بقلم وردية بطرس

عُرفت بعاصمة السلام، انها <جنيف> التي تأسر قلوب زوارها من كل أنحاء العالم. تبدو هذه المدينة السويسرية من الأعلى كأيقونة وسط بحيرتها الكبيرة التي تحتضنها برفق مانعة عنها الخوض في شيء غير السلام، كيف لا وهي عاصمة السلام التي سحرت العالم واستطاعت ان تجمع كل تناقضاته. فلا شيء يعلو على صوت الطبيعة الحاضن في <جنيف> لما اختلفت فيه مصالح العالم السياسية والاقتصادية، بتقاليدها الانسانية ونزعتها المنفتحة على العالم. مدينة اختارتها الأمم لتجمع كل ما تفرق فيها، اذ في هذه المدينة الأنيقة اجتمعت المنظمات الدولية... وكان قد شُيد قصر الأمم في الأصل من أجل عصبة الأمم وذلك في مطلع القرن العشرين، وهو الآن مقر لمنظمة الأمم المتحدة. وفي هذا المقر يتم سنوياً تنظيم ما يزيد عن 8000 اجتماع لليونيسكو ومجلس حقوق الانسان وغيرها من المؤسسات. ويوجد القصر داخل حديقة <أرينا> المطلة على البحيرة والتي تمتاز بطيور الطاووس. تقع <جنيف> في جنوب غربي البلاد وهي عاصمة كانتون <جنيف>، تقع على النهاية الغربية لبحيرة <جنيف> حيث ينبع نهر <الرون>، يبلغ عدد سكانها 109206 نسمة وسكان العاصمة 378.274 نسمة، وهي ثاني أكبر مدن سويسرا وأكبر مدن الجزء الناطق بالفرنسية، وتقع في أقصى جنوب غرب البلاد على مقربة من الحدود الفرنسية على بحيرة <جنيف> ونهر <الرون>.

<جنيف> مقر المنظمات الدولية

 <جنيف> هي مقر العديد من المنظمات الدولية منها منظمة الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، منظمة التجارة العالمية، منظمة الصليب الأحمر، منظمة الملكية الفكرية، منظمة العمل الدولية ومنظمة حقوق الانسان، وهي أيضاً تعتبر مقراً لاتفاقيات دولية عديدة. تقع مدينة <جنيف> الناطقة بالفرنسية على خليج حيث يغادر نهر <الرون> بحيرة <جنيف> الشهيرة. وتحيط بهذه المدينة الرائعة قمم جبال الألب القريبة والتضاريس الجبلية في <يورا>، مع تقاليدها الانسانية ونزعتها المنفتحة على العالم حيث تحتضن المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة وكذلك المقر الرئيسي لمنظمة الصليب الأحمر.

وتحمل المدينة في صفحات تاريخها العديد من الأحداث المهمة التي وقعت فيها، اذ أنشأ الرومان فيها مستعمرة في العام 50 قبل الميلاد، وكانت مقراً لملوك منطقة <برغنديا> في العصور الوسطى، وأصبحت مدينة حكومية للامبراطورية الرومانية المقدسة في القرن الحادي عشر للميلاد، كذلك أصبحت مركزاً للطائفة المسيحية البروتستانتية تحت قيادة <كالفن> في القرن السادس عشر للميلاد، وقد انضمت الى اتحاد الكانتونات السويسري (الاتحاد السويسري الكونفدرالي) في العام 1815.

المعالم السياحية في <جنيف>

تعد نافورة <جنيف> من أبرز المواقع السياحية التي تشتهر سويسرا بها، وأيضاً كأحد أشهر المعالم الأوروبية وهي أشهر ما يميز سويسرا بعد الشوكولا والساعات والبنوك وأجراس الأبقار. وتقع النافورة على بحيرة <جنيف> وتحديداً على شاطئها الواقع في الجهة الغربية، وقد بُنيت في العام 1886 بارتفاع تمثال الحرية وبذلك تكون من أطول النوافير في العالم، وهذا ما يميزها أي ارتفاعها الشاهق الذي يصل الى 140 متراً، عدا عن مساحتها الكبيرة. ويقدّر ان النافورة تضخ سبعة أطنان من المياه بسرعة تبلغ 200 كيلومتر في الساعة من خلال مضخات كهربائية عدة، ولقد تم تصميمها في البداية لغرض تقليل ضغط المياه عند الضخ لسكان المدينة، ومع حلول العام 1891 تم تطويرها لتصبح معلماً سياحياً جذاباً وكانت قدرتها في ذلك الوقت 90 متراً فقط، وفي العام 1951 تم تطويرها أكثر بالمضخات ومصادر الماء والاضاءة لتصبح معلم المدينة المشهور.

