تفاصيل الخبر

في الذكرى الـ 68 لنكبة فلسطين :فشل جيش الانقاذ بسبب ضعف الخبرة العسكرية.. وبقيت بطولات معركة المالكية حاضرة في سجل التاريخ!  

20/05/2016
في الذكرى الـ 68 لنكبة فلسطين :فشل جيش الانقاذ بسبب ضعف الخبرة العسكرية..  وبقيت بطولات معركة المالكية حاضرة في سجل التاريخ!   

في الذكرى الـ 68 لنكبة فلسطين :فشل جيش الانقاذ بسبب ضعف الخبرة العسكرية.. وبقيت بطولات معركة المالكية حاضرة في سجل التاريخ!  

بقلم صبحي منذر ياغي

الملك فاروق مع ضباط الحرس الملكي قبل إرسالهم الى حرب فلسطين

  في الرابع عشر من أيار/ مايو 1948 وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين  أعلن <دافيد بن غوريون> إقامة دولة إسرائيل، فبادر كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية للاعتراف بتلك الدولة، ثم توالى الاعتراف من جانب الدول الأوروبية تباعاً.. وباشرت إسرائيل سعيها للاستيلاء على الأراضي العربية المحيطة بها، وقد قامت لهذه الغاية باعتداءات واجتياحات كان للأراضي اللبنانيّة النصيب الأكبر منها، وقد قضى خلالها مئات الأبرياء ضحايا لاطماع العدو.

وقد أكدت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين آنذاك أن الحكومة البريطانية، بوصفها الدولة المنتدبة، اعتزمت سحب قواتها العسكرية وإنهاء مهام قوة الشرطة الفلسطينية المحلية المؤلفة من عرب يهود يوم 15/5/1948، على أن تترك معداتها وأسلحتها ومخازنها للسلطات التي تخلفها. والواقع أنه لم تكن هناك سلطة عربية فلسطينية تخلفها، في حين كانت المنظمة الصهيونية قد وضعت خطة متكاملة استعداداً لمثل هذا الموقف، فاستغلت حالة الفراغ الناجمة عن انسحاب السلطات البريطانية لتستولي على جميع مخلفاتها من المعدات والسلاح والمؤسسات الإدارية والمنشآت. وإزاء هذا الوضع، وإزاء تكرار الاعتداءات الوحشية الصهيونية على القوى العربية، وتقاعس السلطات البريطانية عن تنفيذ واجباتها في الإشراف على الأمن وحفظه حتى قيام سلطة محلية، لم يعد أمام الدول العربية غير التصدي لهذا الغزو الصهيوني الاستعماري لفلسطين بالقوة، فاضطرت إلى دفع قواتها المسلحة النظامية لحماية شعب فلسطين من القتل والتشريد.

وكان لا بد من اللجوء الى الطرق العسكرية لحماية فلسطين وانقاذها من براثن العدو، ووفق الموسوعة الفلسطينية انه عندما اتضح للعرب ميل اللجان التي شكلتها الأمم المتحدة إلى تقسيم فلسطين دعا مجلس جامعة الدول العربية إلى اجتماع في عاليه (لبنان) ما بين 7 و9/10/1947 لدراسة التدابير الواجب اتخاذها للوقوف في وجه المؤامرة ضد عروبة فلسطين. وكان من أهم القرارات المتخذة خلال ذلك المؤتمر تأليف لجنة عسكرية من ممثلين عن مختلف الدول العربية مهمتها دراسة الموقف من الناحية العسكرية، ومعاونة أهل فلسطين في الدفاع عن أنفسهم وكيانهم. وقد تألفت تلك اللجنة من اللواء الركن اسماعيل صفوت (العراق) رئيساً، وعضوية كل من العقيد محمود الهندي (سوريا)، والمقدم الركن شوكت شقير (لبنان)، وصبحي الخضرا (فلسطين)، ولم ترسل مصر والأردن والسعودية واليمن أحداً ليمثلها في اللجنة. وكان من بين توصيات اللجنة فتح باب التطوع أمام الشبان العرب للمشاركة في الكفاح المسلح في فلسطين.

جيش الانقاذ

جيش الانقاذ

محاولة الصهاينة الاستيلاء على فلسطين دفعت بالدول العربية الى تأسيس جيش الإنقاذ العربي عام 1947 من قبل اللجنة العسكرية للجامعة العربية. وشكل جيش الانقاذ من متطوعين سوريين ولبنانيين وعراقيين وأردنيين ومصريين وسعوديين ويمنيين وعدد قليل من جنسيات غير عربية (تركيا، ويوغسلافيا، وألمانيا، وانكلترا)، فجاءت تركيبته غير متجانسة من حيث الأفراد والتسليح والتدريب وأسلوب العمل.

