تفاصيل الخبر

في الذكرى العاشرة لإغتياله…جبران تويني «الصحافي الشهيد» سقط مضرجاً بدمائه، وهو يعلن عن لبنان العظيم!

04/12/2015
في الذكرى العاشرة لإغتياله…جبران تويني «الصحافي الشهيد» سقط مضرجاً بدمائه، وهو يعلن عن لبنان العظيم!

في الذكرى العاشرة لإغتياله…جبران تويني «الصحافي الشهيد» سقط مضرجاً بدمائه، وهو يعلن عن لبنان العظيم!

بقلم صبحي منذر ياغي

جبران-تويني---  

في بيت مري، تلك البلدة الهانئة، ومن أب أرثوذكسي وأم درزية، ولد جبران تويني في 15/9/1957، والده الصحافي والنائب والديبلوماسي الراحل غسان تويني، ووالدته الشاعرة الراحلة ناديا محمد علي حمادة، وخاله النائب مروان حمادة.

منذ صغره كان جبران لا يهدأ، فقد شارك وهو طالب في مسيرات دعم وتأييد للجيش اللبناني خلال المعارك التي كانت تحصل مع المنظمات الفلسطينية.

كان جبران تويني من بين أبرز الأصوات اللبنانية المعارضة للهيمنة السورية على لبنان حيث وظَّف موقعه كرئيس تحرير لجريدة <النهار> للدعوة لإنهاء الهيمنة السورية. وكان من أوائل الشخصيات الإعلامية التي جازفت بمجاهرتها بهذا الرأي عام 2000 عقب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، بعد 18 عاماً من الاحتلال. فقد وجّه رسالة في خطاب مفتوح إلى نجل الرئيس السوري حافظ الأسد وخليفته بعد ذلك بشار الأسد وقال فيها <لابد أن تدرك أن الكثيرين من اللبنانيين غير مرتاحين للسياسات السورية في لبنان ولوجود القوات السورية في البلاد... ويعتبر كثير من اللبنانيين مسلك سوريا في لبنان مناقضا تماما لمبادئ السيادة والكرامة والاستقلال>.

 

الدخول في المعترك السياسي

 

وفي أعقاب <ثورة الأرز> تجاوز تويني خط كتابة المقالات السياسية إلى الدخول في المعترك السياسي نفسه حيث دخل البرلمان كنائب عن بيروت عن مقعد طائفة الروم الأرثوذكس. ورغم أنه توقف عن كتابة المقالات التي تحمل توقيعه والمناهضة لسوريا في جريدة <النهار>، إلا أن الجريدة واصلت معارضتها القوية لسوريا. وفي تموز/ يوليو 2005 اغتيل الصحافي سمير قصير أحد أبرز كاتبي المقالات في <النهار> بقنبلة في سيارته، وكان قبل ذلك قد نجا الوزير مروان حمادة (خال جبران) من محاولة لاغتياله عام 2004. وقد أصبح تهديد التفجيرات من الخطورة حتى لجأ جبران إلى فرنسا في شهر آب/ أغسطس من عام 2005، ومثله فعل عدد من الشخصيات البارزة المعارضة لسوريا.

 

محطات.. وذكريات

النائب-بطرس-حرب-وجبران-يوني-وصبحي-منذر-ياغي-خلال-جولة-انتخاب

وفي مشهد <سوريالي>، أتذكر مع بعض الزملاء محطات جميلة في مسيرة جبران تويني الصحفية والنضالية، فأنا( كاتب هذا التحقيق) أذكر ان لقائي الاول بالشهيد جبران تويني كان في شهر شباط/ فبراير من العام 1985، في مكاتب مجلة <النهار العربي والدولي> في الاشرفية - شارع زهرة الاحسان ، كان عمري يومئذٍ 22عاماً، واكمل دراستي الجامعية عندما قصدته للعمل في المجلة بحضور الشاعر الراحل الصحافي انسي الحاج والزميلين عبد الله عبود ونبيل براكس.

يومئذٍ قال لي جبران عبارة واحدة ظلت محفورة في ذاكرتي <أنت في أول طريق مهنة الصحافة، وعليك أن تتعلم أن من يسلك طريق هذه المهنة، عليه ألا يخاف وأن يكون شجاعاً..>، وكنت اكتب تحقيقاتي ومقالاتي في مجلة <النهار العربي والدولي> وأوقّعها باسمي الصريح، على الرغم من ان سياسة المجلة كانت معارضة للوجود السوري وللحالة السياسية التي كانت قائمة وقتذاك.

