تفاصيل الخبر

في الذكرى الأربعين لحركة 11 آذار / مارس الانقلابية التي قادها العميد الراحل عزيز الأحدب

11/03/2016
في الذكرى الأربعين لحركة 11 آذار / مارس الانقلابية التي قادها العميد الراحل عزيز الأحدب

في الذكرى الأربعين لحركة 11 آذار / مارس الانقلابية التي قادها العميد الراحل عزيز الأحدب

 

بقلم صبحي منذر ياغي

ابو-جهاد-الوزير  

  كنت ابن الثالثة عشر من عمري، عندما سمعت لأول مرة بكلمة (انقلاب) من شقيقي الاكبر الذي كان يطلق الرصاص ابتهاجاً لقيام العميد عزيز الاحدب بعملية انقلابية اصلاحية ضد الرئيس سليمان فرنجية في 11 آذار (مارس) 1976. تسميات كثيرة أُطلقت على تلك المحاولة الانقلابية، من بينها (الانقلاب التلفزيوني) كونه فشل ولم يحقق أهدافه، وما بقي منه سوى صورة الجنرال الاحدب الذي جلس يلقي البيان (رقم واحد)، وهذا البيان ربما كان غريباً عن مفاهيم اللبنانيين الذين لم يعرفوا في حياتهم السياسية الانقلابات، سوى محاولة انقلابية فاشلة قام بها اعضاء <الحزب السوري القومي الاجتماعي> اواخر عام 1961 .

عرفت سوريا في الاربعينات سلسلة من الانقلابات قام بها العسكر وكان اولها انقلاب الزعيم حسني الزعيم، فعُرفت سوريا بدولة <الانقلابات>، ولم يستقر الوضع الا في السبعينات عند تولي حافظ الاسد السلطة من خلال <حركته التصحيحية>. الا ان لبنان لم يعرف انقلابات حقيقية، بل مجرد محاولات <تمرد وعصيان>... ويعترف عدد من الباحثين، بأن لبنان هو الدولة الوحيدة من بين الدول العربية، التي لم تعرف في تاريخها السياسي انقلابات تُذكر، ربما يعود ذلك الى طبيعة نظامه القائم على التوافق والتجانس بين الطوائف، وبالتالي لتشابك مجتمعه وتنوعه.

إلا أن الوقائع تذكر حالات جرت فيها محاولات لتغيير النظام او السلطة حيث شهد عهد الرئيس بشارة الخوري محاولة عصيان مسلح، واعتداء على الدولة قاده رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الزعيم انطون سعادة الذي فرّ الى سوريا طالباً الحماية، لكن الرئيس السوري وقتذاك حسني الزعيم غدر به وسلمه للسلطات اللبنانية، فأُجريت له محاكمة صورية، وجرى اعدامه في 8 تموز (يوليو) عام 1949، بطريقة أثارت حفيظة الرأي العام المحلي والدولي.

 

العميد-الاحدب-يتلو-البلاغ-رقم-واحد الانقلاب الابيض (الحق ع الطليان)

كان حكم الرئيس بشارة الخوري قد شهد معارضة في نهاية عهده بسبب تعديله الدستور والتجديد لولايته، فتعاظمت تلك المعارضة التي قادتها الجبهة الاشتراكية الوطنية وقد ضمت كمال جنبلاط، كميل شمعون، غسان تويني، عبد الله اليافي وغيرهم... والتي دعت إلى إضراب عام في البلاد ما اضطر الرئيس بشارة الخوري إلى الاستقالة عام 1952، بعد تظاهرات ضخمة على خلفية اتهامه بالفساد. وخوفاً منه على تفاقم الأمور، استدعى قائد الجيش فؤاد شهاب وقدّم إليه استقالته، بعد أن كلّفه تشكيل حكومة عسكرية تتولى إجراء انتخابات رئاسية. فخلفه الرئيس كميل شمعون. . ويقال أن مارون عرب، الذي كان المستشار الشرقي في السفارة البريطانية يومئذٍ، قابل الرئيس المستقيل ليوضح له موقف الإنكليز مما جرى، فقال له: «نحن إلى جانبك يا فخامة الرئيس ولا تتصور أن لنا علاقة بكل ما حدث. أنا بعدني لحد هلق مش عارف كيف انقلبت هالدني فوقاني تحتاني!»، أجابه الشيخ بشارة: «يا ابني يا مارون لا تعذب حالك وتحلف... أنا بعرف إنو الحق عالطليان»، وذهبت هذه الإشارة من الرئيس المستقيل كمثل عن تحميل المسؤولية عما حدث للآخرين.

