تفاصيل الخبر

جامعة ”أونور“ تخرّج لاعنفيين في تسعة اختصاصات فريدة من نوعها...

12/07/2019
جامعة ”أونور“ تخرّج لاعنفيين في تسعة اختصاصات فريدة من نوعها...

جامعة ”أونور“ تخرّج لاعنفيين في تسعة اختصاصات فريدة من نوعها...

   

أوغــــــاريـت يـونـــــــان: اللاعـنــــــف لـيــــــس اسـتـسلامــــــاً بــــــل نـضــــــال بـأســـــالـيـب مـخـتـلـفـــــــة! 

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

 

ستّة عشر عاماً مرّت بين لقائي الأول بها ولقائي الثاني هذا. لم يتغير فيها سوى لون شعرها الذي تتركه على طبيعته، المنسجمة مع طبيعتها. أحسدها على مثابرتها ونفَسها الطويل... جدا! أكثر من ثلاثين سنة وهي تكافح من أجل إرساء وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، مع رفيق الحياة والنضال المفكر اللاعنفي الدكتور وليد صلَيبي. ليست الدكتورة أوغاريت يونان من النساء الصاخبات، المتناطحات على الميكروفونات والمستفحلات في التوكشوهات. نضالها يشبهها: هادئ. متّزن. عميق. تماما كحواري معها حول تجربتها في الكلية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان (أونور) AUNOHR التي أسستها مع زوجها عام 2014. هذه التجربة الفريدة من نوعها في لبنان والمنطقة العربية والعالم.

ــ دكتورة أوغاريت، حين نقول <لاعنف>، ماذا نعني تحديداً: لاعنف لفظي؟ لاعنف جسدي؟ لاعنف ضد الإنسان؟ ضد الحيوان؟ ضد البيئة؟...

- <اللاعنف> كلمة ابتكرها موهنداس غاندي (المعروف بالمهاتما غاندي، و<المهاتما> تعني الروح العظيمة) الذي قاوم الاستعمار من خلال العصيان المدني اللاعنفي. لم تُستخدم هذه العبارة قبل غاندي، بالرغم من تأثره بالروائي والمفكر الروسي لِيو تولستوي الذي كان بدوره داعية سلام، حتى لُقِّب بأبِ اللاعنف. اصل الكلمة <أهِمسا> في السنسكريتي، أي الإمتناع عن أذى أي مخلوق سواء كان كائناً حياً أو جماداً. المقصود من كلمة <لاعنف>، إذاً، هو التصدي للعنف بكل أشكاله: اللفظي والجسدي والسلوكي والتربوي والسياسي والبيئي. هو رفض أي أذى يطال أشخاصاً أو جماعة أو مجتمعاً، كالاحتلال والاستعمار والسيطرة على العقول وفرض الدين على الناس بالهيمنة، إلخ.

ــ ولكن أليس اللاعنف مبدأ طوباويا بعض الشيء؟ أعني أهو منهج واقعي؟ فلسفة تُطبّق عملياً، لاسيّما في أيامنا هذه حيث يستشري العنف بشتى أنواعه؟

- هو حتما واقعي ويمكن تطبيقه، لكن المشكلة تكمن في تهميش ثقافة اللاعنف! التاريخ حافل بصراعات لاعنفية في العديد من البلدان ولدى العديد من الشعوب، إلا أننا اعتدنا تمجيد القوة بمفهومها الشائع. اللاعنف ثقافة مهمشة عالميا وليس فقط عربيا أو محليا، وهناك الكثير من المغالطات حولها. مغالطات يقع فيها المثقفون أنفسهم أحياناً. فحين تذكرين أمام بعضهم كلمة <لاعنف>، يعتبرون فهمَها بديهياً من منطلق <إنو إي واضحة. اللاعنف يعني نبذ العنف، إنو هَودي ناس مهذبين ولُطَفا، أو مستسلمين ومنصاعين وبدّن السترة>. إنها مجرد أحكام مسبقة نابعة من عدم معرفة أو من معرفة مغلوطة. من هنا ضرورة العودة إلى مصدر الكلمة، إلى غاندي الذي أوجد هذه العبارة (حفيده، المفكر آرون غاندي، هو أحد أعضاء المجلس الاستشاري العالمي للجامعة).