  مجلة المناطق

 

رغم أن الأحداث والحرب الأهلية البشعة منعت جبران من التجوّل بحرية في وطنه، وقطعت أوصال الوطن، وانقسمت بيروت الى شرقية وغربية، فقد كان جبران مسكوناً بهاجس معاناة المناطق اللبنانية، فعمل على اضافة ملحق لـ<النهار العربي والدولي> اطلق عليه اسم <مجلة المناطق> التي كانت تنشر تحقيقات عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البقاع والجنوب والشمال.

 

<النهار العربي والدولي>

 

وعن كيفية تأسيس <النهار العربي والدولي> التي انطلق منها جبران الى عالم الصحافة الارحب تنقل الزميلة هنادي الديري عن الصحافي الزميل الياس الديري (زيّان) الذي شغل منصب رئيس تحرير في المجلة <الناشئة>، حديثه عن تلك المرحلة فتقول: <كان الكثيرون في أسرة جريدة <النهار> يقطنون في فندق <الكافالييه> في شارع الحمراء. وكنت و(الوزير) مروان حمادة نتحاور مع الأستاذ غسان (تويني) حول ضرورة إيجاد حائط نلقي عليه ظهرنا (كجريدة) في حال حدوث الأسوأ، وتمحورت الفكرة حول تأسيس مجلة ترافق الجريدة من باريس. وبما ان الحرب كانت في ذروة <غضبها>، فقد كان الجميع على يقين بأن الأسوأ آتٍ، ولاسيما وقد تمّ انتهاك الحريات الصحافية وانتشرت <الميليشيات> في كل مكان>، إلا أن غسان تويني لم يقتنع كلياً بالفكرة. ولكن احتلال الجيش السوري مكاتب <النهار> في الحمراء وطرده للموظفين ومكوثه فيها فترة طويلة، دفع بغسان تويني إلى الموافقة على الفكرة التي نضجت مع الوقت. كانت مؤسسات صحفية أخرى قد سبقتنا إلى باريس، منها مجلة <المستقبل> التي أسسها الزميل الراحل نبيل خوري، فإذا بالديري وحمادة وبعض المسؤولين الإداريين يتوجهون إلى باريس حيث استأجر لهم المسؤول المالي في <النهار> سامي تويني غرفة في شارع <باسانو> تحوّلت الى مكتبهم الجديد. تأسست المجلة بسرعة وصار اسمها <النهار العربي والدولي>، وكانت في حلّتها الأخيرة بحجم الـ <Tabloid>(الصحيفة المصغّرة)، لا مجلّة ولا جريدة.

كان جبران تويني ما زال في بيروت آنذاك، وتجاوزت المجلة العديد من المراحل الصعبة في بداياتها، ولأسباب كثيرة عاد الياس الديري إلى لبنان حيث أسس مكاتب تابعة لـ<النهار العربي والدولي> في بيروت، وبقيت المجلة مشروعاً متردداً... وانتقل جبران تويني إلى قيادتها وتسلّم زمام الأمور وغيّر حجمها وأعطاها مضموناً سياسياً أبعد بكثير من الذي كانت تعتمده، وشرع يحضّرها لتقوم بدور سياسي في معركة إنقاذ لبنان من الحرب الضروس التي كانت تحاصره. ومنذ بداياته، اعتبرها جبران الحصان القياديّ في جيش تحرير لبنان، وكانت مجهّزة لإعادة الوفاق الأهلي، وفجأة، وجد جبران الشاب نفسه <بنصّ دين المعترك جبران-تويني-وصبحي-منذر-ياغي---مجلة-النهار-العربي-والدولي-198الصحافي> بحسب الديري، فأعطى المجلّة كل ما عنده، واعتبرها هدفه الكبير.

 

في باريس..

