تفاصيل الخبر

جنبلاط يرفع "الدوز" ضد حزب الله لكنه لن يتجاوز النقد السياسي والإعلامي

13/01/2021
جنبلاط يرفع "الدوز" ضد حزب الله  لكنه لن يتجاوز النقد السياسي والإعلامي

جنبلاط يرفع "الدوز" ضد حزب الله لكنه لن يتجاوز النقد السياسي والإعلامي

[caption id="attachment_84871" align="alignleft" width="516"] النائب والوزير السابق وليد جنبلاط في لقاء سابق مع السيد حسن نصرالله.[/caption]

تعتقد الاوساط السياسية المتابعة للتطورات الحكومية، ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يكسر "الجرة" فقط مع الرئيس سعد الحريري عندما دعاه الى الاعتذار عن تشكيل الحكومة العتيدة وعدم اكمال مشوار التأليف والتنازل عن كل الحكومة لصالح حزب الله والحلفاء "كي يحكموا منفردين وليتحملوا وحدهم مسؤولية الوضع الذي لا نملك فيه اي دور او قرار او حيثية"، بل حطّم كل ما يربط الحزب بقيادة حزب الله الذي وجه اليه جنبلاط في اطلالاته الاعلامية الاخيرة سلسلة انتقادات من "العيار الثقيل" محملاً اياه مسؤولية ما سوف يتعرض له لبنان "الذي اصبح منصة صواريخ"، الامر الذي يطرح العلاقة المضطربة اصلاً بين الحزبين على مسار الهاوية في ظرف سياسي غير مسبوق تمر به البلاد التي لا تزال من دون حكومة جديدة وفي وضع اقتصادي ومالي صعب قد يقود البلاد الى الانهيار التدريجي.

وفي رأي الاوساط نفسها ان "التصعيد المدروس" الذي يقوم به جنبلاط على اكثر من اتجاه، جعل علاقاته مقطوعة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل، اضافة الى الغبار الكثيف الذي يلف علاقته مع الرئيس سعد الحريري و"الارتجاج" في علاقته مع "القوات اللبنانية" مع استمرار متانة ما يربطه بالرئيس بري الذي يرى فيه "الحليف" الدائم والاقوى من بين سائر الحلفاء الذين تناوبوا على العلاقة مع الاشتراكي وزعيمه....

وفي تفسير اولي لموقف جنبلاط، يبرز رأيان، الاول يقلل من شأن هذا الموقف واهميته ويدرجه في سياق تحسين شروطه في اللعبة السياسية وموقعه التفاوضي في الحكومة التي يشعر جنبلاط بأنه لا دور له فيها ولم يعط هامشاً في اختيار الحقائب والاسماء، وانما اعطي وزارة الخارجية التي يعتبرها وزارة فارغة من المضمون والصلاحيات وتشكل عبئاً واحراجاً في هذه المرحلة، وان هناك من يعمل على حكومة الـــ 20 وزيراً ليكون المقعد الدرزي الثاني من حصة طلال ارسلان. اما التفسير الثاني فيقول إن جنبلاط لديه الكثير من الاسباب التي تدعوه الى التذمر والاعتراض ورفع الصوت، وغير راض عن كل المسار الحكومي، موزعاً المسؤوليات على الرئيس عون الذي يفصّل الحكومة على قياس باسيل ومصالحه ودوره في المرحلة المقبلة، وعلى حزب الله، الذي يستنكف عن التدخل لدى عون والضغط عليه لتليين موقفه، لا بل يظهر له كل الدعم والتأييد، وعلى الرئيس الحريري ايضاً الذي يحمله مسؤولية اساسية لأن حساباته السياسية خاطئة، وطريقة ادارته للملف الحكومي غير موفقة.

