تفاصيل الخبر

في موسم المدارس: الأبناء يدخلون المدرسة.... والآباء يفلسون!

07/10/2016
في موسم المدارس: الأبناء يدخلون المدرسة.... والآباء يفلسون!

في موسم المدارس: الأبناء يدخلون المدرسة.... والآباء يفلسون!

بقلم طوني بشارة

الاب-عازار---4

مع بداية شهر تشرين الأول/ اكتوبر، أي مع بداية العام الدراسي يعود كل شيء الى مكانه الطبيعي، الكتب الى الحقيبة، الطلاب الى المدارس، والأهل الى المصارف بغية الاستدانة والدفع، وتنتظر الأمهات هذا اليوم بفارغ الصبر لكي يعود الهدوء الى البيت بعد ضجيج دام حوالى ثلاثة أشهر، ولكن ما يلبثن ان يكرهن هذا الهدوء العائد بكلفة باهظة، كلفة لا يعرفها الا الاهل الذين توجسوا طويلاً من هذا الاستحقاق الهابط كالمصيبة على رؤوسهم، فالعودة الى المدارس باتت تتزامن مع موجة من الاعتراضات والتذمر، ليس فقط لغلاء الأقساط بل أيضاً لغلاء الكتب والقرطاسية.

شهرا أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ اكتوبر باتا محطة مثقلة بالمستحقات المتفاقمة عاما بعد عام مع تأزم الوضع المعيشي، فتتجدد معاناة معظم اللبنانيين في كيفية تأمين مدارس لائقة لأولادهم من دون ان يضطروا الى اعلان افلاسهم، واختصار بعض احتياجاتهم بحجة انها غير ضرورية، يحتجون ويتذمرون ولا احد ينصت الى أصواتهم، فباتوا يتقنون الشكوى ولكن من دون فائدة فيعودون ليرضخوا للأمر الواقع دون البحث عن حلول.

سمفونية القسط المدرسي

في لبنان أصبح العلم حكراً على طبقات إجتماعية معينة لأن مجرد دفع القسط بات يعتبر <بريستيجاً> لا تبلغه فئات كثيرة أخرى، فمنذ أعوام والمدرسة الخاصة باتت لفئة معينة، بينما المدرسة الرسمية هي للمهجرين في زمن الحرب ولمهجري المدرسة الخاصة في زمن السلم، فهل يعقل أن يأتي يوم ونترحم به على أيام المدرسة تحت السنديانة وعلى <ألبوم> مدرسي قديم إصفرت صوره في ذاكرتنا؟ ومع اقتراب الموسم الدراسي وانطلاقه في بعض المؤسسات التربوية، تعود <سمفونية> القسط المدرسي وارتفاعه غير المبرر. فمع بدء العام الدراسي، تعلو صرخة الأهالي بشأن قيمة القسط هذا العام الذي يبدو أن حاله حال السلع الاستهلاكية في الأسواق، لا يعرف سقفاً، والمبررات لارتفاعه تكاد لا تقنع أحداً من المواطنين.

عازار واحتساب الزيادة على الأقساط

الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار شرح آلية إحتساب الزيادة على الأقساط المدرسية التي تترتب كل عام، فالمعيار الأساس المعتمد في الموضوع هو القانون 515.

ويوضح قائلاً: «ينظّم القانون 515، الموازنة المدرسية التي تُشكّل أجور المعلمين والموظفين على الاقل 65 بالمئة منها، وكلفة تطوير المدرسة وتجهيزها 35 بالمئة على الاكثر، وفي ضوء الموازنة يتمّ تحديد القسط المدرسي، أي يقسم المبلغ على عدد التلاميذ، مع الاشارة إلى أنّ الادارات، حفاظاً على عدم رفع الأقساط، غالباً ما تُضحّي بجزء من مصاريفها التطويرية».

محسن-لبان-----2زيادة محتملة

ورداً على سؤال: هل بقاء الاقساط على حالها، مطلع العام الدراسي الحالي، يعني حكماً غياب أي زيادة لاحقة خلال العام؟ يجيب عازار محاولاً امتصاص خوف بعض الاهالي: «قد تلجأ المدرسة إلى «فرض زَودة> على الاقساط من دون الاعلان عنها مطلع العام، إذ تُقدم الإدارات موازنتها في 31 كانون الثاني/ يناير إلى وزارة التربية، (في حال أيّ تأخّر تتكبّد غرامة)، بعد موافقة لجنة الاهل وتوقيعها قبل الموعد المحدد. لذلك، بعد تحديد الموازنة تُعيد بعض الادارات تحديد أقساطها بعد الفصل الاول وقد تحتاج إلى رفعها لتغطية مصاريفها، فيما تعمل مدارس أخرى بطريقة مغايرة، حرصاً منها على عدم مفاجأة الأهل منتصف العام، فترفع أقساطها منذ مطلع العام آخذة في الحسبان مصاريفها تقديرياً، وفي حال لم تبرّر الموازنة القسط، تُجبر الإدارات على إعادة جزء من كلفة الاقساط إلى الاهل».