 وقد شارك هذا الجيش في حرب 1948 وأطلق عليه في البداية اسم جيش التحرير ثم غير الاسم إلى جيش الإنقاذ. وقد ضم الجيش حوالى 3,830 متطوعاً مسجلاً في وثائق الجامعة العربية وأنيطت قيادة الجيش للضابط فوزي القاوقجي كقائد أعلى لوحدات جيش الإنقاذ.

وتكونت وحدات جيش الإنقاذ من لواءين في ثمانية أفواج، وهي فوج اليرموك الأول، فوج اليرموك الثاني، فوج اليرموك الثالث، فوج حطين، فوج الحسين، الفوج العراقي، فوج جبل الدروز، فوج القادسية، وتكون من ثلاث سرايا بلغ عدد أفرادها  450 شخصاً، إضافة لأربع سرايا مستقلة غير تابعة لأي فوج، عدد أفرادها حوالى 450 فرداً. وقد زيدت في ما بعد قواته لتصل إلى 7،700 فرد، منهم 5،200  شخص من مختلف البلاد العربية وبعض الأجانب، ونحو 2500 شخص من مجاهدي فلسطين.

ووفق عدد من الباحثين من بينهم الباحث محمد الطويل وفي دراسة اعدها في هذا المجال يؤكد ان معركة المالكية مع الصهاينة، ربما كانت المعركة الوحيدة التي سجل فيها جيش الانقاذ بطولات مع قوات الجيش اللبناني، وقد تميزت هذه المعركة بأنها جاءت <كرا وفرا> بين القوات المتقاتلة.

 

معركة بطولية 

بمجرد لفظ كلمة المالكية يتذكر كثيرون تلك المعركة البطولية الشهيرة التي جرت بين الجيش اللبناني والعصابات الصهيونية. والمالكية بلدة تقع على السفح الشمالي لاحدى التلال المطلة على الغرب في الطرف الجنوبي الشرقي لجبل عامل، مساحتها تبلغ 7300 دونم منها 35 دونما في لبنان. يحدها شمالا بليدا، وجنوبا صلحا، وشرقاً قدس، وغربا عيترون، وقد شكلت طريقا فرعية تصلها بغيرها من القرى وبالطريق العام الساحلي غرباً. وفي أواخر القرن التاسع عشر وصفها احد الرحالة بأنها قرية مبنية بالحجارة والطين في سهل يقع شرقي أحد الأودية. وكانت القرية تستمد حاجتها من المياه من وادي مجاور. وقد ظلت المالكية جزءاً من لبنان حتى عام 1923 حين رسمت الحدود النهائية بين لبنان وفلسطين.

أحداث المعركة

في شهر أيار/ مايو 1948 قامت وحدات من عصابات <بالماخ> الصهيونية بمهاجمة البلدة، ويقول المؤرخ الفلسطيني هاني الهندي إن القرية كانت أصلاً في يد <فوج اليرموك الثاني> من جيش الإنقاذ العربي، وكان الفوج بإمرة المقدم أديب الشيشكلي، (الذي صار رئيساً للجمهورية السورية في ما بعد).

اما عن البعد الاستراتيجي والعسكري لاحتلال البلدة من قبل الصهاينة فيذكر احد المؤرخين ان العصابات الصهيونية بعد احتلال صفد خشيت من أي تقدم للجيش اللبناني في إصبع الجليل عن طريق المالكية، فقامت بمحاولة استباق قوات الجيش اللبناني للسيطرة على المالكية وقادش وقلعة شرطة النبي يوشع قبل يوم 15 أيار/ مايو، مع تخريب كل الجسور الواقعة عند مداخل فلسطين الشمالية وحتى الموجودة في عمق الأراضي فوزي القاووقجياللبنانية والسورية لعرقلة تقدم أية قوات عربية في ذلك الاتجاه.

ومن ثم أصدر <يغال آلون> قائد <اللواء يفتاح> أوامره يوم 13 أيار/ مايو إلى <دان لانر> قائد الكتيبة الأولى في <بالماخ> بالتقدم واحتلال المالكية والمرتفعات المحيطة بها لقطع الطريق في وجه القوات العسكرية اللبنانية من هذا الاتجاه، مع عزل قلعة شرطة النبي يوشع. وبعد سير منهك طوال ليلة 14 - 15 أيار/ مايو،  أضاعت فيه الكتيبة اتجاهها، وصلت القوة الى قرية قادش فاحتلتها كما احتلت المالكية صباح 15 أيار/ مايو.