بعد ذلك قام <الحزب القومي> عام 1961 بمحاولة انقلابية فاشلة للإطاحة بالرئيس فؤاد شهاب، إلا ان شهاب زج يومذاك عدداً كبيراً من مسؤولي الحزب وقادته في السجون لسنوات طويلة.

حركة 11 آذار (انقلاب الأحدب)

العميد-انطوان-بركات

انهار الوضع الامني في لبنان منذ حادثة عين الرمانة عام 1975، ليصل الى ذروته عام 1976 في ظل تفكك الجيش اللبناني وسقوط الثكنات العسكرية في العديد من المناطق، ووسط نمو ظاهرة الملازم اول احمد الخطيب الذي اعلن تشكيل <جيش لبنان العربي> بعد اعلان تمرده على القيادة في 21 كانون الثاني (يناير) 1976 وانفصاله مع مجموعة من العسكريين الذين التحقوا به، ليقوم بعدها بمهاجمة الثكنات، مستنداً الى دعم مالي ولوجستي من القيادي الفلسطيني خليل الوزير <ابو جهاد>.

ويؤكد عدد من المتابعين لتلك الفترة ان تفكك الجيش بدأ بشكل مذهل في 8 آذار (مارس) 1976، الامر الذي دفع بقائد الجيش وقتذاك العماد حنا سعيد لعقد اجتماع لاركان القيادة وكبار الضباط لمناقشة سبل وقف انهيار المؤسسة العسكرية. وفي ليل 10 آذار (مارس) من العام نفسه صدر نداء عن قائد الجيش يدعو العسكريين للالتحاق بثكناتهم مؤكداً ان جيش المستقبل سيكون جيشاً للبنانيين جميعاً. إلا ان الوضع الامني الهش تواصل مع استيلاء <جيش لبنان العربي> على الثكنات العسكرية في عدد كبير من المناطق اللبنانية.

البلاغ رقم واحد

هذا الوضع المتردي دفع بالعميد عزيز الاحدب قائد المنطقة العسكرية في بيروت للقيام بما يشبه الانقلاب في الثامنة والنصف من مساء 11 آذار (مارس) 1976، عندما قام باعلان البلاغ رقم واحد من محطة التلفزيون اللبنانية في تلة الخياط، واصفاً حركته بالاصلاحية، وانها ترمي لانقاذ الجيش واعادة لحمته والطلب من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية الاستقالة تمهيداً لانتخاب رئيس جديد خلال عشرة ايام، معلناً في الوقت نفسه حال الطوارىء في لبنان ومنع التجول في بيروت.

لاقــــــــت حركـــــــة عزيـــز الاحـــــدب الاصلاحيــــة تأييــــداً مـــن اوســـــــاط سياسيـــــــة ومــــــن عــــدد مــــن الضبــــاط في ايامهـــــــا الاولى، في حــــــــين الــــــتزم قــــــائد الجـــــــيش حنـــــــــا سعيد بالصمت، لانـــــــه لم يكن قـــــــــادراً عــــــلى مقاومـــــــة حركة الاحــــــدب وهــــو غـــــير ممســـــك بــــــالجيش، ولا تأييدهـــــــا لانهـــــــا بمنزلــــــــــة الخـــــــروج عــــــلى القيـــــــادة والشرعيـــــــة. امــــــا الشعبـــــــــــة الثانيـــــــة الــــــتي كــــــانت برئاســـــة العميـــــــد جـــــــول بستــــــــاني وجــــدت في حركة الاحــــدب مجــــــــرد وعــــــــــاء استوعب غـــضب العسكريـــــــين وتذمرهـــــــــم.

<انقلاب تلفزيوني>

العماد-حنا-سعيد  

انقلاب الاحدب الذي عُرف في ما بعد بـ<الانقلاب التلفزيوني>، كان بلا جنود، بلا سلاح، ودون اراقة نقطة دم، واللافت ان الملازم اول احمد الخطيب لم يعلن تأييده لهذا الانقلاب ولا للدعوة الى استقالة رئيس الجمهورية.

