تفاصيل الخبر

جو قديح في مسرحيته الجديدة: اوجاع مرض الـ”زونا“ التي عانيت منها كانت نافذتي الى شخصية ”ام الكل“!

06/03/2020
جو قديح في مسرحيته الجديدة: اوجاع مرض الـ”زونا“ التي عانيت منها كانت نافذتي الى شخصية ”ام الكل“!

جو قديح في مسرحيته الجديدة: اوجاع مرض الـ”زونا“ التي عانيت منها كانت نافذتي الى شخصية ”ام الكل“!

بقلم عبير انطون

الحديث مع جو قديح ممتع لان فيه نبل التعاطي في اختيار الكلمات والألفاظ، وفيه القراءة العميقة المدركة، وفيه الطرافة والدعابة، وفيه بشكل خاص حباً لوطن سيبقى محور همه واهتماماته على خشبة المسرح وخارجه، على أمل ان ترتقي الـ<أنا>، وهي عنوان احدى مسرحياته السابقة، الى مستوى الـ<نحن> التي يجب ان نجتمع من خلالها برأيه على ضرورة البناء وتطبيق الشعارات حتى نعيش الاختلاف برحابة صدر وثقة بانه في النهاية ليس لنا الا بعضنا البعض في بلد اعادت ثورة 17 تشرين فيه بعض الأمل الى الحالمين بوطن.

عديدون تحدثوا عن <نضج> في <أم الكل> جديد <جو>، الامر الذي لم يكن قليل المنسوب ابدا في المسرحيات السابقة له. البعض انتقد مواقف له لم يهضموها في السابق ولن يهضموها اليوم، والبعض أحب كل كلمة وهمسة وحركة، وغيرهم عارض مصوبا ومناقشا او رافضا، لكن هناك شبه اجماع ان لم نقل إجماعا بأن جو في <ام الكل>، قدم ممثلا ومخرجا من قماشة نادرة، وكاتبا مسرحيا على مستوى عال في أول عمل يتناول الثورة مسرحيا، وهو عمل يستحق كل التصفيق، وعلى <الواقف>.

فكيف تقمص جو دور الثمانينية النابضة والمغامرة <الثورجية>؟ لم اختار حارسة الذاكرة والشاهدة على التاريخ أنثى تروي الثورة والاحداث اللبنانية الماضية والآنية؟ ما الرسالة حول كبار السن التي وجهها، واي الاوجاع النفسية والجسدية التي حملها معه الى المسرح؟

في لقاء <الافكار> معه عدنا بالاجوبة الشفافة وسألناه اولا:

ــ كنت مقررا الاّ تقدم عملا مسرحيا هذا العام. ما الذي جعلك تعدُل وتعرض؟

- كنت اعد لمسرحية تضم اكثر من شخصية على <مسرح مونو>، مقررا ترك لعب دور الـ<انثى> الى العام المقبل. مع الظروف التي استجدت، اعتذرت من <مونو> وعدت الى مسرحي <مسرح الجميزة> بـ<إم الكل> من دون اي دعم انتاجي، باللحم الحي. كنت لما بدأت الثورة، توقفت لشهرين لم استطع خلالهما كتابة كلمة واحدة على اعتبار انه مهما كان الموضوع الذي سأتناوله فانه سيخرج عن دائرة اهتمام الناس في هذا الوقت. فالمسرح بالنهاية هو لغة الشعب، مرآة الناس وهمومها. العظماء <شكسبير>، <موليير> و<تشيخوف> كانوا لسان بيئتهم. راحت فكرة الثورة تتبلور في رأسي مع ما يجري فيها وما حصل معي شخصيا، فاستعرضت في <ام الكل> الثورة طبعا، الى غيرها الكثير من المحطات في تاريخنا اللبناني الحديث، وما فيه من محطات موجعة بطريقة طريفة. كذلك، فقد كان لي هاجس كبير لا بل الاكبر الا وهو المرأة أو الرجل المسن بشكل خاص، فإذا كانت حقوق الشباب مهدورة في البلد، كيف بالحري المتقدمون في السن ولا من رعاية او ضمان لشيخوختهم؟

