تفاصيل الخبر

في يومها الـ100..الثورة اللبنانية سلمية ام جرميّة؟

30/01/2020
في يومها الـ100..الثورة اللبنانية سلمية ام جرميّة؟

في يومها الـ100..الثورة اللبنانية سلمية ام جرميّة؟

 

بقلم علي الحسيني

 

 

مع دخول الثورة يومها المئة ونيّف، بدأت تُطرح علامات استفهام كثيرة حول طريقة الاحتجاجات التي تعتمدها والتي تنفذها في الشارع، لاسيما ما نشهده اليوم من احتجاجات متصاعدة في محيط مجلس النواب وما سبقها في شارع الحمرا وساحتي رياضي الصلح والشهداء، وسط ما يرافقها من مظاهر عنف وتكسير وتحطيم لواجهات المصارف والعديد من المحال التجارية. وقد أدت هذه الأفعال الى فتح جدلية واسعة حول مفهوم الثورة في بلدان العالم والنموذج الذي يجب أن تحتذيه خصوصاً في بلد يُعاني من مجموعة أزمات. لكن وعلى النقيض الآخر، هناك من رأى في هذه التحركّات أمراً أكثر من ضروري بل واجب، لمواجهة سلطة سياسية قرّرت صمّ آذانها عن المطالب الشعبية، وادارت ظهرها للجوع والقهر والظلم الذي يُعاني منه جميع اللبنانيين، من دون استثناء، وحتى إنها لم تأخذ بآرائهم وتحديداً في الشق المتعلق بمطالبتهم بحكومة اختصاصيين، إذ بحكومة محاصصة تنضج بين أحزاب السلطة، فتفرض نفسها كأمر واقع مما أدى إلى تفاقم الأمور في الشارع، وعادت معه الأمور إلى ما كان عليه في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

 

من دخل على خط الثورة؟

جدلية واسعة خلّفتها التحركات الاحتجاجية بعد موجة التحطيم والخلع والكسر التي شهدتها العاصمة بيروت على مدى اسبوعين للعديد من واجهات المصارف وسط غضب شعبي عارم، ولجهة المواجهات المحتدمة بين المتظاهرين من جهة والقوى الأمنية من جهة اخرى. والتي ما زالت مستمرة حتى ما بعد تأليف حكومة جديدة. وقد طرحت هذه الأحداث التي يبدو أنها مستمرة وبشكل تصاعدي، مجموعة من الأسئلة حول مفهوم الثورة في لبنان والنموذج الذي يجب أن تحتذيه الثورات في العالم. ولعل أبرز سؤال يُطُرح اليوم هو ما إذا كان ما يحصل فعلاً يخدم الثورة وأهدافها، أم انه يؤدي إلى ضربها وتشرذمها وبالتالي قد يقضى على ما تبقّى من مصداقيتها وذلك وسط اتهامات كثيرة طاولتها، من بينها ولاؤها للخارج والعمل لحساب أجندات إقليمية تستهدف العهد والمقاومة في لبنان.

ولأن المشاهد التي تنقلتها محطات التلفزة للفوضى التي تحتلّ الشوارع والساحات قد أثارت حفيظة أكثرية اللبنانيين، خرج البعض ليقول إن الممارسات هذه لا يُمكن أن تكون من صنيعة الثوّار الذين لم ينفكوا ينادون <سلمية سلمية> منذ 17 تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، ولا يُمكن أن تمت للثورة بصلة. لأن بنظر هؤلاء، من قدّم الورود البيضاء لرجال الامن ومن شارك العسكر مشاعرهم ودموعهم، لا يُمكن أن يرشقهم بحجر، ولا يمكن أن يُحيد عن الهدف الذي رُسم لإسقاط الطبقة الحاكمة. إذاً، فإن هذه الأعمال المستمرة حتى ما بعد وجود حكومة جديدة، هي بحسب هؤلاء جاءت نتيجة تسلّل البعض إلى الثورة لكي يضربوها من الداخل ويُشيطنوها من خلال قيامهم بأعمال تخريبية ومرفوضة في المطلق، بعدما عجزت السلطة عن القيام بهذا الأمر. وبطبيعة الحال، فقد ذهبت الاتهامات إلى جمهوري حركة <أمل> وحزب الله بالوقوف وراء هذه الاعتداءات كرسالة للمصارف وأيضاً لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

حركة <أمل> وحزب الله من جهتهما سارعا إلى التبرؤ من هذه الاعمال، حتى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد ان ما حصل ويحصل مدان ومستنكر باسمي وباسم المجلس النيابي، مصوّباً سهامه في اتجاه الثورة. واليوم وبعد تأليف حكومة جديدة، يرد البعض بسؤال مواجه، هل استمرار المواجهات في الشارع تصب في مصلحة <الحركة> و<الحزب>، علماً ان الثورة نفسها كانت اتهمت هذين الحزبين بأن لهما السلطة المطلقة في تأليف أي حكومة جديدة؟

لن ندفع الثمن!

