تفاصيل الخبر

في الذكرى الواحدة والاربعين لعملية «الكوماندوس »الاسرائيلي(هيبي) في شارع فردان

26/04/2014
في الذكرى الواحدة والاربعين لعملية «الكوماندوس »الاسرائيلي(هيبي) في شارع فردان

في الذكرى الواحدة والاربعين لعملية «الكوماندوس »الاسرائيلي(هيبي) في شارع فردان

هكذا اغتالت (المرأة الشقراءايهود باراك »القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار.. 

ابو-يوسف-النجار

    اتصف العدو الاسرائيلي خلال صراعه الطويل مع العرب بعملياته الاستخباراتية الغادرة وتسلل شبكات عملائه تحت جنح الظلام لاصطياد ضحاياه من المناضلين والكتاب والثائرين، واستخدم العدو لبنان بشكل دائم ساحة لعملياته القذرة التي استهدفت كبار القادة المناضلين من الفلسطينيين واللبنانيين، وكانت عملية فردان يوم العاشر من نيسان/ ابريل  1973 من ابرز هذه العمليات التي كانت لها تداعياتها على الساحة السياسية والامنية في لبنان.

كان للقضية الفلسطينية تردداتها الاقوى على الساحة اللبنانية منذ ان اتخذ الفلسطينيون الساحة اللبنانية منطلقاً لعملياتهم ضد اسرائيل وفق ما نص عليه اتفاق القاهرة عام 1969. وقدّم اللبنانيون نتيجة ايمانهم بهذه القضية تضحيات كبرى في الارواح والممتلكات، وهذا ما دفع بجهاز <الموساد> الاسرائيلي لتركيز نشاطه الامني في لبنان في الفترات الماضية على مطاردة وملاحقة القادة والمسؤولين الفلسطينيين، الذين كانت إسرائيل تدرجهم على لائحة الاغتيالات بتهم مختلفة. وكان تعاون <الموساد> في هذا المجال يتم مع خلايا تضم لبنانيين وفلسطينيين وأجانب تنشط في لبنان وتعمل لمصلحة <الموساد>. وكثيراً ما قام ضباط <الموساد> الإسرائيلي شخصياً بتنفيذ مهمات في العمق اللبناني، كعملية فردان، التي حدثت ليل العاشر من نيسان/ ابريل  من العام 1973.

كمال-ناصر-مصلوبا

كان ليل بيروت ربيعيــــاً هادئــــاً في العاشـــــر من نيسان/ ابريل من العام 1973 عندما نزلت فرقــــة من <الموساد> الاسرائيلي بقيادة فتاة شقراء لم تكن الا <ايـــهود بــــارك> قائد العملية الذي تنكر بــــزي فتاة وبسبب هذا التنكر اطلق على العملية اسم <عملية هيبي>.

<عرفتك يا خائن>

ويسرد المسؤول الأمني السابق في جهاز الأمن والمعلومات التابع لـ(فتح) اقليم لبنان (م. م) لـ <الافكار> وقائع هذه العملية بقوله:في فجر العاشر من نيسان/ ابريل في العام 1973، عمد مركب حربي إسرائيلي إلى إنزال فريق من رجال الضفادع البحرية الإسرائيلية في عرض البحر، ووصلوا إلى الشاطىء اللبناني وتجمعوا هناك. كانت في انتظارهم سيارات مدنية لبنانية، فيها لبنانيون يتعاونون مع <الموساد> الإسرائيلي. وتم استئجار السيارات من وكالة(لينا كار)، وانطلقوا في مجموعات واحدة في اتجاه منطقة الفاكهاني، لتفجر مقراً للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وأخرى نحو شارع فردان، لتقتحم مبنى لقادة في منظمة التحرير الفلسطينية بعد قتل حراسه، وعمد <الموساد> إلى قتل القادة الفلسطينيين محمد يوسف النجار، كمال ناصر، وكمال عدوان داخل شققهم، وكان من بين الضحايا زوجة أبو يوسف النجار التي صرخت بأحد العملاء الفلسطينيين الذي كان برفقة رجال <الكوماندوس>: <عرفتك يا خائن>، فما كان من عناصر <الكوماندوس> الا ان اطلقوا النار عليها خوفاً من كشف عميلهم السري. ومن بين الضحايا ايضاً ضابطان من قوى الأمن الداخلي من ثكنة فردان المقابلة لمكان الجريمة، كانا قد سمعا إطلاق الرصاص فسارعا إلى مكان الحادث. وغادر رجال <الكوماندوس> ساحة الجريمة بهدوء وبدم بارد في اتجاه البحر نحو إسرائيل.

