تفاصيل الخبر

فضـيحــة ”الفــنــــــار“.. ســرقات وتحرشات على عينك يا دولة!

28/02/2019
فضـيحــة ”الفــنــــــار“.. ســرقات  وتحرشات على عينك يا دولة!

فضـيحــة ”الفــنــــــار“.. ســرقات وتحرشات على عينك يا دولة!

 

بقلم علي الحسيني

هناك في مستشفى <الفنار الحكومي للأمراض العقلية والعصبية> الواقع في محلة المصيلح الجنوبية، سقطت الإنسانية ومعها سقطت إدعاءات <الرسالة> التي يحملها البعض والتي حاز على أساسها صفة <ملائكة الرحمة>. في ذلك المبنى وقبل أن يسقط بيد وزارة الصحة، سقطت الإنسانية وماتت الرحمة من قلوب القيمين والمشرفين عليه بعد ان حولوه إلى زنزانة لا يمكن مقارنتها لا بسجن <ابو غريب> ولا سجون <النازية>. مرضى نفسيون فضحت أشكالهم من الداخل والخارج، عيوب دولة غضت لفترة من الزمن بصرها عن حجم الإجرام الذي يرتكب بحقهم وتركتهم يواجهون مصيرهم بعد أن غادرهم فريق المراقبة من أطباء وممرضين من دون دواء ولا ماء يمكن أن يعيد اليهم بعضاً من حياة كادت ان تنال منهم.

 

الوجع والقهر بالصورة والصوت

صرخات كانت امتدت على مدى يومين عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، كانت كافية لأن تتحرك الدولة بأجهزتها الصحية والتوجه إلى بلدة المصيلح عبر طريق عام النبطية، لتعاين بالجرم المشهود ما ارتكبته يد هؤلاء بحق الإنسانية. حضر وزير الصحة العامة الدكتور جميل جبق إلى المستشفى وجال في أورقتها وبعض الأقسام بعد ان منعته الرائحة من استكمال معاينته الميدانية للواقع المؤلم. من قلب مسرح الجريمة عقد جبق مؤتمراً صحافياً أشار فيه إلى أنه لم يستطع الاطلاع على كل الأقسام نتيجة الروائح الكريهة والوضع المزري داخل المستشفى، من غرف النوم إلى قاعات الطعام والحمامات، متحدثاً عن قلة المياه وعدم تأمين الكهرباء كما يجب. وليعبر عن استيائه من كل ما شاهد، واعداً بنقل كل المرضى الى مستشفيات وزارة الصحة في وقت قريب، على أن تحدد المسؤوليات.

ليس أبلغ من تعبير عن الوضع المأساوي الذي كان يعيشه نزلاء مستشفى <الفنار للأمراض العصبية والنفسية> على طريق عام الزهراني ــ النبطية إلا كلمات أربع قالها أحدهم <نحنا بشر.. مش حيوانات>، فما كانوا يعيشونه لا يمكن ان يتحمله البشر بعدما تبين انهم تركوا من قبل القيمين على هذا المستشفى. هم ليسوا من منطقة بعينها ولا من طائفة واحدة ولا حتى من مذهب معين، هم خليط ومزيج من كل التنوع اللبناني ومن أجيال مختلفة، ظهروا كشخصيات هربت من كتب التاريخ لتتأقلم مع جغرافية صغيرة ضاقت بالإنسانية والرحمة. لكل منهم قصة وحكاية وعبرة ورسالة لمن هم خارج <جغرافيتهم>. قالوا في رسالتهم: <هنا يوجد نوع من البشر يشبهونكم بالشكل وربما يوازونكم في عقولهم، لهم حقوق كثيرة اولها حق العلاج ضمن ظروف صحية وانسانية تليق بخلق الله، ومن دون منة من أحد ولا استعطاء. جميعهم أطلقوا صرخة واحدة <أخرجونا من هذا المعتقل>.

داخل هذا <المعتقل>، يوجد اكثر من مئتي مريض عصبي او نفسي او جسدي، بينهم اكثر من 60 امرأة. معظمهم كان مضى على وجودهم هناك ما بين 15 و30 سنة قبل أن يكشف النقاب عن مأساتهم بصور تم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت كافية لتحريك الرأي العام ومعه الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الصحة التي وعد وزيرها ان الخطوة التي تمت في هذا المستشفى ستليها خطوات مماثلة في مستشفيات أخرى مماثلة لحل مشكلة كل منها على حدة وحسب وضعها واحتياجاتها.