عند خطوط تجاوزت المئة يوم، الواضح أن الحركات الاحتجاجية التي تتصاعد أحياناً وتنخفض أحياناً أخرى، لا تزال تصرّ على تحقيق المطالب التي رفعتها منذ بداية انطلاق الاحتجاجات وتحديداً مطلب حكومة اختصاصيين مستقلين عن الأحزاب السياسية بعكس ما يرونه في الحكومة الجديدة. وعند هذا الخط وتحت عنوان <لن ندفع الثمن>، تشهد المناطق اللبنانية مسيرات احتجاجية بشكل دائم في محيط مجلس النواب حيث نقطة التجمّع الدائم، بهدف اعادة تسليط الأضواء على مطالب الثورة، ورفع صوت الاحتجاج إزاء المماطلة في تحقيق المطالب الإصلاحية، سيّما بعد تصريح وزير المال غازي وزني بأن لا يُمكن إعادة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه قبل الثورة، أي 1500 ليرة. كل هذه الأمور أدت وعلى مدى اسبوعين، إلى اعتماد صيغة المواجهة بين المتظاهرين والقوى الأمنية على مدى اسبوعين كاملين ومن دون توقّف حيث كانت انطلقت مسيرات سيّارة من مختلف المناطق باتجاه ساحة النجمة، لكن في لحظة جنونية، تتحوّل الأمكنة في ساحة النجمة ووسط بيروت، إلى ساحات مواجهة واشتباك كانت الغلبة فيها للقنابل المسيّلة للدموع و<المولوتوف> والمفرقعات النارية وخراطيم المياه، بالإضافة إلى عمليات العنف والتكسير التي قام بها عدد غير قليل من المتظاهرين.

 

هكذا تقرأ <14 آذار> تحركات الشارع!

 

مصادر بارزة في قوى الرابع عشر من آذار تؤكد أن الاحتجاجات في الشارع والتعبير عن الآراء هو حق مشروع للمحتجين، وحق يكفله الدستور والقانون وفي لبنان تحديداً، فإن من حق الناس أن تُعبّر عن وجعها وعن رفضها للظلم الذي يلحق بها والواقع الذي تعيشه في كنف سلطة فاسدة لا تُجيد غير اقتسام المغانم وتوزيع الحصص في ما بينها، ولكن هذه المسلّمات لا تعني أن نستهدف الأملاك الخاصة والعامة التي يدفع ثمنها المواطن من جيبه، فمصرف لبنان على سبيل المثال ليس ملكاً للحاكم رياض سلامة لكي يُستهدف، إنما للدولة اللبنانية والاعتداء عليه كمن يعتدي على ملكه الخاص، وهذه الأمور تثبت ان هدف الذين كسروا واجهات المصارف، لم يكن بنيّة الاحتجاج والاعتراض على النظام المصرفي والسياسة المالية، بقدر ما هو لمصلحة اجندة مختلفة عن أجندة الثورة الحقيقية لا بل مناقضة من خلال حرف القضية عن جوهرها الى مكان آخر.