 

بالنسبة إلى خال جبران، المحلّل السياسي والزميل علي حمادة تبقى الوقفة الأولى مع الذكريات هي بكل تأكيد مع التجربة الباريسية. يروي انه عندما تأسست <النهار العربي والدولي> عام 1977، كان جبران في السنة الأولى. وكنا نذهب معاً إلى مكتب المجلة في شارع <بيري>، وكانت أول وظيفة وأول عمل جدّي له تسلّمه قسم الاشتراكات. وكنت آتي لأساعده كصديق. كنا نعمل في غرفة صغيرة بمساحة مترين بمتر، تتوسطها طاولة صغيرة. غرفة صغيرة، وطاولة صغيرة، وشابان كانا في سن صغيرة. وما إن نجلس حتى نبدأ بوضع الأعداد داخل المغلّفات وإلصاق العناوين، لتجهيزها حسب البلدان وحسب المناطق لكي تُرسل إلى المشتركين. وفي تلك الفترة كان عدد المشتركين نحو ثلاثة الآف في أوروبا وشمال أفريقيا، مما يعني انه كان هناك الكثير من العمل. وكان جبران يتعامل مع هذه المسؤولية بكثير من الجديّة، شأنه شأن كل ما قام به. وعندما يقرر ان يعمل في حقل ما، كان يعطي من ذاته بالكامل. كان يعطي من نفسه 100 بالمئة. تلك كانت شخصية جبران. ومن هنا كان ينبع حبه للتفاصيل، من كونه يأخذ الأمور بجديّة.

وتابع حمادة: كان (جبران) يتابع دراسته الجامعية في باريس متخصصاً في الحقوق. وفي الوقت عينه تزوج من ميرنا (المرّ) وسكن في باريس. وفي تلك المرحلة قرر غسان تويني وأسرة <النهار> أن يوسّعوا آفاق <النهار العربي والدولي> ويحوّلوها من صحيفة أسبوعية إلى مجلة أسبوعية، وصار جبران مديرها العام، وبدأ يكتب في صفحتها الأولى عموداً تتخلله التعليقات السياسية.

 

<سيكار> كاسترو

 

يروي الزميل عصام عازوري لـ<الافكار> كيف كان جبران يجمع اسرة التحرير في <النهار العربي والدولي> داخل مكاتب الاشرفية ايام الحرب عام 1985، ويقول: على الرغم من أن مكاتب <النهار العربي والدولي> كانت موزعة بسبب الظروف الامنية، بين الحمراء والأشرفية، الا ان جبران كان يصر على ان يحضر الجميع اجتماع التحرير الاسبوعي الذي كان يعقده في مكاتب الاشرفية، وكان اجتماعاً يمثل وحدة وطنية حقيقية، الاجتماع كان كل نهار جمعة، وكان جبران يوزع علينا <السيكار> الكوبي الفاخر ويقول ممازحاً <اخبروا <فيدل كاسترو> اننا في كل اسبوع نقيم حفلة للـ<سيكار> الهافاني>. وكان من حضور تلك الاجتماعات على ما أذكر الزملاء انسي الحاج، علي حماده، عبد الهادي محفوظ ، صبحي منذر ياغي، نوفل ضو، خليل نحاس، دوللي غانم، وديع الحلو، نبيل رياشي، نبيل براكس، خليل ابو انطون، سابين عويس، هاشم قاسم، زكريا حمود، ادوار أمين البستاني، انطوان متى، عبدالله عبود، مهى سمارة، ابراهيم عبده الخوري، جوزف بو نصار، وغيرهم..>.

 

<حرب التحرير>

 

وعن المحطات البارزة الوطنية التي كان لجبران دوره المهم فيها، يتذكر عصام عازوري هذه الحقبة ويقول: مع اعلان الجنرال ميشال عون ما سماه <حرب التحرير> ضد السوريين، وقف جبران بقوة الى جانب العماد عون يومئذٍ لانه اعتبره <المنقذ>، وأسس جبران حركة دعم التحرير، وأذكر كيف انهمرت القذائف السورية ذات يوم على منزل جبران في بيت مري يوم كنا في الملجأ، أنا، ونبيل براكس، وصبحي ياغي، وداني منصوراتي، وغابي عبد المسيح... وكيف خرج جبران رغم القصف يستطلع مكان سقوط القذائف.

سيارة-جبران-بعد--التفجيراغتيال داني شمعون..