 

سرقة وتحرشات جنسية

 

خرجت الفضائح على الهواء واشتعلت الإشتباكات بين الموظفين والمدراء. وإنطلاقاً من القول <إن الله يمهل ولا يهمل>، يبدو ان الله أمر بتبيان الحقائق بلمح البصر، فلم يضرب لها موعداً بعد سنوات عجاف كما أراد للنبي يوسف بعد ان رموه أخوته في البئر. إحدى الموظفات تحدثت عن مال يصل الى المستشفى بشكل اعتماد سنوي، لكن الدكتورة سمر اللبان أي المديرة، تحصل على 400 مليون ليرة، بينما تحصل ابنتها على 50 مليون ليرة. موظف آخر يقول انه يجب أن تسأل مديرة المستشفى أين تذهب الأموال التي تحصل عليها المستشفى، والتي يدفعها أهالي المرضى أيضاً.

أما أحد المرضى فقد أكد أنه يتناول الأرز فقط يومياً، وطالب آخر بإحضار الطعام المناسب لهم، فيما ظهرت مريضة من دون سرير. وكشفت إحدى الموظفات عن أن مريضة تدعى مريم كانت حاملاً بطفلة، وقد خرجت شهراً من المستشفى ويقال إن الطفلة التي وضعتها توفيت، ثم قالت إنها لا تصدق أن الفتاة توفيت فعلاً، كما أخبرت أن المديرة كانت قد تحرشت منذ فترة بمريض، وأن طبيباً ضبطها تقوم بذلك>.

الدكتورة سمر اللبان دافعت عن نفسها قائلة: إن إحداهن قالت لقوى الأمن في النبطية إنها تتعاطى، مضيفة بشكل ساخر عما يحكى عنها: <لا أنا سكرجية وبتعاطى وهرونجية وحشاشة وبنام مع رجال..>. ونفت بشكل قاطع تحرشها بأي مريض في المستشفى. وعن المريضة التي تدعى مريم أجابت الدكتورة اللبان أنها كانت حاملاً عندما جلبتها إحدى البلديات الجنوبية إلى المستشفى، وتوفي الطفل (علماً أنه لم يتم تأكيد جنس الجنين لأن مريم قالت إنها كانت حاملاً بتوأم، فيما قالت الموظفة إنها أنجبت طفلة)، وطلب منها شهادة وفاة، فطلبت اللبان إسم الوالد لكي تعطيهم شهادة وفاة.

 

العدل في القصاص

 

خلال التحقيقات التي كان أجراها بداية النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم حول الحالة المزرية لمستشفى الفنار تم توقيف المديرة اللبان ومدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو بعدما استمع الى افادتيهما.وكشفت المعلومات ان توقيف اللبان جاء على خلفية إهمالها الذي نتج عنه وصول المستشفى الى ما وصلت اليه من اوضاع مزرية للمبنى والمرضى الذين يبلغ عددهم المئتي مريض فضلاً عن اوضاع المرضى الصحية وعدم تأمين العناية الطبية اللازمة لهم. واشارت المعلومات الى أن اللبان قد أمعنت في عدم الاعتناء بمرضى المستشفى من خلال عدم تأمين أبسط حقوقهم. وفي ما خص الحلو قالت المصادر ان اللبان اكدت خلال الاستماع الى افادتها بأنها بعثت برسائل عديدة الى وزارة الصحة تشرح فيها ما آلت اليه اوضاعها، وان الحلو قد أهمل تلك الرسائل ولم يعرها اي اهتمام او يحيلها الى الدائرة المعنية في الوزارة للبت بها، ما ادى بالتالي الى ازدياد الوضع سوءاً، كما لم يجر ارسال لجان طبية بشكل دوري للكشف على المرضى ووضع تقارير

بحالاتهم الصحية.

بعد ذلك أنهى القاضي علي ابراهيم تحقيقاته في ملف المستشفى باستماعه إلى خمسة موظفين. وإدعى ابراهيم على مديرة المستشفى سمر اللبان ووالدتها صاحبة المستشفى والطبيب جوزيف الحلو، وتم احالة الملف على النيابة العامة في الجنوب. وأوقف إبرهيم مدير العناية الطبية في وزارة الصحة جوزف الحلو ومديرة مستشفى الفنار للأمراض المزمنة والعقلية سمر اللبان على ذمة التحقيق، في موضوع إهمال وظيفي أدى الى إهدار أموال عامة.