في اللاعنف مقاومة!

ــ فلنوضح إذاً أن اللاعنف لا يعني الإستسلام...

- إطلاقا! اللاعنف لا يعني أن ترفضي العنف فحسب، بل أن تواجهيه وتخوضي النضال والصراع لإزالته ولإعادة العدالة. من الضروري التفريق ما بين <السلميّ> و<اللاعنفيّ>. السلمي هو من يتوقّف عند حدود الرفض ولا يواجه لتغيير الحالة. هو لا يقود صراعا لتغيير الوضع الشاذ. أما اللاعنفي فيواجه. لذا وضع وليد صليبي كتاباً كان جديداً على المنطقة عنوانه <نعم للمقاومة - لا للعنف>. في اللاعنف مقاومة!

ــ وهل نستطيع أن نجزم بأن الوسائل العادلة تؤدّي دائما إلى نتائج عادلة؟

- طبعا. يقول المهاتما غاندي إن الوسيلة والغاية واحد. هما مترابطتان ترابط الشجرة بالبذرة. كما البذرة تكون الشجرة. لا يمكن أن تكون الغاية نبيلة فيما الأسلوب عكس ذلك. عشرات الشعوب خاضت وابتدعت نضالات لاعنفية وقد وُثِّقت تجاربها هذه في كتب، لكننا لا نطّلع سوى على تاريخ الحروب التي يعلّموننا إياها! فقد التصقت صورة البطل بالبَطش. حتى كلمة <الشجاعة> بتنا نفهمها وفق الثقافة التقليدية المعمّمة، التي تشوّه المفاهيم بهدف تمجيد العنف. قد تكمن الشجاعة في <محبة العدو>، فاستمر في مواجهته وفي التواصل معه للوصول إلى العدالة. أنا لست ضده كإنسان. أنا ضد ظلمه، لذا علي أن أجد الأسلوب الذي يعيده إلى ضميره. ما لم نفكر بهذه الطريقة، لن تنفك تصرفاتنا تدور في دائرة العنف والانتقام.

ــ لكنه مسار صعب جدا ويتطلب الكثير من العمل على الذات!

- هذا صحيح، وهو يحتاج إلى الكثير من الجرأة والشجاعة أيضاً، لأنكِ في المواجهة اللاعنفية لا تملكين أي أداة. أنتِ هي الأداة. أنت هي القوة. أنتِ تبتكرين الوسائل والطّرق للوصول إلى الهدف المنشود، بأسلوب لاعنفي.

ــ ولكن يا دكتورة أوغاريت إسمحي لي أن أعبّر عن <ضياعي> كأم (وكثيرات مثلي أظن)، ما بين مفهومَين: المفهوم اللاعنفي الذي يجعلني أحثّ ولدي على عدم رد الأذية بفعلٍ مماثل، ومفهوم المعاملة بالمِثل بحيث أشجّعه على ردّ الصاع صاعين!

- ما تقولينه واقعي وطبيعي، لأن ما من أحد علّمنا <كيف> نعالج نزاعاتنا. <علّمونا كيف نِمسك القلم ونِكتب، بس ما علمونا كيف نِمسك هالنزاع ونْحِلّو!>. ضياعك نابع من عدم امتلاكك الأدوات لحل هكذا معضلة، علماً أن الطفل نفسه يقودك أحياناً إلى الطريق الصحيح. هو يبتكر الوسيلة اللاعنفية لحل النزاع. يكفي أن تجعليه يفكّر في ذلك. أذكر، في هذا السياق، أنني كنت أدرّب تلامذة الابتدائي على حل النزاعات باللاعنف في منتصف الثمانينات. في أحد الصفوف، واجهنا مشكلة مع تلميذ يمارس العنف باستمرار على رفاقه. حثثنا هؤلاء على إيجاد حل لردعه عن القيام بتصرفاته العدوانية. راحوا يقترحون حلولاً استنسخوها من الكبار: <نضربه، نقاصصه...>، فقالت لهم المعلمة: <نحن هنا لنفكر بحلول سلمية لاعنفية. فكروا جيداً>. إقترح أحد رفاقه في الصف أن يعطوه فرصة بعدما يفسرون له أن أفعاله تؤذيهم، لربما لم ينتبه هو إلى الأذية التي يسببها لهم. لكن بعد إعطائه فرصتين متتاليتين، ظل الولد يضرب رفاقه في الملعب، فكان أن اقترح أحدهم، بعد تفكير، أن يقاطعوه. حين جاء وقت الاستراحة، حاول هذا الطفل أن يلعب مع رفاقه لكنه لم يلق منهم تجاوباً، <فاختنق>. عاد إلى الصف بعد الفرصة وقال لمعلمته: <أريد أن أتغيّر>.