والمنفى الأول

وأكثر الاحداث التي أثرت بجبران كانت يوم اغتيال داني شمعون، أذكر انني قصدته يومئذٍ الى منزل النائب ميشال المر في بتغرين، كان في الصالون الكبير يجري مقابلة مع محطة تلفزيونية فرنسية، وجهه كان شاحباً والدموع تملأ عينيه، وطلب مني يومئذٍ أن اسأل شقيقي (الضابط في الجيش) عما اذا كان لديهم في اللواء الأول شخص برتبة نقيب من آل عيد، لأن هذا الشخص قصده الى منزله في بيت مري، ومعه عدد من الاشخاص يرتدون لباس الجيش اللبناني مدعياً انه النقيب عيد من اللواء الأول وأنه جاء يسأله عما إذا كان بحاجة لأية خدمة. وعلمنا في ما بعد ان النقيب عيد ضابط وهمي كانت لديه مهمة مشبوهة.

وسافر جبران الى منفاه الباريسي وسط الحاح من الجميع لان حياته صارت في خطر، وتوقفت <النهار العربي والدولي> عن الصدور، ووقع لبنان تحت قبضة الوصاية، ومع ذلك كان مؤمناً بأن الوطن سينتصر.

 

<نهار الشباب>

عام 1993 عاد (جبران) الى لبنان، التقيته داخل مبنى >النهار> في الحمراء، بعد ذلك عدنا الى مكاتب مجلة <النهار العربي والدولي> في المبنى الجديد في الاشرفية، لنعمل على تأسيس ملحق <نهار الشباب> الذي أراده جبران منبراً للتعبير عن تطلعات الشباب ودورهم في الدفاع عن الحريات. كنا مجموعة ضمت علي حماده، وليد عبود، جان كرم، امين قمورية، فراس الامين، عصام عازوري، الين فرح، رلى معوض، عبد الهادي محفوظ، رلى مخايل، علي بردى. وانطلق جبران من خلال <ملحق نهار الشباب> الى اقامة المهرجانات السياسية والبيئية والثقافية في كافة المناطق، واستطاع أن يحدث تحولات ملموسة في قطاع الطلاب والشباب.

زيارة للبقاع وحملات أمنية سورية

أول مرة زار فيها جبران البقاع بعد انتهاء الحرب كانت في تشرين الاول من العام 1993، لإلقاء محاضرة في ضهر الاحمر في راشيا بدعوة من الزميل شوقي دلال، دعا فيها الشباب لأن ينتفض ويطالب بحريته وسيادة وطنه، وكان من بين الحضور عدد من العناصر الحزبية القومية والبعثية، وعناصر أمنية سورية.

تعرض جبران لحملات من نظام الوصاية ومنها مثلاً تدخل المخابرات السورية عبر بعض رموزها وأزلامها لمنع محاضرة لجبران في مدرسة <راهبات القلبين الاقدسين> في زحلة بدعوة من ادارة المدرسة بتاريخ 11/11/2000، واذ بالام الرئيسة دانيال حروق تتلقى اتصالاً من جهات زحلية لالغاء المحاضرة بأمر من المخابرات السورية.

مع-جبران-تويني-خلال-الصيد-في-سهل-شليفا--بعلبك-2002

اغتياله..

 

اغتيل جبران تويني يوم الاثنين 12 كانون الأول/ ديسمبر 2005 في ضاحية المكلس شرق بيروت حوالى الساعة التاسعة صباحاً حيث انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من سيارته الـ<لاند روفر>، أثناء توجهه الى عمله في صحيفة <النهار>، وقد أتى الاعتداء بعد ساعات على تسلّم <ديتليف ميليس> رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري  لمهامه.

اغتالوا جبران وهو في عز عطائه، وخسر لبنان بموته طاقة وطنية واعلامية وسياسية. لم ينل جبران حقه، تعرض لخيبات الامل وأبرز تلك الخيبات جاءته من النائب ميشال عون نفسه الذي دعا الى مقاطعة الانتخابات في بيروت في الوقت الذي كان جبران مرشحاً عن منطقة الاشرفية، وهو الذي وقف الى جانب عون في <حرب التحرير>، ودافع عن انصار عون في لبنان يوم كانوا ضحية النظام الامني اللبناني - السوري، وكان جبران أول من زار عون بعد عودته، مرحباً به كمدافع عن سيادة وحرية لبنان.

عدد كبير من رفاق جبران تنكّروا لقسمه ولنضالاته، وتناسوا المعاناة والنضالات التي خاضوها معاً، الا ان الشيء الوحيد الذي يؤلم حتى اليوم ولا يمكن استيعابه، قيام البعض بتوزيع الحلوى ابتهاجاً وشماتة حين هوى جبران مضرجاً بدمائه، دفاعاً عن لبنان العظيم الذي احب.