تفاصيل الخبر

ضـيـــف ثـقـيـــل عـلـــى لـبـــنـان اسمه فيـروس «كوكسـاكي»!

06/11/2015
ضـيـــف ثـقـيـــل عـلـــى لـبـــنـان  اسمه فيـروس «كوكسـاكي»!

ضـيـــف ثـقـيـــل عـلـــى لـبـــنـان اسمه فيـروس «كوكسـاكي»!

بقلم وردية بطرس

الدكتور-جاك-مخباطينتمي فيروس <كوكساكي> الى عائلة من فيروسات الحمض النووي الريبوزي الايجابية غير المحاطة بغلاف الخيطية، وهو من الفيروسات البيكورناوية ومن جنس الفيروسات المعوية التي تشمل أيضاً فيروس مرض شلل الأطفال وفيروس <ايكو>. الفيروسات المعوية هي من بين مسببات المرض للبشر الأكثر شيوعاً والأكثر أهمية، وغالباً ما يتم نقل هذه الفيروسات من خلال الطريق الفموي. ويتشارك فيروس <كوكساكي> العديد من الصفات مع فيروس شلل الأطفال. ومع السيطرة على عدوى فيروس شلل الأطفال في كثير من بلدان العالم تركز المزيد من الاهتمام على فهم الفيروسات المعوية الأخرى غير فيروس شلل الأطفال مثل فيروس <كوكساكي>. ويُعتبر فيروس <كوكساكي> من بين الأسباب الرئيسية لالتهاب السحايا العقيم (المشتبه بهم الآخرين المعتادين هما فيروس <ايكو> وفيروس <النكاف> وتجدر الاشارة الى ان السحايا او الحمى الشوكية التهاب حاد للأغشية الدماغية المغلفة للدماغ والنخاع الشوكي المعروفة باسم السحايا).

تتعدد أسباب الالتهاب وتشمل العدوى عن طريق الفيروسات او البكتيريا او غيرها من الكائنات الدقيقة، ونادراً ما تكون عن طريق بعض الأدوية. قد يكون التهاب السحايا مهدداً للحياة بسبب قربه من الدماغ والنخاع الشوكي، من هنا يُصنف التهاب السحايا كحالة طبية طارئة. والعوارض الأكثر شيوعاً لالتهاب السحايا هي الصداع وتيبّس العنق المرتبط بالحمى، والارتباك او تغير حالة الوعي، والتقيؤ، وعدم القدرة على تحمل الضوء (رهاب الضوء) او الضجة الصاخبة (رهاب الصوت). أما لدى الأطفال فغالباً ما تظهر عوارض مثل التهيج والنعاس، في حين إذا وُجد طفح، فيشير ذلك الى مسبب معين لالتهاب السحايا (على سبيل المثال التهاب السحايا الناجم عن البكتيريا المكوّرة قد يكون مصحوباً بطفح جلدي مميز)، وان دخول فيروسات <كوكساكي> الى الخلايا وخاصة الخلايا البطانية يحدث عن طريق بروتين <سي اي ار>.

وبناء على الملاحظات الأولى على الفئران، تنقسم فيروسات <كوكساكي> الى مجموعتين: المجموعة (أ)، والمجموعة (ب) حيث  لوحظ أن فيروسات المجموعة (أ) تسبب الشلل الرخو (التهاب العضلات المعمم)، في حين لوحظ ان المجموعة (ب) تسبب الشلل التشنجي (بسبب اصابة في عضلات التنسيق وانحطاط من الأنسجة العصبية). وقد تم تمييز ما لا يقل عن 23 من الأنماط المصلية، من المجموعة (أ) وستة أنماط ( 1 ــ 6) من المجموعة (ب).

المجموعة (أ): بشكل عام مجموعة فيروسات <كوكساكي> (أ) تميل لتصيب الجلد والأغشية المخاطية، مما يجعلها تتسبب في الذباح الهربسي (الخناق الحلائي)، والتهاب الملتحمة النزفي الحاد، ومرض اليد والقدم والفم.