وتابع المسؤول الأمني الفلسطيني: تبين في ما بعد ان مجموعة من مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد دخلت لبنان بجوازات سفر مزورة، وفي أوقات متفاوتة، وأقام رجالها في فنادق ع

1

دة في بيروت، قبل أيام من حصول عملية فردان، بالطريقة نفسها التي حصلت فيها جريمة اغتيال المبحوح في دبي، وعمدوا إلى ترتيب العملية بالتنسيق مع عملاء لهم من لبنانيين وفلسطينيين وأجانب، وهم: اندريه ميسي (جواز سفر بريطاني مزور)، شارل بويساري (جواز سفر بلجيكي مزور)، ديتر التور (جواز سفر بريطاني مزور)، اندر وتيلاور (جواز سفر بريطاني مزور) وجورج ا. لدار (جواز سفر بريطاني مزور).

 

الاغتيال - الصدمة

لقد شكل اغتيال القادة الفلسطينين صدمة كبيرة للقائد الفلسطيني ياسر عرفات ولكل المسؤولين الفلسطينيين وقادة الاحزاب والحركات التحررية اللبنانية والعربية، خصوصاً وان كمال ناصر كما تشير الدراسات كان أحد رموز النضال والأدب في فلسطين، وابن إحدى العائلات المسيحية الفلسطينية من بلدة بير زيت، تتشابه سيرة حياته مع كثير من أبناء جيله من نشطاء الحركة الوطنية الفلسطينية، فهو خريج الجامعة الأميركية في بيروت، التي تخرج منها أيضاً العديد من الذين أصبحوا رموزاً في الحركة الوطنية الفلسطينية وحركة القومية العربية. وفي العمارة نفسها التي كان يسكنها كمال ناصر في شارع فردان في بيروت، كان يسكن أيضاً محمد يوسف النجار عضو اللجنة المركزية في حركة <فتح>، وينحدر من قرية يبنا قضاء الرملة، شرّد مع عائلته في عام النكبة، وكان له نشاط في صفوف الإخوان المسلمين مثل كثيرين من الذين أسسوا فيما بعد حركة <فتح>.

ملصق-عن-عملية-فردان

أما كمال عدوان فهو، مثل أبو يوسف النجار عضو في اللجنة المركزية لحركة <فتح> التي شارك في تأسيسها، وتولى مسؤوليات في الإعلام الفلسطيني وأخرى فيما يخص المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقبل ذلك درس في مصر وعمل في السعودية وقطر، وشارك في مقاومة العدوان على قطاع غزة عام 1956 وأدّى ذلك إلى اعتقاله وقتذاك.

 

<الشهيد> ابو اياد يتذكر...

وفي كتابه <فلسطيني بلا هوية>، يتحدث الزعيم الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) عما حدث في (ربيع فردان)، وربط ذلك بالأجواء التي أعقبت عملية ميونخ، حيث تواصلت حرب الأشباح بين المخابرات الصهيونية والفلسطينيين، وبدأت كما هو معلوم بالاغتيالات، وإرسال الطرود الملغومة التي طالت مسؤولين فلسطينيين في مختلف العواصم العربية والعالمية، وبالرد الفلسطيني بتنفيذ عمليات ناجحة طالت رجال لـ<الموساد> في عواصم مختلفة أيضاً، ومن بين ما قام به الفلسطينيون محاولتان استهدفتا مقر سفير <إسرائيل> في نيقوسيا، والأخرى ضد طائرة تابعة لشركة <العال> الصهيونية كانت جاثمة في مطار قبرص. كان ذلك في التاسع من نيسان/ ابريل، وفي اليوم التالي كانت وحدات <الكوماندوس> الصهيوني تنزل إلى بيروت وتغتال القادة الثلاثة.