ــ دفعوه إلى إعادة النظر في سلوكيته...

- <كيف لكان!> اللاعنف يراهن على ضمير الإنسان. ما من إنسان إلا ولديه ضمير!

ــ هناك إذاً استراتيجيات وتكتيكات معيّنة لتحقيق مفهوم اللاعنف، بحيث نصل إلى تغيير إجتماعي من دون استخدام أي مظهر من مظاهر القوة، بمفهومها التقليدي؟

- طبعا! هناك مئات الطرق والتكتيكات، ونحن في <أونور> ندرّس طلابنا ثلاثمئة منها! بإمكاننا أن نصل إلى الهدف المنشود من دون استخدام أي وسيلة من وسائل القوة والسلطوية والعنف، والأمثلة على ذلك كثيرة، أبرزها المهاتما غاندي، رجل الثورة السلمية التي أدت إلى استقلال الهند عن بريطانيا.

ــ أوف. يا لها من صعوبة C’est dur!

- بل يا لها من قوة C’est fort! من لم يتدرب على ذلك يحتاج إلى الكثير من القوة لبناء مفهوم اللاعنف، لكن حين تكتسبين هذه <الممارسة>، ستعطيكي مناعة طويلة الأمد. هي ليست ممارسة آنية بل تتّسم بالديمومة. خذي التربية، مثلا: يبكي الطفل، نصفعه، فيصمت. عندها نصل إلى الخلاصة التالية: <سَكَت، فإذاً العنف بينفع>! لكن الحقيقة هي أن الخوف أسكت الطفل وليس القناعة، وهو بالتالي سيعيد سلوكه هذا.

اللاعنف في صلب المناهج!

ــ لا بد <للتمرين> اللاعنفي أن يبدأ في الصغر، في مدارسنا!

- صحيح، لذا وقّعنا اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم العالي لإدخال ثقافة اللاعنف في صلب تعديل المناهج التربوية التي هي في صدد تحديثها، وذلك من خلال مواد تبني مناعة ذاتية في النفوس والعقول، تُدرَّس من الروضة وحتى الثانوي لكل الصفوف في المدارس الخاصة والرسمية، وذلك بعد تدريب الأساتذة والإدارة التربوية. <هيدي بسمّوها ثورة>. خطوة انبهرت بها منظمة <اليونسكو> في باريس، واصفةً إياها بالفريدة. فالتربية هي أضخم ثورة، أضخم من الثورات السياسية، <لأن بتعطيكي شي ما حدا بِعود فيه يشلّحك ياه>. حين تكتسبين فكرة قوية، لن يعود باستطاعة أحد انتزاعها منكِ. بإمكانهم ان ينتزعوا السلاح من يدك، أن يقطعوا عليك الطريق، أن يدمروا مدينة بكاملها... لكن لن يستطيعوا انتزاع ما زُرع في داخلك من أفكار وقناعات.

ــ وهل يمكننا تطبيق أساليب اللاعنف في مجتمع يسود فيه مبدأ <إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب>؟!

