تفاصيل الخبر

جـــلـجــلـــــــــة أحـــــــد الـشـعــانــيـــــــــــن

13/04/2017
جـــلـجــلـــــــــة أحـــــــد الـشـعــانــيـــــــــــن

جـــلـجــلـــــــــة أحـــــــد الـشـعــانــيـــــــــــن

بقلم سعيد غريب

SAM_5208

أحد الشعانين كان الجمعة العظيمة لدى أقباط مصر، فهم اختصروا الوقت والزمن بدفن شهداء الكنيستين قبل أسبوع من أهم حدث في التاريخ، وثبّتوا مقولة أن الموت يمكن أن يخاف مما هو أقوى منه: الحياة...

شهداء مصر المسيحيون انضموا الى آلاف الشهداء المسلمين الذين يسقطون يومياً على مذبح الحياة الأبدية، وثمة شعور دائم ونابع من إيمان عميق بأن الرعية غير متروكة.

وهناك دائماً من يكلّف العمل وإكمال الرسالة: رسالة البقاء والحياة.

ونحن، بَشَر هذا الكوكب المضطرب نطلب من أنفسنا لحظة تتوقف الحروب، ويزول الحقد، وتنتفي أسباب الغضب، وتهدأ النفوس المتوترة، ويتغلّب العلم على الجهل، ألا نخاف من السلام ونعمل على تحقيق ذلك بكل ما أوتينا من قوة. لماذا؟ لأن الحرب هي تحدي الموت بينما السلام هو تحدي الحياة. لماذا أيضاً وأيضاً؟ لأننا لن نكون ربما جاهزين للسلام. وما ينطبق على لبنان في هذا الشأن ينطبق على العالم العربي كله اليوم، ولاسيما مصر... فالعالم العربي كان منذ نكبة فلسطين مجتمعات حرب ولا تحارب، وها هو الآن يريد السلام ولا يعرف كيف يُقبل عليه وكيف يبنيه لنفسه.

<الأفكار> اليوم عشية عيد الفصح، تتجه الى ذوي الشهداء في مصر خصوصاً وسائر العالم عموماً، والى كل الذين <سيحتفلون> بالعيد، والغصّة تخنق قلوبهم المعذبة.

أليسوا هم الذين دفعوا الثمن وقدموا القرابين وسخوا بالتضحية الى حدها القصي؟

أتُرانا نتشبث بتقاليد الأعياد وأفراحها... وملذاتها، فيما الذين وهبوا الأوطان <أحباءهم> يشقون؟

الأصح أن يكون العيد عيد هؤلاء... وحدهم، ومن أجلهم يجب أن ترفع الأدعية والصلوات.

والأصح أيضاً أن نتخذ من العيد مناسبة للتأمل في عظم الشهادة ومعانيها، وفي القيم التي من أجلها كان الشهداء. والواقع يقول إن العالم العربي يقف اليوم أمام المفترق بين أن يكون أو لا يكون، بين أن يبقى واحداً أو يزول، بين  أن يعود موطن الانفتاح أو يفقد مبرر وجوده، بين أن يصون هويته ومعها دوره أو يفقد كل هوية ويفقد معها طموحه الى مكان كريم تحت الشمس.

وإذا كان العرب عاجزين عن تجميد أو وقف خلافاتهم في مرحلة يُكتب فيها مصيرنا لأجيال وأجيال، فكيف يكونون شعباً يستحق الحياة؟

اللعبة مستمرة وهي أقرب ما تكون الى لعبة الموت، لا خاتمة لها إلا الانتحار الجماعي، ومن غير الطبيعي أن تكون الدول مسارح لأزمات عنيفة تهدد مصير الاوطان ولا يكون هناك حوار جدي وراقٍ يدور بين أطراف النزاع.

لا أحد من القيادات يخاطب الطرف الآخر، كلهم يتحدثون الى أنفسهم، والكلام هو هو... اجترار ثم اجترار، لا جديد فيه سوى المزيد من استثارة الغرائز.

ونذكّر من جديد بالعبارة التي أطلقها الفيلسوف الألماني <كانت kant>:

<إن التاريخ يعلمنا - أيضاً - اننا لا نستطيع أن نتعلم منه شيئاً>.

وقد بات المواطن العربي من المحيط الى الخليج متخوفاً ليس على الأراضي المحتلة في فلسطين وغيرها فحسب، بل أيضاً على <الأراضي الحرة>...

إن الدماء التي تسقط كل يوم يجب أن تعيد لابن هذه الأرض حقه في بناء غده وتغيير التاريخ.

أجل، إن أفكارنا اليوم مع كل هؤلاء الذين ستتم على أيديهم ولادة عالم جديد، ولن يكون الموت من بعدهم نهاية للحياة أو نقيضاً لها، بل ملازماً للحياة.

شهداء مصر لم تسعفهم سعف النخيل، سقطوا كما سقط غيرهم من قبل في سبيل مصر، ولاقوا ربهم قبل أسبوع من رفعه على الصليب.. إنها درب الجلجلة وقرروا أن يسيروها... وتعود كنيسة مصر كنيسة المجمع، أي الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية، بحكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي وحزمه.