تفاصيل الخبر

في لبنان اليوم 135 مدرسة غير مختلطة

24/03/2017
في لبنان اليوم 135 مدرسة غير مختلطة

في لبنان اليوم 135 مدرسة غير مختلطة

بقلم كوزيت كرم الأندري

1

أحاديـــــة الجـــــنس مقابـــــل التعليـــــم التشاركي في المدرسة. قد تظنون أن الموضوع قديم وأنه غير مطروح في أيامنا هذه، في ظل الانفتاح الذي نعيشه، إلا أن هناك <ردّة> اليوم إلى المدارس غير المختلطة. <المدرسة نموذج صغير عن المجتمع>، يقول دعاة الاختلاط، <فهل من مجتمع بلا إناث أو بلا ذكور؟!>. الأمر مختلف في المدارس الدينية المتشددة حيث التمسك بتطبيق الفصل بين الجنسين، ثم إن <تعليم الذكور والإناث بشكل منفصل يعزز فرصهم في النجاح الأكاديمي>، يقول البعض الآخر. بين هو وهي سور منيع يحاول البعض فرضه لأسباب حاولت <الأفكار> فهمها من الدكتور عدنان الأمين، وهو عضو في <الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية> ورئيسها سابقاً.

ــ دكتور عدنان، الأهالي الذين يحبذون مدرسة الجنس الواحد لأولادهم يعللون اختيارهم هذا بكون كلّ مدرسة قادرة على التعليم، لكنها ليست جميعها قادرة على التربية والحفاظ على الأولاد من الضياع. ما هو تعليقكم؟

- تعليقي هو أن كل اختلاط في الدنيا أياً كان نوعه هو مصدر إفادة لجميع الأطراف، سواء كان هذا الاختلاط بين جنسين أو بين المناطق والطوائف والأديان. فالانغلاق، كل انغلاق، معيق على المستوى الانفعالي والفكري، والحضارات لم تتطور إلا من خلال الاختلاط بين البشر، وتمازج وتفاعل وتلاقح الأفكار.

ــ كيف يمكننا أن نؤكد صوابية اختيار نموذج فصل الجنسين في التعليم أو عدمه، في ظل كثرة الأبحاث حول الموضوع وتضاربها؟ هل يمكن برأيك أن تتفاوت النتائج من بيئة إلى أخرى؟

- البيئة التي تتكوّن من جو واحد تقوم على الانغلاق. إنه مبدأ عام! خذي مثلاً الضيعة في أي مكان من هذا العالم وليس فقط في لبنان. الضيعة مكان منغلق، وبالتالي الناس الذين لديهم أفكار جديدة وتوق إلى تغيير غالباً ما تنبذهم ضيعتهم، لذا ينتقلون إلى المدينة. أهمية المدينة وقيمتها هي في الاختلاط. فحين تلتقين بأشخاص يختلفون عنك تلتفتين إلى ما لست متعودة عليه، وكلّما التقى شخصان مختلفان يولَد منهما شخص ثالث <لا هو هيدا ولا هيداك>. عشت على الصعيد الشخصي هذه التجرة في الجامعة اللبنانية يوم كنت طالباً في كلية التربية التي كان يقصدها أشخاص من كل المناطق، <صبيان وبنات ومن كل المناطق والطوائف>، هذه التجربة ولدت شعراء وفنانين وحركات سياسية، منها حركة <الوعي> مثلاً التي أبصرت النور من كلية التربية وهي ليست يسارية المنحى ولا هي يمينية، بل هي نتيجة اختلاط الطلاب وتلاقح أفكارهم!

الاختلاط وآثاره

ــ تقول بعض إدارات المدارس غير المختلطة إن عدم الاختلاط يساهم في رفع مستوى الطلاب وحصر تركيزهم بأمور الدراسة فقط، ودليلها على ذلك نتائج طلابها وتفوقهم في الامتحانات الرسمية. هل يكفي هذا التبرير برأيكم؟ هل تشكل النتائج الدراسية المعيار الوحيد للحكم على نجاح النظام التعليمي؟

- فلنقل أولاً، إن نتائج الفتيات في التعليم المتوسط والثانوي هي بشكل شبه عام أفضل من نتائج الفتيان، وذلك في المدارس المختلطة وغيرها. هذا واقع اختبرناه.