اللبان كانت أشارت خلال اتصال هاتفي معها مع بدء خروج تسريبات حول ما يجري داخل المستشفى، الى إن وضع المستشفى حالياً أفضل بكثير من السابق وبأن المناظر المؤلمة التي جرى معاينتها مردها إلى وجود أشخاص يسرقون المستشفى، وبعدما اكتشفت أمرهم، عمدوا إلى كف يدها عن الإدارة منذ ثمانية أشهر، وقاموا بتعيين محامية المستشفى كمديرة إدارية ومالية. اليوم، الموردون الذين يزودون المستشفى بجميع المستلزمات، لا يريدون التعامل مع هذه المديرة. أضافت: إذاً فلتقلع عائلة سوبرا شوكها بيدها. وإذ نفت اللبان التهم الموجهة إليها بالفساد المالي وبهدر أموال المستشفى لحياتها الباذخة، ألقت اللوم على المحامية، ولم توفر استخدام أقذع العبارات بحق وزراء الصحة المتعاقبين وبالاسم.

ولم تنف اللبان تهمة فتح المستشفى أمام المرضى للهرب، مشيرة الى ان السبب هو وقوع جدل مع أحد وزراء الصحة، الذي رفض رفع السقوف لتشمل عدد المرضى الفائض عن الحد المرسوم، فلجأت متحدية إياه إلى فتح أبواب المستشفى أمام المرضى للهرب، وأثبتت له أنها <مرا قد كلمتها>، بحسب ما تحدثت.

 

<الفنار> من الداخل.. لكل منهم حكاية

 

 التنقل بين نزلاء المستشفى والسؤال عن اوضاعهم يأخذك إلى عالم مليء بالألم ووجع الضمير، وقبل ان تنطق السنتهم المتثاقلة مرضاً او اضطراباً او قلقاً على المصير، تجيب عيونهم الشاخصة بتعجب وتطالعك دهشة وجوههم كونها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي يتاح لهم فيها التعبير عما في دواخلهم وهو كثير أو غيض من فيض. ورغم ظروفهم المرضية والإنسانية والاجتماعية المزرية والصعبة كصعوبة خروج الروح من الجسد، الا أن من جرى الحديث معهم اتقنوا وبعفوية وتلقائية التعبير عن واقعهم وقضيتهم.

يقول أحدهم: جئت إلى هنا منذ 12 سنة بسبب وضع نفسي اعانيه واخرج بين الحين والآخر وأعود ومن وقتها لم يتغير شيء، فلا طعام يصلح ولا مكان للحمام، فالنزلاء لم يستحموا منذ شهرين، والأدوية اذا وجدت تعطى بلا وصفة طبيب وهي نفسها لكل النزلاء على السواء. يعني وضعنا صعب للغاية. وآخر يشير الى اننا لا نعلم شيئاً عما يدور في الخارج، وضعنا صعب جدا. ويقاطعه زميله في المصح، <نحنا بشر مش حيوانات. أنا بدي اشتغل وبدي عيش، قررت اجي لهون لأن ما عندي حدا برا، بدنا يساعدونا ويحسنوا اكل هالمستشفى. فيه ناس عم تموت من ورا الأكل والمرض والوسخ>.

من جهته اعتبر طبيب في المستشفى يدعى ماجد كنج أن وزير الصحة وضع المشكلة التي يعانيها هذا المستشفى في مكان واحد وقال ان الأموال التي تأتي من الوزارة شحيحة ولا تكفي. وقال: صحيح ان هناك مشكلة في الادارة ولكن ايضاً هناك مشكلة في الوزارة. وضع المستشفى سيء جداً وهذا امر غير مبالغ فيه لكن تحميل المسؤولية لجهة واحدة ليس منطقياً. كنا دائماً نطلق الصرخة للوزارة وكان الجواب دائماً ان هذه مؤسسة خاصة وأن الدولة لا تتدخل ولا يوجد اماكن بديلة للنزلاء، مطالباً بتحديد نقاط الخلل واصلاحها. ويشير الممرض محمد الراشدي الى ان موظفي المستشفى لم يقبضوا رواتبهم منذ اكثر من سنتين، ويقول: النزلاء يعانون من النقص في كل الاحتياجات الأساسية من ملابس وتموين وبعض الأدوية وانقطاع الكهرباء.

أحدهم وهو مساعد طبيب كشف أنه منذ أيام قليلة، توفي مريض في المستشفى، جاء به أهله منذ عشرين عاماً، وتركوه من دون السؤال عنه طوال مدة إقامته. منذ يومين تسلموا جثته لدفنها. وحال المريض هذا تشبه حال العديد من المرضى الذين تركوا في عهدة المستشفى الذي يصارع يومياً من أجل معالجة أمراضهم وإيوائهم وإطعامهم، في مقابل غياب تام وكامل لذوي بعضهم وللدولة التي ترعى في غير أمكنة وتنسى هنا في الجنوب، حتى المرضى النفسيين والعقليين.

