تفاصيل الخبر

في لبنان 000 11 جمعية أي واحدة لكل 390 شخصاً

30/08/2019
في لبنان 000 11 جمعية أي واحدة لكل 390 شخصاً

في لبنان 000 11 جمعية أي واحدة لكل 390 شخصاً

 

الوزير السابق النائب بيار بو عاصي:

الجمعيات لا تسرق ولا تهدر المال العام ولنخرج من المنطق السوفياتي!

بقلم كوزيت كرم الاندري

عدد سكان لبنان 4.3 مليون لبناني وعدد الجمعيات فيه 000 11. هذا معناه أن هناك جمعية لكل 390 مواطناً! رقمٌ <خُرافيّ> بضخامته بالنسبة إلى الكثيرين، فيما يراه عادياً جدا، لا بل دليل عافية، النائب الحالي ووزير الشؤون الاجتماعية السابق بيار بو عاصي. فما حقيقة <تدليل> بعض الجمعيات؟ وماذا عن التنفيعات السياسية والطائفية في هذا المجال؟ وهل صحيح أن عدداً منها يستفيد من المساعدات ومن المال العام بالرغم من عدم إنتاجيته؟ <الأفكار> طرحت هذه الأسئلة وسواها على بو عاصي، الذي تابع عمل الجمعيات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية عن كثب لعدة سنوات.

ــ فلنبدأ من السؤال البديهي: كيف يمكن لأحدنا أن يؤسس جمعية؟

- يتقدم لدى وزارة الداخلية بمستندات معينة للحصول على العلم والخبر، فيصبح لديه جمعية.

ــ بهذه البساطة؟

- بهذه البساطة.

ــ وهل من المقبول، منطقياً، أن يتم تأسيس أي جمعية بهذه السهولة؟

- طبعا، تلك هي الحال في سائر دول العالم.

ــ <يعني مين ما كان بيعمل جمعية>.

- لمَ لا؟ لأي مواطن مطلق الحرية في أن يؤسس جمعية!

ــ أليس من الأفضل، في ظل تنامي الجمعيات كالفطريات، جعل معايير وشروط التأسيس أكثر صرامة؟

- هذا يتوقّف على طبيعة عملها. إن أرادت جمعية ما أن تقوم بنشاطات رياضية للأولاد، مثلاً، تُسأل وزارة الشباب والرياضة عن الموضوع لأن ذلك يدخل في إطار اختصاصها. لكن إن كانت الجمعية المُنشأَة تودّ الاعتناء بالمدمنين أو بالمسنين أو بالنساء المعنّفات أو بذوي الاحتياجات الخاصة أو بالأيتام، إلخ، عندها لا بد من الالتزام بمعايير معينة.

ــ تعني أنه لهكذا جمعيات معايير أخرى أكثر تشدّداً؟

- تماماً، <مش مين ما كان بيقدر يهتم بإمرأة معنَّفة أو بمُسِنّ>...

ــ الـ000 11 جمعية التي تم تأسيسها في لبنان، حتى اليوم، مرّت جميعها بهذا المسار؟

- نعم، جميعها تأسّس بحسب القوانين المرعية الإجراء. لكن كما قلت، إن كانت للجمعية أهداف معيّنة تطال مجالات دقيقة، تبحث حينها وزارة الشؤون الاجتماعية الأمر مع الوزارة المعنيّة. إن أراد أحدهم، مثلا، تأسيس مستوصفٍ، لا بد من اللجوء، عندئذٍ، إلى وزارة الصحة، واتباع معايير معينة في مجال الرعاية الصحية...

ــ سعادة النائب، أنتم استلمتم وزارة الشؤون الاجتماعية لمدة سنتين، هل الواقع المتعلق بالجمعيات معقّد؟

- كلا.

ــ تقولها بإصرار وقناعة. ألهذه الدرجة يبدو المشهد وردياً من منظارك؟ 11000 جمعية لبلد بحجم لبنان وبالتالي هدر للمال العام...

- أين الهدر؟ إفتعلوا هستيريا تشكيكية وضربوا صورة المجتمع المدني ولم يقدّموا دليلا واحدا عن وجود هدر للمال العام!

ــ يكفي أن ننظر إلى هذا الرقم الضخم لعدد الجمعيات كي نستنتج أن هناك هدراً للمال العام!

- وما دخل عدد الجمعيات بالموضوع؟

ــ دخلها أنها تصرف من أموال الدولة المكسورة أصلا!

- هذا ليس صحيحاً! الجمعيات لا تأخذ، كلّها، مساعدات من الدولة!

