تفاصيل الخبر

جريمة الكحالة نفذها محترفون استغلوا تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية...

30/12/2020
جريمة الكحالة نفذها محترفون  استغلوا تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية...

جريمة الكحالة نفذها محترفون استغلوا تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية...

[caption id="attachment_84369" align="alignleft" width="444"] المغدور جو بجاني.[/caption]

 عندما طرح المجلس الأعلى للدفاع مسألة المحاذير الأمنية التي تواجه لبنان مع وجود مخططات لاعادة الفلتان الامني اليه وحصول اغتيالات سياسية وغير سياسية بقصد اثارة الرعب والقلق في النفوس، كان يدرك المجلس من خلال تقارير الاجهزة الامنية ان مثل هذا الامر لا يواجه باجراءات متأخرة بل بتدابير استباقية تمنع حصول جرائم القتل والسلب والاغتيال، فكثفت القوى الامنية اجراءاتها في حماية عدد من السياسيين المستهدفين وعززت الحماية على مواقع رسمية ومؤسسات عامة تشهد حركة ازدحام وشددت المراقبة على حركة الدخول والخروج من الحدود البرية والبحرية والجوية... الا ان كل هذه الاجراءات لم تمنع حصول جريمة قتل في وضح النهار في بلدة الكحالة ذهب ضحيتها الشاب جو بجاني الذي يعمل في شركة الاتصالات "الفا" اضافة الى هواية التصوير التي اتقنها وباتت من ضمن الاعمال التي يقوم بها لزيادة مدخوله واعانة عائلته المؤلفة من زوجة وطفلتين شهدن – ويا للاسف- جريمة الاغتيال بأم العين!.

 قد يقول البعض إن اغتيال بجاني جريمة غير سياسية وليست فيها أبعاد وطنية ويمكن ادراجها في خانة الجريمة العادية، لولا ان تنفيذها تم بحرفية عالية ما يعني انها جريمة عليها توقيع مجموعة محترفة وليست من الهواة بدليل عدة مؤشرات لعل ابرزها المراقبة اليومية التي سبقت الجريمة لتحديد مسار بجاني اليومي ورصده لايام وربما لاسابيع، ثم التنفيذ الجريء الذي لم يأبه لوجود كاميرات مراقبة حول منزل المغدور، اضافة الى القتل بدم بارد واخذ هاتف القتيل بعد اخذ بصمته ليصبح الهاتف الخليوي شغالاً ما يعني ان القتلة على معرفة بالقتيل بدليل معرفتهم بوجوب الحصول على بصمته للتمكن من "فتح" الهاتف والحصول على ما فيه من صور ومعطيات، ثم رميه في بلدة مجاورة للكحالة ذات طابع سكني من لون واحد بقصد اثارة فتنة طائفية في الجبل. علامات استفهام كثيرة برزت حول اسباب مقتل بجاني وفرضيات عدة تداولها الرأي العام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، الا ان الحقيقة تبقى ان القتيل بجاني مات ودفن سره معه، حتى الآن على الاقل، الا اذا تمكنت القوى الامنية من معرفة القتلة المنفذين والمخططين، لاسيما وان مطلق النار على بجاني استخدم سلاحاً مع كاتم للصوت الامر الذي عزز انطباع المحققين بأن ما جرى يتجاوز حدود الحادثة الفردية الى سيناريو اكثر تعقيداً.

قد يكون من الصعب الوصول الى نتائج حسية في وقت قصير، لكن التحقيقات المستمرة بزخم قد تكشف ملابسات الجريمة وتوضح الخيط الابيض من الخيط الاسود خصوصاً بعد تعدد الروايات حول عمل بجاني ومنها تصويره مرفأ بيروت بعد انفجار 4 آب ( وهذا ما نفته عائلة الفقيد) وعمله كمصور في مؤسسة الجيش وقد تبين انه كان يتطوع احياناً لتصوير عسكريين وتدريبات وغير ذلك من الصور المتاحة لكثيرين من هواة التصوير، لكن الخطورة التي ارتدتها هذه الجريمة انها ترافقت مع خشية متفاقمة من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى واعمال العنف المتنوعة الاشكال، على وقع المأزق السياسي والانهيار الاقتصادي اللذين يدفعان لبنان اكثر فاكثر نحو المنطقة الواقعة خارج "قانون الجاذبية" حيث لا ضوابط ولا ضمانات.

ويقول مرجع امني ان ما يدعو الى القلق بعد جريمة الكحالة ليس فقط وقوعها في الصباح "والشمس شارقة والناس قاشعة"،بل ان وقوعها تزامن مع كون الساحة اللبنانية باتت منذ مدة مكشوفة امام تهديدين: الاول يتصل بتداعيات اتساع رقعة الفقر وما يرتبه ذلك من تفاقم حوادث السرقة والقتل وما شابه، والثاني يرتبط بخطر الاغتيالات السياسية والاختراقات المخابراتية. والمفارقة ان اغلب قوى السلطة لا تزال تتعاطى مع التهديدين بخفة، على الرغم من الحاجة الضرورية الى وجود مظلة سياسية لأي استقرار امني او انقاذ اقتصادي.

ويقول وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال العميد محمد فهمي ان جريمة الكحالة منظمة "ومن نفذها هم محترفون وليسوا هواة" لافتاً الى "ان الاجهزة الامنية تنكب على كشف ملابساتها، والمعلومات التي تم تجميعها هي قيد التحليل، ونأمل في ان تؤدي الى كشف الخيوط". ويستبعد وجود علاقة بين جريمة الكحالة وجرائم اخرى حصلت في الفترة الاخيرة، داعياً الى عدم استباق التحقيق واطلاق فرضيات سابقة لاوانها، وملاحظاً ان هناك من يستسهل ان يتحول بين ليلة وضحاها خبيراً امنياً ومحققاً جنائياً، على قاعدة ان "لا جمرك على الحكي".

أرقام مقلقة

ومع ان الوزير فهمي يثق في قدرة الاجهزة الامنية على كشف الفاعلين، الا انه يبدي خشية من ان تتفاقم الامور في المستقبل اذا بقيت الازمة على حدتها، محذراً من انه يمكن ان تحدث بعد حين جرائم قتل من اجل سرقة مبلغ صغير من المال! ويقرّ وزير المال بأن الامن الاستباقي لا يفيد في مواجهة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي اذ لا يمكن ان يلجأ شخص مسحوق الى السلب او القتل للحصول على قوته اليومي او لاطعام افراد اسرته، داعياً المعنيين الى استدراك الموقف قبل فوات الاوان.

وتعكس الوقائع على الارض دقة المرحلة التي يمر فيها لبنان دولة ومجتمعاً. اذ تظهر ارقام قوى الامن الداخلي، ان عدد القتلى في جرائم ارتفع من 109 عام 2019 الى 193 حتى تشرين الثاني 2020، وعدد السيارات المسروقة ارتفع من 724 عام 2019 الى 1172 حتى تشرين الثاني 2020.

كذلك ارتفع عدد السرقات الموصوفة (الموثقة) من 1610 عام 2019 الى 2252 حتى تشرين الثاني 2020، وعدد حوادث السلب (غير السيارات) من 247 عام 2019 الى 556 حتى تشرين الثاني 2020، وغيرها من الاحصائيات المشابهة التي تدق جرس الانذار.