بحيرة <جنيف> الشهيرة

أما بحيرة <جنيف> فهي أكبر بحيرة مياه عذبة طبيعية في غرب أوروبا (582 كيلومتراً)، وبالاضافة لذلك فهي أكبر تجمع مياه عذبة في أوروبا القارية من حيث الحجم (89 كيلومتراً). 60 بالمئة منها تحت ادارة سويسرا (كانتونات فود، <جنيف>، وفاليه)، و 40 بالمئة تحت ادارة فرنسا (سافوا العليا). متوسط منسوب الماء عند 372 متراً يحكمه سد <سوجيه> بالقرب من <جنيف>، وتبلغ سعة المياه لبحيرة <جنيف> قرابة 89 مليار متر مكعب، الا ان مستوى ارتفاع المياه في البحيرة بدأ بالنقصان بشكل واضح خلال العقود الأخيرة حيث تخسر البحيرة ما بين 0.6 الى 1.5 متر مكعب من مستواها، ويعود ذلك الى الاختلاف في الضغط الجوي ما بين مختلف مناطق البحيرة، اما اجمالي ماء البحيرة فيتجدد كل 11.4 أعوام.

وقد ساعد التوسع العمراني على احاطة البحيرة بالعديد من المدن والتجمعات السكنية حيث يسكن 8.7 بالمئة من سكان سويسرا حول بحيرة <جنيف>، ولعل أكثر المدن السويسرية المحيطة بالبحيرة اكتظاظاً بالسكان هي مدينة <جنيف>، ثم تأتي بعدها مدينة <لوزان> من حيث التعداد السكاني، أما أهم المدن الفرنسية المطلة عليها فتتمثل في كل من مدينة <ايفان> التابعة لأقاليم <رون ألب> بالاضافة الى مدينة <ييفوار>... وتبحر القوارب في الاتجاهات كافة على أكبر بحيرة داخلية وسط أوروبا. وبامكان الركاب الصعود على المركب والنزول منه على الجانب السويسري كما يمكنهم ذلك على الجانب الفرنسي من البحيرة. وعلى ضفاف بحيرة <جنيف> توجد الكثير من المقاهي والجلسات الرائعة وتوجد فرق استعراضية من كل أنحاء البلاد تقدم عروضاً مختلفة، وتوجد أيضاً يخوت على رصيف الجبل الأبيض وفيها مطاعم ومقاهٍ تأخذ الزائر في جولة حول بحيرة <جنيف> او يمكنه السفر الى المدن المجاورة باتجاه بحيرة <ليمان>.

كاتدرائية القديس بطرس

ان التجول في شوارع <جنيف> المرصوفة بالحجارة هو السبيل لاكتشاف جواهرها المكنونة بالأحياء القديمة: <سان جرفيه> في الضفة اليمنى لـ<نهر الرون> ومركز المدينة على الضفة اليسرى. وان كاتدرائية القديس بطرس التي بُنيت على التلة في العصور الوسطى تفرد جناحها على هذه المدينة القديمة الحصنة، وتعتبر كاتدرائية القديس بطرس من الكنائس الضخمة في <جنيف>، وأبرز ما يميزها انها بُنيت على فن العمارة الرومانية. وهذه الكاتدرائية الاكثر استقبالاً للزوار في <جنيف>، وتمنح الكاتدرائية من أعلى صوامعها بانوراما فريدة لمدينة <جنيف> و<بحيرة ليمان>.