 وفي التاسع من نيسان/ ابريل، كان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يعقد جلسة له في بيروت، طالت حتى ساعة متأخرة من الليل، وقضى أبو إياد ليلته في شقة كمال ناصر. وفي اليوم التالي عرض أبو إياد على كمال ناصر أن يقضي السهرة في شقته، ولكن كمال ناصر أجابه مازحاً:(أفضّل أن أموت على أن أستقبلك عندي)، وأوضح أنه يريد أن ينظّم مرثاة في الشاعر عيسى نخلة المتوفى حديثاً، وأن وجود أبي إياد سيلهيه عن تلك المهمة.

كمال-ناصر

 وذهب أبو إياد إلى المبنى الذي كان يقطنه القادة الثلاثة بعد ورود الأنباء عن اغتيالهم، وفي شقة كمال ناصر، وجده ممدّداً على شكل صليب على الأرض بعد إصابته في وجهه بخمس عشرة رصاصة على الأقل، ويعتقد أن المهاجمين لم يغفلوا عن حقيقة أن ناصر مسيحي الديانة، فمدّدوه على شكل صليب وأطلقوا النار على وجهه. ولاحظ أبو إياد أن شباك النافذة كان مفتوحاً والستائر منتزعة، الأمر الذي ربما يشير إلى أن ناصر كان قد حاول الفرار، ولم يتمكن من ذلك، فردّ على المهاجمين بمسدس صغير وجد بجانب جثته. وبالنسبة لأبي يوسف النجار اتضح أن الصهاينة نسفوا مدخل شقته بقنبلة بلاستيكية، بينما كان هو نائماً مبكراً كما يحب، والأولاد يذاكرون دروسهم في غرفهم، وعندما تم نسف المدخل اندفع باتجاهه ابن الشهيد يوسف، وكان عمره 16 عاماً، ولكن رجال <الكوماندوس> المهاجمين صرخوا به سائلين عن والده، فرجع يوسف إلى غرفته، ونزل من شباكها إلى الطابق الخامس، وخلال ذلك أغلق أبو يوسف النجار باب الغرفة التي يوجد فيها وطلب من زوجته أن تناوله مسدسه، ولكن الصهاينة اقتحموا الغرفة وأصابوه، وتم قتل الزوجين معاً.

وفي الطابق الثاني، كانت مجموعة أخرى تقتحم شقة كمال عدوان الذي كان ما زال يعمل، وعندما سمع بالجلبة أمام الباب أمسك برشاشه، وقبل أن تتاح له فرصة استخدامه كانت مجموعة أخرى من <الكوماندوس> الصهاينة تدخل من نافذة المطبخ وتصيبه في ظهره.

التهمة دوماً للسلطات اللبنانية

 واتهم أبو إياد شركاء محليين للكيان الصهيوني بالتواطؤ وتسهيل عملية الاغتيال، وأكد أن الجيش اللبناني والدرك والأمن العام لم يحاولوا التدخل، وقبيل الهجوم على المبنى في فردان ببضع دقائق حدث انقطاع في التيار الكهربائي، وكان المهاجمون يتنقلون في بيروت بحرية ويسر مذهلين...

المواطن اللبناني منعم. ع. (70 سنة)، والذي ما يزال يقيم في المبنى الذي حدث فيه الاغتيال في شارع فردان في بيروت تذكر بعد 41 عاماً من قيادة <إيهود باراك> للعملية متنكراً بزي امرأة شقراء ما حدث في ليلة التاسع من نيسان/ ابريل  1973. وفي تلك الليلة كان منعم وزوجته وولداه الصغيران نائمين في غرفة صغيرة في طابق أرضي من البناية التي استهدفها <باراك> ورفاقه. واستيقظ منعم وذهب إلى النافذة ليرى امرأة شقراء تضع رشاشاً على خاصرتها وتطلق النار على الغرفة. عاد منعم إلى ابنه الصغير وخبأه تحت السرير ورمت زوجته نفسها على ابنهما الثاني، وفيما بعد وجدا أكثر من 40 من فوارغ الرصاص في الموقع.

