تفاصيل الخبر

جمعية «أبعاد» تحتضن النساء المظلومات حتى حصولهن على حقهن الضائع!

24/12/2015
جمعية «أبعاد» تحتضن النساء المظلومات حتى حصولهن على حقهن الضائع!

جمعية «أبعاد» تحتضن النساء المظلومات حتى حصولهن على حقهن الضائع!

بقلم عبير انطون

Rima-Bakri-ABAAD <قصتي قصة> هو عنوان شهادات حياة واقعية لنساء نجون من العنف، وبعد ان <كنَ ضحاياه> اصبحن <ناجيات منه>. كل سيدة اخبرت قصتها، ما عاشته من مرارة وظلم والم الى حين قررت الانتفاض. سارة، زينة، مها، لمى، ياسمين، نورا وجومانا لم يخشين من البوح بادنى التفاصيل، وكل قصة تصلح لان تشكل مسلسلاً مليئاً بالاحداث المؤثرة تحت شارة < ممنوع للصغار>، علما ان بطلاته بغالبيتهن كن ما دون الثامنة عشرة عندما بدأن مشوارهن الصعب حتى وصلن الى جمعية <ابعاد>.

<الافكار> استمعت الى تفاصيل الشهادات على لسان صاحباتها، ومن ثم كان الحديث مع ريما بكري حول <جمعية ابعاد> التي أمّنت لهن الحماية والرعاية واهدافها.

 مع سارة نبدأ بتفاصيل القصة الاولى ترويها بنفسها:

 - تزوجت بعد قصة حب لم يرض اهلنا نحن الاثنين عليها. لم نكن قادرين على توفير ابسط الحاجيات. قصدنا بيروت للعمل، وفّقت انا بينما بقي زوجي بلا عمل، وتحملت المسؤولية الا ان ذلك لم يشكل عقبة بالنسبة لي. خيّم العنف المعنوي والجسدي على علاقتي بزوجي. كان يوهمني بانه يحبني جداً ويضربني من غيرته علي، وكنت اصدقه..

 حملت منه، وراح اهله يضغطون عليه حتى اجهض، حتى انهم حاولوا ان يسمموني. تركت البيت خوفاً على نفسي وعلى الجنين. لم أجد مكاناً التجئ اليه حتى ان اهلي وأقربائي رفضوا مساعدتي فوجدت نفسي مع ابنتي وحيدة في الشارع. أخبرني احدهم عن مؤسسة <ابعاد> فلجأت اليها وقدمت الحماية لي ولابنتي. اتخذت قراراً بالاستمرار في الحياة والمواجهة. لن استسلم وسوف أعيش واؤمّن افضل حياة لصغيرتي الملاك.

 من ناحيتها تخبر هالا قصتها الخاصة:

 - مثل بنات كثيرات، تزوجت في عمر مبكر جداً، اي في الخامسة عشرة. اوصاني الجميع بأن اكون على قدر المسؤولية وبأن اطيع زوجي في كل ما يطلبه، خاصة وان فارق العمر كبير بيننا. بدأ زوجي يعنّفني، <على الصغيرة والكبيرة> كما يُقال، حتى ولو نظرت اليه نظرة لم تعجبه كان يضربني واذا ما اخطأت ورفعت صوتي بوجهه يزداد عنفه. كلمة <اسكتي ولي> لم تكن تفارق شفتيه. حملت منه، وكانت تلزمني متابعة طبية طوال فترة حملي الا انه لم يعرضني على الطبيب مرة اذ لم يكن يتمتع بأدنى حس من المسؤولية. في احد الايام وصلت الى شفير الموت ولم يأخذني عند الطبيب. اخبرت من حولي بما يجري فكان ردهم: كل النساء يتعرضن للضرب، عليك ان تلتزمي بيتك وزوجك واولادك. لم أستطع ان اكمل بهذه الطريقة. قررت ان اضع حداً لكل ما يجري. لجأت الى <ابعاد> فأمًنت المؤسسة الحماية لي ولأولادي.

 

يوثقونني بالفراش.. ويضربونني!

 

 زينة الناجية من العنف هي ايضاً شهادة حياتها مختلفة. تخبر زينة:

 - عشت طفولة صعبة جداً. كان أهلي يربطونني الى التخت ويوثقون يديّ ويضربونني. اخذتني امي وأنا في عمر الاثني عشر عاماً الى مدرسة داخلية وبقيت فيها حتى الثامنة عشرة حيث عدت الى أمي. الآن انا في جمعية <ابعاد>، لديّ ولد يرفض والده ان يربيه ويشارك في مصاريفه، فالتجأت الى هذه المؤسسة التي قدمت لي الحماية.

