يُعدّ لبنان من البلدان النادرة التي تزيّن علَمَها شجرة الأرز، وإن كانت الأرزة، في الماضي، مشتهى الشعوب، فقد لاقت أنواع أخرى من الأشجار المعمّرة المصير نفسه على مدى التاريخ، حيث عمد الغزاة إلى قطع الصنوبر والسنديان والعرعر والزيتون، لاستخدامها في البناء كما بداعي التخريب والتدمير.
عندما أعيدت السلطة في بلاد الأرز إلى يديّ الشعب، منذ ما يقارب القرن من الزمن، لم يسارع أحدٌ لوضع أيّ سياسة أو خطّة لحماية الغابات. ثمّ حلّت سنوات الحرب ولم تساهم في إصلاح أو تغيير أيٍّ من هذا؛ وبين الجيوش الغريبة والميليشيات المحليّة، ما كان من الهكتارات الثلاثين المزروعة صنوبراً في حرش بيروت منذ القرن السابع عشر بفضل الأمير الطاغية المتنوّر فخر الدين، إلّا أن انتهى بها الأمر أرضاً قاحلة. منذ عودة الهدوء وبداية مرحلة إعادة الإعمار كما تُسمّى، تسقط غاباتٌ كلّ سنة ضحيّةَ حرائق وحشيّة مروّعة أو موجة التحضّر المتفلّت التي تكتسح المناطق، مسبّبةً بانحسار الطبيعة وتراجع التنوّع البيولوجيّ فيها، كلّ
[caption id="attachment_82098" align="alignleft" width="166"] إليس مغبغب.[/caption]ذلك أمام لامبالاة زعماء الحرب الذين تحوّلوا إلى سياسيّين، لديهم من الضراوة ما يفوق التصحّر الزاحف من الشرق.
وعندما اندلعت الثورة الشعبيّة في 17 تشرين الأول (اكتوبر) 2019، أحد الأسباب التي أشعلت فتيلها كانت صوَر الحرائق الضارية التي اجتاحت هضاب لبنان ووديانه وجباله. وكما سرت النيران في الغابات، امتدّت الثورة على كامل الأراضي اللبنانيّة، وشملت المدن والمناطق كافة، موحّدةً كلّ اللبنانيّين في هذه الكارثة البيئيّة ضدّ الخيارات المخزية التي قامت بها السلطة آنذاك، وضدّ سياسة الأرض المحروقة؛ هذه السياسة التي تمتدّ من البيئة إلى الاقتصاد، فتجرّ الشعب اللبنانيّ نحو موت بطيء.
في 17 تشرين الأوّل (اكتوبر) الجاري تعود غاليري أليس مغبغب لتشرّع أبوابها، بعد الانفجار المدوّي الذي هزّ بيروت في 4 آب (اغسطس) الماضي. وانطلاقاً من تمسّكها بالتزاماتها الاجتماعيّة ومسؤولياتها الثقافيّة، تقدّم غاليري
[caption id="attachment_82099" align="alignleft" width="376"] من أعمال المعرض.[/caption]أليس مغبغب معرضاً بعنوان "هذه الأرزة التي نقطعها؛ لوحات، منحوتات، صور فوتوغرافيّة، رسوم، فيديوهات"، آملة أن نلمّ الشمل حول هذه الشجرة المجيدة، شعار الاستدامة التي تتسلّح بها الطبيعة في مواجهة القوى المدمّرة التي تحاول قطع عنق لبنان، وأن نجمع حوله كلّ الذين ما زالوا متجذّرين واللواتي ما زلن متأصّلات في أرضهم، ويحاربون لهيب الاحتضار ويصارعون موجات الهجرة.
ويحشد المعرض أعمالاً لأربعة عشر فناناً هم: إيتيل عدنان، هدى قساطلي، نديم أصفر، شارل بيل، باسكال كورسيل، يان دوموجيه، نيكولا غاياردون، ألكسندر هولان، لودويكا أوغورزليك، مالغورزاتا باشكو، إريك بواتفان، جان برنار سوسبيريغي، لي واي، لوتشيانو
[caption id="attachment_82100" align="alignleft" width="376"] هنادي الديري ورنا نجار.[/caption]زانوني.