تفاصيل الخبر

جـمـعـيـــــة “MY SCHOOLPULSE”... مـنـــــذ الـعــام 2010 تـنـقــــل الـمـدرســــة الى الـمـستـشـفــــى!  

21/07/2017
جـمـعـيـــــة “MY SCHOOLPULSE”... مـنـــــذ الـعــام 2010 تـنـقــــل الـمـدرســــة الى الـمـستـشـفــــى!   

جـمـعـيـــــة “MY SCHOOLPULSE”... مـنـــــذ الـعــام 2010 تـنـقــــل الـمـدرســــة الى الـمـستـشـفــــى!  

بقلم عبير انطون

race--2

من قصة <بول> التلميذ في الصف الثاني تكميلي كانت شرارة الانطلاق لجمعية <ماي سكول بالز> الاولى لبنانيا في مجالها. فمن هو <بول> وبماذا اوحت قصته؟ لماذا يستفيد منها بشكل خاص التلاميذ الذين حتّم عليه القدر صعوبات قد لا تتناسب وعمرهم الطري، من اين يستمدون القوة والطموح، وما هي الشهادات الحية التي حصدناها من أهل التجربة؟

<بول يارد> هو صبي متفوق في الثانية عشرة من عمره اصيب بمرض سرطان العظم احد أصعب انواع السرطانات، ما اضطره لملازمة فراش المستشفى لتلقي العلاج الفوري بدءاً من ليلة عيد الميلاد من العام 2008. حالته الصعبة جداً وآثار العلاج الشديدة عليه لم تحل دون عطش <بول> الى الاستمرار بتلقي العلم وكان يؤمّن له عبر اساتذة للدروس الخاصة في البيت او المستشفى..

لسوء الحظ توفي <بول> في حزيران/ يونيو من العام 2009 بعدما خرج المرض عن السيطرة. وفي ذكراه أسست والدته ميراي ناصيف مع زوجها فيليب يارد ودانييل دياب جمعية <ماي سكول بالز> بهدف تأمين التعليم الاكاديمي للتلاميذ المرضى في المستشفيات ودعمهم عبر تأمين اساتذة لهم تتكفل الجمعية في دفع رواتبهم وذلك حتى يبقوا منخرطين في نظام صفوفهم ومناهجها، فينتقلون بحسب علاماتهم الى الصف التالي مع زملائهم، وينخرطون من جديد في نظام مدرستهم وبرنامجها بعد شفائهم. بذلك ايضا، تهدف الجمعية الى التقليل من مشاعر الابتعاد عن نظام حياة عادي للأولاد وهم في عز محاربتهم لأمراضهم التي يدخل السرطان في قسم كبير منها الا انه ليس الوحيد، فالجمعية تتبنى ايضا التعليم لأطفال يعانون من امراض صعبة أخرى، من دون تمييز في الجنس او العرق او الجنسية او المنطقة، داخل بيروت وخارجها.

 تهدف <ماي سكول بالز> أو (نبضتي للمدرسة) الى جعل فترات العلاج مشحونة بالأمل وبأن يكون التلاميذ بأفضل حال، فالكثيرون من أطفال لبنان بأمس الحاجة لذلك، اذ ان مستشفياته تفتقد الى مثل حلقات التدريس هذه في ما عدا مستشفى <سان جود>. وقد اضحت الجمعية في ست مستشفيات كبرى من مستشفى <اوتيل ديو> الى <المستشفى اللبناني> في الجعيتاوي ومستشفى <رفيق الحريري الجامعي> ومستشفى <السان جورج> و<المعونات> و<المقاصد> و<مركز امنية> فضلاً عن التدريس في المنزل، كذلك تؤمن الجمعية جلسات علاج بالفن في المستشفيات، وفي بعض الحالات تقدم رسوم التعليم لأشقاء الطفل المريض.

سجّلت الجمعية للعام الماضي نسبةً وصلت الى 91 بالمئة من الاطفال الذين اتموا عامهم الدراسي بنجاح وامنت نحو 19824 ساعة تدريس لـ445 تلميذاً بين الـ4 والـ18سنة. اما تمويل الجمعية فيرتكز على مساهمة الداعمين من جهة، وعلى حدث اساسي يجري في كل عام من جهة أخرى وهو ماراتون العائلة (رسم التسجيل 30 دولاراً للشخص فيه الركض وفيه المشي) الذي يقسم بحسب الفئات العمرية ويجري بالتعاون مع <نادي فقرا> بحيث يمكن للعائلة بكاملها قضاء نهار ممتع، ولهذا العام يجري ماراتون <نبضة> الثامنة من صباح الثلاثين من تموز/ يوليو الجاري في <نادي فقرا> بالتعاون معه ومع <جمعية بيروت ماراتون> وبرعاية البطل اللبناني في التزلج المائي سيلفيو شيحا..

 

نتبادل القوة..

