تفاصيل الخبر

جوزيان بولس في عملها المسرحي الجديد: أدعوكم الى ”صبحية “ لا تشبه غيرها في جرود كسروان!

30/01/2020
جوزيان بولس في عملها المسرحي الجديد: أدعوكم الى ”صبحية “ لا تشبه غيرها في جرود كسروان!

جوزيان بولس في عملها المسرحي الجديد: أدعوكم الى ”صبحية “ لا تشبه غيرها في جرود كسروان!

 

بقلم عبير انطون

 

بين الأختين الأرملة <جميلة> ابنة السادسة والخمسين، و<هدى> العانس ابنة الرابعة والخمسين، أعمق من رابط عائلي وسط ما عصف بهما في هذه الحياة من افراح واتراح. في طيات حكايتهما مع الدنيا والقدر تتأرجح قصة البلد كله. تتشابك الخيوط وتتداخل لتجعل من المبكي مضحكا، وتعدنا كاتبة النص جوزيان بولس بـ<صبحية، كوميدية رومانسية، مضحكة وحنونة، سترفع معنوياتنا في هذه الأيام الصعبة>. اما الحب بين القلبين العاشقين لابن <جميلة> المصور الحربي، وميريام الموظفة في مطار بيروت، فسيكون امامه أكثر من مطب ويتخذ أكثر من بعد.. فهل ينتصر؟

وماذا بعد عن المسرحية الجديدة لجوزيان التي ترفع شعار المسرح شغفا <Le theatre, une passion>؟ ما الذي يجعلها مؤمنة بالخشبة وما تقدمه في أيام باتت كلها اشبه بالمسرحية المأساة؟ ما الذي يمدها بهذه الطاقة حتى لا تكل ولا تتعب من المشاركة في الاعمال انتاجا او تنظيما او كتابة وتمثيلا او جمعا لكل هذه فما ان تنتهي من عمل حتى تبدأ بآخر؟ وما هذه القوة التي يمدها بها المسرح لتقول لنا انه <من بعد كل تمرين أخرج بشعور انني أستطيع ان أغير الدنيا بما فيها>؟

مع جوزيان كان اللقاء ممتعا، وشكل القيمة المضافة عليه الحديث الى ماغي بدوي المشاركة ايضا في دور طريف، فما هو هذا الدور وماذا عن كواليس المسرحية التي تبدأ في السادس من شباط على مسرح <مونو> في الأشرفية؟

كل التفاصيل في هذا اللقاء بدءا من السؤال:

ــ أخبرينا جوزيان عن الخطوط العريضة لـ<صبحية>. ما حكايتها؟ كيف بنيتها؟

- نسجت العديد من خيوط المسرحية وشخصياتها من أحداث وأمور عشتها، وفيها اكثر من حدث استقيته من الواقع. اثناء الحرب الاخيرة التي شنّتها اسرائيل على لبنان، لجأت الى منطقة جبلية، وتعرفون الجلسات في الجبل بين السيدات والأصحاب، وما يتخللها من أخبار طريفة وخبريات مهضومة سجلتها في ذهني قائلة: لا بد لي من ان استثمرها يوما في عمل مسرحي. وجاء عمل <صبحية> اليوم، حتى نحلم جميعنا في ظل هذه الاجواء، فنترك واقعنا، ظرف مسرحية.

وتشرح أكثر:

