اتخذ مطار بيروت الدولي اجراءات احترازية لمواجهة فيروس «ايبولا»، اذ تم تزويد مركز الحجر الصحي في المطار باسماء المسافرين القادمين من الدول الآتية: غينيا، سيراليون، ليبيريا لاتخاذ الاجراءات اللازمة لئلا تنتقل العدوى الى اللبنانيين الذين اصيبوا بالهلع والخوف... وسبق ان اتخذت مثل هذه الاجراءات مع موجة الخوف التي اجتاحت معظم دول العالم لمواجهة فيروس «اتش 1 ان 1» وفيروس «كورونا»... ولكن لفيروس «ايبولا» خطورة شديدة اذ لا علاج له، ويودي بحياة المصاب وقلائل يعيشون بعد اصابتهم بهذا الفيروس.
إن فيروس «ايبولا» هو مرض فيروسي خطير يصيب الانسان وبعض انواع القرود وهو معدٍ، اذ اكتشف لاول مرة في العام 1976، ومنذ ذلك الوقت، ظهرت منه انواع مختلفة مسببة اوبئة تكون نسبة الوفيات فيها من 50 الى 90 في المئة في كل من زائير، الغابون، اوغندا، والسودان. لقد اكتشف في بلدة تقع على طرف غابة تسمى «كيكويت» في زائير. كان هناك بائع فحم نباتي يعد فحمه النباتي في عمق الغابة ويحزمه ويحمله على رأسه الى «كيكويت»، ففي 6 كانون الثاني (يناير) 1995 شعر الرجل بانه مريض فوقع على الارض مرتين وهو في طريقه من الغابة الى البيت، وعندما وصل قال انه مصاب بصداع وحمى. وفي خلال الايام القليلة التالية، تدهورت حالته. وفي 12 كانون الثاني (يناير) حملته عائلته الى مستشفى «كيكويت» العام، وهناك ازدادت حالته سوءاً وابتدأ يتقيأ، وكان الدم يتدفق بشكل يتعذر ضبطه من انفه واذنيه، ثم توفي في 15 من الشهر نفسه.
وسرعان ما أصبح آخرون من عائلته ممن لمسوا جسده مرضى اذ اصيبوا به ايضاً. وبحلول شهر آذار (مارس)، مات اثنا عشر فرداً من اقربائه المقربين. وفي اواسط شهر نيسان (ابريل)، بدأت هيئة العاملين في المستشفى وآخرون يمرضون ويموتون مثل الرجل وعائلته، وبسرعة انتشر المرض الى بلدتين اخريين في المنطقة واصبح طلب المساعدة محتماً.
وقام احد العلماء بجمع عينات من دم المرضى وأرسلها الى مراكز مكافحة الامراض في «أطلنطا» الأميركية، ووجد ان المرض هو «ايبولا». ومع استغاثة «كيكويت» تجاوب المجتمع الدولي وبدأ التبرع بالمال والمعدات الطبية، واستقلت فرق الباحثين الطائرات من اوروبا، جنوب افريقيا، والولايات المتحدة حيث كان لمجيئهم هدفان: الاول هو المساعدة على ضبط تفشي المرض. والهدف الثاني هو اكتشاف مقر اقامة الفيروس.
اللف... بالشراشف
وللمساعدة على ايقاف الوباء، قام العمال في حقل الصحة بالبحث في كل شارع للعثور على اي شخص تبدو عليه اعراض المرض. وكان المريض ينقل الى المستشفى، حيث يمكن ان يوضع في حجر صحي ويعتنى به بشكل آمن، والذين يموتون كانوا يلفون بشراشف بلاستيكية ويدفنون فوراً. وقد شنت حملة واسعة لتزويد عمال العناية الصحية والناس عموماً بمعلومات دقيقة عن المرض.
