تفاصيل الخبر

جدلية الترسيم تُلغي فرضية الحرب

07/10/2020
جدلية الترسيم تُلغي فرضية الحرب

جدلية الترسيم تُلغي فرضية الحرب

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_81736" align="alignleft" width="379"] الحدود البحرية.. لبنان الى نادي الدول النفطية.[/caption]

 على خطّ المساعي الرامية إلى إنهاء ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل والعالق منذ العام 2007، أعلن رئيس مجلس النوّاب نبيه بري الاسبوع المنصرم خلال مؤتمره الصحافي، البدء بالتفاوض غير المباشر برعاية ووساطة أميركية وتحت أنظار الأمم المتحدة. وأبرز ما جاء على لسان بري، أنه في حال نجاح المفاوضات، فإن لبنان سيتمكن من سداد ديونه من خلال التعويل على البلوك 8 و9، وبهذا يكون بري قد حدّد بشكلٍ مُسبق، لبنانيّة هذه المساحة البحريّة. من هنا بدأ نزاع الترسيم

في البداية، لا بد من قراءة مُلخصة لواقعِ النزاع الحدودي البحري مع العدو الاسرائيلي والذي بدأ بعد توقيع الحكومة اللبنانية في العام 2007 اتفاقية مع الجمهورية القبرصية حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وذلك بهدف البدء باستغلال الموارد الطبيعية في المياه البحرية لكل من الدولتَين. ويُسجّل للرئيس بري، دور أساسي في الجهود التي أوصلت إلى إتفاق الإطار بعد ان كانت إسرائيل تسعى للإستيلاء على شريط تقدّر مساحته بـ863 كيلومتراً مربعاً في البحر من ملكية لبنان.

في قراءة لإتفاق الإطار الذي تحدّث عنه الرئيس بري، وصفته أكثر من جهة داخلية على أنه "رشوة" قدمها الإيراني للأميركي ومحاولة لابتزاز الفرنسي. ورأت هذه الجهة أن الخطورة

[caption id="attachment_81738" align="alignleft" width="445"] الرئيسان دونالد ترامب وحسن روحاني..لعب عالمكشوف.[/caption]

في هذه "اللعبة" أن كل المنطق الذي بنت عليه ايران وحزب الله سياساتهما قد سقط، لأن الإتفاق ينصّ على ترسيم الحدود البحرية والبريّة، وهذا اعتراف علني بأن هذه الحدود تابعة لإسرائيل، ممّا ينفي كل المبررات التي يحتفظ من خلالها حزب الله بسلاحه، اللهم إلا إذا كانت مُهمّة هذا السلاح، هي للداخل فقط. ودائماً بحسب وجهات نظر بعض الآراء الداخلية. واعتبرت الجهات نفسها، أن الإتفاق الذي أعلنه الرئيس برّي، قد ألغى ما كانت تُسمّيه ايران "فلسطين المُحتلة" بعدما اعترفت بالحدود الإسرائيلية وجميعنا يعلم انه لولا أن هناك قبولاً وموافقة إيرانية حول إتفاق الإطار، لما كان حصل.  لكن هذا الكلام لا يُلغي بكل تأكيد، أن الرئيس برّي كان حذّر أكثر من مرّة، من مسارات أو مخطّطات عدة يُمكن أن تلجأ اليها اسرائيل بهدف الإستيلاء على مساحات لبنانية. وحذّر خلالها من ان خطوات كهذه يُمكن أن تكون بمثابة شرارة حرب مع التأكيد بأن لبنان سيتصدى لأي خطوات من هذا النوع.

حميّد: يُسجّل لبري صبره ومتابعته

وفي السياق نفسه، يرد عضو كتلة "التحرير والتنمية" النائب أيوب حميّد عبر "الأفكار" على وجهات النظر الأخرى بأن إتفاق الإطار هو إنجاز يُسجل لكل اللبنانيين وليس لفئة واحدة، وقد أتى بعد مخاض عسير من المفاوضات غير المباشرة حاول خلالها الإسرائيلي الإلتفاف أكثر من مرة والتنكّر لسيادتنا، لكن بفضل إصرار اللبنانيين على إستعادة كامل حقوقهم في أرضهم ومياههم الإقليمية. كما أنه لا يُعقل بموضوع يتعلق بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان أن لا يكون لأي لبناني اهتماماً بالمتابعة، فكيف بالحري بالرئيس بري.