- تجري الأحداث في بلدة من بلدات جرود كسروان بعد ان يقفل المطار بسبب الحرب، ما يضطر ميريام (يارا زخور) وهي صبية تعمل فيه أن تقصد الضيعة عينها التي كانت تقصدها مع اهلها في طفولتها لقضاء الصيف فيها، الا انهم الآن عالقون في باريس، فتضطر للجوء الى الضيعة منفردة لتنزل في البيت الصغير الذي تملكه عائلتها والمجاور لمنزل <جميلة> واختها <هدى>. تعود اليها بعد انقطاع لمدة ست عشرة سنة. اما أسباب هذا الانقطاع فتعرفونها في المسرحية، وهي أساسية في سياق القصة، وتحمل بعض المحطات الدرامية التي تضيف اليها <رشّة> من الـ<سوسبانس> والتشويق للمشاهد. تتوطد العلاقة بين <ميريام> و<هدى> (ماغي بدوي) الشخصية الخفيفة الظريفة التي تشرب العرق وتبقى <مهزهزة> وتغني وكأنها في عالم آخر، بعكس أختها <جميلة> (جوزيان بولس) الارملة المعذبة في حياتها والقلقة دائما على ابنها المصور.

ــ كتبت في تقديم العمل للجمهور <انها مسرحية رومانسية تخرجنا من الواقع>. كيف سيكون ذلك؟

- الناس بحاجة الى الحلم، الى الضحكة والتمويه عن النفس، ولو ان في <صبحية> بعض الوقائع الصريحة والبعيدة عن أي حلم وابتسامة... من الضروري ان نضحك للاستمرار في النضال في هذا البلد.

ــ اليس اطلاق المسرحية مغامرة في هذا التوقيت بالذات من حيث كلفة الانتاج والظروف وقطع الطرقات ومزاج الناس؟

- بلى، هي مغامرة. لكن الثورة الثقافية برأيي تبقى الأهم. من المفروض ان نكمل، وان نبقى نغني ونرسم ونكتب ونمثل... فاذا قتلنا المسرح والفنون، نكون كمن يقتل شعبا ووطنا.

ــ <الصبحية> <ستّاتية> بامتياز اي انها تجمع النساء وصولا الى مخرجة العمل لينا أبيض. هل من سبب؟

- لكن الرجل موجود فيها ايضا، وبقوة، والا كيف تجري قصة الحب فيها؟ <وين منروح بسامر> (وتلفظها باللهجة الكسروانية المحببة سائلة اياي بضحكة عالية: ويش بدك تسألي يختي بعد؟) أما مناداته بـ<سيمر> على الطريقة الكسروانية فمردها الى لهجة الضيعة التي نعيش فيها في جرود كسروان.

وتضيف جوزيان:

- لا زلنا قادمتين، ماغي وأنا للتو من تدريب لنا مع الممثل جوزيف آصاف على اللهجة الكسروانية لاتقانها.

ــ ومن هو <سامر>؟

- هو ابنها لـ<جميلة> (الممثل هادي أبو عياش) الذي لسبب لن افصح عنه الآن يضطر الى اللحاق بوالدته الى الضيعة. هو مصور حرب، ينتقل من جبهة الى اخرى، وقلب امه قلق عليه بشكل دائم، ما يجعلها دائمة الصلاة لاجله ولحفظه من أي مكروه. ومع وصول <ميريام> الى الضيعة تكون <جميلة> مرتابة وغير مرتاحة. وتعرفون انه عندما تلتقي الحداثة بالتقليدية تعود المشاجرات إلى الظهور، ويصبح الوضع أكثر تعقيدًا عند وصول <سامر> بحيث تعود شرارة الحب لتقدح من جديد بين قلبي الحبيبين <ميريام> و<سامر> اللذين خفق قلبهما لبعضهما البعض منذ 16 عشر عاما بحيث تطفو المشاعر التي كانت كامنة في اعماقهما طوال هذه المدة ما يولد جو الرومانسية الذي تحدثنا عنه. وهناك ايضا قصص جانبية أخرى طبعا.

ــ ماذا عن الشخصيات الاخرى، كيف تم اختيار ماغي بدوي مثلا لدور <هدى>؟

- مع المخرجة لينا أبيض، كنا نفكر بمن تلعب دور اختي في شخصية مهضومة وحبوبة. تم طرح أكثر من اسم الى كان الحسم بأن تكون ماغي، ونحن لم يسبق ان اشتغلنا معا في اي عمل قبلا، لكننا على صداقة قديمة، وقد تعاونا زوجها الممثل انطوان بلابان وانا في <مسيو بشارة> المسرحية السابقة.

