تفاصيل الخبر

  جمعيتان لبنانيتان تشكلان علامة فارقة في التكافل الإجتماعي..  

10/06/2020
  جمعيتان لبنانيتان تشكلان علامة فارقة في التكافل الإجتماعي..   

  جمعيتان لبنانيتان تشكلان علامة فارقة في التكافل الإجتماعي..  

بقلم عبير انطون

  [caption id="attachment_78660" align="aligncenter" width="584"] سينتيا الأسمر والشيف نقدم وجبات الغذاء لـ220 شخصاً[/caption]

 

  "أجيالنا": بغير الغذاء والدواء والتعليم، نعين من فقدوا وظائفهم والمهدّدون بإيجاراتهم..

   و"بيتي أنا بيتك": نقدّم الوجبات لحوالى مئتي عائلة، ونشعر بأننا مسؤولون عنهم..

[caption id="attachment_78656" align="alignleft" width="250"] أجيالنا للذين فقدوا وظائفهم[/caption]

 لست على يقين إن كانت الشاشات اللبنانية شهدت يوماً إعلاناً كالذي نشاهده اليوم حول الأرنب الذي يقفز عالياً لأنه نام خفيفاً من دون عشاء، قصة تحكيها الأم لابنها رامي، والخلاصة منها أن أولاداً وعائلات، ينامون ومعداتهم خاوية، وهم، بحسب ما نستشفه من الإعلان، عائلات لم يكن حالها معدوماً وتحول كذلك مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي جاءت لتزيد من خناقها جائحة الـ"كوفيد 19" المستجدّ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، فضلاً عن انخفاض قيمة الليرة والبطالة وتخفيضات الرواتب أو حتى انقطاعها.

 ومع توجه رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الى العالم بأسره عبر صحيفة الـ"واشنطن بوست" بالاشارة الى "توقف الكثير من العائلات عن شراء السلع الأساسية، وقد يجدون صعوبة في تحمل نفقات الخبز" تدل الوقائع على الأرض، معطوفة على أرقام المؤسسات الدولية والمحلية أن الكارثة الفعلية تدق على الأبواب ونحن على أبواب الصيف، فما الحال إن أصبحنا على أبواب الشتاء؟

 وللتصدي للجوع الكافر والوضع المأزوم، تنشط الهمم الخاصة، وما مبادرات جمعية  "أجيالنا" و "بيتي أنا  بيتك"، و"نعمة"

[caption id="attachment_78658" align="alignleft" width="167"] أهلاً وسهلاً في بيتي أنا بيتك[/caption]

و"المطبخ الشعبي" وغيرها العديد  سوى نماذج مضيئة  في المساندة والتكاتف. فما هي التقديمات والمساعدات؟ ولمن وصلت، واين تكمن الحاجة الأكبر؟

على هذه الأسئلة أضاءت "الأفكار" مع الدكتورة لينا الزعيم الددا، رئيسة جمعية "أجيالنا"، ومع الاعلامية وعضو المجلس البلدي في بعبدا سينتيا الأسمر مؤسِسة "بيتي أنا بيتك"..

 مليون لبناني من أربعة ملايين وهو عدد السكان، باتوا تحت خط الفقر الغذائي، و"معدل انتشار الفقر في لبنان سيرتفع من 37% عام 2019 الى 45% في العام 2020 ومن المتوقع ان يصيب الفقر وانعدام الامن الغذائي ما نسبته 22% من السكان بعد ان كان 16% في عام 2019" بحسب التقرير الحديث الصادر عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

 جمعية "أجيالنا" التي تأسست منذ العام 1995، تترك في هذا الظرف الاقتصادي الصعب  بصمات مشهوداً لها في مواجهة هذه الوقائع. فما أبرز المجالات التي تعمل عليها ومن تشمل مساعداتها؟

تشرح الدكتورة لينا الزعيم الددا لـ"الأفكار" عمل الجمعية ومواكبتها للكثير من العائلات فتقول:

[caption id="attachment_78659" align="alignleft" width="250"] دائماً جاهزون[/caption]

_ مع بدء اشتداد الأزمة الاقتصادية بعد 17 اكتوبر بدأت جمعية "أجيالنا" بتوسيع نشاطاتها لتواكب الوضع الاقتصادي الحالي أولاً من خلال التوسع بالمساعدات الصحية والاجتماعية في البرامج الموجودة لدينا منذ سنوات عديدة، ثانياً بتسريع دراسة الطلبات المقدمة  حتى نستطيع تلبية الحاجات الملحة، وثالثاً باستحداث برامج جديدة تواكب بسرعة الوضع الحالي الذي نمر به في المجتمع اللبناني.ولدراسة الحاجات الملحة والأولويات، كان لا بد من تشكيل لجنة تعمل على الارض وتقوم بدراسة الحالات ميدانياً وبشكل مباشر مع العائلات لوضع تقييم بحسب الاحتياجات الضرورية. وطبعاً لا يغيب عن بال أي منا ان الغذاء والصحة هما من الأولويات.