أما مجموعة فيروسات <كوكساكي> (ب) فتميل لاصابة القلب، غشاء الجنب، البنكرياس، والكبد، وتسبب وجع الجنبة، التهاب عضلة القلب، التهاب الكبد (التهاب الكبد غير المتعلق بالفيروسات كبدية التوجه). وتجدر الاشارة الى ان عدوى <كوكساكي ب> من القلب يمكن ان تؤدي الى انصباب التامور، وقد تم مؤخراً الربط بين تطور أداء السكري المعتمد على <الأنسولين> والعدوى القريبة بالفيروسات المعوية وخصوصاً فيروس <كوكساكي ب> المسبب لالتهاب البنكرياس، وتجري حالياً دراسة هذه العلاقة بتعمق أكثر.

 

تاريخ الاكتشاف

ولقد تم اكتشاف فيروسات <كوكساكي> بين العام 1948 ــ 1949 من قبل الدكتور <جيلبرت دالدورف>، وهو عالم يعمل في وزارة الصحة في مدينة <ألباني>، نيويورك، و<دالدورف> بالتعاون مع <غريس سيكيلز> كان يبحث عن علاج لشلل الأطفال. في وقت سابق قام <دالدورف> بالتجارب على القرود واقترح ان السوائل التي تم جمعها من اعدادات الفيروس غير شلل الأطفال يمكن ان تقي من الآثار المعوقة لشلل الأطفال. وباستخدام الفئران حديثي الولادة كوسيلة، حاول <دالدورف> عزل هذه الفيروسات من براز مرضى شلل الأطفال. وفي اثناء اجراء هذه التجارب، اكتشف الفيروسات التي غالباً ما تحاكي شلل الأطفال الخفيف او غير الشلل. عائلة الفيروس الذي اكتُشف في نهاية المطاف أُطلق عليها اسم <كوكساكي> من <كوكساكي>، نيويورك، وهي بلدة صغيرة على نهر <هدسون> حيث حصل <دالدورف> على اول العينات البرازية. كما تعاون <دالدورف> مع <جيفورد> في العديد من الأبحاث في وقت مبكر. وقد تم فيما بعد الاكتشاف ان فيروسات <كوكساكي> تسبب مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك وجع الجنبة (مرض بورنهولم)، وتم تقسيمها الى مجموعات (أ) و (ب) على أساس تجارب علم الأمراض المطبقة على الفئران حديثي الولادة. و<كوكساكي أ> فيروس يسبب الشلل والموت من الفئران، مع نخر العضلات والهيكل العظمي، أما <كوكساكي ب> يسبب عدوى أقل حدة لدى الفئران، ولكن مع الإضرار بالمزيد من أجهزة الجسم، مثل القلب، والدماغ، والكبد، والبنكرياس، والعضلات، والهيكل العظمي.

ولم يكن استخدام الفئران الرضيعة فكرة <دالدورف>، ولكن لُفت انتباهه اليها في بحث مكتوب من قبل العالمين الدانماركيين <أورسكوف> و <أندرسون> في العام 1947، حين كانا يستخدمان هذه الفئران لدراسة فيروسات الفئران. واكتشاف فيروسات <كوكساكي> حفز العديد من علماء الفيروسات لاستخدام هذا النظام، وادت في نهاية المطاف الى عزل عدد كبير مما يُسمى بالفيروسات المعوية من الجهاز الهضمي التي لا صلة لها بفيروس شلل الأطفال، والتي كان بعضها مسبباً للأورام وخاصة الأورام السرطانية. كما كشفت فيروسات <كوكساكي> عن دليل اضافي بأن الفيروسات يمكن ان تتداخل أحياناً مع نمو ونسخ أو تكاثر بعضها البعض داخل الحيوان المضيف. وقد وجد باحثون آخرون هذا التداخل يمكن بواسطة مادة ينتجها الحيوان المضيف وهو بروتين يُعرف الآن باسم مضاد للفيروسات (الانترفيرون). وأصبح للانترفيرون بعدها دور بارز في علاج مجموعة متنوعة من أمراض السرطان والأمراض المعدية.

وفي العام 2007 تفشى فيروس <كوكساكي> في شرق الصين. وقد أُفيد ان 22 طفلاً لقوا حتفهم وتضرر أكثر من 800 شخص. ومنذ أيام انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان صور أطفال تسود على بشرة أجسادهم حبوب حمراء، مع الاشارة الى انهم مصابون بفيروس <Coxsackie> وغالباً ما يصيب هذا الفيروس اليدين والقدمين والفم مسبباً ظهور بثور متقرحة صغيرة لمدة تتراوح بين اسبوع وأسبوعين. مع العلم ان فيروس <كوكساكي> ليس جديداً، ولكنه يسبب ذعر الناس جراء ازدياد نسبة التلوث في لبنان خصوصاً في المياه الجوفية التي سيشربها الناس بعد تساقط الأمطار على النفايات المنتشرة في كل الشوراع، علماً ان العوارض قد تكون بسيطة حيث تبدأ بطفح في الفم وتقرحات في كف اليد وباطن القدم، بالاضافة الى امكانية الإصابة بالحمى والتهاب الحلق والشعور بالضيق والتعب وأحياناً بألمٍ في الرئة.