ــ ماذا عن التسمية، وهي تأخذنا مباشرة الى عبارة <بي الكل> التي اطلقت على فخامة الرئيس ميشال عون؟

- أتت التسمية بمحض الصدفة قبل اطلاق الحملة الاعلانية للمسرحية بنحو أسبوع، لما سألت المصمم الغرافيكي ايلي نجيم  عن رأيه بما اسمي به المسرحية فأجابني <ام الكل> واعتمدتها بلحظة. لم انطلق منها الى الكتابة، اذ لم اتقصد انتقاد شخص بذاته، وليس ذلك ما يهمني.

ــ تقول انك استوحيت للشخصية من السيدة هنرييت بستاني زوجة قائد الجيش السابق الجنرال اميل بستاني، ما الذي استوحيته منها؟

- في المسرحية شخصيات عدة اعتمدت مراقبتها مؤخرا واخرى انطبعت في وجداني منذ الصغر. هنرييت بستاني هي <خالتي> بالروح، وكنا في البيت ذاته تقريبا، واذكر تلك الشخصية القوية التي كانت تتمتع بها، حتى انها كانت هي نفسها <قائد جيش> نوعا ما.. اليها، استوحيت من شخصيات عديدة أخرى كـ<تيتا زوزو> جدة صولانج تراك مديرة الانتاج للمسرحية، امي، ابي وغيرهم.. ولم اورد اية <خبرية> من دون ان تكون مبنية او مستوحاة من شخصية حقيقية او احداث حقيقية عايشها من هم في مثل جيلي او اكبر وبقيت تعتمل في نفوسهم.

ولما بدأت الثورة تأملت بتغيير ما، لكنني وجدت نفسي عالقا في العام 1987. الاسماء نفسها والفكر ذاته حتى أننا تدهورنا اكثر، خاصة لناحية الطريقة التي ووجهت بها هذه الثورة التي بدأت حضارية وسلمية وعلمانية للمرة الاولى من دون سؤال فيها عن مسلم او مسيحي، فتمت مواجهتها بتصرفات <عسكريتارية> وبنظام بوليسي. الثورة جعلتني اعود لحلمي بان يكون لاولادنا بلد كما نتمناه لهم، لكن المصالح الشخصية للطبقة السياسية بقيت فوق اي اعتبار.

ويضيف <أبو الغضب> (عنوان احدى مسرحياته):

- لقد كانت هناك ثلاثة وجوه مضيئة في هذه الثورة تكتسب دلالات ذات اهمية بالغة: الصبية التي في اليوم الاول ركلت مرافق احد السياسيين وهو يطلق النار وهي بذلك توجت ان الثورة امرأة، والوجه الثاني يعود للجندي الذي انسكبت دموعه غزيرة معبّرة وكانت الاوامر قد وضعته في وجه اهله وناسه هو العسكري في الجيش ذي المهمة المقدسة حيث دوره ان يكون على الحدود وليس في شوارع جل الديب والنبطية فأغرقته السياسة في وحول الشارع، والثالثة للشهيد علاء ابو فخر حيث قرعت اجراس الكنائس وآذان المساجد فاتحد الجميع في الصلاة له وانكسر حاجز الخوف بين مختلف الطوائف.