وتضيف:

_ جمعية "أجيالنا" كانت من أوائل الجمعيات التي استدركت موضوع العاطلين عن العمل والذين فقدوا وظائفهم بعد 17 اكتوبر، فأسسنا برنامجاً في هذا الشأن تحت عنوان

Crisis Solidarity

 يهتم بالموظف، خاصة من كان يتقاضى الحد الأدنى من الأجور، وذلك من خلال مساعدة شهرية هي عبارة عن مئتي الف ليرة، فضلاً عن قسيمة غذائية بقيمة مئة الف ليرة شهرياً تمنح لهذه العائلات، وتستفيد منه حوالى 220 عائلة.

[caption id="attachment_78661" align="alignleft" width="250"] في مواجهة كورونا[/caption]

 ومن البرامج المستحدثة لجمعية "أجيالنا" أيضاً ، وفي مواكبة الوضع الاقتصادي الحالي، تقول الددا :

_  بعدما قمنا بزيارات ميدانية لاحظنا المشاكل التي تعاني منها عائلات الذين تُرِّكوا وظائفهم في ما خص ايجارات البيوت، وهذه أيضاً من البرامج التي تطلبت منا مجهوداً كبيراً لدراسة الوضع وتعبئة الاستمارات، إذ إن معظم هذه العائلات تعاني من مشاكل مع المالكين الذين يتوجهون اليهم بإنذارات لاخلاء بيوتهم، وهنا الجمعية تتدخل في أحيان كثيرة للتفاوض مع المالك حول المبلغ المطلوب، وفي بعض الحالات  تطلب منه الجمعية تخفيض الايجار او الإعفاء لبضعة أشهر في محاولة منا لابقاء العائلة في منزلها، أقله في الفترة الحالية. وهذا البرنامج يغطي حتى اليوم 57 عائلة تدفع الجمعية ايجاراتها بشكل شهري. الى ذلك، استجدّت أزمة الأدوية الشهرية المزمنة للعائلات التي تعاني من وضع متعثّر،هذا بغير الحالات الطارئة التي تستدعي دخول المستشفى او تتطلب عمليات جراحية. طبعاً البرنامج موجود  لدينا منذ فترة طويلة تحت عنوان

Hotline Healthcare

ولكن اليوم  كثفت اللجنة التي تقوم بدراسة هذه الطلبات عملها حتى تلبي الاحتياجات بأسرع وقت ممكن وفي خلال  24ساعة.

 وحول نطاق عمل الجمعية، تتمنى الددا لو تتوسع نشاطاتها لتشمل كل المناطق اللبنانية لكن سببين يحدان من ذلك ويجعلان عملها متركزاً في بيروت والشمال وفي صيدا واحياناً في بعض البرامج في البقاع: السبب الأول هو العائق المادي ،والثاني عدد الكوادر البشرية التي تتطلب زيارات ميدانية ومتابعة على الأرض..

و"كورونا"..

[caption id="attachment_78663" align="alignleft" width="333"] وأكلي..أكلك[/caption]

 بعد جائحة "كورونا"، ومع الحجر الصحي تغيرت مسارات العمل في جمعية "أجيالنا" تقول الددا لتواكب الوضع الحالي. وحتى نحمي على السواء الكادر البشري العامل في الجمعية كما المستفيدين من خدماتها، أسسنا التواصل الالكتروني من خلال "لينك" يسمح بذلك بين مقدم الطلب والجمعية فنقف عند وضعه او حالته الطبية والطبيب المعالج اوالمستشفى حتى تكون الدراسة شاملة، كما يجري توزيع الحصص الغذائية والمساعدات عن بعد للتخفيف ايضا درءاً لأي خطر.

وأود أن أشير، تقول الددا، الى أنه منذ بدأنا العمل في المساعدات الاجتماعية الطارئة بعد 17 اكتوبر تم توزيع 18 الف حصة غذائية حتى اليوم على عائلات ما بين بيروت والمناطق، والعمل مستمر مع العائلات التي تحصل على مساعدات شهرية لتسد حاجتها ولو بالحد الدنى.

أما بالنسبة للمنح والمساعدات المدرسية، فتقدّم الجمعية  بحسب رئيستها، حوالي 850 منحة دراسية لأيتام وحالات استثنائية كأن يكون الاب عاطلاً عن العمل او في ظل حالات مرضية معينة، لا تملك العائلة فيها القدرة على متابعة دفع الأقساط، وهذا الموضوع يخضع لدراسة ميدانية وشروط المنحة.