[caption id="attachment_81739" align="alignleft" width="420"] النائب ايوب حميد: لا نأمن للاسرائيلي.[/caption]

وأضاف: بمعنى آخر، فإن الرئيس بري الحريص على كل قطرة مياه وحبة تراب من أرضنا الوطنية ومن موقعه الوطني، لا يُمكن إلا أن يكون متابعاً ومواكباً وناصحاً وموجهاً في هذا الموضوع.

وشدد حميد على أننا لا نأمن للإسرائيلي على الإطلاق، لأنه بطبعه غدار وماكر وطمّاع ولذلك العين ستبقى على المفاوضات للوصول الى استخلاص الحق اللبناني في كامل المنطقة الاقتصادية وهذا الموضوع لا مجال للنقاش فيه. ونحن لا نزايد على لبنانية أحد وهو موضوع وطني. ما يُسجل للرئيس للرئيس بري، أن آناته وصبره ومتابعته الحثيثة لكل ما يتعلق بالسيادة الوطنية، هو الذي أفضى الى هذا الاتفاق. ويبقى على الجيش اللبناني مع الخبراء المختصّين ورجال القانون والذين يلمّون باتفاقية أعالي البحار، أن ينتصروا للبنان ويعيدوا اليه حقوقه المكتسبة.

رحلة الترسيم في منتصف تشرين

في منتصف تشرين الاول (اكتوبر) الجاري، يبدأ لبنان واسرائيل برعاية الامم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الاميركية رحلة ترسيم الحدود البرية والبحرية في مقر الامم المتحدة في الناقورة. وقد استبقت الرحلة مجموعة اسئلة مواكبة للخطوة تمحورت جميعها حول توقيت الاتفاق الذي يأتي بالتزامن مع اتّفاقات سلام تُعقد بين اسرائيل ودول عربية وما اذا كان سيؤدي في نهاية المطاف الى التطبيع بالاضافة الى التصعيد القائم في المنطقة بين واشنطن وحلفائها من جهة وطهران واذرعها العسكرية من جهة اخرى وتداعياته على لبنان الذي يُشكل احد ابرز ساحات الصراع القائم. 

ويبقى السؤال الابرز المطروح وسط مشهدية التفاوض: هل يُمكن أن يحدث خرق أمني ما من شأنه أن يُعكّر الأجواء التفاؤلية التي سادت خلال الأيام الماضية خصوصاً وسط توقعات تشي باقتراب دخول لبنان نادي الدول النفطية، خصوصاً وأن حزب الله ما زال على وتيرة التهديد نفسه الذي أطلقه يوم استهدفت غارة اسرائيلية أحد مواقعه في سوريا مما أدى إلى سقوط أحد عناصره، ويومها توعّد "الحزب" برد على قاعدة "الدم بالدم"؟ والسؤال الآخر: هل ان موضوع نزع سلاح حزب الله سيطرح بالتزامن مع إنطلاق المفاوضات، لاسيما وانه مع حسم مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا سينتفي بحسب أوساط سياسية كثيرة، دور هذا السلاح الذي كان هدفه الاساسي مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وتحرير الاراضي المحتلة؟

 ترسيم وعقوبات ومخازن.. وحرب!

من الآن وصاعداً، لم يعد يُصلح الحديث عن أن استهداف الولايات المتحدة الأميركية لحزب الله من خلال العقوبات المالية التي تُفرض عليه تباعاً ولا التحريض الاعلامي الذي تقوم به إسرائيل ضد "الحزب"، بأنه يصب في خانة الأزمات الإنتخابية التي يُعاني منها كل من الرئيس الأميركي "دونالد ترامب " ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ولا يجوز بعد الآن، وضع التصويب الأميركي ـ الإسرائيلي على "الحزب" على أنه حاجة لرفع المعنويّات في هذين البلدين، ولا في خانة ردود الفعل نتيجة إخفاقهما بكسر محور المقاومة.