ــ بعد هذه الوجوه والايام المضيئة، هل احبطتك الثورة وما آلت اليه؟

- لا زالت الثورة في بداياتها... <بعدها بحالة رومانسية> ومن ثم قد تتحول الى مقاومة. ما من ثورة لا تصل الى مكان ما. اليوم اختلفت الحسابات جدا عن السابق، مواقع التواصل الاجتماعي والشباب لعبوا دورا كبيرا جدا، وكذلك من هم في مثل جيلي ومن هم اكبر سنا. منذ النهار الأول لاندلاعها، قلت لهم أنها ستتطلب بين الخمس والعشر سنوات، فالفساد متجذر، واللبناني داخل في منظومة الفساد بطريقة او باخرى، وبـ<لا ارادة> منه أحيانا، اذ ان النظام اجبره على الدخول فيها، فـ<نستوطي حيط القانون> ونخرقه ونتحايل عليه. لم نستطع ان ننفض عنا غبار <البخشيش> الذي ورثناه عن العثمانيين، وهو ما زال قائما ومتجذّرا في كل مفاصل الدولة اللبنانية لسوء الحظ.

ففي نظام عادل، يجيد المحاسبة تهر رؤوس كبيرة، منها ما يسجن، ومنها من يكون في محاكم لاهاي وغيرها. في الكثير من الثورات بينها مثلا <ثورة القرنفل> في البرتغال، انضم الجميع بالنهاية الى الثوار... وهنا كلما اعتقلوا ناشطا او كاتبا لـ<بوست> او اودعوه في ثكنات القوى الأمنية او نظارات قصر العدل فانهم كمن <يحفر قبره بيده>.

ــ بالعودة الى <ام الكل> الى اي مدى كان صعبا تشخيص دور امرأة ومسنة تحديدا؟

- صعب جدا، وفي الوقت عينه فيه لذة غير طبيعية. احيانا اشعر بنفسي متعبا، اذ هناك استثمار كبير في هذه الشخصية خاصة على صعيد تكوينها، فأنا لا العب دور المرأة، اصير انا المرأة... ولما انتهي من المسرحية اقفل الباب قليلا في الكواليس، ويلزمني وقت حتى اعود الى طبيعتي فاستطيع السلام والكلام مع الجمهور الحاضر. الحالة الفكرية، الجسدية، النمط، الـ<ميترونوم الداخلي> لا يمكن ان اتخلص منها بسرعة. حتى زوجتي وابنتي تقولان لي احيانا <فيها تفل هالمرأة شوي من البيت>؟

ــ لماذا تقصدت ان يكون الدور لامرأة؟

- لسببين:أولا لأن الكتابة لشخصية من الجنس المعاكس للكاتب تكون أصعب وتحمل تحديا اكبر، ولالفت النظر الى موضوع المسنين والمسنات. من هنا بدأت بمراقبة امي، ابي، كيف يتكلمان ويمشيا ويقرآن، كيف تتغير حياتهما مع العمر وسط ما يطرأ عليها من تغيرات جسدية ونفسية وذهنية، وبالرغم من ذلك يبقى فيها ما هو جميل جدا. كذلك فإن آثار الوحدة تفعل فعلها في الشخص المسن، تنعكس عليه حتى تعبا نفسيا، وهو الأصعب.

وبعد برهة يتوقف فيها جو يقول:

- حسنا سأدخلكم في خصوصياتي. منذ حوالى الشهرين أصبت بـ<زونا> وتعرفون كم هي حالة مرضية مزعجة ومؤلمة، فحاولت تطويعها لاداء الشخصية، والوجع الذي كنت اشعر به ادخلته فيها. كان استاذي الكبير جلال خوري رحمه الله يقول لي <كل الامراض هي امراض الروح> <Toutes les maladies sont des maladies de l’ame> وفعلا، لما كنت اعتلي الخشبة، لم اكن اشعر باي وجع، في حين يعاودني المغص والالم في معدتي حتى عظامي بعد خمس دقائق من اسدال الستارة. الـ<زونا> ساعدتني لايجاد نمط لهذه الشخصية، فاستخدمت وجعي وايقاع جسدي وخطواتي للدخول في جلدها، وقد شكلت لي طاقة او نافذة على المرأة التي فيّ، فبالنسبة لي في داخلنا جميعنا الذكر والانثى، وعلى الواحد منا ان لا يخشى من ابراز الجانب الآخر.