- <في شي مية متل لو منحطّن بالخزانة ومنقفل علين>. لو نرميها جانبا إلى ما لا عودة ونعترف بندمنا عليها، كما اعترفت مؤسسات كبيرة باقترافها أخطاء فادحة يوم شنّت حروبا، أو كما يعتذر بعض الأهل من ابنائهم بعد استعمال كل أنواع العنف والسلطوية معهم. من الضروري أن تُنقّي المجتمعات نفسها، كل فترة من الزمن، من مفرداتها وأفكارها ومناهجها التربوية وأغنياتها... لا يجوز تبرير العنف، بمعنى أنه عليّ أن أكون ذئبا كي لا تأكلني الذئاب! يقول تولستوي إنّ ارتكاب خطأ هو فعل بشريّ، أما تبرير الخطأ فهو في صميم العنف!

ــ يُقال أيضاً إن فاقد الشيء لا يعطيه، ومَن بداخله سلام يعطي سلاماً. من هنا سؤالي عن الطلاب الذين ينضمّون إلى جامعة اللاعنف وحقوق الانسان. من هم هؤلاء؟ وهل يخضعون لعملية إعادة تأهيل ذاتية تنقّيهم من <وَحلهم> البشري ومن أفكارهم المغلوطة؟

- هم أشخاص يأتون من ميادين وخلفيات عديدة، وهذا طبيعي إذ ما من أحد تخصص في مجال اللاعنف وحقوق الإنسان من قبل. منهم من كان مقتنعاً بأنواع معينة من العنف لكنهم بدّلوا من قناعاتهم هذه حين اكتشفوا ما اكتشفوه هنا. هناك، في كل مادة يأخذونها، جزء مرتبط بإعادة تأهيل الذات اياً كان الاختصاص الذي اختاروه: التربية، المسرح، ادارة المجتمع المدني، حقوق الانسان، اللاعنف والأديان، الوساطة، الاعلام والتواصل اللاعنفي، الخ... عملية إعادة التأهيل هذه هي في صلب عملي مع الدكتور صلَيبي منذ أكثر من ثلاثين سنة. فقد أوجدنا، في بداية الثمانينات، أول مركز تدريب على حقوق الانسان، اللاعنف، اللاطائفية، حل النزاعات، إلخ. في تلك الحقبة، كانت هذه مفاهيم جديدة. آلاف الأشخاص تدرّبوا في تلك المراكز وتحوّلوا، بدورهم، إلى أداة تغيير في بيئتهم. <أونور> أتت تتويجاً لهذا المسار الطويل، بحيث لم يعد الأمر يقتصر على دورة تدريبية، بل بات هناك تخصص قائم في ذاته، يدرس فيه الطالب خمسمئة وخمسين ساعة ويكتب خمسة عشر بحثا صغيراً وأطروحة. هي مواد وصفوف تطبيقية عملية تفاعلية، لذا نُصر على الأعداد الصغيرة في كل صف، كما وندقق جداً في اختيار الأساتذة بحيث يكونون لاعنفيين ولاطائفيين قبل أي شيء آخر.

ــ ليتَكم تدرّبون البرلمانيين اللبنانيين على اللاعنف اللفظي، لعلّهم يرحمون آذاننا!

- الجميع يردد هذا التمني ويقولون لنا <روحوا دربوهن شوي>. هناك منظمة عالمية تعمل منذ عشرات السنين على تدريب البرلمانيين، في جميع أنحاء العالم، على القوانين ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلخ. نحن، بالفعل، بصدد التعاون معها لتدريب البرلمانيين اللبنانيين ما إن أمكن ذلك...

ــ دكتورة أوغاريت سؤال أخير (مُرغمة!): هل يمكن أن تكون النزعة إلى العنف وراثية؟ أعني هل هي جينيّة؟

- كلا، لا علاقة للجينات في مسألة العنف، وهو أمر شدّد عليه مئة وثلاثون عالما اجتمعوا في إشبيليا (في إسبانيا) العام 1986. فقد أكدوا، في ما لا يقبل الشك، أن لا علاقة للبيولوجيا بالنزعة العنفية، وأن الأمر يتوقف على التربية والتنشئة والبيئة التي تغلّب لدى المرء هذا الجانب أو ذاك. هـــــذا معنــــاه أن الأمل موجود ومؤكد، إذ ما من سلوك بشــــري إلا ويمكن للتربيــــة والتدرّب أن يؤثرا فيه ويغيراه!