ولأن الفيروس فتاك جداً مما جعل العلماء في «اطلنطا» يدرسونه في مختبر شديد الامان مبني بجهاز تهوية يمنع تسرب اي ميكروب ينتقل بالهواء. وقبل دخول المختبر يرتدي العلماء بزات فضاء واقية ويستحمون بالمطهرات عندما يغادرون. وكان الاطباء الذين وفدوا الى «كيكويت» قد حملوا معهم ملابس وقائية وقفازات وقبعات ترمى بعد استعمالها، ونظارات واقية وبدلات خصوصية تغطي الجسم كله فلا يخترقها الفيروس، وبالمقارنة افتقر معظم سكان «كيكويت» الى المعدات والمعرفة لحماية انفسهم، وخاطر آخرون بحياتهم او خسروها عمداً بسبب الاعتناء باحبائهم المرضى وكانت النتيجة خسائر فادحة في الارواح حيث اباد الفيروس عائلات بكاملها.
لقد سبق ان شاركت منظمة الصحة العالمية في مكافحة جميع فاشيات «الايبولا» التي اندلعت في الماضي من خلال توفير الخبرات والوثائق اللازمة لدعم الاضطلاع بانشطة التحقيق في المرض ومكافحته. واعدت المنظمة مذكرة عن الاحتياطات المعيارية في مجال تقديم الرعاية الصحية، وهي احتياطات يقصد بها الحد من مخاطر مسببات الامراض المنقولة بالدم وغيرها من مسببات المرض. ومن شأن هذه الاحتياطات اذا ما طبقت عالمياً ان تساعد على منع سريان معظم حالات العدوى الناجمة عن التعرض عن ملامسة دماء المرضى وسوائل اجسامهم. ويوصى بمراعاة هذه الاحتياطات لدى رعاية جميع المرضى ومعالجتهم. وتتضمن هذه الاحتياطات: تأمين المستوى الاساسي من مكافحة العدوى، نظافة اليدين، استخدام معدات الحماية الشخصية تجنباً لملامسة الدماء وسوائل الجسم مباشرة، والوقاية من وخز الابر والاصابات الناجمة عن آلات حادة اخرى.
الدكتور مخباط و«ايبولا»
فما هي العوارض التي تظهر عند التقاط فيروس «ايبولا»؟ وماذا عن طرق انتقال هذه العدوى؟ وهل من علاج؟ وغيرها من الاسئلة اجاب عنها الدكتور جاك مخباط الاختصاصي بالامراض الجرثومية في حديثه مع «الافكار»، وسألناه بداية عن منشأ فيروس «ايبولا»، فقال:
- لقد ظهر فيروس «ايبولا» للمرة الاولى في العام 1976 في شمال الكونغو وجنوب السودان اذ كان هناك بعض الحالات، ولكن قبل ذلك لم نكن نعلم بهذا الفيروس اذ كانت تحدث اصابات كل سنة او كل سنتين، كما ان الفيروس كان مقتصراً في شرق ووسط افريقيا ولكن للمرة الاولى يظهر الآن الفيروس في غرب افريقيا.ان فيروس «ايبولا» موجود في الطبيعة، ينتقل في الاساس من الوطواط ــ تحديداً الوطواط الافريقي ــ الى الانسان اذ هناك نوع من الوطاويط في افريقيا يحمل هذا الفيروس، كما ان الانسان قد يلتقط هذا الفيروس من السعدان ومن بعض انواع الغزلان.
ــ هل هناك انواع من «ايبولا» في افريقيا؟
- هناك ثلاثة انواع في افريقيا وهي تنتقل الى الانسان، واحد هذه الانواع ينتقل من السعدان الى الانسان، وتجدر الاشارة هنا الى ان الفيلم الاميركي «Out break» قد تطرق الى قصة انتقال فيروس «ايبولا» من افريقيا الى اميركا بواسطة احد المسافرين الذي اصطحب معه السعدان، ولكن في الحقيقة لم ينتشر هناك اي وباء. وظهر الفيروس في الفيليبين وهو من النوع الذي ينتقل من انسان الى آخر ولكن لم يسبب وفيات عند الناس. اذاً ثلاثة انواع من «الايبولا» تنتقل الى الانسان وتسبب الموت. وهذه الانواع موجودة في افريقيا الاستوائية، ولغاية الآن لم يحدث انتقال للمرض وهو محصور في افريقيا ونعرف ان هذا الفيروس ينتقل من الحيوان الى الانسان.