 

توزيع المرضى على المستشفيات

منتصف الاسبوع المنصرم، نقلت الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـحزب الله 37 مريضاً جلهم من الإناث، إلى <مركز الإمام الكاظم> التابع لجمعية <الإمداد لرعاية المسنين> في منطقة الحوش شرق صور، وذلك تنفيذاً لقرار وزير الصحة العامة جميل جبق. وقد أعدت للمرضى الترتيبات الصحية والإجتماعية كافة، ولدى وصولهم قدمت لهم وجبة الغداء وأخضعوا للفحوصات المخبرية المطلوبة، لينقَلوا بعدها إلى غرف في طابقين جهزت بأحدث الأجهزة صحياً واجتماعياً. وكان سبق هذه الترتيبات، احتفال حضره ممثل جبق مستشاره الإعلامي محمد عياد.

ولفت عياد إلى أن ما حصل في مستشفى الفنار نضعه في خانة خير العمل، وما شهدناه لا يمكن أن يوصف، حيث أرسلنا لمعاينة المكان على أساس التقارير والصور، وبعد الجولة التي قمنا بها اتخذ القرار بإعادة تأهيل المركز. وشدد على أن الوزارة يجب أن تكون عينها مفتوحة وتفعل الرقابة، وسيتم الإستماع إلى شهادات وإفادات كل من له علاقة بالموضوع، على أمل الوصول إلى نتيجة ترضي الإنسان وكرامته. وكذلك استقبل مستشفى جويا الرعائي التابع للهيئة الصحية الإسلامية 16 مريضاً من مستشفى <الفنار>، أدخلوا الى غرف مخصصة، بعدما استقبلهم الممرضات وجهاز المستشفى بالورود والحلوى.

 

وزير حزب الله وقرار مكافحة الفساد

 

مصادر حزب الله أكدت لـ<الافكار> أن حزب الله يريد ان يقيم دولة وطنية لا فساد فيها، وليكن بالمعلوم فإن المعركة ضد الفساد أمر مكمل لمعركة التحرير من اسرائيل، معتبرة ان الحرب مع اسرائيل كانت اهون بكثير من الحرب ضد الفساد، فهناك كان العدو معروف، لكن في مواجهة الفساد العدو أصبح مجهولاً إلى ان يلقى عليه القبض او ان تضعه تحت الضوء بالاسم والصوت والصورة.

وجزمت المصادر أن المعركة على الفساد مستمرة إلى نهايتها ولو لم يعلن حزب الله عن معركته هذه لكانت الأمور مرت كما كانت سابقاً، لكن ان تأتي هذه الحرب على لسان السيد نصر الله فهذا يؤكد أن الحرب ستبلغ أشدها في مكافحة الفساد وتطوير العمل الصحي. وليعلم الجميع ان السيد نصر الله انطلق من وعده هذا من مقولة <أنت حر حتى تنطق وإذا نطقت كلامك قيد لك>. وكشفت أن <حزب الله بدأ بمكافحة الفساد من منطقته في <الفنار> أي من الجنوب، ولكي يقطع الطريق على بعض الهمسات والتسريبات حول وجود نية لجهات معينة بشراء العقار، أعلن في ساعتها مشروع إعادة التأهيل وأعطى فرصة ستة أشهر لإنجاز التأهيل.

 

من يطبق القانون ومن يتابع؟

 

تؤكد المادة الثالثة من القانون رقم 71 لرعاية المريض النفسي أنه لا يجوز إدارة أو تشغيل أي منشأة من منشآت الصحة النفسية التي تسري عليها أحكام هذا القانون إلا بناء على ترخيص يصدر من وزارة الصحة ويقيد بسجلات المجلس الإقليمي للصحة النفسية وفقاً للشروط والإجراءات المبنية باللائحة التنفيذية لهذا القانون، وذلك دون الإخلال بأحكام قانون المنشآت العلاجية الخاصة. ويكون الترخيص لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة. وفي جميع الحالات يجب أن يتولى إدارة المنشأة احد الأطباء النفسيين ويكون مسؤولاً أمام الجهات المختصة عما يقع من مخالفات في المنشأة.

أما المادة الرابعة من القانون نفسه، فتؤكد انه يجب أن يكون لدى كل منشأة من منشآت الصحة النفسية سجل خاص للمرضى النفسيين ــ أياً كان سبب دخولهم المنشأة ــ على أن يكون من نسختين تتضمنان البيانات الخاصة بكل مريض، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون البيانات والمدة التي يجب الاحتفاظ بها بالسجل لدى المنشأة. ويحق للمجلس القومي للصحة النفسية والمجالس الإقليمية للصحة النفسية الإطلاع على السجلات المشار إليها للعمل بها وفقاً لأحكام هذا القانون مع الاحتفاظ بسرية المعلومات.