تفاصيل الخبر

جولات افتراضية في متاحف لبنان ومعالمه التاريخية...

06/05/2020
جولات افتراضية في متاحف لبنان ومعالمه التاريخية...

جولات افتراضية في متاحف لبنان ومعالمه التاريخية...

بقلم عبير أنطون

  [caption id="attachment_77642" align="alignleft" width="378"] المقابر القديمة المعروضة في المتحف الوطني اللبناني[/caption]

قلبت "كورونا" المقاييس، وبدل ان كنا نقصد المناطق ومتاحفها لنتفرّس في ما تعرضه، او حتى نعبر الحدود لنكون في قلب المتحف البريطاني و"اللوفر" الفرنسي "وفان جوغ" النمساوي و"بيرغامون" البرليني او "الميتروبوليتان" النيويوركي، ها هي المتاحف العالمية تأنينا الى بيوتنا لتفرد روائعها من لوحات وتجهيزات وغيرها على شاشاتنا فتتيح لنا الغوص  في تفاصيل اعمال فنية خالدة واخرى معاصرة ورائدة. ومع اعلان 17 متحفا من المتاحف الكبرى حول العالم فتح أبوابها افتراضيا لمن يود الخروج بنزهة ثقافية اليها وسط الحجر الصحي المفروض من "كوفيد 19"، اتاحت هذه الفضاءات التي تختزن خبايا الفكر والتاريخ والحضارة ان تعيد الانسان نوعا ما الى عالم الثقافة، كما وايضا ان تعينه في التساؤلات التي يطرحها اكانت وجودية او اجتماعية او انتربولوجية أو تربوية خاصة للطلاب الذين ألزمهم فيروس "كورونا" بالتوقف عن دراستهم في المدارس والجامعات.

لكن ماذا عن متاحفنا اللبنانية المختلفة؟ وهل سلكت درب الافتراضي والجولات عن بعد هي ايضا؟

يزخر لبنان بالمتاحف التي يحتفى بها في ليلة واحدة تحت عنوان "ليلة المتاحف" ويشارك فيها عادة "المتحف الوطني" و"متحف سرسق" و"متحف ميم" و"متحف الجامعة الأميركية" و"متحف ما قبل التاريخ" في الجامعة اليسوعية و"متحف التراث والتقاليد الشعبية" في جامعة البلمند في الكورة و"متحف العملات" في مصرف لبنان و"متحف نابو" و"متحف مقام" و"متحف آرام بزكيان لأيتام الإبادة الأرمنية" في جبيل و"فيلا عودة" و"متحف كيليكيا" في أنطلياس و"متحف الصابون" و"قصر دبانة" في صيدا.

لكن، ومع اعلان "التعبئة العامة" التي فرضها "كوفيد 19" على مختلف المرافق، ومنها المتاحف طبعا، دعت المديرية العامة للآثارالمواطنين وتحت شعار "خليك بالبيت وتثقف" الى القيام بزيارة إفتراضية للـ"متحف الوطني" فضلا عن مواقع أثرية مثل قلعة بعلبك، قلعة الشقيف، قلعة المسيلحة، قلعة صيدا، ومدينتي صور وأرنون.

وفي هذا السياق، قام مكتب الـ"يونيسكو" في بيروت بشراكة فريدة من نوعها مع وزارة الثقافة اللبنانية بتمكين من يرغب القيام بزيارة افتراضية لمجموعة من المتاحف ومواقع التراث العالمي الموجودة في بلدنا بحيث يتسنى للمهتمين أثناء جلوسهم في منازلهم اغتنام الفرصة واستثمار الوقت في اكتشاف غنى لبنان الثقافي والتاريخي وهم ملتزمون بأقصى درجات الوقاية ضد فيروس "كورونا".

عن بعد...

[caption id="attachment_77644" align="alignleft" width="373"] من داخل المتحف الوطني[/caption]

في "المتحف الوطني اللبناني"، أتيح لمستخدمي الأجهزة التي تعمل بنظامي التشغيل "آبل" و"اندرويد" الدخول الى الموقع الإلكتروني للـ"متحف الوطني" والاطلاع على الطبقات الثلاث  منه وهي: السفلية الخاصّة بالقطع الأثرية من الجنازات القديمة، والأرضيّة الخاصّة بالقطع الأثرية الكبيرة، وتلك الخاصّة بالقطع الصغيرة من مجوهرات وزجاجيات وفخاريات تمتدّ منذ فترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الحديثة.

"متحف سرسق" العريق من جانبه، كان سباقا الى اطلاق نسخة افتراضية من "معرض بعلبك -  أرشيف الخلود" الذي دعمته جمعية "فيليب جبر"، والذي يتيح عدداً ضخماً من المواد الفنية التي تتناول بعلبك (القلعة، المدينة، والمهرجان) من وثائق، مقابلات، وأعمال فنية رسمتها أجيال من المستشرقين والفنانين الذين زاروا المدينة أو ولدوا فيها.