ــ بالفعل؟! وهل المسألة مرتبطة بقدرة الفتاة على التركيز أكثر من الفتى؟ باهتمامها بالتفاصيل؟ بإتقان عملها؟

 - لا لا، المسألة ليست مرتبطة بالقدرة على التحصيل العلمي ولا بتركيبة دماغ كل من الجنسين إذ لا براهين علمية دامغة حول هذه النقطة. هذا موضوع آخر. المسألة هنا مرتبطة بالثقافة وهذا ينطبق على لبنان وعلى الدول العربية بشكل خاص. ففي قطر مثلاً أو الكويت والإمارات، تشكل نسبة الفتيات في الجامعات ثلثي عدد الطلاب، ويعود هذا برأيي إلى ثقافة تعامل الأهل مع أولادهم إذ يفرقون في المعاملة ما بين الذكر والأنثى، فهم <يكرّمون> الصبي ويدلعونه أكثر من البنت، <البنت لازم تكون بنظرن عاقلة والصبي معليش يلعب ويضهر ويروح ويجي>... يتعاملون مع الصبي بمرونة أكثر وبـ<كونترول> أقل فيضعون الفتاة في خانة معينة وبالتالي يصبح غير مسموح لها أن تقوم بما يقوم به شقيقها <فبصير راسا بالدرس وبس>.

ــ تقصدون أنها تجاهد أكثر لتبرهن عن نفسها في ظل عدم المساواة بينها وبين أخيها؟

- هم يضعونها أمام هذه المعادلة. هي لا تختار طوعاً هذا السلوك. هذا واقع <فاقع> جداً في الخليج وكذلك في الأوساط المحافظة في لبنان، وهو أمر يظهر بوضوح في المراهقة <لأن هو بصير يروح ويجي وهي بالعكس بصيروا ينتبهولا زيادة، وبمجرد ما قاعدة بالبيت بصير عندا وقت أكتر للدرس>.

ــ ولكن هل يكون، برأيكم، التحصيل العلمي أفضل حين نعتمد التعليم الأحادي لا التشاركي؟

- ليس مثبتاً علمياً أنه عندما تكون الصفوف والحصص غير مختلطة تكون النتائج الأكاديمية أفضل. <في هيك وفي هيك>. ثم إن هذا العامل، أي التحصيل الأكاديمي ليس العنصر الوحيد الذي يجعلنا ندافع عن الاختلاط أو عدمه. <جَوّ الصف مهم كتير كمان>. لقد درّست في كلية التربية سنوات، وكَوْن الشبان لا يتجهون كثيراً إلى هذا الاختصاص فقد وُجدت في صف مكوّن من إناث فقط، وكُنّ علاوة على ذلك جميعهن مسلمات... صف الإجازة هذا المكوّن من جنس واحد وطائفة واحدة <كان ميّتاً> لكثرة تجانسه، فيما صف الديبلوم كان مختلطاً من حيث الجنس والديانة، والفرق كان جوهرياً وكبيراً جداً من حيث النشاط الذهني! <بس يكون حدّك حدا مختلف عنك بصير دماغك يشتغل أكتر> إذ في الاختلاط فضول وانتباه لما يقول الآخر.

الفصل بين الجنسين ونتائجه

2

ــ قد تلجأ بعض المدارس إلى الفصل بين الجنسين لتفادي المشاكل والشغب الذي يسببه بعض الشباب. كيف ترى هذا الأسلوب في التعاطي مع الموضوع؟

- ليس هناك من دليل بأن وجودهم مع بعضهم البعض يزيد من الشغب، بل على العكس، في الاختلاط مع الفتيات يتهذب الفتيان. أعرف مدرسة في بيروت اشتُهرت بمشاكلها وبالشغب فيها الذي وصل حتى حمل السلاح، علماً أنها كانت تتألف من صبيان فقط! الأفراد والمؤسسات المحافظة، لاسيما تلك التي تتمسك بخلفية دينية معينة، تدافع عن فكرة عدم الاختلاط وتجد أسبابا وحججا غير مؤكدة للدفاع عنه.

ــ قرأت عن دراسة أظهرت أن الأطفال يركزون بشكل أفضل في الدرس إذا كانوا في صفوف منفصلة بسبب اختلافات في طريقة التحصيل بين الصبيان والبنات، وان هذا يعطي فرصة للمدرِّس بأن يوفق طريقة شرحه حسب ما يناسب الفصل...

- ممكن...

ــ كذلك ربطت العديد من الدراسات بين الاختلافات في طرق التحصيل وبين حجم الدماغ المختلف لدى الجنسين معتبرة أن دماغ الفتاة يكبر ويتطور بشكل أسرع من دماغ الفتى في سن الطفولة!

- أنا لا أدخل في مواضيع تتعلق بالدماغ والتكوين وما شابههـــــا. ما يعنينــــي هـــــو <كيف> يتطـــــور الإنســــان والمجتمع...

ــ هناك أيضاً دراسة بحثية في أميركا خلصت إلى أن الفتيات في المدارس غير المختلطة يصبحن أكثر أنوثة مما هنّ عليه في المدارس المختلطة.

