تفاصيل الخبر

جمعية ”بيت البركة“ تعيل المسنين المتروكين وتحفظ كرامتهم

04/10/2019
جمعية ”بيت البركة“ تعيل المسنين المتروكين وتحفظ كرامتهم

جمعية ”بيت البركة“ تعيل المسنين المتروكين وتحفظ كرامتهم

 

رئيسة الجمعية مايا ابراهيمشاه: الجمعية تقدم الطعام والطبابة مجاناً للمسنين المعوزين وتعيد تأهيل منازلهم!

 

بقلم وردية بطرس

لم يعد الفقر في لبنان محصوراً في منطقة او فئة، فنسبة العائلات التي تعاني الفقر والعوز تزداد أكثر فأكثر في ظل الوضع المعيشي المتردي في البلد ولا من يأبه بها... وكم تؤلمنا رؤية أطفال يفترشون الطرقات والأرصفة ولا يجدون ما يأكلونه ويلبسونه، ولكن رؤية مسنين دون معيل هي أكثر قسوة، اذ هناك واقع مرير يعيشه كبار السن، خصوصاً المتقاعدين منهم الذين عملوا بكد في سن الشباب، وبعد سن التقاعد ضاقت بهم سبل الحياة اذ وجدوا أنفسهم تحت خط الفقر ولا من يسأل عنهم... ولكن بالرغم من كل ذلك يبقى عمل الخير متأصلأ في المجتمع اللبناني، وخير مثال على ذلك ما قامت به السيدة مايا ابراهيمشاه التي لم تتحمل رؤية مسنين متروكين غير قادرين على شراء الطعام والدواء بعدما تقاعدوا، في الوقت الذي يجب ان يعيش المسن بعد سن التقاعد بكرامة، وهذا ما دفعها لتأسيس جمعية أطلقت عليها اسم <بيت البركة> لتساعد من خلالها حوالى 328 عائلة لبنانية محتاجة اذ فتحت سوبرماركت صغيراً في كرم الزيتون يتيح لهم التبضع مجاناً بكل ما يحتاجونه. بالنسبة للسيدة مايا ان المسنين هم بركة البيت ويجب ان تُحفظ كرامتهم وان تُوفر لهم كل احتياجاتهم، وهذا ما تقوم به شخصياً منذ ان انطلق عمل الجمعية. وهذه الجمعية اصبحت تُعنى بـ328 عائلة من مناطق لبنانية متعددة ومنها: كرم الزيتون، النبعة، الحمرا، راس بيروت، طرابلس، مرجعيون، الدورة، الجعيتاوي، وعين الرمانة وغيرها من المناطق. كما لا تتوانى السيدة مايا عن التأكيد مراراً على احترام خصوصية الفرد، من دون التفريق في الهوية الطائفية او السياسية اذ تطلب من العائلات اخراج قيد لبناني فقط لتسجيلهم في برنامج المساعدات. وتُفتح أبواب السوبرماركت من الثلاثاء الى السبت من كل اسبوع بين الساعة الثامنة صباحاً والواحدة بعد الظهر، ويقصد المحل كل أفراد العائلات المحتاجة الذين يحملون قسائم شرائية تحتوي على عدد من النقاط، يستطيعون من خلالها الحصول على حاجياتهم المختلفة مجاناً من مأكل ومواد غذائية ومواد تنظيف وغيرها، بشرط ان تكون كلها من أفضل الأنواع. كما تقوم الجمعية باعادة تأهيل المنازل اذ يُكشف اولاً على البيوت التي تحتاج الى تأهيل، وتعرض الصور على صفحة الجمعية الخاصة في <انستغرام> مع شرح تفصيلي للمتابعين حول المواد التي تنقصهم لاتمام التأهيل.

 

السيدة مايا ابراهيمشاه والعمل الخيري!