ــ كم هو، إذاً، عدد تلك التي تساعدها الدولة؟

- بضع مئات منها فقط يحصل على مساعدات.

ــ وكيف يتم تمويل الجمعيات الأخرى؟

-<هنّي بدبّروا حالن متل كل جمعيات العالم>. فلنوضح أمراً أساسياً منعاً لأي لغط: لا يحق للجمعية، من حيث المبدأ، بأن تطلب مساعدة من خزينة الدولة. هذا ليس حقاً مكتسباً لها. <مش لأن أسّسنا جمعية يعني صارت الدولة مجبورة تساعدنا>. الجمعية، التي تريد أن تطلب دعماً مادياً، لا بد من أن تكون لديها أسباب موجبة تسمح لها بأن تستفيد من المال العام، علماً أن العقود بين الجمعيات المعنية ووزارة الشؤون الاجتماعية يتم تجديدها سنوياً. لذا أنا أفصل في وزارة الشؤون، التي أعرف تماماً آلية عملها كوني استلمتها مدة سنتين، أفصل ما بين الجمعيات ومؤسسات الرعاية.

ــ وما الفرق بين هذه وتلك؟

- يمكن للجمعية أن تعمل في أي مجال، أن تكون مستوصفاً، أن تُعنى بمرض معين، أن تُعنى بشؤون رياضية، إلخ. هذا جزء من الموضوع، ولكن هناك، بالإضافة إلى تلك الجمعيات، مؤسسات الرعاية، وهي مؤسسات كبيرة وعريقة في لبنان، منها، على سبيل المثال، دار الأيتام الإسلامية التي تقدّم الرعاية لأحد عشر ألف يتيم. <هون بطّلنا عم نحكي عن جمعية عادية>. هذه مؤسسات ترعى الفرد من الألف إلى الياء، <يعني آكل شارب نايم مْعَلّم>.

 

<هَودي مش زعران!>

ــ يقول، في هذا السياق، بعض المتابعين لعمل المجتمع المدني إن أعداداً كبيرة من الأطفال المقيمين في مؤسسات الرعاية، والتي تموّلها وزارة الشؤون، ليسوا أيتاماً، بل إنهم فقراء التحقوا بهذه المؤسسات عبر زعماء المناطق ليحصل هؤلاء على أصوات ذويهم...

- هذا الكلام ليس دقيقاً. بمجرد أن نقول فقراء هناك حاجة إجتماعية معينة. يمكن للطفل أن يكون يتيم الأب، أو يتيم الأم، أن يكون أحد والديه في السجن أو أن يعاني من حالة فقر شديدة.

ــ ولكن هل من الممكن أن يُضبط الوضع حين تكون هناك أعداد هائلة من الأطفال المنضوين تحت جناح مؤسسات الرعاية هذه؟

- نعم ممكن. أولاً، المؤسسات هذه التي ترعى الأيتام معروفة جدا. عندما نقول، مثلا، مدارس الرهبنة المارونية، <هَودي مش زعران>. هي، كغيرها، مؤسسات جدية، لا يلتحق بها أي طفل إلا بعد القيام بعملية مسح اجتماعي، <مش إنو مَرِّقلي فلان>. المساعِدة الاجتماعية تقابل الأهل والطفل المعني والمنزل حيث يسكنون، لتحدّد بعدها إن كانت هناك حاجة اجتماعية لضم هذا الولد إلى الميتم. ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أن غالبية هؤلاء الأطفال ينامون في مؤسسات الرعاية. فحين نتحدث عن طفل <آكل شارب نايم معلّم بست آلاف ليرة بالنهار>، لا أظن أننا نتحدث عن أرقام عالية! وللعلم، أيام العطل الأسبوعية وأيام الصيف لا تُحسب، أي لا تُدفع للمؤسسة.

ــ لكن يا سعادة النائب نحن لا نتحدث عن هذه المؤسسات!

- <ما هودي الأساس!>

ــ <عال>، ولكن كيف أصبح عدد الجمعيات اليوم 11000 جمعية؟!

- <فيُن يصيروا مليار!> أنا لا يهمني عدد الجمعيات، بل حجم المساعدات التي تحصل عليها هذه من الدولة.

ــ يا سعادة النائب، <طبيعي كل 390 شخص بلبنان يكون عندن جمعية>؟!

- لمَ لا؟! <انشاالله بكون كل عشرة عندن جمعية>، أين المشكلة؟

ــ تُصرّون، إذاً، على أن المشكلة لا تكمن في عدد الجمعيات، بل في حجم الأموال التي يتم <شفطها> من الدولة (استخدمت هذه العبارة مع علمي المسبق بأنه سيحتج عليها).