ــ كانت هذه المسرحية جميلة جدا في نص المحامي الكسندر نجار، وجاء تجسيدها بمستوى رفيع من قبل كل الذين اشتركوا بها.

- الحمد لله، عرفت اصداء حلوة جدا وسوف نعرضها في باريس في شهر ايار المقبل من ضمن اسبوع المسرح اللبناني في باريس الذي أنظمه في <لا سين باريزيين>.. ننظم هذا المهرجان برعاية السفارة اللبنانية في فرنسا وشركة انتاج فرنسية <اوليا برودوكسيون>.

ــ أخبرينا أكثر عن هذا الاسبوع وعن الاعمال التي ستعرض من خلاله. كيف تم اختيارها؟

- لقد تم اختيار المسرحيات، ووقع هذا على الاعمال التي لا تتطلب وجود مجموعة كبيرة على المسرح. <مسيو بشارة> المحامي الكسندر نجار اخذها على عاتقه الى فرنسا، اما المسرحيات الاخرى فستكون مع ندى ابو فرحات وعمار شلق في <لغم أرضي>، مسرحية «جوغينغ» في نص وإخراج وأداء لحنان الحاج علي، مسرحية <الوحش> للمخرج جاك مارون من تمثيل كارول عبود ودوري السمراني، فضلا عن <ستاند اب> كوميدي مع وسام كمال وشاكر بو عبدالله، ومسرحية للاطفال مع فاليري كاشيار، وذلك حتى نطل بأنواع مختلفة من الاعمال.

 

اقرب الى <هدى>..!

 

ــ بالعودة الى <صبحية>، هل يكون تشخيص الدور أسهل عليك لما تكونين من كتبه كما في هذه المسرحية؟

- بكل تأكيد يكون الاداء أكثر سهولة وأدخل في جلد الشخصية اكثر، لكن التحدي يكمن في ان العب الشخصية التي لا تشبهني كمثل دور <جميلة> الذي اشخصه هنا، اذ انني في الواقع اقرب الى <هدى> الفرحة العفوية الـ<مزهزهة> منه الى <جميلة>.

ــ لا بد من رسالة للمسرحية وكثيرون ممن يعملون في التمثيل والاخراج لا يحبون هذا السؤال، مفضلين ان يستخلصها المشاهد بنفسه. لكن بغير البسمة التي تودين زرعها ماذا أردت ان تقولي؟

- المسرحية بالنهاية تعبّر عن واقعنا وعن بلدنا، ومن يقرأ بين السطور سيفهم الرسالة التي تنادي بأن الحب بمختلف وجوهه يبقى الأهم، والاهم ايضا هو التسامح، وان نضع ايدينا بأيدي بعضنا البعض ما يوصلنا حتما الى مكان افضل من <الخناق>.

ــ ما سر الاقبال على اعمالكم المسرحية، في وقت يعاني الكثيرون من انكفاء الجمهور عنه؟

- الحمد لله ان ما نقدمه يلقى اقبالا. هناك نوع معين من المسرح <عم يمشي> وهو ذاك الذي يتناول وضعنا اللبناني، والذي يمدنا بمليون موضوع للكتابة بقدر ما ان حياتنا <غريبة عجيبة>. المهم ان يكون الكلام والأسلوب يشبهاننا.

ــ وهل يوحي لك الوضع حاليا مع الانتفاضة والمظاهرات بعمل جديد؟

- بالتأكيد. وهناك مسرحية تتبلور في رأسي، لكنني أركز حاليا على هذا العمل، خاصة وانه ليس من السهل العمل في ظل هذه الظروف.. ومع ذلك تبقى الثقافة العنصر الاهم للحفاظ على بلدنا، وهنا اتساءل استطرادا عن كيفية الجمع ما بين وزارتي الزراعة والثقافة في حقيبة وزير واحد، مع الاهمية القصوى لكل واحدة منهما على حدة. صحيح انهما تجتمعان في كلمة <Culture> (يصح استخدام المصطلح بالفرنسية للاشارة الى زراعة شيء ما او للدلالة على كلمة ثقافة) لكن الزراعة تختلف عن الثقافة، اليس كذلك؟ وانا اناشد ان نركز ايضا على السياحة التي ان تم العمل فيها بالشكل المرجو فانها تعود على البلاد بالكثير ماديا ومعنويا.