السيدة مايا ابراهيمشاه نشأت في عائلة تحب عمل الخير، فوالدها كان يُسمى بطبيب الفقراء، ووالدتها كانت تهتم بالأيتام. لم يسبق ان كان لها نشاط في مجال العمل الخيري، ولكن يوم رأت تلك السيدة في منطقة برج حمود التي أفنت عمرها في مجال التعليم وبعد سن التقاعد وجدت نفسها في الشارع بعدما لم تتمكن من تأمين ايجار البيت، شعرت بغصة وألم ولم تقبل ان تقف مكتوفة اليدين حيال ما يعانيه أشخاص بسبب العوز والفقر اذ وجدوا أنفسهم متروكين بعد سنوات طويلة من العمل والتضحيات، وفي ذلك تقول:

- تقريباً منذ سنة كنت في برج حمود اذ قصدت المنطقة لأبتاع القماش من احدى المحلات هناك، وفي طريقي التقيت بسيدة جالسة فوق حقائب سفر نظيفة ومرتبة تحت الجسر، في البداية اعتقدت انها تنتظر الباص او انها مسافرة الى مكان ما، فذهبت الى محل الأقمشة وقال لي ان أعود في الغد لأن القماش الذي طلبته غير متوافر، وفي اليوم التالي وجدتها جالسة في المكان نفسه فاعتقدت انه ربما الباص يمر في الصباح او ما شابه، وبعدما طلبت الأقمشة قال لي صاحب المحل ان اعود بعد اسبوعين، وبالفعل قصدت المحل مجدداً بعد اسبوعين، وعندها تفاجئت كثيراً اذ وجدت تلك السيدة جالسة في المكان نفسه مع الحقائب، وعندها أردت ان اعرف ما بها لأنها بدت منهكة فتوجهت اليها في الحال، وسألتها عما اذا اقدر ان اساعدها لأنني اراها منذ اسبوعين في المكان نفسه، فلم تخبرني شيئاً، ولكنني جلست بالقرب منها وقلت لها انني لن اغادر المكان قبل ان تخبرني بالأمر، ورحت اطلب منها ان تروي لي قصتها، وبعد ساعة اقتنعت وبدأت تبكي واخبرتني انها معلمة وبعدما عملت لمدة 42 سنة في مجال التعليم قبضت تعويضها، ولكن بعدما صرفت مال التعويض خلال سبع او ثماني سنوات، أتى مالك المبنى وقال لها انه يريد ان يزيد الايجارات اذ يقصده نازحون وسيدفعون ضعف المبلغ الذي تدفعه او أكثر، وبالتالي عليها ان تدفع اكثر لتبقى في الشقة، وعندما اعلمته انها لا تملك المال أنذرها بأن تغادر البيت بعد ثلاثة أشهر، وبالفعل خرجت من المنزل ووجدت نفسها في الشارع. وعندما سألتها أين تأكل وماذا تفعل، وهي غير متزوجة، اذ لديها شقيقة ولكن وضعها المادي لا يسمح بأن تستقبلها وتعيلها، وشقيقها متوفي وأولاده لا يقدرون ان يعيلوها ايضاً، فأعلمتني انها كانت تقصد أصدقاءها وتقول لهم لديها ورشة في بيتها، فكانت تستحم عندهم، كما اخبرتني انها كانت تقصد صديقتها وقت الغداء او العشاء لتدعوها لتناول الطعام. وعندها حجزنا لها غرفة في الفندق، وجلست معها وبدأت تعرّفني على أصدقائها الذين يعانون من المشكلة نفسها، وأصدقاؤها قاموا بتعريفي على أصدقاء وجيران لهم يعانون أيضاً بسبب العوز بعد سن التقاعد. وهكذا فكرت بأن أؤسس جمعية <بيت البركة> بعدما وجدت ان عدد العائلات التي تحتاج للمساعدة تزداد اكثر فأكثر اذ في البداية ساعدنا حوالى 20 عائلة ليصل العدد اليوم الى 328 عائلة.

هدف الجمعية تأمين الطعام والطبابة وتأهيل المنازل!

