تفاصيل الخبر

دياب أنقذ حكومته بسحبه ملف التعيينات المالية فهل يمكّنه "الحلفاء" من الثبات في موقفه؟

09/04/2020
دياب أنقذ حكومته بسحبه ملف التعيينات المالية  فهل يمكّنه "الحلفاء" من الثبات في موقفه؟

دياب أنقذ حكومته بسحبه ملف التعيينات المالية فهل يمكّنه "الحلفاء" من الثبات في موقفه؟

[caption id="attachment_76724" align="aligncenter" width="597"] الرئيس حسان دياب ينتفض على ذاته وعلى غيره ويرفض المحاصصة[/caption]

 لا يختلف إثنان على أن رئيس الحكومة حسان دياب عندما قرر سحب بند التعيينات المالية من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في قصر بعبدا يوم الخميس ما قبل الماضي، أنقذ حكومته من السقوط أو على الأقل من التعطيل وأعاد إليها بعض "الهيبة" السياسية التي كادت أن تندثر بعد انكشافها أمام الرأي العام بأنها ليست حكومة اختصاصيين حياديين، بل هي حكومة اختصاصيين سياسيين أو هم على ارتباط بمرجعيات سياسية لهم لدخول حكومة العهد الثالثة التي ولدت على أنقاض حكومة الرئيس سعد الحريري التي استجابت لدعوات "ثوار 17 تشرين" الذين أطلقوا ثورة مطلبية تواجه اليوم سكرات انتهائها بفعل وباء "كورونا" الذي منع التجمعات والتظاهرات والاختلاط حتى إشعار آخر.

[caption id="attachment_76725" align="alignleft" width="375"] رئيس تيار المردة سليمان فرنجية..تهديده بسحب وزيريه أعطى النتائج المرجوة[/caption]

 نعم، أنقذ الرئيس دياب حكومته من خلال موقفه الذي فاجأ الحاضرين في قاعة مجلس الوزراء، بدءاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي ترأس الجلسة، وصولاً الى الوزراء فرداً فرداً بمن فيهم الوزير المعني أي وزير المال غازي وزني الذي كان حمل لائحة بأسماء المقترحين وكان يستعد لطرحها عندما يصل النقاش الى البند السادس على جدول الأعمال، وهو بند التعيينات لاسيما وأنه لم يتلق أي إشارة من رئيس مجلس النواب  نبيه بري بسحب الأسماء أو إعلان عدم جهوزيته خصوصاً أنه وزع السير الذاتية للمرشحين على الوزراء وفق الأصول. وبقدر ما كان قرار الرئيس دياب مهماً ومفاجئاً في آن، بالقدر نفسه كانت "الأطروحة" التي قدمها في مستهل الجلسة ليصل في نهايتها الى القول إن هذه التعيينات لا تشبه حكومته وهو غير راضٍ عنها لأنها تتم وفق الأسلوب الذي كان موضع اعتراض ورفض، أي أسلوب المحاصصة، ليخلص في نهاية "أطروحته" الى عبارة "لكل هذه الأسباب أسحب بند التعيينات من جدول الأعمال".

 التصفيق الذي تلا نهاية كلمة دياب، من مجموعة من الوزراء، كان ردة الفعل الفورية على كلام رئيس الحكومة الذي كان له رجع صدى ايجابياً في صفوف عدد من الوزراء كانوا قد شكوا من التدخلات السياسية في عمل الحكومة عموماً وفي التعيينات خصوصاً، وقد تجلى بموقف رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي استبق جلسة مجلس الوزراء بتسجيل اعتراضه على مسار التعيينات، مطالباً بأن تكون حصته بموظفين اثنين بدل من واحد، طالما ان توزيع الحصص أفضى بتركيبة أعطي فرنجية فيها عضوية لجنة الرقابة على المصارف، في حين أراد هو أن يكون مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان من حصته أيضاً، وهو ما رفضه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل الذي "دوزن" توزيع المسيحيين في التعيينات على نحو يرضيه ويرضي رئيس الجمهورية. ولم يكتفِ فرنجية باعلان موقف اعلامي اعتراضي، بل أوعز الى ممثليه الاثنين في الحكومة، وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار ووزيرة العمل لميا يمين الدويهي بعدم الحضور الى بعبدا والمشاركة في الجلسة. وقد أدرك دياب منذ أن عرف بغياب الوزيرين، أن "اللعبة" وصلت الى نهايتها وأن المضي في التعيينات سوف يؤدي الى شرخ عمودي في الحكومة يعرضها، في أحسن الأحوال، الى التعطيل الذي يمكن أن يودي بها الى الاستقالة.

دياب قبل بالمحاصصة... ثم رفضها!

 وبدا غياب الوزيرين جواباً واضحاً على فشل المساعي التي قام بها أكثر من طرف مع باسيل وفرنجية لتفادي الأسوأ، فتمسك الأول بموقفه، وأصر الثاني على مقاطعة الحكومة إن هي أقرت التعيينات، وأوقف حزب الله محركات المساعي التي أدارها للتوفيق بين حليفيه المسيحيين، فيما التزم الرئيس بري موقفاً وسطياً تاركاً للعبة الديموقراطية أن تأخذ مداها. أمام هذه الوقائع، أدرك الرئيس دياب أن الحكومة دخلت في نفق سيكون من الصعب الخروج منه من دون أضرار، فأبدل خطة السير التي كان وضعها من خلال موافقته على الأسماء المطروحة للتعيين، لاسيما وأنه هو من اختار رئيس لجنة الرقابة على المصارف (موفق اليافي) والنائب الثالث لحاكم مصرف لبنان (سليم شاهين)، ولم يعترض على أسماء المرشحين الدرزيين الإثنين، ونال بركة "الثنائي الشيعي" على المرشحين الشيعة لنيابة حاكم مصرف لبنان (وسيم منصوري) وعضو لجنة الرقابة على المصارف (كامل وزني) وعضو هيئة الأسواق المالية (واجب قانصوه)، ليعلن سحب بند التعيينات متذرعاً بأنها لا تشبه الحكومة ولا هو راضٍ عنها، علماً ان دياب كان راضياً على الأسماء ووافق عليها وعلى طرحها في الجلسة قبل أن يبدل رأيه...