الدكتور مخباط يكشف الخفايا

فكيف يصيب فيروس <كوكساكي> الناس؟ وماذا عن عوارضه وعلاجه؟ أسئلة أجاب عليها الدكتور جاك مخباط الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية ويقول:

- <كوكساكي> هو فيروس يصيب عادة الجهاز الهضمي والمصران، وقد يصيب الرئة والجهاز التنفسي خصوصاً العين والحنجرة. وهناك أنواع تصيب المصران وانواع أخرى تصيب الجهاز التنفسي. وقد يمتد فيروس <كوكساكي> من منطقة الجهاز التنفسي او الجهاز الهضمي الى الدماغ فيسبب مرض السحايا او التهابات في عضلة القلب.

ــ وكيف ينتقل الفيروس الى الانسان؟

- هذا الفيروس موجود في الماء والطبيعة اي في الهواء، ويحدث في موسم الصيف اذ عادة لا يحدث في فصل الشتاء.

ــ وما هي العوارض؟

- هناك عوارض عدة، منها حالات التهاب الحنجرة حيث تظهر تقرحات في الحنجرة، وهناك نوع آخر يمكن ان يصيب الفم واللثة واللسان، كما قد تظهر طفرة على اليدين والقدمين.

ــ وهل هناك فئة معرضة للاصابة بهذا الفيروس أكثر من غيرها؟

- ليست هناك فئة معينة معرضة للاصابة بفيروس <كوكساكي>، فجميع الناس معرضون للاصابة به. واجمالاً ليست هناك حالات وبائية ولا يشكل هذا الفيروس خطورة او قلقاً. ولكن هناك نوع من فيروس <كوكساكي> يصيب الرئة ويسبب الالتهاب في غشاء الرئة واذا لم يُعالج قد يؤدي الى ضرر كبير، كما يمكن للفيروس ان يصيب عضلة القلب ويسبب التهاباً في عضلة القلب واذا لم يُعالج عندئذٍ يشكل خطورة على المصاب، انما كما ذكرت فالاصابة بفيروس <كوكساكي> لا تشكل خطورة على الحياة حتى ان المصاب لا يحتاج الى علاج ولكن بعض الحالات تستوجب معالجة الإصابة وهي التي يمتد فيها الفيروس الى الدماغ مسبباً السحايا .

ــ نظراً للمخاوف من اصابة الناس بالفيروسات والجراثيم بسبب النفايات يربط البعض بين فيروس <كوكساكي> والنفايات المنتشرة في شوارع لبنان، فما مدى صحة ذلك؟

- لا علاقة لفيروس <كوكساكي> بالنفايات، ولا شك ان للنفايات ضرراً كبيراً على البيئة وصحة الانسان، وهناك خوف وقلق من تلوث البيئة والصرف الصحي الى ما هنالك، ولكن كما ذكرت ان الاصابة بفيروس <كوكساكي> لا علاقة لها بالنفايات.

ــ وكيف يتم التشخيص؟

- التشخيص يكون اما سريرياً اي يخضع الطبيب الشخص المصاب بهذا الفيروس لفحص الدم، او من خلال فحوصات خاصة بالفيروسات، ونقدر ان نقوم بفحص عينة من الحنجرة او من سائل النخاع الشوكي، وذلك إما بسحب السائل واما بفحص البراز، اذاً فحوصات الدم وفحص العينة يشيران كان هناك فيروس <كوكساكي>.

ــ وماذا عن العلاج؟

- كما ذكرت ان هذا الفيروس لا يشكل خطورة على حياة المصاب به، وبالتالي ليس هناك علاج ما، إنما يتطلب من الشخص ان يرتاح في المنزل وان يأخذ السوائل بالمصل. وكما ذكرت ان هذا الفيروس يصيب الناس بمختلف أعمارهم وفئاتهم، ولكنه عادة يصيب الناس في فصل الصيف.