي لا تصطدم بالسرية المصرفية. وهذا الأمر واضح، وهيئة التحقيق الخاصة تنشر كل سنة كتيّباً يظهر عدد الحسابات التي رفعت عنها السرية المصرفية. تبقى هناك قوانين مطلوبة للتعاون في التحقيقات المرتبطة بتبادل المعلومات الضريبية مع الخارج، ولكن ضمن ضوابط، إضافة الى قانون للتصريح عن الأموال النقدية عبر الحدود، وهذا القانون لا يمنع نقل الأموال فقط بل التصريح عنها. وإذا قام لبنان بتطبيق هذه الخطوات فلن تكون هناك ضغوط لأن الهدف الذي تبحث عنه الاقتصادات المتطورة هو مكافحة التهرب من الضرائب وليس محاربة السرية المصرفية في لبنان، لكن هذه المجموعة لا تسمح للسرية المصرفية بأن تمنعها من التحقيق في عمليات التهرب من الضرائب.

<فاتكا> أميركا وبنوك لبنان

ــ انطلاقاً من ذلك، كيف تنظر الى التدخل الأميركي في حركة المصارف اللبنانية بحجة مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال مثل قانون <فاتكا>، وآخرها محاكمة البنك العربي بتهمة مساعدة حركة <حماس> وألا يعتبر ذلك ابتزازاً واضحاً طالما أن مصرف لبنان شدد الرقابة على المصارف وحركة الأموال تجنباً للغرامة الأميركية من خلال التعميم 126؟

- <الفاتكا> إجراء عالمي يطال مواطني الولايات المتحدة وحدهم، وهو موجه الى جميع دول العالم وليس الى لبنان فقط، والمصارف مستعدة لتطبيق هذا القانـون وقـد وضع مصرف لبنان الآلية الواجب اتباعها بالتوافق مع المصارف اللبنانية، وفي الحالات التي يكون فيها اصطدام بين تطبيق قانون <فاتكا> الأميركي والسرية المصرفية المعتمدة ضمن القطاع المصرفي اللبناني، يكون الدور الفاصل للهيئة الخاصة الخاضعة للقوانين اللبنانية تسهيلاً لتعامل المصارف مع السلطات الضريبية الأميركية. أما في ما يتعلق بالعقوبات المالية والاقتصادية، فقد أصدر مصرف لبنان التعاميم واتخذ التدابير التي تشدد على عدم مخالفة أعمال في لبنان لقوانين المصارف المراسلة في دولها، ما يحول دون تعريضها الى مشكلات في دولها. ويبقى من أولويات المصرف المركزي العمل على أن لا يشكل أي من القوانين الأميركية والدولية عنصراً إضافياً لتعطيل عمل المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة. كل المصارف اللبنانية ملتزمة بالتعاميم الصادرة عن المصرف المركزي وكل القوانين والتشريعات التي تحمي القطاع. فلبنان صادق في علاقاته الخارجية من حيث احترام القوانين العالمية. كما ان مصارفنا تدار بمهنية ومسؤولية، وهي شكلت لجاناً ليست للمخاطر والامتثال فقط، بل للإدارة الحكيمة ايضاً.

ــ ما سر التدفقات المالية على لبنان حتى وصل الاحتياط بالعملات الأجنبية الى 35 مليار دولار عام 2013؟

- عمد مصرف لبنان منذ أكثر من عقدين الى تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني وبناء قطاع يتمتع بميزات فريدة ويطبق المعايير الدولية. إن التدفقات  المالية التي يستقطبها لبنان هي نتيجة هذه السياسة، ومصادرها الرئيسية تأتي أساساً من المغتربين اللبنانيين والقائمة بحسب إحصاءاتنا منذ استقلال لبنان. وبالفعل فإن التحويلات المالية الى لبنان التي توازي 20 الى 30 بالمئة من الناتج المحلي سنوياً، تشكل دليلاً واضحاً على سلامة هذا القطاع وثقة المغتربين به. وهذه التدفقات تسد فجوة ناتجة من الميزان التجاري وتجعل ميزان المدفوعات  في حال جيدة، كما أنها تؤمن جزءاً مهماً من العملات الاجنبية الموجودة في لبنان. وهي بحسب البنك الدولي قدرت بـ2,7 مليارات دولار في العام 2012.