الاساتذة في الجمعية ثلاثة عشر، يدرسون من صفوف الروضة حتى الثانوية العامة، ويتوزعون ويؤمنون الدروس في دوام كامل في المستشفيات الست، وقد قطفت <الافكار> شهادة اثنتين منهم حول تجربتهما مع الجمعية والتلاميذ المرضى، ودخلت في تفاصيل العلاقة المتبادلة التي تنشأ بين التلميذ واستاذه في حالات خاصة كهذه، وما تمر به من مشاعر..

المدرّسة الاولى منال ابي عبد الله اخبرتنا تجربتها:

تعرّفت بهم عبر مدرسة <لويس فيغمان> التي درّست فيها لمدة 25 عاماً، وأشرت لمديرتها السيدة ريموند عبو انني اريد أن املأ وقتي في ما هو مفيد، وكانت الجمعية حينذاك تطرح طلبات توظيف لأساتذة تتعاون معهم عبر رئيسة الجمعية السيدة ميراي ناصيف، وهي كانت تلميذة المدرسة تحت ادارة السيدة عبو ايضا وكذلك كان ابنها بول من بعدها، وجميعكم يعرف علاقة الترابط القوية التي تجمع ما بين افراد المدرسة في الادارة والتعليم والطلاب في هذه المدرسة. طلبت مني السيدة عبو الانتساب لباقة الاساتذة الذين يدرسون الطلاب المرضى مع مهلة 48 ساعة للتفكير ذلك ان المهمة ليست سهلة، فما كان بي الا ان وافقت على الفور لأكثر من دافع، فانخرطت معهم وكانوا بحاجة حينئذٍ الى اساتذة للتلاميذ المرضى في مستشفى <المقاصد> وبدأت معهم منذ ثلاث سنوات.

أحمل شهادة في البيولوجيا، تزيد السيدة ابي عبد الله، وفي المستشفى اعطي الدروس في مختلف ما يحتاجه التلميذ بحسب برنامج الصف والمدرسة وبحسب برنامج العلاج، نوزّع الاوقات والدروس. لا يمكن ان تتصوروا العاطفة التي تنشأ بيننا وبين التلميذ المريض خاصة انه في وضع خاص. وما يشدّ من عزمنا طلبه للعلم وهو في حالة صعبة جدا من العلاجات الكيميائية وغيرها، ويبقى هدفنا الرئيسي ان يشعر بانه تماما مثل غيره، ينتظره المستقبل الذي يرسمه لنفسه وان فترة المرض ما هي الا مرحلة سيعود بعدها الى حياته الطبيعية.

وعن حالات الضعف التي يتعب فيها التلميذ ويرفض الكتب والدراسة تؤكد ابي عبد الله على المواكبة السيكولوجية المتخصصة له، اذ ان ثمة اختصاصيين نفسيين يواكبونهم ويساعدونهم على تخطي المرحلة.

 وعن حالات خاصة عرفتها شخصياً، تتوقف منال بغصّة عند تلميذ واكبته في مشواره التعليمي وكان يعاني من مرض <اللوكيميا> اذ كان يقصد مستشفى <المقاصد> للعلاج وهو في الخامسة عشرة من عمره ويعاني زيادة كبيرة في الوزن، وقد ادى جهل والديه الى ان يسير مشواره بصعوبة بالغة، اذ كان مضطراً الى ان يقصد وزارة الصحة بنفسه لتوقيع الاوراق الخاصة بعلاجه، ومن ثم يخضع للعلاج الكيميائي لوحده وهم <في خبر كان..>، حتى ان البعض كان يبتعد عنه خوفاً من <العدوى> وتعرفون تماماً ان السرطان غير معد على الاطلاق. حتى مدرسته ما عادت تستقبله وقد كان غير متابع من الاهل، الا ان الجمعية تبنته وابرمت اتفاقا مع الادارة داعية اياها الى التعاون في اصرار منها على حقه في الدراسة والتعلم. وقد اجتمعتُ بمدير مدرسته راجية اياه قبوله ورحت اعمل معه على مختلف المستويات ولكن للاسف عاد وخرج من FullSizeRender----1المدرسة.

وفي مثال ايجابي مشرق تسرد لنا ابي عبد الله تجربتها مع فتاة تعاني من <اللوكيميا> ايضا كانت تخضع لعلاج صعب تضطر فيه الى التغيب لفترات طويلة عن مدرستها، وقد اتفقت مع ادارة الاخيرة واساتذتها على ملء اي نقص اكاديمي وهي في الصف الاول متوسط، وكانت النتيجة نجاحاً بدرجة جيد جدا اذ لطالما أصرّت الفتاة على الدرس في اشد اوقات العلاج صعوبة: <كانت امها تنتظرنا بكل صبر لننهي الدروس وانتقلت في مدرستها الى الصف التالي وكان الجميع فخوراً بها، وقد خفت وتيرة علاجها في المستشفى ما ساعدها بشكل كبير>.