وتضم البلدة أيضاً البلدية والحديقة الانكليزية، اذ من معالم السياحة في <جنيف> هي زهرة <جنيف> على مدارس الساعة الواقعة في الحديقة الانكليزية وتحديداً بالقرب من بحيرة <جنيف> وقد شيدت في العام 1955. ويوجد في البلدة القديمة ساحة <بورغ دي فور> القديمة وتمتاز بالأرصفة المرصوفة بالحصى والسوق الروماني السابق وكثرة المقاهي. وتعد البلدة القديمة من أجمل المواقع السياحية في <جنيف>، وتتميز بأزقتها، ومنازلها الملونة بلون واحد والتي يغلفها القرميد الأحمر، كما تشتهر بشوارعها الجميلة التي تُعرف بأرصفتها المغطاة بالحصى ذات اللون البني. وتجدر الاشارة الى ان ساحة <بورغ دي فور> كانت عبارة عن سوق روماني قديم، وهو واحد من أقدم الساحات العامة في مدينة <جنيف> وبقي مكاناً لتجمع السويسريين لعقود، كما كانت مكاناً لايواء العديد من اللاجئين من جميع أنحاء أوروبا، ولا تزال الى اليوم نقطة جذب مركزية في المنطقة، وهي الساحة المحاطة بالعديد من المقاهي والمطاعم والفنادق والنوافير والمتاجر والمحلات الأخرى، ويطل على الساحة قصر العدل بمبناه القديم الذي يعود الى القرن الثامن عشر، وهناك شارع كبير تصطف عليه سلسلة من المباني القديمة يرجع تاريخها الى ما بين القرن الخامس والقرن الثامن عشر، كما تضم الساحة العديد من المقاعد للجلوس والاستراحة، وقد ولد الأديب والفيلسوف الكبير <جان جاك روسو> في أحد هذه المباني وهو المعروف بالمبنى رقم 40، وبالقرب من المنطقة تقع الجامعة وفيها متحف للأديب <روسو> وحائط المصلحين الذي نُقش عليه تاريخ الاصلاح ورسم للمصلحين الأربعة المشهورين.

نهر <الرون>

نهر <الرون> يكشف جمال جبال الألب والحياة الريفية الباردة مع الماشية والحقول، كما يتيح مشاهدة الطيور في البحيرة من خلال رحلة نهرية بالقارب. ونهر <الرون> هو واحد من الأنهار الرئيسية في أوروبا، ينبع من سويسرا ويصب في جنوب شرق فرنسا بطول اجمالي 812 كليومتراً، وقرب مصبه في البحر الأبيض المتوسط يتفرع الى فرعين: الفرع الأول ويُعرف بـ<الرون العظيم>، والفرع الثاني يُعرف بـ<الرون الصغير>، وهو بذلك يكوّن دلتا نتيجة تفرع النهر في منطقة <كامارغ>. وكان <الرون> طريقاً سريعاً مهماً منذ زمن الاغريق والرومان، إذ كان طريقاً تجارياً رئيسياً من البحر المتوسط الى شرق ووسط فرنسا، وعلى هذا النحو ساعد امتداد نهر <الرون> لداخل فرنسا على نقل التأثيرات الثقافية اليونانية والثقافات اللاتينية الى القبائل التي تعيش في فرنسا. وقبل اختراع السكك الحديدية وانشاء الطرق السريعة، كانت لـ<نهر الرون> أهمية ملاحية كبيرة في التجارة خصوصاً التجارة الداخلية والنقل، فهو يربط مدناً عديدة ليصلها بالبحر المتوسط ومن أهم تلك المدن: <آرل>، <افينيون>، <فالينس>، <ليون>، وتتصل تلك المدن بموانىء البحر المتوسط مثل: <فوس>، <مرسيليا>، <وسيت>. والسفر عبر نهر <الرون> بالبارجة يستغرق ثلاثة أسابيع دون توقف او انقطاع، اما السفر عن طريق السفينة المزودة بمحركات فيستغرق من المنبع الى المصب ثلاثة أيام فقط. وتتفرع من <الرون> قنوات صناعية عدة تصله بالمدن الداخلية الأخرى وتربطها بموانىء البحر المتوسط. وقد اشتهر <الرون> بأنه نهر يحمل كميات كبيرة من المياه، وسرعته الحالية تصل الى 10 كيلومترات / ساعة 6 ميل الساعة).

