... وكأن لبنان لا تنقصه مشاكله الداخلية، وأزمته الحكومية وحراكه الشعبي في <ثورة 17 تشرين>، وتقنين الكهرباء والمصارف ومصالح المياه، حتى تبرز مشكلة دولية تتعلق بخسارة حق التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بسبب تخلفه، لأول مرة في تاريخه، عن دفع موجباته المالية المستحقة لسنتين متتاليتين. ولم يبق هذا الأمر سراً، بل لجأت الأمم المتحدة الى التشهير بلبنان من خلال اعلان الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة <ستيفان دو جاريك> عن لائحة الدول الممنوعة من المشاركة في قرارات الأمم المتحدة وبينها لبنان، البلد الذي شارك في تأسيس الأمم المتحدة حيث لا يزال توقيع شارل مالك على ميثاق الأمم المتحدة محفوراً في المبنى الكبير في نيويورك.
وبصرف النظر عن الأسباب التي أدت الى هذه الإهانة الكبيرة بحق لبنان في أعلى منبر دولي وأمام مجموعة الدول الكبرى والمتوسطة والصغرى، وبعيداً عن أي تبريرات سواء تلك التي صدرت عن وزارة الخارجية أو تلك التي أعلنتها وزارة المال، فإن هذه الفضيحة تستحق من يحقق بها وبكل ملابساتها لتحديد المسؤولية.
وترى أوساط ديبلوماسية انه لا يكفي ان تعرب وزارة الخارجية والمغتربين عن <أسفها> لإعلان الأمم المتحدة ان لبنان لم يسدد اشتراكاته، أو أن تعلن وزارة المال انها لم تتلق أي مراجعة أو مطالبة بتسديد أي من المستحقات المتوجبة لأي جهة، وان كل المساهمات يتم جدولتها بشكل مستقل سنوياً لتسديدها وفق طلب الجهة المعنية... بل على المسؤولين أن يبادروا الى تقديم الاعتذار العلني من الأمانة العامة للأمم المتحدة أولاً، ومن اللبنانيين ثانياً، لأنهم أضروا بسمعة لبنان وشوهوا صورته ودوره وحتى بدا لبنان وكأنه دولة فاشلة أو مارقة غير قادرة على ادارة شؤونها الذاتية والسهر على علاقتها الخارجية. وتضيف الأوساط ان تقاذف تهمة التقصير والتقاعس بين وزيري الخارجية والمال جبران باسيل وعلي حسن خليل، يزيد من خطورة ما حصل ويكشف القصور من جهة، واللامبالاة من جهة أخرى، ويؤكد ان السقطات المتتالية لم تعد حكراً على فئة أو جهة أو فريق، بل هي سمة باتت ملازمة للبنان وإدارته ومؤسساته الرسمية.
حُجز المبلغ لكنه لم يُصرف!
ولعل ما زاد الطين بلة نشر وزارة الخارجية والمغتربين مراسلة رسمية لحجز المبلغ الذي يحدد حصة لبنان في موازنة الأمم المتحدة، ما استدعى رداً من وزير المال الذي أعلن رسمياً انه <أوعز> بدفع المبلغ صباح الاثنين الماضي... وهذا التذكير وذلك <الإيعاز> يؤكدان مسؤولية الوزيرين باسيل وخليل في التقصير الحاصل، ولا يشكلان أي دفاع عن الخطأ المميت الذي ارتكبه الوزيران حيال وطنهم وشعبهم. ومهما صدر من <تبريرات> لا يمكن أن يقنع اللبنانيين أولاً، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ثانياً، لأن فداحة ما حصل لا يمكن تعويضه بأي قرار أو موقف أو مبادرة. لقد تضرر لبنان بمصالحه وهيبة الدولة وسمعتها، وأي معالجة بعد ذلك، هي خطوة متأخرة لأن الضرر وقع وخسر لبنان مرة جديدة صدقيته أمام العالم وصوته، وهو الذي كان نال لأشهر خلت أكثر من 167 صوتاً داعماً لإنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار في جلسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة شكلت محطة مضيئة في تاريخ لبنان... فإذا بعدم تسديد المستحقات المتوجبة يمحو أهمية هذا الحدث
ليجعل لبنان بلداً عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته تجاه أعلى منظمة دولية في العالم!
فهل من يحاسب ويسأل ويعاقب، في بلد لم يعد فيه الحساب قاعدة ولا السؤال ضرورة ولا العقاب حاجة!
الدستور نصّ في المادة السابعة منه على أن مجلس النواب يحاسب الوزراء إذا ما أخلوا بالواجبات المترتبة عليهم، فهل يفعل؟
تجدر الإشارة الى ان الدول التي شملها قرار الأمم المتحدة لعدم تسديدها مستحقاتها هي: افريقيا الوسطى، جزر القمر، غامبيا، ليسوتو، الصومال، تانغا، فنزويلا، اليمن. أما موازنة الأمم المتحد فتبلغ 3 مليارات دولار، يضاف إليها مبلغ 6 مليارات دولار لتغطية تكاليف عمليات السلام الدولية.
وكان الوزير باسيل وقع في 2 آب (أغسطس) الماضي قراراً حمل الرقم 43/14 يقضي بتسديد مساهمة لبنان في الميزانية العادية للأمم المتحدة عن العام 2019 وقيمتها مليون و310,466 دولار أميركي أي ما يعادل (آنذاك) مليار و978 مليون و803 آلاف ليرة لبنانية، وطلب استصدار حوالة مصرفية بالقيمة على أن تصرف من باب اشتراكات في مؤسسات ومنظمات اقليمية ودولية في موازنة وزارة الخارجية والمغتربين.