ــ لم يتأثر لبنان بالأزمة المالية العالمية بدءاً من العام 2008 بفعل نجاح مصرف لبنان في استقطاب الرساميل وخفض معدل الفائدة كما قيل. فهل هذا هو السبب أم كانت هناك إجراءات أخرى حمت الواقع المالي؟

- إن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم سنة 2008 لم تؤثر على لبنان، وذلك بفضل النموذج المصرفي المحافظ الذي اعتمده مصرف لبنان وطوّره منذ عام 1993 والذي نجح في استقطاب الرساميل وفي خفض معدلات الفائدة. ومنذ ذلك الحين، استطاع مصرف لبنان المحافظة على هذه المعدلات رغم الصعوبات التي برزت مع نشوب ثورات الربيع العربي وبداية الحرب في سوريا. وبالفعل اعتبر مصرف لبنان ان المحافظة على الثقة تفترض ثبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علماً أن هذا القرار وإن كان مكلفاً أحياناً، سمح بصون الاستقرار وتعزيز الثقة بالقطاع المالي وتأمين المناخ المؤاتي للاستثمار والاستهلاك وأعاد الليرة كعملة تسليف مما ساهم بنمو التسليف والاقتصاد. إن المصرف المركزي باقٍ على هذا الهدف ويعمل دائماً لتأمين الإمكانيات من أجل تحقيق ذلك. كما أن هذا النموذج المحافظ يرتكز على رسملة جيدة ويطلب من المصارف التقيد بمعايير الملاءة التي تفرضها اتفاقية <بازل3> وبالتالي تخطت نسبة الملاءة الـ 12 بالمئة. علاوة على ذلك، فرض مصرف لبنان على كل مصرف منذ أكثر من 15 عاماً تكوين سيولة لا تقل عن 30 بالمئة، مما يخفض مستوى الاستدانة الى عشرة أضعاف بالنسبة الى الأموال الخاصة للمصرف. كما شدد على فصل المصارف التجارية عن مصارف الأعمال، باعتبار أنها تقوم بأدوار مختلفة تماماً، وتفادياً لتوظيف سيولة المصارف التجارية في استثمارات طويلة المدى غير سائلة أو في المضاربة. وقد نظّم المشتقات المالية والمنتجات المركبة والقروض للقطاع العقاري والأدوات المالية. كما خطط مصرف لبنان لقطاع مصرفي لا يكون فيه تركيز مخاطر القطاع في مؤسسة واحدة أو في مؤسستين أو ثلاث مؤسسات، على غرار ما حصل في بلدان اخرى. لذلك منع الدمج بين المصارف الـ11 الأولى، كما ترافقت هذه السياسة مع رفض إفلاس أي مصرف.

وتابع يقول:

- إن النموذج المصرفي المحافظ الذي اعتمده مصرف لبنان قد أعطى ثماره. وخير دليل على ذلك ميزانية المصرف المركزي والمصارف اللبنانية عموماً. حيث نال هذا النموذج الثقة التي تعتبر ركيزة الاستقرار، وهي وليدة الجهود التي يبذلها المصرف المركزي باستمرار على مستوى القيادة والصدقية والشفافية والترقّب وصنع القرار.

سندات الخزينة وفوائدها

ــ يعتمد مصرف لبنان سياسة استبدال السندات بشهادات إيداع بالعملات الأجنبية وعند إقرارها في مجلس النواب يستبدلها بشهادات إيداع بسندات خزينة لما يعرف بـ<سواب>. فهل هي السياسة الأفضل حالياً أم هناك بدائل أخرى عند الحاجة؟

- إن السياسة التي اعتمدها مصرف لبنان أثبتت جدواها على مر السنين وهي تهدف الى تعزيز الثقة بالعملة اللبنانية وتوفير السيولة الملائمة والمحافظة على استقرار الفوائد وتأمين ملاءة الدولة في كل المحطات. والمصرف المركزي يتعامل مع كل محطة من المحطات التي تمر على لبنان حسب مقتضياتها ولديه من الهندسات المالية ما يؤمن استمرار المحافظة على استقرار الليرة اللبنانية. عمليات <السواب> ليست سوى واحدة من هذه الهندسات. لذلك تدخل البنك المركزي في بعض المحطات لضبط السيولة التي دخلت بكميات مهمة وفي وقت قصير من خلال إصدار شهادات إيداع وهي ببساطة على شكل ودائع للحد من مخاطر التضخم والمضاربة وزعزعة الفوائد وأسواق التسليف الناجمة عنها.

