لم يبدّل الاعتداء الذي تعرضت له القنصلية الايطالية في القاهرة، في برنامج الزيارة التي قام بها وزير خارجية ايطاليا <باولو جانتيلوني> لبيروت الأسبوع الماضي والتقى خلالها مسؤولين لبنانيين، لا بل جعل الاعتداء من موضوع الارهاب، موضوعاً أساسياً من المواضيع التي أثارها رئيس الديبلوماسية الايطالية خلال وجوده في العاصمة اللبنانية ما جعله يتفهم أكثر فأكثر الموقف اللبناني المتمسك بمكافحة الارهاب والتصدي للمسلحين في تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة> الذين يواجهون الجيش اللبناني على محور جرود عرسال وجوارها. وفي هذا السياق أكد <جانتيلوني> ان بلاده شريكة أساسية في مكافحة الارهاب ومتضامنة مع دول التحالف التي تخوض حرباً متقطعة ضد التنظيمات الارهابية.
إلا ان موضوع الارهاب لم يكن وحده الدافع الذي حدا بوزير خارجية ايطاليا للمجيء الى لبنان، فهو الى جانب تفقده القوة الايطالية العاملة في <اليونيفيل> في الجنوب وقائدها الجنرال الايطالي <لوتشيانو بورتولانو> وتأكيده استمرار المشاركة ايلاطالية في تطبيق القرار 1701، نقل الى المسؤولين اللبنانيين رسائل أوروبية تضاف الى سلسلة الرسائل التي تصل هذه الأيام من جهات دولية متعددة وتصب كلها في إطار التوجهات الأوروبية التي تحدد مسار العلاقات مع لبنان.
الاستقرار والاستحقاق الرئاسي والتعايش
ــ أولى هذه الرسائل ضرورة المحافظة على الاستقرار في لبنان وعدم <المغامرة> لأن خسارته لن يكون من السهل تعويضها لاسيما في هذه الظروف التي تتجه فيها التطورات العسكرية في دول الجوار الى مزيد من التصعيد وفقاً لمعلومات الوزير الايطالي الذي تحدث عن <واقع جديد> على الأرض سيظهر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يمكّن من معاودة الحوار بصيغة <جنيف ــ 3> أو غيرها من الصيغ التي تؤدي الى النتائج التسووية إياها. وفي هذا السياق جدد الوزير <جانتيلوني> دعم بلاده للمؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية وفي مقدمها الجيش الذي قال إن الضباط الايطاليين الموجودين في لبنان سواء من خلال السفارة الايطالية في بيروت أو من خلال القوات الدولية في الجنوب، ينقلون دوماً إعجابهم بأداء العسكريين اللبنانيين وصمودهم على خطوط التماس البقاعية، بالتزامن مع أدائهم مهمات أمنية في الداخل اللبناني وعلى الحدود الجنوبية بالتعاون مع <اليونيفيل>. وإذ جدد الوزير الايطالي استعداد بلاده لتقديم المزيد من المساعدات الايطالية للجيش، سجّل بأسلوب غير مباشر <عتباً> ايطالياً لعدم الاستفادة من التجهيزات والمعدات العسكرية الايطالية التي تتناغم مع السلاح الموجود لدى الجيش اللبناني، لشرائها من الهبة السعودية الأخيرة التي تبلغ قيمتها مليار دولار، إذا كان من المتعذر الاستفادة من هبة الـ3 مليارات المحصورة بتمويل عتاد فرنسي. وقد لاحظ الوزير الايطالي ان من التقاهم <أسفوا> لعدم التنبه الى هذا الأمر، ووعدوا بالاهتمام مستقبلاً. إلا ان الوزير أكد استمرار البعثة العسكرية الايطالية العاملة في لبنان في مهمات تدريب.
ــ ثاني هذه الرسائل ذات طابع سياسي وتمحورت حول الاستحقاق الرئاسي، وأكد الوزير الايطالي بأن موقف بلاده يعكس الموقف الأوروبي الذي يتلخص بـ<تشجيع> الأطراف اللبنانيين على الحوار في ما بينهم والاتفاق على انجاز هذا الاستحقاق في أقرب وقت ممكن لأن استمرار الشغور الرئاسي <مصدر قلق> لدى الأوروبيين خصوصاً في الظروف الراهنة. إلا ان الجديد الذي نقله الوزير <جانتيلوني> كان تركيزه على ان انتخاب رئيس الجمهورية يعزز التعايش في لبنان بين مختلف الديانات والطوائف و<يحصّن> الدور السياسي لكل من الطوائف اللبنانية التي تشكل مكونات المجتمع اللبناني الذي تعتبره الدول الأوروبية نموذجاً فريداً في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين لاسيما أولئك الذين ينادون بالاعتدال ويرفضون التطرف والارهاب. وأعاد الوزير الايطالي التذكير بالمبادرات التي قامت بها بلاده لتفعيل الحوار المسيحي ــ الاسلامي وحث اللبنانيين المسيحيين في الأطراف التي فيها أكثرية سكانية مسلمة بالبقاء في منازلهم وممتلكاتهم <وانقاذ> النموذج التعايشي الفريد من نوعه في لبنــــــــــــــــــــان والمنطقة. وفيما أقر <جانتيلوني> بالانعكاسات السلبية لما تعرض له المسيحيون في سوريــــــــــــــــــــــــا والعــــــــــراق ومصـــــــــــــر، رأى ان للبنان أن يعلب دوراً ريادياً في أن يبقى بلد <الانصهار والتفاعل الحضاري> لأنه إذا سقط النموذج اللبناني، إنهار الوجود المسيحي المشرقي بشكل كامل.
هم النازحين السوريين... مشترك
ــ ثالث الرسائل الايطالية تعلّق بموضوع النازحين السوريين في لبنان والانعكاسات الديموغرافية التي تترتب عن موجات النزوح الى الأراضي اللبنانية. وفيما التزم <جانتيلوني> استمرار الدعم الايطالي المباشر وغير المباشر للبنان لمساعدته على مواجهة حاجات النازحين، لاحظ ان بلاده تواجه هي أيضاً أعداداً هائلة من المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون من دول عربية ومتوسطية، مقترحاً القيام بعمل مشترك لمواجهة هذه التحديات التي يغلب عليها الطابع الانساني، لكنها تحمل أيضاً أبعاداً سياسية وأمنية مقلقة على المدى البعيد، لاسيما إذا ما استمرت على الوتيرة إياها.
ــ أما الرسالة الايطالية الرابعة فقد غلب عليها الطابع التجاري إذ استفاد الوزير الايطالي من زيارته لبيروت لـ<يذكّر> المسؤولين اللبنانيين أن بلاده أكبر الشركاء التجاريين للبنان ما يعني ان الدعم الايطالي مثلث الأضلاع سياسي وأمني واقتصادي ويفترض ان يعطي ايطاليا أولوية في الاهتمام اللبناني، ملمحاً الى ان هذا <الاهتمام> يحتاج الى إبراز أكثر من الجانب اللبناني الذي لا يزال يعتبر ان المصالح الايطالية ليس لها الأولوية راهناً وإن كان لبنان يقدّر الدعم الايطالي، إلا ان الأمر يفترض أيضاً <ترجمة> عملية لهذا التقدير!