كمال-عدوان

 وبسبب الأزياء التي تنكّر بها <باراك> ورفاقه أطلق على العملية اسم (عملية هيبي)، ومنحت العملية <باراك> سمعة كبيرة، وأدّت إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام احتجاجاً على عجز الجيش اللبناني عن تحقيق الأمن وإيقاف فرقة <الكوماندوس> التي قادها <باراك> متنكراً بثياب امرأة شقراء، التي نزل أفرادها على أحد شواطئ بيروت واستقلوا سيارات أعدها عملاء لـ<الموساد>.

المكتب الثاني: قميص عثمان!

كان لعملية فردان ارتدادتها على الساحة السياسية اللبنانية، فقد سارعت منظمة التحرير الفلسطينية الى تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية متهمة اجهزة الامن في لبنان بالتراخي، ما اتاح دخول القوات الصهيونية الى قلب بيروت ونجاحها في الوصول الى منازل القادة الفلسطينيين الثلاثة. والاخطر من ذلك كان توجيه اتهامات علنية ووقحة للمكتب الثاني اللبناني وبعض رموز قيادة الجيش اللبناني، بالتواطؤ مع <الإسرائيليين>.

وشيّعت بيروت القادة الثلاثة في جنازة مهيبة شارك فيها جميع قادة الأحزاب الوطنية وبعض قادة القوى والأحزاب المارونية، وكان ضمنهم الشيخ (بيار الجميل) زعيم حزب الكتائب. وألقى زعماء المسلمين الذين شاركوا في الجنازة خطباً رنانة هاجموا فيها تواطؤ السلطة اللبنانية، وطعنوا في تركيب أجهزتها ومؤسساتها المدنية والأمنية، وطالبوا بإقالة قائد الجيش وقتذاك العماد اسكندر غانم.

وحسب الاوساط السياسية المتابعة فان الجنازة كانت فرصة مهمة، استعرضت فيها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أسلحتها وقدراتها العسكرية والجماهيرية بطريقة أقلقت السلطات اللبنانية، ونبّهت أجهزتها الأمنية من الخطر، وأرعبت بعض القوى المسيحية التي رأت في منظمة التحرير قوة أخلت بالتوازن الداخلي لصالح المسلمين عامة، والسنة على وجه الخصوص. ورغم علمانية الحركة الوطنية اللبنانية، وتبوّء كثير من المسيحيين مراكز قيادية أولى فيها، إلا أن تخوّفات الحركة السياسية المسيحية كان لها ما يبررها في بلدٍ تنخره الطائفية الدينية والسياسية.

التعزيز العسكري - الفلسطيني

اسكندر-غانم

وبرأي المراقبين فان عملية فردان فتحت المجال والباب الواسع امام القوى الفلسطينية لتعزيز امنها العسكري الذاتي في المخيمات، وفي مراكزها المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وكانت البداية الاولى للتمدد العسكري الفلسطيني نحو المدن والبلدات والقرى، وحسب ممدوح نوفل (عضو في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير في البرلمان الفلسطيني)، فانه مع كل خطوة كانت تخطوها منظمة التحرير داخل المستنقع اللبناني، كانت تبتعد أكثر فأكثر عن عملها السياسي داخل الأراضي الفلسطينية. وحلّ شعار الدفاع عن الوجود الفلسطيني المدني والمسلح في لبنان مكان شعار تصعيد ونقل الكفاح المسلح إلى داخل الأراضي المحتلة. وراحت منظمة التحرير تعزز تسليح المخيمات الفلسطينية، وشجّعت القوى الوطنية اللبنانية للتدرّب على السلاح وبناء تشكيلات عسكرية خاصة بها. وعملت على تجنيد أعداد كبيرة من الشباب الوطني اللبناني، وبدأت تتدخل مباشرة في الشؤون السياسية والحزبية والاجتماعية اللبنانية. وبقي احتلال <إسرائيل> عام 1967 لكلّ فلسطين ولأجزاء واسعة من الأراضي العربية السورية والمصرية قائماً وتقلصت كلفته.