 ومهى ايضاً تروي قصتها:

<أُجبرت كما الكثير من الفتيات على الزواج باكراً جداً. لم أكن حاضرة بعد لتحمّل مسؤولية زوج وأولاد الا انهم أجبروني. كنت دائمة الخوف من زوجي، ارى فيه وحشاً كاسراً. كنت اخاف حتى من ظلّه ومن خيال اي رجل غيره. لطالما خشيت من الكلام، من البكاء.. كنت اخاف جداً، ومن كل شيء لدرجة انني كنت اخاف حتى من النوم. لطالما شعرت بأنني نكرة.. لا لزوم لي.. . فجأة اتخذت قراري: لن اكمل حياتي على هذا النحو. قررت الهروب وتابعت حتى وصلت الى جمعية <ابعاد>. ترددت جدا في البداية، ولم اكن قد حسمت امري بعد الا انني بقيت فيها. في احدى المرات قالت لي المرشدة الاجتماعية <انتِ قوية>. ضحكت كثيراً يومئذٍ وتعجبت قائلة: <انا قوية؟! انا لست كذلك، انا جبانة، انا في غاية الضعف>.

وأضافت:

 - <الآن بت قوية جداً>.. الآن يمكنني ان أقرّر ماذا أريد وكيف أريد ان اعيش حياتي. بتّ سيدة قراري، ويمكنني الدفاع عن نفسي. والاهم من هذا كله ان ثقتي بنفسي وبقدراتي عادت اليّ ولم يعد يهمّني وجود رجل صورة-الاعلامية-سمر-ابو-خليل-من--قصتي-قصةفي حياتي على الاطلاق.

من جهتها كانت لمى في عمر التسعة أشهر عندما تطلّق والداها من بعضهما. قصتها اخبرتها بالتفاصيل:

- تطلّق والداي وكنا نعيش في بلد اوروبي حينذاك. امي عادت وتزوجت من رجل لبناني يعيش هناك وسارت الامور على خير ما يرام. بعد فترة قررنا المجيء الى لبنان كزيارة اثناء عطلة الربيع نعود بعدها إلى أوروبا، وكنت في العاشرة من عمري. هنا وقعت المشكلة اذ أجبرنا زوج امي على البقاء في لبنان واستولى على جوازات سفرنا وخبأها حتى تنتهي اقامتنا. بدأ بضرب وتعنيف امي واخوتي لانهم ارادوا العودة الى اوروبا الا انه لم يضربنا أنا وأختي، وعندما بلغت الثالثة عشرة اصطحبني زوج امي مع اختي الى بيت اخته، وطلب منهما ان تذهبا لتعدّ لنا المناقيش في الفرن واستفرد بي، سحبني الى احدى الغرف واغتصبني. رحت أصرخ وأبكي وهو يضربني ويهدّدني بالقتل. بعد عودة اختي غمرتني بشدّة لمَا رأتني وكأنها كانت تشعر بما سيحدث. لم أخبر أمي وراح يكرر فعلته عينها. وعرفت انه كان يقوم بالأمر نفسه مع اختيَ الاثنتين، وبقي على هذه الحال حتى بلغت الخامسة عشرة.

وتزيد لمى:

- علمت امي بما يجري لكنها لم تحرك ساكنا. تعرّفت الى شاب يدعى سمير، وأحب كل منا الآخر بقوة. حاولت ان أُبقي علاقتنا سرية حتى لا يعرف بها زوج امي الا ان السر انكشف، فما كان منه الا ان اخذ مني الهاتف وأطلق الرصاص بين رجلي وسجنني في الغرفة. حصلت على هاتف آخر وكلمت حبيبي وأخبرته عن كل ما يقوم به زوج امي. وقف الى جانبي وساعدني على الهروب حتى وصولي الى جمعية <ابعاد>. تقدمت ببلاغ ضده الى قوى الامن فسجنوه. وانا الآن ارتّب اوراقي وسأستعيد الجنسية التي فقدتها وسوف ارجع الى اوروبا.. اخيراً عاد الحق إليّ...

 

هربت يوم عرسها..