 

<وجدت هويّتي في أونور>!

يقول مازن أبو حمدان، أحد طلاب <أونور> الحاليين، إن الكلية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان ساعدته على مستويين: <مستوى شخصي قِيَمي وجودي مرتبط بقناعاتي الكبرى وبمواقفي من مسائل مختلفة، كالطائفية والعنف والنزاعات، إلخ. ومستوى عملي جعلني أكتسب مهارات شكّلت لي جسر عبور إلى سوق العمل>. أضاف أبو حمدان: <المستوى الأول، أي الوجداني، حرّرني كإنسان وجعلني أجد هويتي الحقيقية. فلطالما تمنّيت أن أعمل في مجال حقوق الإنسان فيما أراد أهلي أن أدرس الهندسة، <فما كان بدي زعّلن>. تخصصت في الهندسة لمدة تتعدى السنتين، لكن حين التحقت بـ<أونور> للحصول على ماستر في فلسفة اللاعنف وحقوق الإنسان وجدت هويتي الأصلية، وها أنا اليوم أعمل في المجال الذي أحب كمدير قسم بناء السلام والحَوكمة الرشيدة في منظّمة ميرسي كوربس Mercy Corps. وجدت حقيقتي التي كنت أبحث عنها يوم رحت أتساءل: إلامَ نحن بحاجة أكثر في الوطن العربي، إلى حديد وباطون (بالإشارة إلى اختصاص الهندسة) أم إلى أشخاص يناهضون العنف والطائفية، وما شابه ذلك من آفات، فيعملون على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان؟>. أبو حمدان أثنى على الدروس والمهارات التي تعلمها في <أونور>، لا سيما وأن للجامعة علاقات مميزة مع مناضلين ومفكرين عالميين في مجال اللاعنف وحقوق الإنسان، مما جعله يستفيد من المسارات الفكرية والنضالية لأساتذة أتوا من إسبانيا وهولندا وفرنسا وأميركا... بالإضافة إلى اللبنانيين والعرب طبعا.

 

<مش كيس تشيبس!>

الطالبة إميلي قسيس، التي التحقت حديثاً بـ<أونور> بعد تجربة غنية في مجال التعليم تمتد على طول ثمانية عشر عاماً وجدت، بدورها المكان الذي كانت تبحث عنه منذ سنوات. تقول قسيس، وهي اليوم مدرّسة لغة عربية ومنسّقة في المدرسة اللبنانية-الألمانية في جونيه، إن العمل الاجتماعي يراودها منذ سنوات، لاسيما بعدما رأت كيف أن العنف متفش في مختلف المدارس، وعلى مختلف المستويات: بين الطلاب أنفسهم، بين الطلاب والأساتذة، بين الأساتذة أنفسهم، بين الأهل وإدارة المدرسة وبين الأساتذة والإدارة، حتى بات الجو مسموماً. تقول قسيس: <مــــــن الطبيعــــــي أن أنطلق بالعمـــــــل الإصلاحــــي مـــــن البيئة التي أعـــــــمل فيهــــــا أي مـــــن مـــــدرستي، لأخـــــرج بعدهــــــا إلى الدائرة الأوسع، إلى المجتمع. <أونور> هو المكان <اللي رح  يْشَدشِدني> ويصقل الوزنات التي أملكها من ناحية حس العدالة، نبذ العنف، إبتكار حلول إيجابية للنزاعات، إلخ. فالمــــواد التي ندرسهــــــا تجعلك تعيديـــــــن النظـــــــر في نفسك وفي تصرفاتك. هي مسألة تدريب وتمرين. خُلقنا جميعاً لاعنفيين لكن المجتمع يحوّلنا إلى ناس عنفيين>. وعن ثقافة اللاعنف التي يتم تدريسها في الجامعة، لفتت إلى أن أهميتها تكمن في ديمومتها وفي استمراريتها على المدى البعيد. <العنف، تقول قسيس، كـ<كيس التشيبس> الذي تعطينه للطفل كي يسكت. قد يكون مفعوله سريعاً، إلا أنه آنٍ ولا يحل المشكلة، مما سيجعلها تظهر من جديد!>.