لم يتأخر جنبلاط في التقاط الاشارات السياسية التي تنبىء بأن هناك معايير جديدة لتشكيل الحكومة تختلف عن حكومة الاختصاصيين وفق المبادرة الفرنسية، ونصح الحريري عبر قنوات تواصل خاصة بالاعتكاف او الاعتذار، لأن الحكومة لن تكون حكومته وحزب الله وعون لا يريدان لأي حكومة ان تكون صاحبة القرار. لم يستجب الحــــريري مع رسالــــــة جنبلاط وشكك به وشنت عليه حملــــة من تيار "المستقبل" من خلفية انه ينقلب على الحكومة ومعاييرها. لكن جنبلاط اوضح انه لا ينقلب، وان معايير التشكيل كلها لا تتلاءم مع طرح حكومة الاختصاصيين، لذلك قال إن المعايير الحالية تفرض عليه المطالبة بحصته لأنها معايير تشكيل حكومة سياسية بغطاء الاختصاص، وان الحريري احرج نفسه عندما سلم لحزب الله ونبيه بري بما يريدان، وكذلك لسليمان فرنجية، لكنه لم يفعل ذلك مع عون الذي قام بردة فعل عنيفة...

توترت الاجواء اكثر مع الحريري وغرد جنبلاط تغريدته الشهيرة ويعلم انه لا الحكومة ستشكل ولا الموقف الخارجي سيتغير، وحتى لو تشكلت الحكومة فلن يكون هناك اي فرصة للحصول على مساعدات او لاقرار اصلاحات.

جنبلاط خائف من فراغ

اما على خط حزب الله ، فإن جنبلاط، وفق قراءة اوساط مطلعة، يقود تصعيداً مدروساً ضد الحزب، لكنه يميز نفسه عن المعترضين الآخرين ولاسيما "القوات اللبنانية" حين يقول إنه ليس في صدد تشكيل جبهة "14 آذار" جديدة، او عندما يبرز تمايزه في رفض مشاريع الكانتونات والفيديراليات وتحالف الاقليات، ويعلن تمسكه بروح المبادرة الفرنسية من دون التقيد بحكومة اختصاصيين لا لون ولا نكهة لهم. كما يظهر جنبلاط عدم رهانه على تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن مسؤولياته الرئاسية انطلاقاً من كون السياسة الاميركية الخارجية تأخذ وقتاً حتى تتبدل في انتظار استكمال تسلم الادارة الجديدة مهامها ومسؤولياتها.

 وثمة من يرى ان جنبلاط الذي رفع منسوب انتقاداته لحزب الله، يدرك من خلال "انتيناته"ANTENNE  ان ثمة مؤشرات عن حصول فراغ في البلاد ولديه مخاوف جدية من أحداث وتطورات تخرج عن السيطرة في لحظة دولية واقليمية شديدة الخطورة، في ظل محاولات "جدية" لاعادة رسم حدود نفوذ الامبراطوريات الكبرى في المنطقة، سياسياً وامنياً وجغرافياً، على وقع تمدد اسرائيلي هو الاكثر خطورة بعدما باتت موجة التطبيع عالية جداً، والخشية من ان تكون الساحة اللبنانية جزءاً من عملية تصفية الحسابات المباشرة بين القوى المتصارعة كما يحصل راهناً في العراق واليمن، خصوصاً ان جنبلاط يرى ان تمديد عمر الفراغ الحالي يصب في خدمة هذه الاهداف الشديدة الخطورة.