 اما قصة ياسمين العروس الهاربة يوم عرسها فمعبّرة هي ايضاً:

 - بدأت قصتي مع سفر أبي فشدّدت امي علينا الخناق في مجتمع ضيعتنا المحافظ. كنت في عمر الست سنوات عندما كان زياد (اسم مستعار) ابن عمي يتحرّش بي. خشيت من إخبار امي وبقي على هذا المنوال حتى عمر العشر سنوات. سافر ابن عمي عند والدي وعشت خمس سنوات سعيدة في المدرسة احتل فيها المرتبة الاولى. بعد ذلك اضطررنا الى ترك الضيعة والسفر الى حيث يعيش ابي، الى البيت عينه الذي يقيم فيه زياد ايضاً. كنت أخشاه، ولم يكن يمكنني الكلام.. لو أخبرت بما يجري لقتلني اهلي. بعمر الخامسة عشرة بشرتني امي: <هجم النصيب وجاء العريس المناسب!.> بكيت، وصرخت رافضة ان أترك المدرسة ومؤكدة انني حرّة بمستقبلي. اجابتني والدتي ان احداً لم يسألها رأيها حين تزوجت بأبي.. كان العريس زياد ابن عمي، الشخص عينه الذي قضى على طفولتي والآن جاء ليقضي مع اهلي على مستقبلي. فكرت بالانتحار الا انني ترددت، وفكرت بكلام الناس. اقترب موعد العرس فأعطتني رفيقاتي رقم جمعية <ابعاد> حتى اهرب من البيت وأتصل بهن. كنت اتشجع ومن ثم أعود وأعدل عن فكرتي. يوم العرس، والناس جالسة، رحت اتطلّع بالوجوه قائلة في نفسي: هؤلاء سيتكلمون إن تزوجت ام لم أتزوج. هربت وقصدت الجمعية. هكذا، بكل بساطة. تركت الجميع خلفي وسرت الى الامام!

اجبروني على الزواج!

 

 جومانا كانت بعمر السنتين عندما تركت والدتها البيت بعد طلاقها، فأرسلها والدها مع اخيها الصغير عند اهله ليعيشا معهم. وتخبر جومانا القصة:

 - تمّ إرسالنا الى مؤسسة لرعاية الاطفال حيث مكثنا سبع سنوات كانت سعيدة. قرّر والدي اعادتنا الى بيت اهله فكانا يقسيان ولا ينفقان علينا، حتى ان اعمامي أجبروني على ترك العمل الذي قررت خوضه لأصرف على نفسي وعلى اخي. في احد الايام كنت مع عمتي وتعرفت بشاب اسمه عماد اراد ان يحصل على رقم هاتفي فأوهمت عمتي بانه يريد ان يتعرف عليها لأن اذا ما وصل الأمر لأعمامي فإنهم يقتلونني. في هذه الاثناء تقدّم لي شاب آخر وافق جداي عليه فوراً واجبروني على الزواج من شخص لا اعرفه. بقيت على حبي لعماد وخرجت معه بالسر. علم جداي وزوجي بالامر فارادوا قتلي انتقاماً للشرف. هربت ولجأت الى جمعية صورة-سارة<ابعاد> التي قدمت لي الحماية والرعاية في محنتي.

 

ريما بكري تشرح باسم جمعية <أبعاد>:

<أبعاد>.. للمجتمع!

 الناجيات من العنف، قاسمهن المشترك جمعية <ابعاد> التي شكلت السند والحماية لهن ووقفت الى جانبهن للخروج من نفق التعنيف الى ضوء النجاة. فمن هي الجمعية؟ وما هي اهدافها؟ الاسئلة توجهنا بها الى ريما بكري مسؤولة العلاقات العامة والإعلام في الجمعية.

ــ كيف يمكننا التعريف بجمعية <أبعاد>؟ من اسسها؟ وما هي مجالات عملها؟

- <أبعاد> هي مؤسسة مدنية غير طائفية وغير ربحية، تأسست عام 2011، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا عبر تكريس مبدأي المساواة والعدالة الجندرية وتوفير الخدمات المباشرة والحماية وتمكين المجموعات المهمّشة من اللاجئين واللاجئات والمجتمعات المضيفة، لاسيما النساء. تضمّ مؤسسة <أبعاد> مجموعة من الموارد والناشطين والناشطات الحقوقيين والحقوقيات، فضلاً عن المحامين والمحاميات الإستشاريين والعاملين والعاملات الاجتماعيين والاجتماعيات والباحثين والباحثات الملتزمين والملتزمات بقضايا المساواة القائمة على أساس النوع الاجتماعي. العمل في منظمة <أبعاد> يقوم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص كونها ملتزمة بتأمين الحماية من الإستغلال والإعتداء الجنسي.