- <ليه بدي قول تشفط>؟ لمَ نضعها في إطار سلبي؟

ــ <لأن في مليارات عم بطّير!>

- فليقدموا لي برهاناً واحداً على ما تقولينه! منذ استلمت وزارة الشؤون الاجتماعية، أي منذ ثلاث سنوات تقريباً، وأنا أسمع هذا الكلام الاتهامي. عمّن يتكلّمون؟ فليأتوا لنا بدليل!

ــ وهل من دراسة دقيقة في هذا المجال؟ أعني دراسة تحدد ما إذا كان هناك هدر للمال العام من قبل الجمعيات؟

- لدينا دراساتنا في وزارة الشؤون الاجتماعية، والأمر نفسه ينطبق على الوزارات الأخرى كالتربية والصحة والمهجرين... إذ لديها كلها جمعيات. يوم كنت وزيراً، قامت الوزارة بمسحٍ شامل ليتم التأكد من هذه الجمعيات بعدما كَثُر الحديث عمّا سمّوه <جمعيات وهمية>. <راحوا برموا علين وحدة وحدة ما لاقوا ولا جمعية وهمية>!

ــ كيف يمكنهم أن يقوموا بمسح لآلاف الجمعيات؟ الأمر شبه مستحيل!

- نحن نتحدث عن الجمعيات التي تحصل على تمويل من وزارة الشؤون الاجتماعية وليس عن كل الجمعيات!

ــ وكم عدد تلك؟

- بضع مئات.

ــ أوليست تلك <المئات> رقماً مرتفعاً في ظل الوضع الاقتصادي الراهن والعجز في خزينة الدولة؟

- <ما في شي إسمو Trop ou pas assez> (كثير أو غير كافٍ). المعيار هنا هو سياستي كدولة. ما هي تلك السياسة؟ من يطبّقها؟ وبأي كلفة؟ فلنتحدّث، بداية، عن الكلفة لأنها لبّ الموضوع كونها تطال المال العام. موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية تشكّل 1% من موازنة الدولة اللبنانية فقط، أي أنها من أدنى كي لا نقول أدنى نسبة مقارنةً مع كل دول العالم! رقمُ ضئيل جداً، مع أن سياسات الدول مبنيّة على السياستَين الاجتماعية والاقتصادية. <يعني كل هالقصة عواحد بالمية! عشو عم نصرّخ؟ شو منعملا صفر؟!>

 

<آخر همّي المانحين والوزارة والدولة!>

ــ ولكن، يا سعادة النائب، هل من دخان بلا نار؟

- <طيّب انعملوا كلن! حدا ضوّا عغلط هلقد؟> (يشير بإصبعه إلى نقطة صغيرة). النتيجة الوحيدة كانت كسر صورة الجمعيات ومؤسسات الرعاية، ومن دون أي برهان!

ــ أرى في نظرتك شيئاً من <الطوباوية>. جميعنا يعلم أن المجتمع المدني <انضرب> في مكانٍ ما، وأن جزءاً منه بات صورة مصغّرة عن الدولة وفسادها، كما وأننا نعلم أن بعض المنظمات الدولية المانحة تشارك في منظومة الفساد هذه...

- <أنا آخر همّي> المجتمع الدولي والمانحين والمنظمات الدولية ومؤسسات الرعاية ووزارة الشؤون الاجتماعية والدولة اللبنانية. <في أكتر من هيك؟> ما يهمني هو المحتاج، أن نساعده <ونوقّفو عإجريه>.

ــ نفهم منك أن مئات الجمعيات التي تستفيد من المال العام تستحق، جميعها، هذه المساعدات؟

- لا بل أوقفت، خلال عهدي، عقود الوزارة مع عشرين منها ووضعت علامات إستفهام على عشرين جمعية أخرى، فاستلم الوزارة، بعدي، الصديق ريشار قيومجيان وأوقف العقود مع الجمعيات التي كنت وضعت عليها أنا ملاحظاتي. أتعلمين لمَ أنهيت العقد مع تلك الجمعيات؟ ليس لأنها نهبت المال العام، بل لأنها لم تستخدم الأموال التي رصدناها لها، أي أنها لم تلتزم بالمعايير المفروضة من قبل الوزارة ولا بالجدية التي نطالب بها، <وبالتالي هالمصريات راحوا من درب جمعيات جدية>.