ومرت ايام، ولم يحظ الاحدب بتأييد القطع العسكرية المقاتلة التي انضم اكثرها الى احمد الخطيب، بالمقابل قامت الجبهة اللبنانية باحتلال ثكنة الفياضية في 12 آذار (مارس) 1976، فيما اعلن العقيد انطوان بركات ابن زغرتا ولاءه للرئيس سليمان فرنجية، وأعلن تأسيس ما سُمي بـ<جيش الشرعية> ومقره ثكنة الفياضية، في الوقت الذي تم الاعلان عن تجمع عسكريي ثكنة صربا بقيادة العقيد انطوان لحد الذي ترك قيادة البقاع لينضم الى رفاقه في المناطق المسيحية، وعن تجمع عسكريي مسيحيي زحلة الذي كان بقيادة المقدم ابراهيم طنوس (قائد الجيش في ما بعد) والرائد طارق نجيم، والملازم اول يوسف الطحان.

حركة <فتح>.. والانقلاب

وتبين ان لـ<حركة فتح> دورها الاول في تحريك <انقلاب الاحدب>، وينقل الزميل نقولا ناصيف عن العميد جول بستاني في هذا المجال ان احد المحيطين بقائد الانقلاب وهو ضابط شيعي، نبّه سوريا بالوساطة الى الامر، فيما وردت اليه معلومات تحدثت عن سيارتي <جيب> فلسطينيتين رافقتا موكب عزيز الاحدب الى محطة شركة التلفزيون اللبنانية، وضعهما في تصرفه رئيس الاستخبارات الفلسطينية علي حسن سلامة الذي كانت قد جمعته به علاقة شخصية.

وفي أيلول (سبتمبر) 1980، وخلال المشاركة في تشييع الملازم اول عزمي الايوبي في برغون في الشمال، كانت لي دردشة سريعة مع الراحل عزيز الاحدب الذي صودف وجوده في المأتم عن ابعاد انقلابه، ومدى الدعم الفلسطيني له، فأكد رحمه الله وبشيء من الانفعالية، وبيده <عصا المارشالية>، ان كل هذا مجرد تلفيق واساءة لحركة 11 آذار (مارس) التي انطلقت من وحي الضمير العسكري لانقاذ الجيش اللبناني الذي كان في طريقه الى التفتت والتشرذم، وان العماد حنا سعيد كان من المطلعين على تحركاته وعلى تنسيق معه، ولاقى الانقلاب تأييدا من شريحة واسعة من العسكريين والرأي العام، وكان بمنزلة خطوة حفظت الشرعية وحركت الرأي العام ومهدت بالتالي لوصول الرئيس احمد-الخطيب-قائد-جيش-لبنان-العربيالياس سركيس الى الحكم، كانت حركة وطنية سلمية من اجل انقاذ الوطن..

وكان الأحــــدب رد عـــــلى ما ورد عـــــلى لسان الأمـــــين العــــــام السابـــــق لـ<الحزب الشيوعي اللبنــــــاني> جـــــــورج حــــــــاوي الــــــــــذي تحــــدث عن تشرذم الجيش خلال <حرب السنتين>، مشــــــيراً إلى أن خليـــــــل الوزيـــــر <أبــو جهـــــاد> كان وراء <جيش أحمد الخطيب>، وأبـــــــو حسن سلامـــــة وراء <انقــــــلاب الأحــــــدب>، فقــــــال لم يكن ورائــــــي سوى ربي وضميري ورغبتي الملحة في انقاذ الوطن من الكارثة، ولم أعتاد في حيـــــاتي العسكريــــــة والمدنيــــة ان ارتهن لهـــذا الحزب أو هذه المنظمة أو أية دولة مهما عظم شأنها.

واعتبر الاحدب ان الانتفاضة العسكرية جمعت حولها معظم الأطراف المتصارعة من جميع الفئات ــ باستثناء الأحزاب الشيوعية ومن لف حولها ــ فمن النائب عدنان الحكيم رئيس حزب <النجادة> إلى الشيخ بشير الجميل قائد <القوات اللبنانية> ومن <حركة الضباط المسيحيين> إلى <المجلس الاسلامي> ومن <حركة تشرين> إلى حركة <حراس الأرز>، ومن <حركة الناصريين> إلى <حركة التنظيم> بزعامة الدكتور فؤاد شمالي... وغيرهم العديد من الأطراف المتحاربة وذلك بمجرد صدور البلاغ رقم واحد، فكانت البرقيات تتوارد على الاذاعة من جميع المناطق اللبنانية دون تمييز وبشكل لم يسبق له مثيل.