- وهل من معنى للأنوثة بمعزل عن الرجولة؟! فلنضع جانباً نظريات المحافظين لأنها مبنية على معتقدات وأفكار متعلقة بالتقاليد والقيم... ولنتحدث عن نظرية لا علاقة لها بالمحافظين وغير المحافظين. تقول هذه النظرية إن الإناث، في المدارس المختلطة، صورتهن عن أنفسهن فيها شيء من الدونية، لأن الصبيان يتعاملون معهن باعتبار انهن غير فالحات في مواد الرياضيات والعلوم... و<إنو منّن أذكيا حُطُّن بس عالأدب والحكي>. إنها صورة نمطية موجودة لدى التلاميذ، والأسوأ أنها موجودة لدى عدد من المدرّسين، بصورة واعية او غير واعية!

ــ وهل ستصبح أكثر <شطارة> في المواد العلمية إذا فصلناها عن الذكر؟ لم أفهم المعادلة!

- هم يعتقدون أنه مع فصل الجنسين لا يعود من مجال للمقارنة. تصبح المعادلة كالآتي: <إنتِ ما بتعرفي لأنك إنتِ مش لأنك بنت، وإنت شاطر مثلا لأنك إنتَ مش لأنك صبي>. هنا يصبح التقويم فردياً غير مبني على الجنس. أما المسألة الثانية التي يطرحونها اليوم دعاة التعليم غير المختلط أي الـ<Single-gender education> فهي مسألة التماهي. ففي المدارس المختلطة عموماً، غالبا ما تكون الإدارة ذكورية على مستوى المدراء ورؤساء الأقسام والمعلّمين... وبالتالي ليس هناك من عيّنة أو مثال تتماهى معه الفتاة، فيما يمكن للفتى أن يتماهى مع هؤلاء وأن يخزّن في داخله صوراً لأدوار قيادية يمكن أن يمارسها في المستقبل. <فإذاً الصبي بهالحالة عندو موديل البنت ما عندا موديل، عندا موديل إمّا بس>، لذا يعتقد دعاة عدم الاختلاط أن الاختلاط يخفّض من سقف طموح الفتاة.

ــ <ليش ما فيها البنت تكون بمدرسة مختلطة وتكون الإدارة من الإناث أو من الجنسَين>؟!

- أنا أنقل حجتهم ووجهة نظرهم، وما ينسفها برأيي هو تبدّل الوضع اليوم. ففي المدارس المختلطة اليوم لم تعد المراكز القيادية حكراً على الرجال، فهناك الكثير من المديرات والمسؤولات والمدرِّسات والتربويات... من أنشأ المدارس غير المختلطة في الغرب اعتقد أنه بهذه الطريقة يحث الفتيات على أخذ المبادرة وينمي لديهن حس القيادة.

ــ لكن سيخرجن بعد ذلك إلى مجتمع مختلط!

- صحيح، لكن هؤلاء يعتقدون أن الفتاة التي تعلمت في مدرسة غير مختلطة تكون قد خزّنت في داخلها النموذج القيادي...

ثم أردف قائلاً:

- لا بد من الإشارة، في الحديث عن موضوع المدارس غير المختلطة، إلى أن الجو المحافظ ينمو حاليا في العالم بصرف النظر عن الجندر ويتفرع عنه، مما يتفرع، مسألة فصل الجنسين في المدارس...

ــ دعاة الاختلاط في المقابل يرون أن مشكلة المدارس غير المختلطة هي خلق بيئة إصطناعية، فالعالم ليس من جنس واحد، ونحن بحاجة إلى تعلم التفاعل مع الآخرين.

- دعاة الاختلاط يرون أن عدم الاختلاط يضر التركيبة النفسية للجنسين لأنه يحرمهما فرص التعرف والتواصل ما بين كائنين مختلفين، ثم إن أفكارهما عن الجنس الآخر تصبح مبنية على أوهام وتخيلات واستحلامات. خذي الكلام والروايات التي نسمعها عن المجتمعات العربية المنغلقة جداً حيث هناك فصل تام للجنسين منذ الطفولة وحتى الصف الأخير. الروايات عن سلوك الفتيات والفتيان في هذه المجتمعات فظيعة. هناك محاولة لخرق أبسط القواعد بهدف الالتقاء وبطرق خارجة عن المألوف، <بصير في فحش وفجور ومغامرة متل واحد بدّو يفز عن السور. طبيعي يكسر إيدو أو إجرو! طيب ليش حاطين سور؟> هناك سلوكيات فاحشة من الجنسين بسبب هذا المنع القسري.