 ويقول قريبون من جنبلاط انه على رغم التصعيد في مواقفه ضد حزب الله، الا انه يريد الحفاظ على وتيرة العلاقات القائمة راهناً مع حزب الله، وهو يحرص على ايصال رسائل للحزب بهذا الخصوص، لا يريد المواجهة او التصعيد، لكنه يعمد بين الفينة والاخرى الى رفع مستوى التصعيد الكلامي مع "حارة حريك" للتحفيز، وليس لخلق خطوط تماس ساخنة معها. ولا يرغب جنبلاط في فتح اي مواجهة مباشرة مع حزب الله، وليس في صدد التورط في ازمة شبيهة بأحداث 8 ايار (مايو) 2008، وهو ابلغ الجميع في الداخل والخارج انه اختار في هذه المرحلة الجلوس على التلة بعيداً عن الازمات الحارقة، ولن يكون جزءاً من اي عملية انقلابية تعيد الجبل الى مرحلة التوتر، لانه يدرك جيدا ان اللعبة هذه المرة اكبر من الحزب الاشتراكي ولا رغبة لديه في توريط الطائفة الدرزية في ما لا طاقة لها به. ويعتقد جنبلاط ان فريقه السياسي غير قادر على تحقيق انجازات سياسية في ظل موازين القوى الراهنة، والمعركة مع العهد لن تكون مجدية لأن حزب الله لا يزال داعماً للرئيس عون "والتيار الوطني الحر" ولن يقبل بهزيمته في هذه الفترة الحرجة اقليمياً، ولهذا يدعو جنبلاط الى التواضع في خوض المعركة وعدم تكبير الحجر، لأن النتائج لن تكون جيدة والبلاد على ابواب استحقاقات دستورية خلال سنتين، وما يحصل الآن سيكون مقدمة لفراغ دستوري كبير في البلاد. ولعل الانتقادات غير المباشرة التي وجهها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى جنبلاط من دون ان يسميه، رسالة اخرى من قيادة الحزب الى جنبلاط نفسه بأن "رسائله" وصلت، لكن لا بد من اعادة نظر في موقفه وعدم التسلل من خرم ابرة الازمة الحكومية لاطلاق النار على الحزب، والعودة الى حالة "ربط النزاع" التي كانت قائمة بين الاشتراكي وحزب الله وعدم فتح مواجهة مباشرة، من دون ان يعني ذلك عدم انزعاج الحزب من النبرة العالية التي صدرت عن جنبلاط  في الآونة الاخيرة.

 صحيح ان هناك من "يتفهم" موقف جنبلاط من جانب حزب الله، لكن درجة "التفهم" محدودة، وحدودهـــا "المعقـــول" الـــذي يتفهـــم كـــون الزعيم الـــدرزي "محشوراً". الا ان ثمة من ارسل الى جنبلاط رسالة غير مباشرة من حزب الله انه لا بد من اعادة النظر في هذه الحملات ضد حزب الله وايران لأن التحولات الجارية في المنطقة قد تفرض جديداً يدفع بجنبلاط الى احداث "تكويعة" في موقفه، وهو الذي اعتاد التبديل في المواقف تبعاً للاجواء. لذلك ثمة من يرى ان جنبلاط يلتزم سقفاً معيناً فهو يتحاشى الخوض مما هو اكثر من اتهام سياسي في مواجهة حزب الله طالما ان لا بوادر تقود الى انتاج "جبهة مواجهة واسعة ومتكافئة". وهذا واضح، ثم يختار كلماته بعناية ويضعها تحت سقف الاعتراض وفق قاعدة "السهل الممتنع". في الواقع، "البيك" ما زال مسكوناً بعواقب ما حدث في ايار 2008 لذا لا يريد التورط بأكثر من مواجهة سياسية او اقحام الجبل باكثر من ذلك كونه يدرك النتائج سلفاً.

في اكثر من مناسبة ردد جنبلاط انه "غير مستعد للمواجهة وحيداً" تصرفاته السياسية توحي بذلك. يكتفي بالتلميح والاستهداف الكلامي من دون اي اجراءات تنفيذية. في مجالسه يقول ان لا احد لديه القدرة على مواجهة الحزب، وان توفرت النية لذلك فلا احد مستعد ان يتحمل العواقب وحيداً، لذلك الكل يقذف الكرة تجاه الكل. ويزيد ان البعض يطالبه بأن يقود المواجهة تحت عنوان "جبهة". لكنه يستطرد بأن لا جبهة متوفرة ظروف ولادتها الآن ولا يبدو ان ثمة امكانية لذلك غداً. بهذا المعنى يعود جنبلاط الى الواقعية السياسية ولا يجد اكثر من التعبير عن غضبه من على متن وسائل الاعلام كي لا يقوده الحماس الى تجربة اخرى قد يندم عليها مستقبلاً.