كما استطاع مصرف لبنان إعادة تقوية العملة الأجنبية التي كان قد تدخل فيها للدفاع عن الليرة من خلال إصدار شهادات الإيداع بالدولار، وبالتالي استقطاب ودائع كبيرة من الخارج لآجال متوسطة وطويلة. ورأى مصرف لبنان انه من الأفضل إصدار شهادات إيداع بالدولار لكي تسمح له بتمويل الدولة بدون خفض احتياطاته من العملات الصعبة.

وقد طرح مصرف لبنان عملية <السواب> بهدف تسهيل تمويل القطاع العام حرصاً منه على دعم ملاءة الدولة عند الحاجة، وارتفاع محفظته في السندات دليل واقعي على ذلك، علماً ان هذه المقاربة لتمويل الدولة تخفض من المخاطر وتطمئن الأسواق بأن لبنان لن يتخلف عن تسديد ديونه وتعزز الثقة التي ينعم بها.

النمو ومواجهة العجز

ــ الدين العام اللبناني وصل الى 65 مليار دولار والعجز تخطى الـ 7700 مليار والعجز في الميزان التجاري يصل الى 4 مليارات ونسبة النمو وقفت عند حدود الـ2,2 بالمئة. فما هي السياسة المطلوبة حالياً من وجهة نظركم لمواجهة هذا الواقع؟

- حجم الدين العام ليس مشكلة بحد ذاته، إذ لطالما استطعنا استقطاب رساميل بكميات كبيرة. تحتاج الدولة الى تخفيض العجز نسبة الى الناتج المحلي. يجب العمل على تحفيز النمو بنسب أكبر من نسبة نمو العجز أو الدين العام. نتمنى أن يكون على رأس أولويات الدولة إقرار وتنفيذ إصلاحات شاملة وواسعة ومنها إقرار الموازنة التي لم تقر منذ العام 2005 وتطوير البنية التحتية التي لها انعكاسات آنية على الاقتصاد وتفعيل عملية استخراج الغاز وإن لم تظهر النتائج المادية مباشرة نظراً  الى ما يضفي هذا الملف من أمل وتطلعات إيجابية تبني عليها الأسواق. وربما الاستثمارات الأجدى لعائدات الغاز هي في البنية التحتية في لبنان. كما أن هذه العائدات قد تساهم في تخفيض مديونية الدولة وتفعيل الاقتصاد اللبناني. لكن تبقى الإصلاحات أمراً أساسياً وحيوياً من شأنها أن تُسهم في إيجاد بنية مؤاتية لخلق فرص العمل والحد من التضخم ومن العجز. لكن هذه الإصلاحات لن تُعطي ثمارها دون وفاق سياسي بين مختلف الأطياف اللبنانية.

وأضاف:

- لا يملك مصرف لبنان دوراً في تلك المعطيات، بل هي من مسؤوليات الحكومة، ولكننا نشجع نحو هذا التوجّه. وفي هذا الإطار، كون نسبة النمو تتأثر بتداعيات عدم الاستقرار في المنطقة والعبء الكبير الذي يتحمله لبنان، عمد مصرف لبنان الى تحريك الطلب الداخلي وذلك عن طريق التحفيزات التي ساهمت بتحقيق نسبة مهمة من النمو الاقتصادي في العام 2013. لذلك أعاد مصرف لبنان تجديد هذه المبادرة هذه السنة ولو بمقدار أقل، تيقناً منه أن الأحوال في المنطقة لا تزال غير مستقرة ويجب العمل على تحفيز الاستهلاك الداخلي. وفي السياق نفسه، أصدر مصرف لبنان في آب/ أغسطس 2013 تعميماً يهدف الى إطلاق قطاع عجز عن إيجاد موارد الرسملة اللازمة، وهو قطاع اقتصاد المعرفة الذي نعول عليه لتوفير فرص العمل وينعكس مردوده على الاقتصاد الوطني ككل. لقد وضع مصرف لبنان بتصرف هذا القطاع ما يفوق الـ400 مليون دولار من خلال منح المصارف تسليفات دون فائدة مقابل المساهمات التي تقوم بها في الشركات التي تعنى باقتصاد المعرفة وذلك ضمن عدة شروط. إن اقتصاد المعرفة موضوع أساسي وقطاع أساسي للمستقبل، ويوفر لبلدنا قدرة تنافسية تساعدنا على التغلب على كل الأرقام السلبية، لاسيما في نسب الدين على الناتج المحلي أو بالعجز في القطاع العام.