 وفي ما يتعلق بالمنح الجامعية فمنذ 14 سنة حتى اليوم تقدم الجمعية المنح لطلاب من كل جامعات لبنان بالتعاون مع شركة "بيبسيكو انترناشونال" وهذه المنح تلحظ تفوق التلميذ او الطالب الجامعي فضلاً عن وضعه الاقتصادي، وتقدم الجمعية  سنوياً بمعدل مئتين وخمسين منحة جامعية.

أما في ما خصّ المتبرّعين، لا يمكننا القول إن عددهم تقلّص، تقول الددا، فما لاحظناه هو العكس تماماً، إذ وجدنا التكافل والتعاون بين افراد المجتمع اللبناني ولمسنا ما لم نلمسه منذ 25 سنة، وهو ان اللبناني، حتى من  ليس في وضع مادي جيد، يساعد ويحاول أن يكون سنداً لغيره ولو كان في ظروف صعبة، وهذا ما اعطانا دفعاً وحماساً أكبر للعمل.

 بيتي أنا بيتك..

[caption id="attachment_78662" align="alignleft" width="186"] لينا الزعيم دادا اللبناني يساند أخاه وهذا زاد من حماسنا[/caption]

 من الاعلام الى "بيتي أنا بيتك" لم تكن نقلة، انما هو جسر بين المجالين، تقول سينتيا الأسمر عن جمعيتها (التي يذكر اسمها بأغنية السيدة فيروز بيتي أنا بيتك ..وما إلي حدا)، فالاعلامي يختلط كثيراً ويكون قريباً من الناس وهمومهم وهواجسهم، وعلى تواصل دائم في ما خصّ شؤونهم الاجتماعية، فيبني نوعاً من الثقة بينه وبينهم. من هنا شعرت أن القرب من الناس وخدمة المجتمع من خلال الاعلام أمر جميل وبغاية الاهمية. بالنتيجة ليس عملنا التلفزيوني هو التنظير انما الخدمة حيث الحاجة الميدانية تتطلب ذلك. وبما أنني عضو مجلس في بلدية بعبدا، فإن ذلك ساعد ايضاً. الإعلام أوصلني الى البلدية، ومن ثم الى هذا المشروع الذي أطلقته في أوائل السنة المنصرمة، بحيث استأجرت البيت في وسط بعبدا في شهر آب (اغسطس)، وبعد اتمام التحضيرات وما يلزمه لحوالي الشهرين، وتجهيزه بالأثاث كان الحدث الأول الذي احتفلنا به في عيد البربارة ومن ثم عيد الميلاد وبعدها أحيينا احتفالات للاولاد، ومن ثم بدأنا بمآدب الغداء ..

قلب بعبدا؟ لا يمكننا تصنيفها من المناطق الفقيرة، نقول لسينتيا، فما الذي تلمسينه من حاجة الناس فيها؟

 هذا الكلام صحيح، تجيبنا. ونحن لما بدأنا كان العدد قليلاً نسبياً من الذين يقصدوننا للحصول على وجبة الغداء مثلاً، لكنه راح يتزايد يوماً بعد يوم. وحتى لو أن المنطقة لا تصنف في خانة المناطق الفقيرة او المحتاجة ، الا أن الأعداد تتضاعف، وأوضاع الناس المعيشية تزداد سوءاً، ومنهم من كانوا يخجلون من طلب المساعدة، فشجعناهم، وكنا نقصدهم حتى في بيوتهم.

 في بعبدا، وخاصة في جوارها، هناك من يحتاج للدعم. مع التواصل المباشر ومعرفتهم بي من خلال الشاشة باتوا يتشجعون، وطريقة استقبالي لهم تريحهم، إذ يشعرون بأننا نتشارك القعدة واللقمة . نحن اليوم ، نقدم وجبات الغذاء لحوالي 220 شخصاً. كانوا قبل جائحة كورونا يقصدوننا الى البيت لتناولها.  فهو مكون من طابقين، قسم للمونة والتجهيزات والطبخ، وقسم للاستقبال يلتقي فيه من يقصدوننا ، فيتحادثون قليلاً، يشربون القهوة مع بعض، يشاهدون التلفزيون، ومن ثم يتناولون طعام الغذاء سوية وبعدها يحصلون على وجبة معهم اثناء مغادرتهم لليوم التالي، مع ما قد يتوفر من خبز ومربيات او غيرها من المواد الغذائية.