وتابع قائلاً:
- اما كيف ينتقل من الحيوان الى الانسان فيكون ذلك على الشكل الآتي: اذا تشارك الانسان والحيوان بالطعام من الصحن نفسه او الملعقة، او اذ تلطخ الانسان من دم الحيوان الحامل فيروس «ايبولا» او من خلال ملامسة افرازات الحيوان او الجلد لا سيما اذا كان هناك جرح ما فتنتقل العدوى من الحيوان الى الانسان. وما ان يحدث ذلك تنتقل العدوى من الشخص المصاب الى شخص آخر. ولهذا يصار الى توجيه الجسم الطبي والتمريضي في كل مكان خصوصاً اذا حدث احتكاك وملامسة بالدم او الافرازات عبر الجلد، كما تنتقل العدوى عبر الرذاذ او السعال واذا كان هناك تقرحات في الجلد فعندها قد تنتقل العدوى من المصاب الى الجسم الطبي اذا لم يتقيد بالارشادات والنصائح الوقائية. وهناك امر يجب التنبه له انه في حال توفي الشخص المصاب بفيروس «ايبولا» لا يجب غسل الجثة لأن العدوى تنتقل منه الى الشخص الذي يقوم بغسله اذا كان هناك جروح وما شابه، ولكن اذا كان لا بد من غسل الجثة فيجب ان يتنبه الشخص كثيراً لئلا تنتقل العدوى اليه. اذاً هذه الطرق التي ينتقل فيها الفيروس من انسان مصاب الى انسان سليم.
ــ وهل تظهر العوارض عند الشخص لدى التقاطه الفيروس؟ وما هي هذه العوارض؟
- عندما يلتقط الشخص الفيروس، تظهر العوارض بعد ثلاثة ايام ولكن هناك حالات لا تظهر العوارض فيها الا بعد اسابيع وهذا ما يدعو الى القلق والخوف اذ قد يكون الشخص قد اصيب به وينتقل من بلد الى اخر ويختلط مع الناس دون ان يعرف بانه مصاب وبذلك تنتقل العدوى الى المحيطين منه دون ان يعلموا بذلك مما يسبب انتشار الفيروس. وكما هو معروف ان نسبة عالية من الناس الذين يصابون بهذا الفيروس يموتون بعد ثلاثة او خمسة ايام اذ تتراوح هذه النسبة ما بين 80 و 90 في المئة، ولكن القلائل قد يبقون على قيد الحياة بعد الاصابة.
وأضاف:
- اما العوارض فهي: تبدأ العوارض بوجع في الرأس، ارتفاع الحرارة، السعال، ويحدث وهن في العضلات، اي عوارض الاصابة بالامراض الالتهابية، ولهذا قد يختلط الامر على المصاب او المحيطين به، ولكن من العوارض ايضاً حدوث نزيف اذ يخرج الدم من الاذن او الفم او في مكان الحقنة، كما تحصل حالة جفاف لان الحرارة المرتفعة تسبب الجفاف وهبوط في الضغط.
ــ هل من علاج لفيروس «ايبولا»؟
- ليس هناك علاج لهذا الفيروس، الا ان العلاج الوحيد الذي قد يساعد وان كان لبضعة ايام هو حقن المصاب بالمصل والدم،اذ قد يعيش لبعض الوقت ولكن ليس له علاج. تجرى اليوم ابحاث ودراسات للوصول الى العلاج الشافي ولكن ما يحدث ان هذا المرض يعتبر مرضاً يتيماً لان حالات الاصابة بهذا الفيروس قليلة لانه عادة يتم تطويق المرض في الاماكن التي اصيب بها الناس، ولهذا لا تقوم شركات الادوية ومراكز الابحاث والجامعات بالتركيز على هذا الفيروس لانه ليس له تأثير كبير على الصحة العالمية كما هو الحال مع بعض الفيروسات التي تصيب الانسان في العالم، لانه كما ذكرت ان فيروس «ايبولا» محصور في بعض بلدان افريقيا وعدد الاصابة به قليل.