 

ــ ولماذا اسميت الجمعية بـ<بيت البركة>؟ وما هي الأعمال التي تقوم بها الجمعية لمساعدة المسنين المتروكين؟

- ان كبار السن هم بركة في حياتنا، وهم بركة البيت اذ ان البيت هو الذي يجمع الناس ولهذا شعار الجمعية هو <يدان> لأننا نحضنهم ونقدم لهم الطعام والدواء والملجأ. ولهذه الأسباب أسميتها بـ<بيت البركة> لأننا نريد ان نجمعهم في مكان يحصلون فيه على كل شيء: هذا المكان يقدم الطعام والطبابة والسقف، لأن الأمر لا يتعلق فقط بتأمين الطعام بل أيضاً يجب ان يكون المسنون مرتاحين وان تتوافر لديهم الكهرباء والماء وتُدفع فواتيرهم. وليقدر المسن ان يتناول طعامه بشكل جيد يجب ان تكون أسنانه بصحة جيدة وليحصل ذلك يجب ان يتلقى العلاج اي انه يحتاج للطبيب، ولهذا قررنا ان نقوم بكل هذه الأمور معاً لأنها كلها مترابطة ببعضها البعض. لهذا فتحنا السوبرماركت هنا لأن هؤلاء الناس لم يتسوّلوا يوماً ولم يكونوا فقراء بل كانوا يعملون ويقبضون الرواتب وكانوا مرتاحين معيشياً ومادياً ولكن بعد سن التقاعد وجدوا أنفسهم بلا معيل، ولكنهم لا يتسولون. وبالتالي قررنا ان نستقبلهم هنا ليحصلوا على حاجياتهم بكرامة واحترام، من خلال استعمال البونات بعدما يملأون البطاقة ومن ثم يحصلون على كل ما يريدون شرط ان يكونوا لبنانيين، ولسنا بعنصرين ولكن لا أحد يساعد اللبنانيين ولهذا قمنا بهذه المبادرة. وثانياً يجب ان يكونوا متقاعدين. وفي الجمعية اعمل انا ومعي ثلاثة موظفين نعمل سوياً.

وتتوقف عند نقطة مهمة وهي:

- بالنسبة للطعام فيتوافر في السوبرماركت كل أنواع المنتجات الغذائية التي نتناولها في منزلنا أيضاً اذ لا أقبل ان يقدم لهم اي نوع من الأطعمة التي لا اتناول منها، اذ لا اقبل فضلات الطعام او طعاماً مطبوخاً منذ أيام، فهذا الأمر مرفوض نهائياً اذ يجب ان يكون الطعام طازجاً. فمثلاً اذا قال لي أحدهم لديهم سهرة عشاء وهناك فائض من الأكلات فلا أقبل بأن يأكلوا من فضلات الناس، فاما ان يطبخوا لهم لأنهم أحبوا ذلك أم لا، وأذكر هنا السيدة هلا الصحناوي اذ تطبخ ثلاث مرات في الاسبوع للمسنين الذين لا يقدرون ان يعدوا الطعام بأنفسهم وما شابه. وتصل وجبة الغداء عند الساعة الثانية ويكون جاهزاً لتقديمه للمسنين الذين لا يقدرون ان يطبخوا كمثل سيدة مسنة لديها ولد من ذوي الاحتياجات الخاصة، او مسن وضعه صعب ولا يعرف ان يطبخ وما شابه.

وتتابع:

- بالنسبة للطبابة فلدينا أطباء اختصاصيون وهم أصدقاؤنا يقومون بمعاينتهم. وأهم ما في الأمر نهتم بأسنان المسنين اذ كل شيء يبدأ بالسن، فالسيدات او الرجال الذين فقدوا أسنانهم لا تعود صحتهم جيدة اذ لا يقدرون ان يأكلوا، ولدينا طبيب اسنان وهو صديقنا يهتم بهم بهذا الخصوص... وفي ما يتعلق باعادة تأهيل المنازل نقوم بورشة اذ نهتم بتحطيم الجدران التي أصبحت مهترئة، لأنه اذا دُهنت الجدران فبعد هطول الأمطار ستسقط على رؤوسهم لأنها لم تعد صالحة للعيش فيها، وبالتالي نعمل على اعادة تأهيلها لتصبح صالحة للاقامة فيها.