ــ ما حكاية الجدار <العازل> او الفاصل في الصالة؟

يضحك جو ويجيب:

- قسمنا الصالة حتى لا اخسر نوعية الصوت، فأنا في المسرح لا استخدم ميكروفونا، فارتأيت ان أقلص المساحة فتكون لـ60 شخصا فقط، لكننا عدنا وازلنا <القاطع> لان ضغط الحضور جاء اكثر مما توقعت، وهذا ما يسعدني فعلا. فأنا لم اقدم هذه المسرحية لاي هدف مادي انما لأجل اللبنانيين جميعا وليس فقط للذين نزلوا الى ساحات الثورة لانه في النهاية سنعود جميعا ونتحاور ونعيش يدا بيد. لا يمكن لكم ان تتصوروا حجم الفرحة التي شعرت بها لما جاءت صبية من <التيار الوطني الحر> جعلت من سيارتها <مزارا> لمحبي الرئيس عون وصوره، تهنئني على عملي وتضمني بحب كبير.

ويضيف:

- المسرح له أثره الكبير اليوم، فأي حدث فني او ثقافي اكان في الشعر او الرسم او الموسيقى أو الندوات هو وجه من وجوه المقاومة الأصلية، ولمن يسأل من اين اتي لكم بالجمهور؟ اقول له ان قوام هذا البلد هو الثقافة وطاقات اهله وشبابه الذين هم افضل من جيلنا بكثير. آسف على المسرحيات التي تم الغاؤها أوتأجيلها واشجع على حضور المسرحيات والمهرجانات القائمة. تذكروا يا ناس انه في عز الحرب كان الممثلون يقطعون من الجهة الشرقية لبيروت الى الجهة الغربية ليمثلوا في تلفزيون لبنان او يقدموا اعمالهم على المسرح، وكانت الناس تنتظرهم... فحتى في ايام القصف والقذائف كان <النظام البوليسي> قائما، غير انه اليوم أكثر شراسة ويده غليظة اكثر لكنه لن يستمر.

ــ هل وصلتك <تهديدات> او تمنيات معينة، وماذا عن الرقابة؟

- شباب الرقابة لم يطلبوا تغيير فاصلة، علما انني ضد نظام الرقابة بالمطلق وادعو الى العمل على الغائها ما يتطلب قانونا لذلك، كما ادعو منذ مدة الى تحصين الممثل من خلال نقابة محترمة تضم من يستحق من أهل المهنة، وإلى الغاء الضريبة على القيمة في ما يخص الابداع الفني الخ.. اما لناحية التهديدات فانها تميل اكثر الى الشتائم خاصة لمن استفزهم اسم المسرحية واخذوها على محمل شخصي، فيما زايد البعض علي في حبهم للجيش والمؤسسة العسكرية التي تبقى عندي فوق كل اعتبار اذ يريد البعض احتكاره فيما هو للوطن كله.

ــ كتبت في <افيش> المسرحية انها لعشاق الثورة، ماذا عن الباقين؟

- اعتقدت انها لن تهم سوى من يريدون الثورة وينزلون الى الساحات فاكتشفت انني على خطأ.

ــ وهل من بين الحضور سياسيون؟

- كل أعمالي المسرحية يحضرها سياسيون وبينهم أصدقاء، الا انني لا ارحب بهم ترحيبا خاصا و<لا برشلهم ماي مصلاية>، حتى ان احدهم كان مرة في الصفوف الأمامية مع زوجته، وطُلِب مني الترحيب به فرحبت بجميع الحضور لانهم جميعهم عندي سواسية في حضرة المسرح، فما كان منه مع التحية النهائية إلا ان غادر مسرعا من دون اي التفاتة الي... لا اقول للسياسي <تعا او لا تجي> اترك له ملء الحرية، على امل ان يعاملنا وزملاؤه بالمثل، فيحترم حريتنا وحرية تفكيرنا وتعبيرنا.