يجمع المراقبون أن رئيس تيار "المردة" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، بكّر في اطلالته التلفزيونية يوم الخميس الماضي، في فتح معركة رئاسة الجمهورية التي من المفترض ان تجري في تشرين الاول (اكتوبر) من العام 2022 مع نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون، وقد قدم نفسه مرشحاً رئاسياً "طبيعياً" من خلال الاجابة على اسئلة حول رؤيته الى مستقبل لبنان وتحالفاته المحتملة، فضلاً عن مسار الاوضاع السياسية في البلاد. وعلى رغم ان فرنجية طرح علامات استفهام كبيرة حول امكانية اجراء الانتخابات الرئاسية، وقبلها الانتخابات النيابية، الا انه في سياق حديثه، اكد ترشحه للرئاسة الاولى من دون ان يتراجع عن تحالفاته مع حزب الله وعلاقاته مع سوريا، وبدا طبيعياً من خلال سير المقابلة ان فرنجية صبّ جام غضبه على عهد الرئيس عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي يحمله زعيم "المردة" وزر الكثير من المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد والتي رافقت عهد عون.
لكن اللافت في المقابلة كان فتح فرنجية النار على "انتفاضة 17 تشرين" بعد مرور سنة وشهرين على اندلاعها ووصل الـــى حد التهديد بالتعرض للناشطين في منـــاطق محسوبة على "المردة" كرد على اي تعرض لمحسوبين على تياره في مناطق اخرى. وثمة من يرى ان كلام فرنجية ينم عن جرأة في التعبير عما يختلج قلوب ونفوس معظم قوى السلطة، وهي جرأة سلكت طريقها بعد التيقن من انكفاء الناشطين وتلاشي الانتفاضة سواء نتيجة خرقها من قوى السلطة ودخول اكثر من طرف خارجي على خطها، او نتيجة فشل قوى المعارضة بالتوحد وتقديم بديل مقنع لمئات الآلاف الذين ملأوا الساحات في 17 تشرين الاول 2019 والايام القليلة التي تلته. لكن مما لا شك فيه ان خطاباً كهذا لا يخدم فرنجية الطامع علناً لرئاسة الجمهورية 2022. فبالرغم من أن لا دور مباشراً للارادة الشعبية في استحقاق الرئاسة الذي يعتمد على نتائج الانتخابات النيابية، الا ان ما لا جدل فيه هو ان اي رئيس مقبل يجب ان يراعي الحالة الشعبية التي ظهرت في " 17 تشرين الاول" لا ان يعلن الحرب عليها.
وبدا واضحاً ان فرنجية بعد ان نزع القفازات، قرر إطلاق النار على كل القوى من دون استثناء، حتى إن نيرانه قاربت من حليفه حزب الله الذي أخذ عليه "تبديته" الفرقاء الآخرين عليه في اشارة واضحة الى "التيار الوطني الحر" الذي لا يزال يدعم "الحزب" وأمينه العام السيد حسن نصر الله الذي يلتقي مع باسيل في مناسبات مختلفة "وينسق" معه في الحالات الصعبة التي تمر بها البلاد سياسياً. وأتت العقوبات الاميركية على باسيل بسبب عدم قطع علاقته مع حزب الله، لتزيد الامور صلابة في التحالف الذي تم الاتفاق عليه في شباط (فبراير) من العام 2005. وعلى رغم من وجود تباينات في وجهات النظر بين "التيار" والحزب، الا انه في الامور الاستراتيجية فإن التحالف ثابت ولا مجال لأي خرق او تأثير سلبي على هذه العلاقة التي يبدو انها لا تزال لها الاولوية في حسابات حزب الله على الصعيد الداخلي من دون ان يعني ذلك ان الحزب ابتعد عن حلفائه الآخرين ولاسيما فرنجية الذي بات في حالة عداء مع النائب باسيل لن يكون من السهل فكها لا بل هي تتزايد يوماً بعد يوم.
"حرب" على جعجع
الا ان اللافت في اطلالة فرنجية التلفزيونية ان حصة الاسد من انتقاداته للاحزاب السياسية كانت ومن خارج التوقعات، لرئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع. فرغم المصالحة التي تمت بينهما، اصر فرنجية على التأكيد ان هذه المصالحة لا تعني تغييب وقائع تاريخية، مستعيداً الحديث عن جرائم كثيرة ارتكبها جعجع خلال الحرب لا تسمح له بأن يقود الثورة ضد الفساد. اذاً وفي الوقت الذي كان يعتقد البعض ان "القوات" و"المردة" سيسعيان للبناء على المصالحة، يبدو انه يتم العودة بالعلاقة بينهما الى سابق عهدها وما كانت عليه قبل العام 2018، ما يؤكد ما تردد بوقتها عن ان تلاقي "العدوين التاريخيين" كان هدفه الاول والاخير الرد على محاولة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الاستئثار بالتمثيل المسيحي. ولم تقابل حملة فرنجية على جعجع بأي رد من رئيس "القوات" الذي آثر في احدى اطلالته الاعلامية عدم التعليق على ما قاله الزعيم الزغرتاوي، متفادياً اي جدل يمكن ان ينشأ بين الرجلين، لاسيما وان جعجع لا يمكن ان ينكر بعض الوقائع التاريخية التي تحدث عنها فرنجية من دون ان يتوسع فيها.
ويرى مراقبون ان كل ما ورد في مقابلة فرنجية يندرج في إطار استعداده للمعركة الرئاسية المقبلة التي تستدعي برأيه مواصلة المواجهة المفتوحة من دون سقف مع باسيل وعون على حد سواء، اضافة الى فتح المعركة مع جعجع الذي يسوق نفسه مرشحاً اساسياً للانتخابات المقبلة. لا يبدو ان فرنجية يعول كثيراً على الكلام الذي يتردد عن ان ما شهده البلد على الصعد كافة بعد 17 تشرين يستدعي انتخاب رئيس من خارج نادي "الاقوياء" خاصة وان تجربة اقوى هؤلاء الاقوياء لم تكن مشجعة، هي إعادة تكليف الحريري اعطت زخماً من جديد للطبقة الحاكمة التي تتجه على ما يبدو، وباقرار من فرنجية نفسه، لتجاوز استحقاق الانتخابات النيابية وحتى الرئاسية وصولاً لمؤتمر تأسيسي حاول تبديد مخاوف المسيحيين منه، وكأنه أمر حاصل لا محال. ولاقت مقابلـــة فرنجية امتعاضاً واسعـــاً في صفوف قوى "الانتفاضة" التي باتت متيقنة من "تحالف كل قوى المنظومة لمواجهة التغيير القادم"، على حد تعبير احد القياديين فيها.
اذاً هي المواجهة بين المنظومة الحاكمة والمجموعات الشعبية باتت اشرس من اي وقت مضى. فكلا الطرفين نزع القفازات وآن وقت الكباش المباشر الذي سيتواصل حتى موعد الانتخابات المقبلة!.