 

عازار والقسط المبرر قانوناً

ويتابع عازار: «لهذا السبب تنبّه المشترع للأمر، وحدّد أنّ أول قسط من العام الدراسي يجب أن يشكّل 30 بالمئة من القسط العام للسنة الدراسية المنصرمة، فضمن بذلك أنّ المدرسة لا تأخذ قسطاً عشوائياً إنما ضمن القانون، على سبيل المثال، إذا إفترضنا أنّ القسط هذا العام 6 ملايين ليرة، فيما العام المنصرم كان 4 ملايين، فالقسط الاول من هذا العام يجب أن يكون 30 بالمئة من قسط السنة الماضية>.

عازار والعوامل المؤدية الى ارتفاع الأسعار

الأب عازار اعتبر أن <الزيادات على الاقساط المدرسية تفرضها عوامل كثيرة، منها ما يقع ضمن مسؤولية الدولة على غرار ما يجري في سلسلة الرتب والرواتب، إضافة الى الدرجات التي ينالها المعلمون سنويا>، موضحا أنه <يحق للمعلم كل سنة درجة عادية ومبلغ مالي محدد مسبقا، يبقى خاضعا للزيادة بحسب الدرجات التي ينالها كل عام>، لافتاً إلى أنه <يحق لمدير المدرسة إعطاء درجات استثنائية لبعض الأساتذة، ما يحتّم أعباء إضافية على ميزانية المدرسة، وبالتالي يتأثر القسط المدرسي>، مشيرا إلى أنه <يحق للأستاذ في الملاك أن يطالب بزودة على راتبه، ولكنها لا تحتسب ضمن صندوق التعويضات>.

طلاب-مدارس-------3التجهيزات والزيادة على الأقساط

ويتابع الأب عازار:

- أما التجهيزات المدرسية التي تواكب تطور القطاع التعليمي واساليبه، فهي <حتما تفرض زيادة على الأقساط، وميزة التعليم في المؤسسات التي تحترم نفسها أنها تماشي التطور>، مشيرا إلى أنه <يجب على الأهالي أن يتنبهوا إلى هذا الأمر وأن يتفهموا سبب ارتفاع الأقساط المدرسية>، لافتا، إلى أن <المدرسة تضطر في بعض الأحيان إلى تحميل صفوف الروضة أعباء التكاليف المرتفعة للصفوف الثانوية>.

من يدعم أقساط المدارس الخاصة؟

<إن المدرسة تستطيع القيام بحسومات معينة من صندوقها الخاص، في حال كان معيل العائلة مريضا أو مسجونا أو متوفيا، بالإضافة إلى مساعدات تقدم إلى رئاسة المدرسة لتبني تلاميذ وتخصيص مساعدات مالية يتم تقسيمها على التلاميذ، كما ان هناك جمعيات تكون على اتصال مع المدارس وتتحمل مسؤولية عدد من الأولاد، بالإضافة إلى وجود مبادرات خاصة ومبادرة للأمانة العامة أطلقها الاب مروان تابت حيث انشأ مؤسسة لدعم التعليم بمشاركة من الأهل، إذ يتم تخصيص بطاقة حسم معين على أقساط التلاميذ ولخدمة الصندوق>.

 

1800 دولار «أوتوكار»!

أمّا عن ارتفاع كلفة النقليّات على سبيل المثال من منطقة الى أخرى داخل بيروت حيث تصل كلفة «الاوتوكار> لإحدى المدارس إلى 1800 دولار سنوياً، يتوقف الأب عازار عند جملة أسباب تؤثر في رفع التكاليف قائلاً: «أولاً بعض المدارس يلجأ إلى تلزيم عملية النقل لأشخاص أو لشركات خاصة، ممّا يضاعف الكلفة، ثانياً إحتمال ارتفاع أجور السائقين، ثالثاً تجهيز الباصات، رابعاً إرتباط النقليات بأسعار المحروقات المتقلبة>، مؤكّداً غياب «آلية تضبط كلفة النقليات، ولاسيما أنّ القانون يقف عند حدود عدم إلزام الإدارات لتلامذتها باستخدام باصات المدرسة». ويرفض عازار اعتبار أنّ «الإدارات تتحكّم بأعناق الاهالي»، قائلاً: «اختيار المدرسة حرّ، فأمام الاهل قائمة طويلة من الخيارات، ولدينا نحو 335 مدرسة كاثوليكية، وتضمّ نحو 190 ألف تلميذ».