أشهر متاحف <جنيف>

وللمتاحف أهمية كبيرة في هذه المدينة المميزة، اذ لا يقل عدد المتاحف في <جنيف> عن أربعين متحفاً تشمل جميع الميادين: متحف فنون الشرق الأوسط وهو واحد من أشهر متاحف <جنيف> يعرض الفنون الصينية واليابانية. متحف الساعات <باتيك فيليب> اذ يتعرف الزوار على طريقة صنع الساعات السويسرية وكيف تطورت صناعة الساعات في العالم وفق التسلسل الزمني، وتوجد في المتحف الذي يعد من أشهر متاحف <جنيف> قاعتان: احداهما تعرض مجموعة من الساعات القديمة، والأخرى تعرض تصاميم للمصمم الشهير <باتيك فيليب>. متحف <جنيف> للفنون الذي يُعرف أيضاً باسم متحف الفن والتاريخ وقد افتتح أبوابه سنة 1910، وهو أهم واكبر متحف للفنون في مدينة <جنيف> بحيث يضم ضمن مقتنياته أكثر من 7 آلاف من المعروضات التي تعود لمكتشفات عصور ما قبل التاريخ اضافة الى عدد من اللوحات الحديثة. متحف <باربير مولر>: تم تأسيسه في العام 1977 ويضم مجموعة رائعة من المقتنيات والمعروضات التي يفوق عددها 7 آلاف قطعة فنية من مختلف أنحاء العالم، اضافة الى المنحوتات والأقمشة والحلي من العصور البدائية القديمة. متحف الصليب الأحمر: وهو من المتاحف المميزة ومن أشهر متاحف <جنيف>، وهو الأكثر زيارة من قبل السياح حيث يوضح هذا المتحف ملامح النضال المستمر للمنظمات الانسانية في العالم على مر العصور. متحف الفن الحديث والمعاصر: يقدم المتحف الذي افتتح في العام 1994 روائع من الفن الأوروبي المعاصر، وهو متحف مشهور على الساحة الفنية المعاصرة، ويتم تغييره من الداخل ثلاث مرات سنوياً. متحف <أريانا>: يقع هذا المتحف الفريد من نوعه في حديقة على ضفاف بحيرة <جنيف> ويعرض ويوثق لصناعتين مهمتين في الحضارة الانسانية وهما صناعة الخزف وانتاج الزجاج، وتعرض فيه حوالى 20 ألف قطعة تم جمعها من سويسرا وأوروبا والشرق الأدنى والأقصى. متحف التاريخ الطبيعي: يعرض التاريخ الطبيعي لسويسرا من خلال ما يرويه من عروضات عن قصص الحيوانات والنباتات والحشرات التي تطورت في هذه المنطقة، وذلك من خلال عرض الأفلام المصورة والصور وتماثيل الحيوانات بأبعاد حقيقية. متحف الأثنوغرافيا: تم تأسيسه في العام 1901 بمبادرة من البروفيسور <يوجين بيتارد>، ويضم أهم المجموعات الاثنوغرافية الموجودة في سويسرا، وهو متحف يتناول أيضاً تنوع الحضارات الموجودة في القارات الخمس وبين أكثر من 1500 ثقافة من أنحاء العالم. متحف <راث>: وهو متحف مخصص للفنون في <جنيف> ويعتبر أقدم متحف بُني لهذا الغرض في سويسرا حيث يعود تاريخ بنائه الى الفترة ما بين عامي 1824 و 1826، وقد كان يعرض في بداياته معارض دائمة ثم تخصص في المعارض المؤقتة فقط للفن السويسري والدولي على حد سواء.

وهذه المدينة الرائعة التي تتميز بصناعة الساعات وتشتهر بمتاحفها ومسارحها تُلقب بأنها عاصمة الشوكولا في العالم او عاصمة صناعة الشوكولا حيث يُصنع فيها ألذ وأشهى أنواع الشوكولا وأفخمها كما تضم أفخم محلاتها ومتاجرها، عدا عن متاجر الساعات التي تضم ساعات متنوعة بكافة الأحجام والأشكال والأثمان، ويعود ذلك الى التاريخ الطويل لها في صناعة الساعات بمهارة واتقان، كما تتميز <جنيف> بصناعتها لألذ وأطيب أنواع الجبن.