ــ هل من طرق وقائية لتجنب انتقال العدوى من الشخص المصاب الى الاشخاص المحيطين به؟
- في حال تم التأكد من اصابة الشخص بفيروس «ايبولا» أو كان مشكوكاً بحالته يجب الا يكون هناك اي ملامسة بينه وبين شخص آخر خصوصاً من ناحية الافرازات والدم. اما الطرق الوقائية فهي: الوقاية بالتنفس اي وضع الكمامة والنظارات الوقائية وهذا الامر يجب ان يتقيد به الجسم الطبي والتمريضي بالدرجة الاولى لئلا تنتقل العدوى اليه، كما يجب اعتماد القفازات الواقية واللباس الواقي لمنع انتقال العدوى الى اشخاص محيطين بالمصاب سواء الجسم الطبي او الاهل وغيرهم. وكما سبق ان ذكرنا في سياق الحديث عن ضرورة التنبه اثناء غسل جثة الانسان المصاب بفيروس «ايبولا» الا وهو اعتماد القفازات والنظارات الواقية واللباس الواقي الى ما هنالك.
ــ يشعر اللبنانيون بالخوف والقلق من ان يصل فيروس «ايبولا» من خلال المسافرين القادمين من الدول الافريقية وتحديداً أولئك الذين ظهرت عندهم حالات اصابة بهذا الفيروس، فهل الاجراءات التي اتخذت كافية لعدم انتقال العدوى اليهم؟
- لقد اعتمدت وزارة الصحة في لبنان كما العديد من بلدان العالم التدابير اللازمة لئلا تنتقل العدوى الى الناس عبر المسافرين القادمين من البلدان التي حدثت فيها اصابات بفيروس «ايبولا». وهذه الاجراءات تقتضي بتسجيل اسماء المسافرين القادمين من البلدان التي ظهرت فيها اصابات بهذا الفيروس، وايضاً تدوين البلدان التي سيتوجهون اليها لكي نظل على اتصال معهم في حال ظهرت عوارض المرض او شعروا بالمرض. بالنسبة الينا في لبنان، اتخذ الجسم الطبي في المطار الاجراءات اللازمة في هذا الخصوص كما حصل عندما انتشر فيروس «اتش 1 ان 1» في بعض بلدان العالم. اذ يمكن القول ان الجسم الطبي مجهز ومتدرب لمواجهة هذا النوع من الفيروسات التي تنتقل عبر المسافرين.
ويتابع:
- عندما يصل شخص من أحد البلدان الافريقية التي ظهرت فيها حالات اصابة بـ«ايبولا» يجب ان يتم عزله عن الناس في حال تبين انه مصاب بالفيروس كما يجب تنبيه افراد العائلة في حال كان مصاباً بهذا الفيروس. واذا لم يكن الشخص مصاباً به، نزوده بارقامنا لكي يتصل بنا باي وقت يشعر فيه بالعوارض التي ذكرناها لكي تتخذ الاجراءات اللازمة تفادياً لانتقال العدوى الى اناس آخرين سواء من افراد اسرته او اصدقائه الى ما هنالك.
ونأمل ان يتنبه الناس وان يتقيد الجميع بالنصائح الوقائية سواء في المنزل اذا اتى احد افراد عائلته من البلدان التي ظهرت فيها اصابات بـ«ايبولا». وايضاً على الجسم الطبي ان يتخذ كل التدابير اللازمة حفاظاً على صحته وسلامته وان يعتمد الطرق الوقائية الكلاسيكية التي سبق ان اعتمدها عندما بدأ انتشار فيروس «اتش 1 ان 1» في بعض بلدان العالم وغيرها من الفيروسات، وطبعاً غسل اليدين امر جد ضروري ولباس القفازات الوقائية والنظارات الوقائية والكمامة لا بد منها لمواجهة هذا الفيروس اذ قدم الينا من الدول الموبوءة عبر المسافرين.