الأعمار متقدمة لدى غالبية من يقصدوننا، تجيب سينتيا رداً عن سؤالنا، أي من لا معيل لهم  أو أن أولادهم بعيدون عنهم، أو ايضاً ممن  يعانون من صعوبات مادية. لكننا بتنا نرى أعماراً اصغر وربات بيوت عديدات، فقد باتت الأكلة مكلفة مع الارتفاع الكبير في الأسعار، فضلاً عن رجال في الأربعينات والخمسينات.

 وعما اذا كان هناك من حالات فاجأتها، تقول سينتيا: نعم هناك حالات تفاجئني. في "تعتير كتير"..أما المناطق التي يقصدها البعض منها فتذكر لنا الحدث بطشاي وادي شحرور الكحالة اللويزة الفياضية بعبدا اطراف الانطونية، مار مارون واحياناً أبعد، وأهلاً وسهلاً بالجميع.

 حالياً، وفي ظل "كورونا"، توزع 90 حصة لمن يستطيعون الوصول الى البيت من دون ان يتمكنوا من تناول الطعام فيه، فيما يتولى التوزيع للآخرين جماعة الشباب المتطوعين مع سياراتهم وهي  تبلغ تقريباً المئة حصة، وقد تشمل أحياناً أفراد العائلة كلها .

الأولوية لمن؟

[caption id="attachment_78657" align="alignleft" width="333"] المساعدة والتكافل[/caption]

نحن نقدم الوجبات الغذائية التي نطبخها في بيتنا بكميات كبيرة، تقول الاعلامية الجميلة..لا شروط، لكن هناك أولويات، خاصة بعد جائحة كورونا. فسائق التاكسي مثلاً، الذي كان يعيل عائلته من يوميته تغيرت احواله، ومن ترك عمله، له الاولوية على من لا يزال يتقاضى راتبه  او نصفه حتى. هذا طبعاً بغير السيدة التي تفقد زوجها، أو دق المرض باب عائلتها فإن الأولوية تكون لها قطعاً. في المبدأ لا نرد طلب أحد ومن يقصدنا نحن على يقين بأنه يحتاج مساعدتنا.

تسعة وتسعون بالمئة ممن يقصدون "بيتي أنا بيتك" الذي يفتح أبوابه كل ثلاثاء وخميس لتقديم وجبات الطعام هم من اللبنانيين، مع نسبة قليلة جداً من جنسيات اخرى إلا  لظروف قاهرة، بينهم شخص عراقي، عاد الى بلده الآن، و"ناطور" مصري كان مضطراً، وتعرفون أن هناك جمعيات عديدة تهتم بالجنسيات الأخرى وترعاهم بمساعداتها.

الداعمون لنا بالمواد الغذائية، تقول سينتيا، هم بغالبيتهم من الافراد يقومون بذلك على صعيد شخصي، يسمعون بنا ويساعدوننا، وأحرص على "وصل" أقدمه لهم بالمقابل حتى يكون الأمر شفافاً تماماً. هناك أيضاً من يقدمون المساعدات العينية والمواد التي نستخدمها، وآخرين  يتصلون بنا في كل فترة للوقوف عند ما يلزمنا . نطاق عملنا هو بشكل أساسي المواد الغذائية ونحاول تأمين بعض الادوية ما استطعنا سبيلاً الى ذلك .

وتؤكد سينتيا ختاماً: لسنا نتبع لأية جهة سياسية كانت أم رسمية، فمبادرتنا فردية انسانية بحت مدعومة من افراد لا اكثر. المهم ان نستمر في ما نعتبره رسالة، فنقف الى جانب بعضنا البعض إذ إن الأيام المقبلة تبدو صعبة جداً، وطويلة، على امل ان تعود الامور الى سابق عهدها ، فتخف الاحتياجات ويقصد الناس البيت ويتناولون طعامهم فيه. أما الـ "مونة" فتكفينا لشهرين أو ثلاثة من الآن وكل همنا اليوم أن نستكمل ما بدأنا به، فبعض العائلات تنتظر ربطة الخبز وعلبة الجبنة حتى تسد رمقها، وبتنا نشعر أننا مسؤولون عنهم .

 نعمة..

 الى "أجيالنا" و"بيتي أنا بيتك" لا تغيب المبادرات الفردية الاخرى بينها مثلا حملة "نعمة" التي أطلقها الإعلاميان زاريه باريكيان وبدوان شحميني بهدف جمع المواد الغذائية وأدوات تنظيف وتعقيم ووسائل تدفئة والبسة لتوزيعها على الأسر الأشدّ فقراً في لبنان، كما وتجدر الاشارة ايضاً الى "المطبخ الشعبي" في مدينة صيدا الذي انطلق مع اندلاع انتفاضة تشرين بدعم من متبرعين يقيمون في لبنان ودول الاغتراب، والتي بدأت بوجبة طعام لحوالي مئة عائلة ارتفعت الى سبعمئة وجبة مجانية مؤخراً.