ــ وهل هؤلاء المسنون متروكون لأنه ليس لديهم أولاد او على العكس لديهم اولاد ولكنهم لا يسألون عن حال أهاليهم بعدما أصبحوا في سن الشيخوخة؟

- هناك نوعان، منهم من يغادر اولادهم لأن الأبن بالأساس ليس لديه المال ليعيل والديه فيبتعد رويداً رويداً عنهم لأنه لا يجد نفسه قادراً على توفير احتياجاتهم، وللأسف الفقر يبعّد الناس عن بعضهم البعض حتى لو كانوا عائلة متماسكة، وهناك فئة من المسنين الذين ليس لديهم اولاد، او منهم من فارق اولادهم الحياة خلال الحرب اللبنانية، او منهم من لديهم اولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة وبالتالي لا يقدرون ان يعيلوهم، اي هناك حالات عديدة، وبالتالي ليست المسألة ان الأبناء قد تخلّوا عن والديهم، لأنه بحال اذا كان لدى الأهل أبناء يساعدونهم فلا نقوم بمساعدتهم لأننا نهتم بأشخاص وضعهم المادي صعب وليس لديهم معيل.

ــ من اي المناطق يقصدون <بيت البركة>؟

- يقصد <بيت البركة> اشخاص من مختلف المناطق اللبنانية، اذ يأتون من النبعة، سن الفيل، برج حمود، الدورة، الجديدة، راس بيروت، الطريق الجديدة، مرجعيون، عكار، سير الضنية. فالأشخاص الذين يقيمون بعيداً يأتون مرة في الشهر ويأخذون كل حاجاتهم ونحضر لهم الأدوية وكل ما يلزم. قد يقول أحدهم انه سيبدأ بمساعدة شخص او شخصين ولكن يتبين له ان الفقراء في كل مكان، اذ للأسف الفقر يطال معظم اللبنانيين ولا أحد يحرك ساكناً فيزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم.

ــ وماذا عن التمويل؟

- يجب ان اشكر الله كل يوم انني تزوجت انساناً يحب عمل الخير، وهو يقوم بكل شيء اذ يقدّم الرواتب للموظفين الذين يعملون في الجمعية ويدفع ايجار المكان وكل الفواتير. وهناك بعض الأصدقاء الذين يساعدوننا، ولكن نسبة الفقر أصبحت عالية، اذ أصبح القطاع الخاص يدعم كل القطاع العام، فالى اين ستصل الأمور؟

ــ ما الذي تغير في حياتك على مدى عام وانت تقدمين المساعدة للناس؟

- أصبحت اسعد انسانة في الكون رغم كل ما أراه ويسبب لي الألم، ولكن الأصعب الا يفعل الانسان شيئاً في هذه الحالة. لم يعد مقبولاً ان يقف الناس مكتوفي الأيدي وهم يرون أشخاصاً متروكين بدون معيل. بالنسبة الي اجد السعادة بهذا العمل الذي اقوم به.

ــ وهل من رسالة تودين توجيهها؟

- أود ان أقول ان الجميع مدعوون لتقديم المساعدة كل ضمن امكانياته، فاليوم لسوء الحظ لا نعيش في بلد طبيعي بل نعيش في بلد العجائب والذي يريد ان يعيش في لبنان فعليه ان يساعد الآخرين. واطلب من الجميع ان يربوا أولادهم على العطاء لأن هذا الوطن لن يستمر الا بالعطاء، وأقول انه لو كان بلداً أوروبياً لكان كل الناس قد ماتوا من الجوع، ولكن هنا لا يزال الناس يعيشون بالرغم من الفقر والعوز لأن هناك أهل الخير، فاليوم هناك شركات تقدم لنا الطعام بدون مقابل فعندما أقصد احدى شركات الأغذية تقدم لنا في الحال ما نحتاجه... هذا هو لبنان... ولكن يجب ان نربي أولادنا ان يكونوا مثلنا ويقدموا المساعدة لكل محتاج لاسيما المسنين المتروكين.