 ووفق ما ورد في الموسوعة الفلسطينية ان القوات العسكرية اللبنانية دخلت فلسطين باتجاه ما يسمى باصبع الجليل الممتد شمالاً من نهر الأردن ووادي الحولة، وقد وُضعت القوات الإسرائيلية تحت ضغط جبهتين عربيتين في آن واحد، إذ عبر السوريون نهر الأردن نحو شرق اصبع الجليل، في حين اتجهت القوات العسكرية اللبنانية نحو غربه.

وقد استغلت قيادة الجيش اللبناني الفترة التي حاولت فيها القوات الصهيونية تعزيز مراكزها، فقامت قوة من الجيش بقيادة الزعيم فؤاد شهاب بهجوم مضاد اسفر عن استعادة المالكية واجبار الصهاينة على الانسحاب منها مخلفين حوالى 122 قتيلا وجريحاً.

وإزاء انسحاب كتيبة <البالماخ> الأولى من المالكية قامت إحدى سرايا التخريب الاسرائيلية باحتلال قلعة شرطة النبي يوشع جنوبي المالكية بعد أن مهد سرب الجليل لذلك الهجوم بإلقاء القنابل الحارقة على القلعة.

كر.. وفر

 

الا ان العدو عاد وشن هجوماً على قوات الجيش اللبناني المرابطة في المالكية عن طريق الخدعة التي نصت على ان تقوم القوة الرئيسية بالالتفاف والهجوم على المالكية من الخلف عبر الأراضي اللبنانية، وفي ليلة 28 - 29 أيار/ مايو تحركت القوة الرئيسية دون أضواء في عرباتها المدرعة من المنارة عبر الحدود اللبنانية، ثم انعطفت جنوباً نحو المالكية في الوقت الذي كانت فيه قوات صهيونية اخرى تهاجم قادش والمالكية من الأمام، وقبل أن يصل رتل القوة الإسرائيلية الرئيسية إلى المالكية، اضُطر للاشتباك مع وحدة لبنانية صغيرة كانت تتقدم لدعم القوة اللبنانية المدافعة عن تلك البلدة، وقد نبهت أصوات الطلقات النارية خلال هذا الاشتباك القوة اللبنانية في المالكية، إلا أنهم قبل أن يتمكنوا من تنظيم أنفسهم للدفاع ضد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ، كان الإسرائيليون يهاجمونهم من الخلف، وبعد معركة قصيرة سقطت البلدة في أيدي القوات الإسرائيلية.

وعاد الجيش اللبناني الى تنظيم صفوفه لاستعادة الملكية من جديد، وكُلفت كتيبة مشاة من فوج القناصة الثالث اللبناني بالمهمة، ودُعمت بست دبابات رينو وأربع عربات مدرعة.

وكان الهجوم الذي بدأ صباح 7 حزيران/ يونيو عام 1948 بقصف متواصل من سلاح المدرعات اللبنانية على مواقع العدو شمالي المالكية مترافقا مع تقدم قوات المشاة اللبنانية من الشرق والغرب معاً، قد نجح في الانقضاض على اللواء الاسرائيلي <عوديد> الذي حل مكان اللواء <يفتاح> في المالكية، في الوقت الذي كان فيه أحد أفواج جيش الإنقاذ المعزز بمتطوعين يوغسلافيين يضغط على القوات الإسرائيلية جنوبي المالكية. وقد حاول قائد اللواء <عوديد> شن هجوم مضاد لاستعادة مواقعه إلا أنه باء بالفشل، وتمكنت كتيبة المشاة اللبنانية من إحكام سيطرتها على التلال الواقعة شمالي شرقي وجنوبي غربي المالكية، وكانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت من البلدة بعد أن أحرقت مستودعات الوقود والذخيرة فيها.

ثم تقدم الجيش اللبناني واحتل قادش ورامات نفتالي في اليوم التالي، الأمر الذي أدى إلى فتح الطريق إلى وادي الحولة جنوباً، واندفع جيش الإنقاذ العربي بقيادة فوزي القاوقجي إلى قلب الجليل، ووصلت طلائعه إلى بطاقة هوية زغيب وقد اخترقتها رصاصة العدو الناصرة يوم 11 يونيو/ حزيران قبل سريان الهدنة الأولى مباشرة.