 وبقي السؤال في الأندية السياسية عن سبب تبديل الرئيس دياب لموقفه من دون جواب واضح لاسيما وأن هذا الموقف لرئيس الحكومة يتناغم مع شخصيته الغامضة التي لا يكشف فيها عما في باله أو خاطره إلا في اللحظة الأخيرة. ويقول متابعون إن الرئيس دياب الذي خاض في بداية شهر آذار (مارس) الماضي "مغامرة" الامتناع عن دفع

[caption id="attachment_76726" align="alignleft" width="422"] وزير المال غازي وزني فوجىء بخطوة دياب سحب بند التعيينات في اللحظة الأخيرة[/caption]

سندات "يوروبوندز" المستحقة على لبنان، خاض مع بداية شهر نيسان (ابريل) الجاري مغامرة سحب بند التعيينات من جدول الأعمال وهو يدرك ان هذا القرار ستكون له تداعياته في المستقبل على التعيينات في حد ذاتها، وعلى علاقاته مع الذين سهلوا ولادة حكومته ومحضوه، وما زالوا، ثقة تتجاوز ثقة مجلس النواب.   ثمة من قال إن دياب من خلال امتناعه عن دفع سندات "اليوروبوندز" أوقف عملياً تسديد "قروض مالية"، وهو بعد سحب بند التعيينات أوقف تسديد "قروض سياسية"، فهل فعلاً أراد من خلال خطوته الثانية استعادة زمام المبادرة والامساك مجدداً بخيوط الحكومة بعدما كان بعضها يفلت منه، وبالتالي حال دون سقوط حكومته التي اهتزت بقوة مرتين، الأولى عندما هدد الرئيس بري بسحب وزيريه إذا لم تقرر الحكومة إعادة المغتربين الراغبين في العودة الى لبنان هرباً من وباء "كورونا" في افريقيا وأوروبا ودول الخليج، والثانية عندما هدد فرنجية بترك الحكومة، لكن الواقع يشير الى ان استعادة زمام المبادرة ليست مضمونة مع استمرار أحزاب وازنة بالتحكم الى حد كبير بتوازنات اللعبة الداخلية، وبالتالي لن يقوى دياب على مواجهة هذه الأحزاب وإن كان عبّر من خلال موقفه عن امتعاضه من المحاصصة والخيارات السياسية للوظائف المالية الأساسية. حسبه في كل ما فعل انه أوصل رسالة احتجاجية واعتراضية لا أكثر قد يكون لها صدى لدى الأحزاب "المتحكمة" بمصير الحكومة، وقد لا يكون، لكن ما فعله هو "المكسيموم" الذي يستطيع فعله في اللحظات السياسية الراهنة علماً ان "فشة الخلق" التي تُرجمت تأجيلاً للتعيينات المالية، لا بد أن ينطفئ وهجها مع مرور الأيام عندما سيعود البند إياه على جدول أعمال مجلس الوزراء في تركيبة سياسية مختلفة عن تلك التي سقطت، وربما أتت تركيبة مماثلة... إذ ليس أكثر من الأسماء التي يمكن تبديلها.

مواجهة "الحلفاء" ممكنة؟

 ويرى مطلعون أن الرئيس دياب الذي انتفض على ذاته وعلى غيره في آن لأنه كان شريكاً في المحاصصة، سيجد نفسه بعد تراجع معاناة "كورونا"، أمام واقع سياسي مأزوم إذ لا يكفي أن يكون أراد من مواقفه أن يعكس رفضه التام الخضوع الى بازار المحاصصة في التعيينات، كما فسرته أوساطه، بل عليه أن يبني على هذا الرفض أسس علاقاته مع الجهات التي دعمت تشكيل الحكومة والتي لن تتخلى عن هذا التقليد في التعيينات لأنها مع دعمها للرئيس دياب وحكومته لن تقبل بإلغاء نفسها من خلال التخلي عن حصصها في التعيينات وإن كان الرئيس دياب اعتبر في موقفه المستجد أن إقرار تعيينات كالتي كانت مطروحة سيعني نسف مبرر تشكيل حكومة التكنوقراط وفلسفة وجودها. ويضيف المطلعون أن الصراع المقبل، وإن كان خفياً في البداية، سيكون صراعاً بين الإدارة التقليدية للشأن السياسي والتي تظهر بوضوح في المسار الذي تأخذه التعيينات والتشكيلات، وبين نهج استقلالي يريد بعض الوزراء ــ ومعهم رئيسهم ــ أن يُترجم بالممارسة وليس فقط في الشعارات والخطب.

 من هنا، فإن ردود الفعل "الباردة" على سحب الرئيس دياب لبند التعيينات لا يمكن الإعتداد بها، لأن دعاة المحاصصة لن يكشفوا بسرعة عن نياتهم، بل سيعطون لرئيس الحكومة مهلة ليستثمر خلالها موقفه، على أن "تعود حليمة الى عادتها القديمة" ضمن سقف عنوانه لا بديل لحكومة دياب في الوقت الحاضر، ويمكن "اللعب" تحت هذا السقف الى أن تحين الساعة، فتنتهي اللعبة... ولا يتعب اللاعبون!