وتشير المصادر الى ما ورد في بيان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ازاء الشغب الذي كان حصل اذ اعلن في ساعتها رفضه ان يكون شاهد زور على مهمات مشبوهة يمكن ان تأخذ كل البلد إلى الخراب وهو أوضح ان الحاكم رياض سلامة يتعرض لحملة اقتلاع معروفة الأهداف، وأن الأمر يتعلق بهجمة تستهدف بيروت ودورها كعاصمة ومركز اقتصادي معني بأرزاق جميع اللبنانيين. وترى المصادر أن كل المسؤولية تقع على من جرّ البلاد الى حيث هي من ضمن مخطط ممنهج لإحكام القبضة السياسية عليها ونجح، فتسبب بالأزمة الاقتصادية والمالية التي يقبع تحتها اللبنانيون، وأسهم في اقفال مصارف من اللبناني- الكندي الى جماّل تراست بنك وما بينهما، وحجب المساعدات والهبات الغربية والخليجية عن لبنان وارهق خزينة الدولة بالحروب العبثية وضرب مواسم الاصطياف والسياحة وخلق ما يكفي من اسباب الرعب لـ<تهشيل> المستثمرين من توظيف اموالهم في لبنان، فحوّل لبنان من سويسرا الشرق الى بلد الفساد والمديونية والنفايات والانهيار. وربما المقبل من الأيام سوف نشهد أسوأ من هذا بكثير، خصوصاً وأن هذا الفريق قد تقاسم الحكومة مع حلفائه.

 

<8 آذار> ترد: أنتم وسياساتكم سبب البلاء!

 

في المقابل ترد مصادر <8 آذار> على الاتهامات المُبطّنة والعلنية التي تُوجه اليها من قوى محلية وخارجية، فتشير إلى أن سياسات الحكومات المتعاقبة لاسيما سياسة حكومة الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، هي التي أفقرت الدولة والشعب وهي التي غطّت فساد السياسيين وأصحاب المصارف وهي المسؤولة عن إيصال الدين العام إلى هذا المستوى، وهي المسؤولة عن اختفاء مليارات الدولارات وعمليات الصرف من خارج الموازنات العامة. وهذه الثورة بعد أن كانت في مكان ما، حقّاً مشروعاً للبنانيين للتعبير عن الممارسات التي أوصلتنا اليها سياسة هذه الحكومات، إذ بهؤلاء يحولونها إلى <كبش محرقة> بعد أن حاولوا التسلّق على حقوق مطالبها للنجاة بأنفسهم، لكن الشعب مدرك لمثل هذه المحاولات، وسيظل يُلاحقهم إلى أن يستعيد الحق العام والأموال المنهوبة.

وتضيف: ما حدث ويحدث اليوم في الشارع، هو برأينا تأخر لأن الحريرية السياسية مع من يدعمها ويدفعها الى ارتكاب هذه الأفعال، عرفت كيف ومتى تستنهض وتوقظ الطائفية والمذهبيّة لإنقاذ فسادها من الغضب الشعبيّ، لكن اليوم يبدو أن هذا الغضب قد أصابهم في مقتل، ولذلك يُحاولون أن يُسيّروه ويُسيّروا ثورته على الطريقة التي تُنقذهم، علّهم ينجون من المحاسبة. لكن المؤكد، ان الحساب قريب جداً.

في سلمية الثورة وسلامتها!

لطالما شكّل لبنان واحة للصراعات والتناقضات الغربية والعربية، ولطالما شكّل محوراً مهماً لكسب الأصدقاء ولم شمل الدول لاسيّما العربية. لكن المفارقة اليوم، هي أن لبنان تحوّل إلى بلد منقسم على نفسه، عاجز عن تسليك أموره بنفسه بعد أن وقع في أزمات لا تُعد ولا تُحصى، لاسيما الأزمة الاقتصادية التي أصبحت معياراً للدول البعيدة قبل القريبة، للتحذير من تداعياتها والمخاطر التي سوف تنتج عنها. من هنا خرجت ثورة سلمية عفوية، لا تبغى سوى إصلاح الأمور وإعادة البلاد إلى السكّة الصحيحة، لكنها ووجهت بشراسة الأحزاب وخبث السياسيين. واليوم وبعد مرور أربعة أشهر على قيام هذه الثورة السلميّة بحسب ما يؤكد عليه الشارع، ثمة خوف كبير عليها خصوصاً من تحويل هذه التظاهرات في الأيام المُقبلة إلى حركات غوغائية لتخويف الناس وتخويف بعض الثوار ومنعهم من النزول إلى الشوارع. من هنا يؤكد أحد المنظمين لا المسؤولين كما يوضح، أننا لا ننفك نتوقف عن تحذير الناس من توجيه بعض المندسين إلى الصفوف الأمامية الذين يقومون بتوجيه الإساءات والعبارات النابية للبعض، ويقومون بشتم القوى الأمنية واستفزازها، ورشقها بالحجارة والعبوات الفارغة.