ونجح الجيش اللبناني في البقاء في المالكية الصيف كله، إلا أنه وتحت غطاء جوّي من الطائرات الحربية الإسرائيلية في أواخر تشرين الأول/ اكتوبر 1948، وتحت ضغط الهجوم البرّي الذي شنّته أربعة ألوية إسرائيلية في إطار عملية «حيرام»، تمكّن لواء <شيفع> (السابع) من اجتياح القرية، وكان احتلال المالكيّة ضمن احتلال ما أصبح يعرف بـ«القرى السبع اللبنانية». استشهد في معركة المالكية عدد من جنود الجيش اللبناني، على رأسهم قائد الحامية النقيب محمد زغيب (وقد سمّيت ثكنة الجيش في صيدا تيمّناً باسمه وتخليداً لذكراه) حيث منحه الزعيم وقائد الجيش فؤاد شهاب وسام الأرز من رتبة فارس. واستمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخل مجلس الأمن التابع للأمم الدولية وفرض وقفاً لإطلاق النار في 10 حزيران/ يونيو 1948، تتضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة، ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية.

وفي سنة 1949، أنشئت مستعمرة مالكية على أراضي القرية، إلى الجنوب الشرقي من موقعها. وموقع القرية اليوم يشكّل منطقة عسكرية مسيجة يحظر دخولها.

 

الشهيد زغيب

 

والملازم زغيب من مواليد يونين (البقاع) تخرج من المدرسة الحربية عام 1937 برتبة مرشح ضابط، ثم رقي الى رتبة ملازم عام 1946، وعندما قررت الدول العربية دخول الحرب عام 1948 عين ضابط ارتباط في القيادة العامة للجيوش العربية، اصيب برصاصة في صدره اخترقت احدى رئتيه، وكان لاستشهاده اثر كبير في نفوس المجاهدين، وقد اطلق اسمه على ثكنة الجيش في صيدا (ثكنة محمد زغيب).

شهيد يتحدث عن شهيد

بن غوروين يعلن قيام اسرائيل 

وكان الزعيم معروف سعد (الذي اغتيل في شباط/ فبراير 1975) قد شارك في معركة المالكية تحت امرة محمد زغيب، وكتب سعد في احدى وثائقه ان الشهيد محمد زغيب اتخذ من قرية المالكية مقرا لقيادته، ولما اشتدت على العدو وطأة العمل الفدائي قرر اليهود الانتقام لقتلاهم فأعدوا هجوما كبيرا خاطفا على المالكية. وكان حراسنا في مراصدهم يراقبون اي تحرك. فما ان اطل العدو الغادر بمجموعة حتى تصدى الحراس للمهاجمين وفتحوا النار عليهم. وفي سرعة خاطفة اصدر القائد الشهيد اوامره الينا، فكنا في كل مكان يحتمل ان يدخل منه العدو. فتساقطوا برصاصنا، واذا بالقائد الحبيب يترك مركز قيادته ليأخذ مكانه بين الجنود، وخفت عليه وحاولت ان اقنعه في العودة الى مركز قيادته ولكن دون جدوى، ووقع المكروه واصيب القائد البطل برصاصة في صدره وكانت من النوع المعروف «دمدم» الذي ينفجر في الجسم، فنقل الى المستشفى في صور وبقي الشهيد البطل يصارع الموت لمدة أسبوع، وزرته بعد ثلاثة ايام من اصابته فكان اول ما سألني إياه: <الا تزال المالكية في ايديكم؟>، وودع الدنيا وسكت.

اما عن أسباب فشل العرب في هذه الحرب كما يراها باحثون في الموسوعة الفلسطينية فتتلخص في عدم إشراك السياسيين القادة العسكريين في أي نقاش حول الحرب، وضحالة المعلومات المتوافرة لدى أجهزة قيادات الجيوش العربية عن القوات المعادية، اضافة الى ضعف القدرة والخبرة العسكريتين لدى القوات العربية، فبعضها كان حديث التشكيل، وبعضها كان بقيادة أجنبية، وجميعها لم يسبق لها الاشتراك الفعلي في القتال، في حين توافرت للقوات الإسرائيلية خبرات قتالية اكتسبها بعض قوادها وأفرادها من الحرب العالمية الثانية، كذلك يعود الفشل لافتقار العرب إلى قيادة عسكرية موحدة جدية قادرة على التخطيط والتنسيق بين الجيوش والإشراف على سير العمليات، مما أدى إلى إصدارها لأوامر تفتقر إلى الدقة في تحديد الأهداف والمهام، كما عجزت الدول العربية عن استغلال فترات توقف القتال لتحسين أوضاع قواتها المسلحة وتأمين السلاح والعتاد اللازمين كما فعلت إسرائيل.