أحداث المنطقة وتأثيراتها

ــ كيف تلخص لنا تداعيات أحداث المنطقة على الوضع المالي اللبناني وما هي خسائر المصارف اللبنانية تحديداً في العراق وسوريا؟

- الأحداث الجارية في المنطقة، لاسيما في سوريا والمحيط، انعكست سلباً على لبنان. وكان لهذه التداعيات تأثير مباشر على المالية العامة وعلى الاقتصاد اللبناني، وذلك نتيجة التدفق غير المسبوق للاجئين من سوريا وتجميد الحركة السياحـية كما حركة الترانزيت على المعابر البرية. بالفعل تراجعت معدلات النمو في لبنان من 8 بالمئة  بين 2007 - 2010 الى 2%  بين 2011 - 2013. ورغم هذا الواقع، سجل لبنان نمواً إيجابياً، على عكس العديد من البلدان العربية وبالأخص البلدان غير النفطية. وأيضاً واجه العمل المصرفي ظروفاً صعبة نظراً الى ما يحصل في العالم العربي وحول البحر المتوسط وقدرت خسائر المصارف اللبنانية العاملة في سوريا بـ400 مليون دولار خلال الأزمة. لكن المصارف المعنية قد خفضت انكشافها على الاقتصاد السوري بشكل ملحوظ. ولا نتوقع أن يكون هناك أثر سلبي على المصارف جراء الوضع في المنطقة، لاسيما على القدرة الائتمانية التي يملكها هذا القطاع. يمكننا القول إن المصارف اللبنانية تجاوزت الأزمات، لاسيما في سوريا ومصر والعراق، وهي تعمل حالياً بوتيرة الانتاج نفسها التي عرفتها قبل هذه الأزمات، وكوّنت الاحتياطات العامة المطلوبة كي لا تتأثر بمزيد من التأزم في الدول الموجودة فيها. ونستطيع القول إن القطاع المصرفي اللبناني سليم وسيبقى كذلك بفضل السياسات المطبقة، والعمل المشترك بين المصرف المركزي والمصارف  اللبنانية.

سلسلة الرتب والرواتب

2

ــ يقال إن سلسلة الرتب والرواتب إذا أقرت كما تريد هيئة التنسيق النقابية تؤثر سلباً على الدورة الاقتصادية والمالية العامة. فما هو الحل الأمثل من وجهة نظركم لها؟

- ما زال مصرف لبنان على موقفه الذي عبّر عنه منذ أكثر من عام ونصف العام في مجلس الوزراء. نحن حريصون كمصرف مركزي على رفع مستوى المعيشة في لبنان وتحسين مداخيل اللبنانيين والعاملين في القطاع العام. ولكن سبق وعبّر المصرف المركزي عن تخوفه من أن يؤدي إقرار سلسلة الرتب والرواتب دون إيجاد مصادر تمويل جدية وإجراء الإصلاحات المطلوبة الى تداعيات اقتصادية ومالية سلبية، كرفع العجز المالي الذي بدوره يؤدي الى ارتفاع الفوائد وإدخال البلاد في ركود اقتصادي. فاقترح مصرف لبنان على الحكومة حلولاً لا تزعزع الاستقرار الاقتصادي، وحذر من فرض ضرائب إضافية في ظل الأوقات الاقتصادية المستعصية لا تقدم الدعم اللازم، بل تضعف قدرة لبنان التنافسية. وبالتالي رأى المصرف المركزي أن الحل الواقعي الأنسب هو تقسيط السلسلة على خمسة أعوام، على أن تصحح الأجور سنوياً، وتمنى أن تترافق زيادة الأجور مع الإصلاحات التي تخلق وفراً مالياً، ومع ارتفاع الإنتاجية تجنباً للمفاعيل التضخمية. الملف اليوم في عهدة مجلس النواب الذي سيتخذ حتماً القرار المناسب في شأنه.