ــ بالمناسبة، هل انت من النوع الذي يحب <الصبحيات> حتى اخترت <صبحية> عنوانا لعملك؟

تضحك جوزيان عاليا وتجيب:

- أبدا. لست من هذا النوع وانا اعمل حتى ساعة متقدمة في الليل فلا استيقظ باكرا. لكن ما جرى انني كنت أقود في زحمة السير على الطريق ما بين فرن الشباك وعين الرمانة، فرأيت 3 ستات في احد الطوابق الارضية يشربن القهوة، تطلعت فيهن وقلت في نفسي سيكون هذا المشهد اسم مسرحيتي: <صبحية>، وهذا ما ينطبق فعلا على الجزء الاول منها، فيما تطغى قصة الحب على الجزء الثاني.

ــ والتمرينات كيف تتم، ما أجواؤها؟

- لقد شكلت التمرينات هذه علاجا لنا يخرجنا من الأجواء السوداوية التي تلفنا، فيرتفع منسوب الادرينالين.. اخرج من التمارين وكأنه باستطاعتي ان اغيّر الدنيا.

ــ قبل ان نختم معك وننتقل الى ماغي بشخصية <هدى> ماذا عن مسرحية « Les gens de la Fontaine> التي اعددت السيناريو لها وهي مسرحية للاولاد، وكان مقررا تقديمها هذه السنة ايضا؟

- لم نستطع ان نقدمها للاسف لهذا العام مع اندلاع الثورة واقفال المدارس، وكنا نستعد للتمرينات حين حصل ذلك، فمحورنا الاول هو طلاب المدارس. النص جاهز، وسبق ان قدمناها في العام 2004 وقد عرفت نجاحا كبيرا لذلك قررنا استعادتها... ولكن جرى ما جرى.

 

ماغي.. العانس!

 

بالشخصية اللطيفة، مشيرة الى <هدى> التي تلعبها، والتركيبة الحلوة في الفريق كله من المخرجة لينا ابيض الى مساعدها في الاخراج سني عبد الباقي ومختلف الممثلين، تقول ماغي بدوي ان التمرينات على العمل كانت ممتعة فعلا في كتابة جوزيان الخفيفة الحلوة، من ضمن نص متناسق ويحمل رسالة، والممثلون جميعهم يعملون برصانة ويتعاطون بالكثير من الجدية مع شخصياتهم ويفهمون ابعادها لنقل تفاصيلها الى المشاهد بافضل صورة.

وتؤكد ماغي ان <هدى> امرأة عميقة، لكنها بقيت من دون زواج فأضحت <عانسا> بعد قصة حب مع شاب اضطرته الظروف اثناء الحرب الى السفر، فلا تهتم بنفسها، وتعيش وكأنها على الهامش، تشرب الكأس تلو الاخرى حتى <تفرفش> وتنسى. لكنها تحب الحب، وتحب ان تراه من حولها، وتعمل على ابقائه مشتعلا بين شخصين بالكثير من الانفتاح. تشرب <هدى> لتنسى هذا <الضقر> في قلبها، ولانها لم تستطع ان تحقق الحياة التي رسمتها، فتعيشها بالحلم والذكرى... رسمتها جوزيان، والكلام لماغي، بأفضل طريقة فالكتابة هي الاساس وما يدخل يشكل اضافة متحركة: <لم ندخل على المسرحية اثناء التمرينات سوى ما يمكن ان يلونها بعد ويضيف عليها المزيد من النكهة الكوميدية الحلوة>.