وتُمكن الجولة الإفتراضية في "متحف سرسق" الدخول إلى فضاء المتحف ومشاهدة الأعمال والوثائق والأفلام المعروضة بطريقة مطابقة للواقع، وبشكل أقرب إلى اللعبة التي تمكن المستخدم من تحريك جسده بشكل حر داخل المكان.

فالازمة التي فاجأت الكثيرين لم تفاجئ المتحف العريق، اذ قام بالتعاون مع شركة متخصصة بالتحضير للامر منذ سنوات بعدما بدأ التمويل بالتراجع عاماً بعد آخر، ما انعكس على الموازنة بحيث اصبح لزاماً التأقلم مع التغيرات عبر خفض الإنفاق والبحث عن مصادر تمويل جديدة في اتكال على مؤسسات وافراد كمثل زوجة المصرفي السويسري من أصل لبناني "ادغار بيتشيوتو" التي دعمت معرض "بيكاسو والعائلة" مثلا.

وتجدر الاشارة، الى ان المتحف كان يعمل على جمع تبرعات من أجل انجاز أرشيف أعمال الفنانين اللبنانيين خلال الخمسينات والستينات، وهو مشروع ضخم كان يفترض ان يبدأ في أيلول هذا العام ويستمر حتى العام 2023.

  

سبق الـ "كورونا"...

من جهته يبرز "المتحف الافتراضي الاول للفن الحديث في لبنان" كسبّاق ايضا في مجال الجولات الافتراضية، فالمتحف الذي طوّر قسم الإنسانيات الرقمية، بالتعاون مع وزارة الثقافة و"الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة"، كان أول متحف افتراضي فني حديث في لبنان.

يضمّ هذا المتحف أكثر من 500 عمل من لوحات ومنحوتات من أصل نحو 1800 عمل، هي مجموعة أعمال الفنانين التشكيليين اللبنانيين من مقتنيات وزارة الثقافة التي تعرضها على الزائرين من خلال استحداث موقع المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث. وفي هذا الإطار، يمكن للزائر إجراء بحث عن فنان معيّن أو عن عمل معيّن عبر خدمة "غوغل"، بالإضافة إلى الاطلاع على مجموعة من الأفلام الوثائقية المميّزة والفريدة من نوعها التي تستمدّ مادّتها من أرشيف "تلفزيون لبنان" ومن أرشيف وزارة الثقافة. انها باختصار رحلة ثقافية، نتعرف من خلالها على المدارس والإتجاهات الفنية المتنوعة التي انتمى إليها فنانو لبنان، من أقصى النهج الكلاسيكي في الرسم والنحت وصولاً إلى مطلق التجريد والإتجاهات الحداثية المعاصرة.

نجاح التجربة!

[caption id="attachment_77645" align="alignleft" width="417"] وزير الثقافة عباس مرتضى يطلق حملة زيارة المعارض افتراضياً[/caption]

التجاوب مع خدمة "الجولات عن بعد" اثبت نجاحها وضرورتها في مثل الظروف التي نمر بها، والبرهان انها لقيت إقبالًا من الزائرين الافتراضيين الذين فاق عددهم مئة ألف زائر خلال ثلاثة أيّام، وكانت توجيهات من منظمة الـ"يونيسكو" والمنظمة العالمية التي تهتم بالمتاحف من أجل تطبيق هذه الخدمة السياحية الافتراضية في لبنان.

جانب آخر للقيام بهذه المبادرة كان ما اشار اليه مدير عام الآثار في لبنان سركيس خوري الذي يعتبره بارقة امل، فهو يؤكد ان تاريخنا غني بحقبات برهن فيها لبنان عن تجاوزه أهم الصعوبات والحروب، وانه بالجولات الافتراضية في متاحفنا وآثارنا ومن خلال الاطلاع على محطات تاريخية تحكي عن صلابة لبنان عبر التاريخ يمكننا ان نتجاوز الصعاب.

من جهته، وزير الثقافة عباس مرتضى أكد أن "هذه الحملة ضرورية للبنانيين، فقد اقترحتها الوزارة لمؤازرتهم في منازلهم، والترفيه عنهم، وتثقيفهم"، لافتاً إلى أن "الحملة مستمرة حتى بعد الانتهاء من وباء "كوفيد_19" لأنها تشكّل فرصة أمام اللبنانيين لاكتشاف معالم بلدهم الأثرية والتعرّف إليها عن كثب بغية زيارتها بالفعل لاحقًا".

ويذكر الوزير مرتضى أن وزارة الثقافة تعمل ضمن خطة تقضي بإضافة المزيد من المعالم الأثرية على لائحة الزيارات الافتراضية بخاصة أن لبنان غني بها، الأمر الذي يسمح للبنانيين من مقيمين ومغتربين ولسائحين أجانب أن يكتشفوا أماكن وآثارًا لبنانية لوضعها على أجندتهم السياحية وزيارتها في الوقت المناسب.

وتروّج الوزارة للزيارة الافتراضية لموقع "المتحف الوطني" عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها "فيسبوك"، وتحثّ اللبنانيين على القيام بهذه الجولة، متوجهة إليهم بالقول: إن شعار "خليك بالبيت" لا يعني أن تنعزل داخل منزلك وتتوقف عن ممارسة عملك ونشاطاتك، بل على العكس تمامًا، اغتنم الفرصة واستثمر وقتك في اكتشاف غنى لبنان الثقافي والتاريخي.