ويقول: لسنا حركة منظمة كما يدّعون، بل نحن حركة احتجاجية عفوية خرجت من رحم المعاناة والذل والقهر، وكنا عبرنا منذ البداية أن استقالة الحريري وحدها ليست كافية ولا تفي بالغرض ولا تُحقق الأهداف التي خرجنا نطالب بها. لسنا نحن المسؤولين عن الأشباح التي تظهر فجأة داخل التحركات ولا عن الأعمال المرفوضة التي تُمارس بحق القوى الأمنية. العلم اللبناني واحد والمطالب واحدة. لا شعارات طائفية أو حزبية تُسمع. وشعار <كلّن يعني كلّن> هو حقيقي، وكثيرون منّا خرجوا من إصطفافاتهم الطائفية والحزبيّة للقول إن زمن الاقتراع <زي ما هي> ولّى إلى غير رجعة، و<المحادل> أوقفناها ولم تعد قادرة على السير كما كانت من قبل. لذلك لن نألوا جهداً في حماية الثورة بأجسادنا وحياتنا، لا تكون مجرد موجة لبعض السياسيين، ولكي لا تتحوّل إلى ثورة جرميّة، والإبقاء عليها سلمية.

 

بيان الثورة بعد المئة يوم!

 

منذ ١٧ تشرين الاول (أكتوبر) ٢٠١٩، واللبنانيون واللبنانيات يواجهون بحزم التحالف السلطوي السياسي والاقتصادي الحاكم منذ أكثر من ثلاثة عقود ويسعون الى إسقاط ومحاسبة الطبقة السياسية بكل أركانها والقائمة على الفساد والبلطجة والطائفية والتبعية للخارج.

طوال مئة يوم ونيّف، حقق اللبنانيون واللبنانيات إنجازات كثيرة، أهمها ان الخوف انتقل من قلب الشعب الى عقول زعماء الطوائف الخائفين على ثرواتهم وزعاماتهم المنتهية.

بخروجهم في ساحات المناطق كافة وفي بيروت نزعت الناس الشرعية عن السلطة، فأسقطت حكومة العجز وورقتها <الإصلاحية> التي أرادت بيع البلاد وتشريع أبوابها للمؤسسات المالية الدولية، ومنعت المجلس النيابي من الانعقاد وأجبرته على التراجع عن إقرار حزمة من القوانين التي كانت تهدف الى تأمين الغطاء القانوني لفساد وزبائنية السلطة السياسية

طوال مئة يوم ونيّف كسر الشعب سطوة ميليشيات السلطة المهيمنة منذ الحرب الأهلية واستعاد الساحات العامة. بوضوح الموقف وثباته كسر الشعب خطوط التماس المدمرة للبلاد والتي أنتجتها الأحزاب الطوائف. وأكد بتمسكه بشعار <كلن يعني كلن> ان الصراع الوحيد والحقيقي اليوم هو بين سلطة متناقضة فيما بينها لكن متراصة في وجه التغيير وغير آبهة بمعاناة الناس وبين الشعب الحر المطالب بدولة قانون واقتصاد عادل.

طوال مئة يوم ونيّف، هولت أحزاب السلطة على اللبنانيات واللبنانيين وحاولت فرزهم طائفياً فردوا بمزيد من التضامن ونبذ الخطاب الطائفي والعنصري وبمزيد من الصلابة والنضال الميداني، ونزفوا دماً فازدادوا عزماً وإرادة على الانتصار، فيما الناس مدركون أن كلفة التراجع هي أكبر من كلفة الصمود، وأن المواجهة مع هذا النظام الطائفي صعبة وقاسية لكنهم سيقاومون من أجل بلاد تليق بأحلامهم!

في يومها الـ١٠٠ ونيّف، تبقى التحركات في كل منطقة وحيّ وشارع ومدرسة ومنزل فعل مقاومة شعبية في وجه قمع السلطة وآخرها إعادة تدوير المحاصصات في الحكومة الجديدة والتي بدأت حكمها بمزيد من الاعتداء على المتظاهرين. وللناس في الساحات والبيوت والجرحى والمعتقلين والمعتقلات كل الحب والتضامن!

لمن فقدوا عيونهم أنتم في عيون الشعب. لشهداء ١٧ تشرين وأسرهم، لا تراجع عن المطالبة بالعدالة لهم ولكل اللبنانيين واللبنانيات.