ــ  ما هي ابرز اهدافها وتحديداً بما يخص المرأة ؟

تسعى منظمة <أبعاد> إلى عالم يعيش فيه النساء والرجال كشركاء حقيقيين على قدم المساواة، يعملان جنباً إلى جنب من أجل بناء مستقبل تكون فيه كل الفئات فعّالة وتتشارك سوياً باتخاذ القرارات التي تؤثّر في الحياة والمجتمع، مجتمع تكون فيه النساء مُمكّنات ومشاركات فاعلات في العمليات الديموقراطية التي تؤثّر في حياتهن ومجتمعاتهن، وتتمتع النساء بالنفاذ العادل إلى الأصول الاقتصادية والموارد الطبيعية داخل المجتمع، كما تسعى <ابعاد> الى مجتمع تعيش فيه النساء بحرية وكرامة وسلام داخلي - من دون أي شكل من أشكال التمييز.

ــ لماذا كانت حملة <قصتي قصة>؟ وكيف تمّ اختيار الإعلاميات المشاركات، سمر ابو خليل، ريمي درباس وديانا فاخوري؟

- حملة الـ<16 يوماً> لهذا العام تأتي لتسلّط الضوء على قصص وحياة النساء الناجيات من العنف الأسري. القصة هي إذاً عن قصة نجاة من العنف وليس عن قصة ضحية عنف. حان الوقت أن ترفع النساء أصواتهن، أن تشارك قصصهن، وأن يحصلن على الدعم من البيئة المحيطة والمجتمع. في ظل ما يحدث في لبنان والمنطقة والعالم من أحداث مؤلمة وقاسية، ربما يجدر بنا أن نتواصل مع إنسانيتنا ونحتفل بقوة النساء وشجاعتهن ومثابرتهن وإنسانيتهن. النساء هن بطلات حملة الـ<16 يوماً> للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات التي تطلقها منظمة <أبعاد> بالتعاون والشراكة مع مجموعة من الهيئات الأهلية والدولية لعام 2015. نساء هذا العام هن إلهام حقيقي لنا ولغيرهن من النساء.

صورة-الاعلاميات-ريمي-درباس--ديانا-فاخوري-وسمر-ابو-خليلوتابعت تقول:

- نعيش في زمن اجتياح الأرقام والبيانات. نحن مصابون بتخمة معلومات وبيانات لا يمكن استيعابها. الأخبار والأرقام والبيانات والمعلومات كلها في تعداد ضحايا الحروب، اللاجئون وانتهاكات حقوق الإنسان، بالأرقام! بات العنف تفصيلاً، وبتنا نتعايش معه بشكل طبيعي في مجتمعاتنا. علينا أن نذكّر الجميع بأن العنف ليس طبيعياً وغير مبرر. علينا أن نذكّر الجميع بأنه خلف الأعداد، يكمن أشخاص حقيقيون لديهم قصص وأسماء. بين مراحل الحملة كان بوستر مذيعات الأخبار في كل من <ال بي سي>، <ام تي في>، <نيو تي في>، و<ان بي أن> بمثابة اعلان تضامنهن مع النساء الناجيات من العنف الأسري، عبر مشاركتهن في الحملة الوطنية وإعدادهن تقارير صحافية حول القضية.

ــ كيف حصلتم على شهادات السيدات؟ هل جرى الاستماع لأي من الرجال الذين عنّفوا؟

- قامت السيدات بملء إرادتهن بمشاركتنا تجاربهن مع العنف وكيفية تغلبهن عليه والخروج منه والاستمرار. لم نستمع لشهادات أي من الرجال لهذه الحملة، لكننا نقدم خدمة للرجال ذوي السلوكيات العنيفة في مركز الرجال - الأول من نوعه في لبنان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتم تقديم خدمات نفسية واجتماعية، مجانية وسرية، وتحترم خصوصية الرجال ذوي السلوكيات العنيفة.

ــ هل من مركز حماية تؤمنه الجمعية لـ<ضحايا العنف>؟ وبعد ان تصبحن <ناجيات منه> من يواكبهن؟

 - تقدم <الدور الآمنة> للنساء في ثلاث محافظات في لبنان للنساء والفتيات الناجيات من العنف وأطفالهن، وهذه الدور تقدم الدعم النفسي- الاجتماعي، والاستشارات القانونية والطبية، والمتابعة، وأنشطة التمكين ضمن غيرها من الخدمات.

ــ ما المشاريع الجديدة للجمعية؟ وهل تشمل مختلف المناطق اللبنانية؟

- بين المشاريع الجديدة مراكز العناية الشاملة النموذجية للناجيات من العنف الجندري، وهي ثمانية: مراكز نموذجية في مختلف المناطق في لبنان، ضمن مراكز التنمية المجتمعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية حيث الرعاية شاملة من إدارة الحالات، الى الاستشارات القانونية، وخدمات العلاج النفسي، بالإضافة إلى خدمات الإحالة لـ<الدور الآمنة> للنساء والفتيات الناجيات من العنف الجندري وأطفالهن.