[caption id="attachment_81737" align="alignleft" width="375"] الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله.. ثنائي الاتفاقيات.[/caption]

كل الأمور بحسب ما هو ظاهر، تشي بمرحلة خطيرة بدأت تلوح في أفق المنطقة وفي سماء لبنان على وجه التحديد. أمور قد تكون أكبر من مُجرد اعتقادات وتكهنات أو تحليلات في طبيعة هذا البلد وتكوينه أو ذاك النظام وركائزه، وأقل من حرب واسعة مُدمرة قد يسعى المعنيوّن فيها وتحديداً الأميركي ـ الإسرائيلي، إلى رسم بداية لطريقة تقوم على أُسس مبنيّة على اختيار أهداف مُحددة لكنها في غاية الأهميّة وضربها، قبل الدخول في حرب سريعة قد تنتهي في غضون شهر أو أقل، لكن كل طرف يعتقد أنه سيُحقّق من خلالها، ما كان يأمله قبل إندلاع الشرارة.

ما يقوم به "نتنياهو" اليوم من عرض مواقع ومخازن ومصانع يدّعي أنها تابعة لحزب الله، لا يُمكن اغفاله ولا وضعه في خانة التهويلات كما يُحاول البعض تصويره، لهذا ترى مصادر مُقرّبة من "الحزب" أن "الأخير يأخذ على محمل الجدّ كل ما يصدر عن الداخل الإسرائيلي فكيف إذا كان الامر يتعلّق بتصريحات لرئيس الوزراء، ومن هنا يتعاطى حزب الله مع كل هذه الأمور بجديّة كاملة ليبني على الشيء مُقتضاه، إمّا من خلال الرصد المباشر في الميدان، أو عبر مؤسّساته الخاصة المعنية بمتابعة الشأن الإسرائيلي بكل تفاصيله وجوانبه.

منطقة على صفيح الصفقات

من عادة "الحزب" أنه يقوم بتقدير المواقف التي تصدر عن الإسرائيلي بحيث يجمع بين التحليل وقراءة المناخ السياسي، بالإضافة إلى متابعته عن كثب للمعطيات الداخليّة وحركة المناقلات على الأرض، ومن بعدها يذهب الى تقييم موقفه لبناء خلاصة حول نسبة وقوع أي حرب يُحكى عنها. فعلى سبيل المثال، كل توقعات "الحزب" خلال الأعوام القليلة الماضية، صبّت باتجاه عدم وقوع حرب، وهذا ما حصل بالفعل.

وفي أي حال من الأحوال، لا تتوقّع المصادر نشوب حرب بين حزب الله واسرئيل، مبنية توقعها هذا على مجموعة أسس تبدأ بوضع الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي لا تشي بأي احتمال ولو ضئيل في استنتاج حرب، وثانياً الأزمات السياسية والصحية المتعلقة بالإنتخابات وفيروس "كورونا"، إضافة إلى الإنتخابات الأميركية التي برأي المصادر "سوف تأخذ الكثير من الجهد الأميركي الداخلي وهي أيضاً بحاجة إلى فترة طويلة جداً لتشكيل إدارة جديدة بعد صدور النتائج لكي تتخذ القرارات المناسبة".

هذه الطمأنينة المتفاوتة التي يُبديها حزب الله حيال أي حرب متوقعة، يُقابلها مصدر سياسي بكلام يؤكد أن ثمة تطويعاً متبادلاً حاصلاً بين إسرائيل وحزب الله، يقوم على السماح لإيران وجماعاتها في طليعتهم حزب الله، الاستمرار بالسيطرة في سوريا واليمن ولبنان والعراق، مقابل حسن نوايا تُلزم "الحزب" بتفجير أماكن مُحددة ترى فيها اسرائيل خطراً على أمنها، ومن هنا جاء تفجير المرفأ وعين قانا ومواقع صغيرة أخرى في مناطق غير مأهولة. كما ستشهد الأيام المُقبلة مزيداً من هذه التفجيرات، وذلك ضمن التطويع المتبادل.