ولا يمر الحديث عن تلامذتها من دون ان تتذكر ابي عبد الله <رفل> تلميذتها العراقية التي لطالما ارادت ان تكون طبيبة متسلحة بإرادة قوية للوصول الى هدفها، وكانت تنهل العلم بشكل لا يوصف الا انها اضطرت للعودة الى العراق لأسباب مادية: <بتنا نتواصل عبر الفايسبوك الا ان جسد رفل لم يتحمل العذاب وقضت منذ فترة وجيزة، وقد كانت من المتفوقات>.

وبعد وقفة تزيد ابي عبد الله:

- لا يمكن لكم ان تتصوروا الرضى الكبير الذي اشعر به مع حالات مماثلة وكم اقدّر الاصرار الذي يظهره ولد يمر بعذابات اليمة، وهم يتشوقون الى الحصص التي تخرجهم من جو المرض تماماً.

ونسألها:

ــ ما او من الذي يمد التلميذ المريض بالقوة؟

تؤكد ابي عبد الله على دور الاهل، كما ان للأستاذ دوراً كبيراً ايضاً في تشجعيه واقناعه بانه بعد فترة العلاج سيعود الى حياته الطبيعية، وتقول:

- اننا ننسج معه شبكة علاقات خارج اطار الاستاذ والتلميذ فنتواصل معه عبر مواقع التواصل، فارسل له مثلا الصور التي تعنيني وأخبره عن حياتي وعائلتي ما يقوي الرابط معه وتكبر الثقة.

ــ هل شعرت السيدة ابي عبد الله بتعب من ناحيتها في التدريس داخل المستشفى، وماذا عن بيتها؟

- على الاطلاق تجيب فورا. بالعكس هذا ما اردته دوما.. انها رسالة تماماً كما رسالة الراهبة. عملي يمدّني بقوة نفسية كبيرة، وكما كنت في المدرسة فإنني اعطي التلميذ من كل قلبي. بالنسبة الى عائلتي فان عملي لم يترك اي اثر سلبي عليها، فأولادي كبروا ويعملون في الخارج وزوجي مسافر الى قطر ولولا ذلك لربما كان الامر اصعب.

تشعر ابي عبد الله كما جميع الاساتذة بالفخر بالنتائج التي يحققها التلاميذ، مذكرة ان العمل جدي جدا وتطلب الجمعية الاطلاع دورياً على ما تقدمه للتلاميذ لجديتها الكبيرة في المسألة.

تدرس ابي عبد الله المواد المختلفة لمن هم في السابعة وصولاً الى صفوف البكالوريا، اما من هم دون السابعة فإن لهم معلمة خاصة تعمل معهم على مختلف المهارات، اليدوية وغيرها. وعن المواد التي يفضلها التلامذة على اخرى تذكر ابي عبد الله شغفهم بمادة اللغة الانكليزية وهناك معلمة تهتم بها.

المدرّسة الأولى

 

السيدة مارييت ابي شاكر كانت المدرّسة الاولى التي انخرطت في الجمعية، في مستشفى <الجعيتاوي> تحديداً، لـ<الافكار> تخبر حكايتها مع الجمعية:

- كنت ادرّس وعلى وشك ان اترك التعليم لمروري بحالة نفسية خاصة اذ انني فقدت زوجي، وعرضت علي السيدة عبو ان انتظر واخبرتني بحكاية بول والجمعية.

وأضافت:

- وافقت على الفور، وسط اعتراض اولادي، لأنني اصلاً كنت في حالة نفسية متعبة في خشية منهم ان يتفاقم وضعي، وأجبتهم بأنه خياري ولن اتراجع عنه، ومنذ اليوم الاول شعرت برضى كبير. وصلت في يومي الاول الى المستشفى، وتحلقنا حول طاولة مستديرة جعلناها كبيرة جدا ضمت تلاميذ من كافة الصفوف والمراحل، وكان يجرون معهم <كيس المصل> ونجلس وندرس. حتى اليوم، اواكبهم في شكل يومي وكم اكون سعيدة لما ارى نتائج مرضية في وضعهم المرضي الصعب. شخصيا اشدد على وجوب ألا يتلقى التلاميذ الدروس وهم على سرير العلاج بل اخرجهم الى غرفة اخرى الا في الحالات الصعبة جداً.

وفي نتائج البروفيه لهذه السنة، تخبرنا ابي شاكر ان تلميذين حازا شهادتيهما من وزارة التربية من دون ان يجتازا الامتحانات بشكل رسمي، ولا حتى من ضمن حلقة الامتحانات الخاصة بالتلامذة المرضى، انما تم الامر نسبة الى علاماتهما العالية وبالتنسيق مع مدرستيهما، وتثني على احدى طالبات البكالوريا التي تتلقى العلاج وتجتهد للتخصص في الصحافة لاحقا، داعية لها ان تكون بين زميلاتنا في مهنة المصاعب....