تفاصيل الخبر

دستورياً: رئيس الحكومة هو الذي يشكّل الوزارة ورئـيـــس الـجـمـهـوريــــة يــــراقـب...!

13/07/2018
دستورياً: رئيس الحكومة هو الذي يشكّل الوزارة ورئـيـــس الـجـمـهـوريــــة يــــراقـب...!

دستورياً: رئيس الحكومة هو الذي يشكّل الوزارة ورئـيـــس الـجـمـهـوريــــة يــــراقـب...!

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب

سنة 1952 حصل انقلاب عسكري في مصر سمي <الثورة> فاسقط الملكية وألغى القاب الباشوات وأمّم الملكيات العقارية والتجارية و... و..

هل تتصورون لو يأتي مصرياً، <جبران مصري> على سبيل المثال، بعد عشرات السنين من هذا التغيير، يدعو الى إعادة الملكية بل يعتبر في بيان ان الملكية قد عادت ويطالب بإصدار مراسيم ملكية! ويسمي نفسه <الباشا> ويطالب بإعادة الأملاك المؤممة و.. و..؟؟

الذي حصل اثر الطائف وتعديلاته الدستورية الكثيرة ــ علماً أن الطائف لم يكن من صنع الحقوقيين الدستوريين بل من صنع السياسيين، ولكن الدستور هو الدستور... ــ أن الدستور اللبناني بعد الطائف اسقط <الملك> وان حافظ له على كثير من الصلاحيات والسلطات، ولكنه اسقط الملك ــ ولم يعد أي <جبران> قادراً على إعادة الملكية..

ففي المادة 53 من دستور ما قبل الطائف كان رئيس الجمهورية (الملك) <يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة..> بعد الطائف لم تعد للملك هذه السلطات!

التعديلات كثيرة على <مُلكية> ما قبل الطائف، ولم يعد لا <جبران> ولا أي بيانات رئاسية صادرة عن الرئيس <القوي> قابلة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء..

نقف عند تشكيل الحكومة! ونحاول الإجابة عن ثلاثة أسئلة دستورية:

1 ــ من يشكل الحكومة؟

2 ــ ما هو دور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة؟

3 ــ هل لدى الرئيس المكلف باستشارات نيابية مهلة لتشكيل الحكومة؟

1 ــ المادة 64 (فقرة 2) من دستور الطائف تنصّ على ان رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة.. وهو يمارس الصلاحيات الآتية:

فقرة (2): <يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها.

2 ــ المادة 53 من دستور الطائف تنص في فقرتها 4 على ان رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة...>

ومفهوم الإصدار في الدستور هو: التوقيع والنشر والاعلان، وعلى ضوء هذه النصوص الواضحة، فإن رئيس الحكومة المكلف هو وحده الذي يجري الاستشارات النيابية للتشكيل وبعد اجراء الاستشارات يشكل الحكومة ثم يعرضها على رئيس الجمهورية حيث لا يصبح هذا التشكيل نافذاً إلاّ بعد صدور مرسوم موقع من رئيس الجمهورية ومن رئيس الوزراء! اذاً رئيس الحكومة يجري التشكيلة الوزارية ويقدّمها الى رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يملك صلاحية وسلطة الرقابة وطلب ادخال تعديلات عليها وإلاّ فإنّه لا يوقّع مرسوم تشكيل الحكومة مع رئيس الحكومة.

فرئيس الحكومة هو الذي يشكّل الحكومة ورئيس الجمهورية هو رقيب على ان هذه التشكيلة مطابقة (ليس لمصلحته ولمصلحة ازلامه واصهاره) بل لمصلحة البلد من حيث التوزيع الطائفي والمناطقي، وإذا كان رئيساً <قوياً> فمن اجل جمع الكفاءات والمهارات والطهارة، باستبعاد الذين يضيئون أعمدة الكهرباء في النهار ويطفئونها في الليل مثلاً، هذا هو مفهوم <القوة>. رئيس الحكومة يشكّل ورئيس الجمهورية يراقب.. هكذا يقول دستور ما بعد سقوط الملكية في الطائف!

ولكن يبقى سؤال: ما هي المهلة المعطاة لرئيس الحكومة المكلف انجاز التشكيلة الحكومية وتقديمها لرقابة رئيس الجمهورية واصدارها بمرسوم أي توقيعها ونشرها مع توقيع رئيس الحكومة؟

لقد طرح هذا الموضوع في الطائف ونوقش من قبل السياسيين. يقول بشارة منسى في كتابه <الدستور اللبناني: احكامه وتفسيراته> صفحة 362:

<الفقرة الثانية من المادة 64 فتنص على أن رئيس الوزراء <يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة>. وعند تكليف الرئيس الهراوي في 24 تشرين الأول 1996 الرئيس رفيق الحريري بتشكيل الوزارة وقبل اصدار المراسيم المترتبة على ذلك، اجرى الرئيس الحريري الاستشارات النيابية لتقصي أفكار النواب، وكانت الآراء متضاربة الى حد أن تأليف الوزارة بدا مستعصياً على الحل، وقد طُرح حينئذ موضوع: حتى متى يمكن لرئيس الوزراء المكلف الاستمرار في مساعيه لتشكيل الوزارة؟

الموضوع طرح في الطائف، وكان الرأي السائد بين النواب هو أن يعطى رئيس الوزراء المكلف مدة شهر فقط لإجراء المشاورات حكماً وإلاّ اعتبر معتذراً، وهذه القاعدة معتمدة في تأليف الوزارات في إيطاليا وفي إسرائيل، وقد جرى في السابق تكليف احدى الشخصيات بتأليف الوزارة فلم يعتذر عن ذلك رغم تعذر تأليف الوزارة وكان الرئيس رشيد كرامة.

وإننا نعلم أنّه في التركيبة اللبنانية القائمة وبسبب التوزيع الطائفي في الرئاسات، فقد يتعذر على رئيس الجمهورية سحب التكليف من الشخصية المكلفة، دون ان تشعر طائفته بالغبن، فتتخذ الأمور منحى طائفياً من الأفضل ان تكون البلاد في منجاة منه. وما جرى في الطائف هو ان الرئيس صائب سلام اعتبر ان تحديد المدة كي يتمكن الرئيس المكلف من تأليف وزارته يلحق الغبن بالطائفة السنية، فرفض هذا التحديد وبقي الأمر عند هذا الحد>.

إذا فإن رئيس الحكومة ليس مقيداً بأي مهلة لتشكيل الحكومة وتقديمها لرئيس الجمهورية! ولماذا الاستغراب؟ فالمجلس النيابي ترك مركز رئاسة الجمهورية فارغاً مدة سنتين ونصف السنة لأنه لم تكن له مهلة للانتخاب، وقد عمد نواب الى التغيب لتعطيل الانتخاب خلافاً للقاعدة الدستورية التي تلزم النائب بحضور كل الجلسات إلاّ لعذر مشروع جداً... لم يكن <الطائف> ليحول لبنان الى جنّة بل كان لإخراجه من الجحيم.