ــ ألم يؤثر وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري مالياً، خاصة عند الحديث عن تكبّد الاقتصاد 5 مليارات دولار وارتفاع البطالة عند اللبنانيين الى 20 بالمئة؟

- إن صندوق النقد الدولي قدر عدد اللاجئين الى لبنان بربع السكان، وتحدث عن أثر هذا  النزوح على المالية العامة، والبطالة والنمو الاقتصادي ولفت الى ضرورة زيادة المساعدات من قبل المجتمع الدولي نظراً للتبعات الهائلة على الاقتصاد اللبناني. بالفعل  ان اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم لبنان يشكلون عبئاً كبيراً على الاقتصاد كلفته المباشرة على الدولة اللبنانية مليار دولار، وغير المباشرة ثلاثة مليارات ونصف مليار بسبب التراجع في الاستهلاك والاستثمار وذلك لغاية أيار/ مايو 2013. هذا الملف يشكل عبئاً على لبنان واقتصاده وعلى الاستقرار الاجتماعي. فهذا النزوح غير المسبوق في تاريخ لبنان نتج عنه تردياً إضافياً في البنى التحتية وتراجعاً حاداً في الحركة السياحية والتجارية والاستثمارية وخلّف مضاعفات مقلقة على المالية العامة، مما سيزيد حتماً العجز في الموازنة ويؤثر سلباً على النمو الاقتصادي ويؤدي الى تفشي البطالة في بلد يعاني أساساً من هذه الآفة. معالجة هذا الملف ليست من صلاحيات مصرف لبنان، إلا ان نجاح لبنان حتى الآن بالتعامل مع هذا العبء يدل على مدى صلابة الاقتصاد اللبناني. هذا البلد الصغير صاحب الاقتصاد  المتواضع الحجم الذي تمكن من تجنب أزمات وقع فيها من هم حولنا في حوض المتوسط أو الدول العربية، تمكن من مواجهة أوضاع أمنية وسياسية صعبة وأن يتحمل وحده عبء أكثر من مليون لاجئ سوري. لذلك هذا الملف مهم جداً ويجب معالجته من دون أن يفقدنا الثقة بإمكانات لبنان وقدراته.

ــ كم هي التكلفة المالية والاقتصادية للفراغ الرئاسي المتمادي منذ 25 أيار/ مايو الماضي؟

- الشغور في سدة الرئاسة أمر غير سليم نأمل ألا يطول، فالفراغ يشكل ضغطاً على الأداء الطبيعي للمؤسسات الدستورية الأخرى إن كان مجلس الوزراء أو مجلس النواب. كما انه يؤثر على الثقة والنمو الاقتصادي. لكن مصرف لبنان في ظل هذا الواقع سيقوم بالمحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار الائتماني في لبنان. تدرك الأسواق ذلك ونذكر بأننا مررنا بظروف مماثلة في السابق وحافظ مصرف لبنان على الاستقرار. إن الثقة والإمكانات المتوافرة لدى مصرف لبنان ولدى القطاع المصرفي تضفي الصدقية على هذا الموقف الذي تفرضه المصلحة الوطنية وإرادتنا لحماية الاقتصاد. نأمل أن تعود كل المؤسسات الدستورية الى فعاليتها وأن يتحمل كل منا مسؤولياته تجاه الاقتصاد وتجاه عمليات  التمويل، ولنا كلنا مصلحة في ذلك.

وختم بالقول:

- طموحي الشخصي الوحيد هو أن أنهي ولايتي الثانية والأخيرة عام 2019 إذا منحني الله العمر والصحة بشكل يرضي ضميري ووطني.