خارج الحدود...

[caption id="attachment_77643" align="alignleft" width="375"] اسطورة اخيل تجسدها منحوتة في المتحف الوطني اللبناني[/caption]

من حول العالم، ولمن يرغب، تتيح بعض المتاحف الكبرى زيارتها عن بعد ايضا، وللمهتمين نذكر بين اسماء عدة: "المتحف البريطاني - لندن" ويضم أكثر من 13 مليون قطعة أثرية من عدة دول منها "حجر روزيتا" القديم وهناك قسم للمومياء المصرية، "متحف غوغنهايم" في نيويورك الاميركية ويمتاز بممراته الحلزونية الشكل ويتيح التعرف إلى الأعمال الفنية من مرحلة الفن الحديث، "متحف ريكز - أمستردام" ويضم أعمالًا فنية لفناني العصر الذهبي الهولندي وأعمال "فيرمير ورمبرانت"، "المتحف الوطني للفنون" في العاصمة الأميركية واشنطن ويحوي رسومات من العصور الوسطى وبداخله لوحة للرسام الإيطالي "ليوناردو دا فينشي" وأعمال رسام عصر الباروك الهولندي "يوهانس فيرمير"، "المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر" في كوريا ويضم لوحات لفنانين من كل أنحاء العالم، "متحف أورسيه" في باريس ويضم لوحات لفنانين فرنسيين مشهورين، وطبعا متحفي "غريفين" و"اللوفر" في باريس. اما متحف "اللوفر" في ابو ظبي فقد وجد الحل ايضا من جانبه بجولات رقميّة وإرشاديّة افتراضيّة بتقنيّة ثلاثية الأبعاد تشمل معلومات عن القطع الفنيّة بالعربية والإنكليزية والفرنسية ومقاطع فيديو وأخرى صوتيّة قابلة للتنزيل من الموقع الافتراضي للموقع، لتستمتع بها العائلات في فترة الحجر الصحّي الوقائي من الفيروس من أي مكان حول العالم، وفي المجموع هناك 150 مقاطع فيديو واخرى صوتية ونصوصاً وصوراً يضمّها تطبيق "اللوفر-أبو ظبي" إلى جانب لمحة ثلاثيّة الأبعاد عن الأعمال الفنيّة والهندسة المعماريّة للمتحف، والتطبيق متاح بسبع لغات الا وهي: العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والصينيّة والروسيّة والألمانيّة والهنديّة.

هل تفتح "عن قرب"؟

يبقى السؤال المطروح اليوم، ومع الاحتفاء بـ"اليوم العالمي للمتاحف" كل عام في 18 أيار (مايو) الجاري: كيف سيكون المشهد وهل تستعيد المتاحف نشاطها كالمعتاد؟

مع بقاء تجربة "هونغ كونغ" ماثلة في الأذهان اذ اضطرت لتعود وتغلق متاحفها بعد أن ضربت موجة جديدة من الفيروس المنطقة كلها، تجرأت بعض الدول الاوروبية للاعلان انه مع منتصف الشهر الجاري تعود المتاحف في كل من إيطاليا وبلجيكا وألمانيا وبعض المتاحف المحلية في فرنسا لفتح ابوابها وفق شروط معينة قد تختلف في بعض تفاصيلها فيما تجتمع على ضرورة الاجراءات الوقائية وابرزها: ارتداء الكمامات، وتحديد عدد الزوار الذين يمكنهم الدخول للقاعات كل ساعة وتوزيعهم على مدار اليوم مع وضع علامة على كل قاعة بعدد الزوار الموجودين داخلها، كما ستمنع بعض المتاحف استخدام أجهزة الدليل الصوتي لتقليل خطر التلوث ونشر العدوى، فضلا عن السواتر الزجاجية لبائعي البطاقات لحمايتهم، وتقاضي ثمن البطاقات بالـ"كارت" فقط.

وقد حددت "اللجنة العالمية للمتاحف ومجموعات الفن المعاصر" لائحة من الإرشادات معتمدة على نتائج إعادة فتح المتاحف في "هونغ كونغ" و"سنغافورة"، ومن تلك الإرشادات تسجيل درجة حرارة الزوار، والملاحظة الدقيقة لعلامات المرض لدى أي منهم، وإلزام الزوار بارتداء الكمامات، والتوقف عن الجولات الجماعية، وتحديد فترات معينة للزوار من كبار السن، ووضع ملصقات على الأرض لتذكير الزوار بترك مسافة آمنة بينهم وبين الآخرين... اما لناحية العاملين في المتاحف فالتأكد من قياس درجة حرارة العمال مرتين في اليوم وتزويدهم بالمطهرات وغيرها من الإجراءات الوقائية.

وعلى امل ان تعود الحياة لطبيعتها، وان يصبح زمن "كورونا" بمصائبه في متحف التاريخ... دامت الثقافة، مهما كانت السبل المتاحة، بالف خير...