 

سلهب وسياسة التقشف

نترك الاب عازار وتبريراته لكيفية احتساب القسط المدرسي لنلتقي بالعديد من الأهالي الذين اعلنوا عن اهتمامهم بدفع القسط الأول وتكلفة الكتب والقرطاسية دون النظر اطلاقاً الى الحقائب المدرسية التي باتت بالنسبة لهم ولأولادهم بمنزلة أمر ثانوي لا قيمة له. ففاديا سلهب أم لثلاثة أولاد أعلمتنا بأنها اعتمدت وزوجها ما يمكن تسميته بسياسة التقشف طيلة فترة الصيف بغية تأمين تكلفة القرطاسية والكتب وقسم من الدفعة الأولى لقسط أولادها الثلاثة موضحة ان القرطاسية للولد الواحد تبلغ قيمتها 225 دولاراً وكذلك الامر بالنسبة للتسجيل، اما الدفعة الأولى فحدث بلا حرج 800 دولار عن كل ولد علما ان القسط مقسم الى 4 دفعات، فبعملية حسابية بسيطة دفعت مع بداية شهر تشرين الأول/ اكتوبر ما يقارب الـ1600 دولار بدل تسجيل وقرطاسية و750 دولاراً بدل كتب و900 دولار كدفعة أولى من القسط لاولادي الثلاثة أي ما مجموعه 3200 دولار أميركي، ولم اهتم ابدا بتغيير الحقائب حتى ان اولادي لم يتطرقوا الى الموضوع أساسا وكأنهم يعلمون بأن الحقيبة باتت من الكماليات، وتتابع سلهب: علينا تأمين مبلغ 8700 دولار لكي نسدد الأقساط بكاملها لاولادنا، علماً ان المدرسة تعتمد سياسة تقسيم القسط على اربع دفعات، ولكنني شرحت لهم وضعنا المعيشي على اعتبار ان زوجي صاحب مهنة حرة (التزام بناء) واتفقت معهم على تقسيم القسط على ست او حتى سبع دفعات.

وتستطرد سلهب: مدرسة اولادي (الوردية - عبرين) قررت عدم رفع اقساطها وهي مشكورة على قرارها الصائب والحكيم في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها حالياً.

فادية-سلهب----1لبان والزيادة على القسط

 غير المبررة

وضع سلهب لا يشبه اطلاقاً وضع محسن لبان وهو اب لثلاثة أولاد وموظف لدى شركة <سبينس - الضبية> الذي اعتبر ان تبريرات وحسابات الاب عازار لا تتطابق مع واقع مدرسة أولاده (اليسوعية) فالمدرسة عمدت الى رفع القسط بنسبة 15 بالمئة عن السنة الماضية، وأكد لبان ان ذلك غير مبرر اطلاقا فالاساتذة لم يحصلوا لقاء ذلك على أي علاوة على الراتب، كما ان المدرسة لم تقم بأي عملية صيانة وحتى انها لم تعمد الى شراء تجهيزات جديدة، فما المبرر لزيادة القسط؟وتابع لبان:

- تشاورت مع المسؤولة عن المدرسة فأعلمتني بأنها غير ملزمة بتوضيح أي شيء للأهالي، القسط تم رفعه وعليكم الالتزام بدفعه، لذا قررت البحث عن مدرسة أخرى لأولادي ونقلت الكبير منهم الى ثانوية الجديدة اما الثلاثة الاخرون فتركتهم بمدرستهم وتمكنت من اقناع المدير المالي بتقسيم القسط على خمس دفعات، علماً ان قسط التلميذ الواحد هو 3200 دولار دون احتساب القرطاسية والكتب التي يتم تبديلها سنويا مما يعني اننا ملزمون بشراء كتب جديدة مع بداية كل عام، فلا كتب مستعملة لدى المكتبات على اعتبار ان المدارس تعتمد مع بداية كل عام لائحة كتب مغايرة كليا عن لائحة كتب السنوات السابقة.

 

آمنة وضرورة تطوير المدارس الرسمية

 

أما آمنة مشيّك فقد التقينا بها لدى مكتبة السلام وهي تحاول جاهدة بيع الكتب القديمة لأولادها، ولكن محاولتها باءت بالفشل اذ ان 90 بالمئة من الكتب تم تبديلها فلم تتمكن من بيع سوى 10 بالمئة من الكتب الموجودة لديها، مما اثار نقمتها على إدارة مدرسة أولادها وعلى القيمين على شراء الكتب ووضع المناهج، معتبرة ان اجراء كهذا يمنعها من الاستفادة من كتب أولادها القديمة حتى انه يجعلها ملزمة بشراء كتب جديدة لاولادها، علماً ان ثمن كتاب اللغة الفرنسية هو 40 دولاراً وكتاب الرياضيات 42 دولاراً وكتاب العلوم 30 دولاراً ولا توجد طبعات قديمة مما يعني ان ثمن ثلاثة كتب فقط هو 112 دولاراً، ناهيك عن ثمن باقي الكتب ورسم التسجيل ورسم القرطاسية وقيمة الدفعة الأولى التي من المفترض تسديدها قبل شهر كانون الأول/ ديسمبر، ويتساءل اهالينا عن سبب عدم انجابنا اكثر من ولدين؟ فالسبب واضح وصريح على اعتبار ان كلفة تعليم ولدين لدى مدرسة خاصة لا تقل سنويا مع احتساب القرطاسية والتسجيل والنقل بواسطة <الاوتوكار> عن 12000 دولار، فالوضع لم يعد يحتمل ونتمنى ان يتم تطوير المدارس الرسمية وتأهيلها رحمة بالأهالي.