ــ أنتم لا توقفون إذاً عمل الجمعية، أنتم توقفون عقد الوزارة معها؟

- تماماً، وأكرر: ليس لأنها سرقت من المال العام. ليس بوسع الجمعيات، أساسا، أن تقوم بسرقة المال العام، إذ إنها لا تأخد مليما واحداً كاش. الوزارة تسدّد للجمعية جزءاً من قيمة الفواتير التي تقدّمها هذه، وهي تتكفّل بالجزء الآخر. نرسل الفاتورة التي تصلنا إلى ديوان المحاسبة الذي <يشيّك> عليها، وهو من يقرر دفع الفاتورة أم لا وليس الوزير. ثمة من ينتقد عمل الديوان باعتبار أنه لا يراقب الفواتير كما يجب، لكن تلك ليست مشكلة وزير الشؤون. <شو بعمل وزير وديوان محاسبة بنفس الوقت؟>. إن كان هناك عدم رضى من عمل ديوان المحاسبة فليبحثوا عن السبب ويعالجوه، سواء أكان على صعيد المكننة أو الأجهزة أو العناصر العاملة فيه أو كيفية سير الإجراءات...

ــ هل صحيح أن هناك تأخيراً في تحصيل الفواتير من وزارة المالية؟

- نعم، وهل تعلمين كم هي مدة هذا التأخير؟

ــ كم هي؟

- سبع سنوات! سبع سنوات لم تحصل الجمعيات، خلالها، على مستحقاتها من وزارة المالية بسبب عجز الخزينة. <إذا هودي الجمعيات كاسرين الدولة، وهنّي صرلن سبع سنين مش قابضين، يسمحولنا فيا!>، علماً أن المبلغ الإجمالي الذي يُصرف سنويا للجمعيات برمتها هو 8 ملايين دولار أميركي. الرقم بسيط جدا إذا ما قورن بالأرقام التي تُرصد لوزارات الشؤون الاجتماعية في العالم. مقاطعة من بلجيكا، مقاطعة (يكرّرها)، موازنتها تفوق المليار دولار سنويا. أما نحن، فموازنة وزارة الشؤون الاجتماعية لدينا، كل الوزارة، هي 150 مليون دولار.

ــ تصرّون أن ما من فساد في عمل الجمعيات، وما من أجندات مقابل المساعدات، وما من بُعد طائفي أو مناطقي أو سياسي للموضوع بانتظار أي دليل يثبت العكس. ولكن من يأتي بالدليل؟ من يقوم بدراسة ميدانية دقيقة لتحديد ما إذا كانت هناك مكامن هدر؟

- أُنجز مسحٌ شامل في هذا الموضوع.

ــ ومن أنجزه؟

- رئاسة الجمهورية. فخامة الرئيس ميشال عون طلب مني شخصياً لائحة بأسماء الجمعيات، فأرسلتها له كاملة بالعناوين والأسماء ومجالات عمل الجمعيات...

ــ وما الذي حصل بعدها؟

- <مَشي. لهلأ ما إجاني جواب>. سألت عن الموضوع فقيل لي <ما بيّن شي>، لكنني على علم بأن الأجهزة الأمنية زارت عدداً من الجمعيات...

ــ نلاحظ، في سياق آخر من الموضوع، أن بعض العاملين في المجتمع المدني ينتقلون منه إلى الوزارات، بحيث تُستخدم الجمعية وسيلة للوصول إلى مواقع سياسية مختلفة...

- الطموح حق لكل إنسان. منهم من يعمل في الجمعيات ويبقى فيها، منهم من يعمل في الجمعيات ثم ينتقل منها إلى الوزارات، ومنهم من يعمل في الجمعيات <وبطير من شغلو>... من الضروري ألا ندخل في منظومة العقلية السوفياتية، بحيث نربط مبدأ المؤامرة بكل شيء. فلننس كل ذلك ولنركز على المحتاج، لنفكّر كيف يمكننا الأخذ بيده ومساعدته.

ــ جميلٌ كيف أنك لا تنسى أساس القضية: المحتاج.

- Mais tout est là! (هنا يكمن كل شيء!). هل تملك الدولة حلاً للاهتمام بعشرات آلاف الأيتام، من دون المرور بمؤسسات الرعاية؟ إن كان الجواب <نعم> فليقولوا لي كيف! <إذا الدولة بدا تشيّد مياتم وتهتم فيُن عال>، لكن كيف لها أن تقوم بذلك <إذا ما منعرف نجيب كهربا وما منعرف نجيب ميّ وما منعرف نكبّ زبالة وما منعرف نّظّم السير...؟> أليس من الأفضل، في هذا المجال، التكامل بين القطاعين العام والخاص؟!