تفاصيل الخبر

درس فـــي الانـسـانـيـــــة مـــن لـبـــنـان الى كـرواتـيـــــا وهـنـغـاريــــــا..

23/09/2015
درس فـــي الانـسـانـيـــــة مـــن لـبـــنـان  الى كـرواتـيـــــا وهـنـغـاريــــــا..

درس فـــي الانـسـانـيـــــة مـــن لـبـــنـان الى كـرواتـيـــــا وهـنـغـاريــــــا..

بقلم وليد عوض

erdogan-holland رجل الشرطة واحد من الناس.. وكما للناس همومهم المعيشية وهواجسهم من الغد المجهول، كذلك رجل الشرطة يعيش الحالة نفسها، وإن كان متسلحاً بالهراوة لمكافحة الشغب، إذا حصل. إنه جار للمواطن الفقير الذي تقطعت به سبل المعيشة، وعزّ عليه تحصيل لقمة العائلة بسهولة، واحتاج تحصيلها الى كفاح مرير. ومرتب رجل الشرطة ينتهي أجله مع الثلث الأخير من الشهر، ولا سبيل أمامه لمواجهة الثلث الأخير إلا بالقرض والاستدانة، والتقتير على العائلة المكافحة!

   إنها إذن حرب الفقراء وليست مجابهة بين متظاهرين سلميين، وشرطة تقوم بواجبها لمكافحة الشغب. وقد قالت إحدى الناشطات اللواتي تم توقيفهن في ثكنة الجميزة بعد إخلاء سبيلها، ان أهل الثكنة عاملوها بكل احترام وكرامة، واستذكرت أحد الشرطيين وهو يقول لها: <نحن منكم ونشعر بكم ومطالبكم مطالبنا ولكننا لا نملك إلا تنفيذ الأوامر>!

   إنها الروح الانسانية المتغلغلة في كيان اللبنانيين، وبهذه الانسانية يطل لبنان على العالم.

   وما كان أروع مشهد ذلك الشرطي، من مفرزة مكافحة الشغب، وهو يعانق أمام مطمر الناعمة طاعناً في السن ابن 63 سنة، بعدما دار بينهما حديث بالغ التأثير. قال الرجل المتقدم في العمر واسمه أجود عياش، وعمره 63 سنة، للشرطي: <يا ابني. أنا في عمر والدك فلا يجوز أن تصطدم بي>، ورد الشرطي متأثراً: <وأنا فخور بأن تكون مثل والدي>. وإن هي إلا لحظات حتى تعانق الاثنان: الشرطي وأجود عياش، وظهرت صورة العناق على كل مواقع التواصل الاجتماعي.

   ولا بد أن نخبركم عن شخصية أجود عياش. انه دكتور في الهندسة الميكانيكية وحصل على الاجازة في هذه الهندسة من الاتحاد السوفييتي، طبعاً قبل انهيار جدار برلين عام 1991. والرجل في الأصل من بعورتا في قضاء عاليه، وعمل فترة من الوقت في الولايات المتحدة، وعاد الى لبنان عام 2008 بعدما أنشأ في أميركا شركة عياش للهندسة الميكانيكية، ومن مفاخره أنه سجل اختراعات لماكينات العجين.

   تلك هي حالة من حالات التواصل الانساني بين اللبنانيين، في معزل عن أي انتماء طائفي أو مذهبي. وهؤلاء الشبان والصبايا الذين فرشوا حضورهم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح يستحقون أن نرميهم بالورد، لا بالقمع، أو المطاردة. فهم صورة لبنان للغد الآتي. وحتى تجار بيروت وجبل لبنان اعترفوا بأن هؤلاء المتظاهرين الربيعي العمر على حق في المطالب التي يطرحونها، ولكن شرط ألا يسمحوا للمندسين بتخريب طابعهم السلمي، والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة.

   والمشوار طويل أمام هؤلاء الشبان والصبايا، ولن يقطفوا ثماره بين ليلة وضحاها.. ولكن نقطة الماء إذا ظلت تسقط على الحديد، فلا بد أن تفتح فيه... ثغرة!

SAM_1676  

بوصلة <أردوغان>!

 

   وانسانية اللبنانيين لم تؤخذ بعين الاعتبار من شعوب الدول الأخرى. فرئيس وزراء المجر <فيكتور أوربان> أعلن الحرب على النازحين السوريين، ورفض أن يمنحهم حتى حق العبورالى النمسا وألمانيا. ورئيس وزراء كرواتيا <زوران ميلانوفيتش> الآتي في الأساس من يوغوسلافيا القديمة فعل الشيء نفسه وأبدى ضيقه من جحافل المتدفقين من النازحين السوريين. ومن واجب <فيكتور أوربان> ورئيس وزراء كرواتيا أن يسألا: كم هو عدد النازحات والنازحين السوريين في لبنان، أطفالاً ونساء وشيوخاً ورجالاً أشداء. وسيأتيه الجواب ان لبنان يستوعب منهم مليوناً ونصف المليون انسان، ويجعلهم يتشاركون مع اللبنانيين الماء والكهرباء والقوت!

   ولو سأل <فيكتور أوربان> عما فعله الأردن بالنسبة للنزوح السوري من جنوب سوريا، بدءاً من درعا، لجاءه الجواب بأن عدد النازحات والنازحين الى مخيم الزعتري في الأردن تجاوز المليون انسان!

   إنه الشعور الانساني العربي الذي لا يفهم <فيكتور أوربان> معناه ومبناه. وكذلك لم يبخل الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> في استقبال النازحين والنازحات من شمال سوريا، ولكنه، على ما يبدو، عمد مؤخراً الى تغيير اتجاه البوصلة، ففتح أبواب تركيا في جانبها الأوروبي على مصراعيها، وشجع النزوح الى أوروبا الشرقية، وصولاً الى قلب القارة العجوز أوروبا الغربية. ووراء هذا التشجيع على الهجرة الكثيفة الى أوروبا، مخطط <أردوغاني> جهنمي. فهو يريد أن يقول للاتحاد الأوروبي الذي ما زال يوصد أمام تركيا باب الدخول الى الاتحاد، انه يملك السيطرة على النبع البشري من النازحين في تركيا، وإذا دخل الاتحاد الأوروبي فسوف يوقف هذا التدفق البشري الهائل نحو كرواتيا، وهنغاريا، والنمسا، وايطاليا، وفرنسا وحتى بريطانيا..

   فقد جاء رئيس وزراء بريطانيا <دايفيد كاميرون> الى لبنان، وفي رأسه مشروع سد منابع الهجرة السورية الى أوروبا، برغم أنه أعلن عن قبول عشرين ألف مهاجر سوري في الأراضي البريطانية.

 

الباب الموصد للاتحاد الأوروبي

 

   وهكذا ظهرت معادلة <رجب طيب أردوغان> مع أوروبا: تدخلونني الاتحاد الأوروبي أخرجكم من مأزق المهاجرين الذين سيغيرون معالم القارة الأوروبية إذا تواصل هذا النهر البشري المتدفق في هنغاريا والنمسا، وألمانيا. أي أنه يقول لأوروبا التي تسد أمامه باب دخول الاتحاد: <إني خيرتك.. فاختاري> ورحم الله شاعرنا الكبير صاحب العبارة نزار قباني.

   وروسيا أيضاً قلقة من هذا التدفق البشري على أوروبا، لأنه مع الوقت قد يمتد الى روسيا، فضلاً عن المخاوف من أن يكون للشيشان اعداء روسيا حصة من الارهابيين في هذا الدفق البشري. وقلق الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> من تفريغ سوريا من أهلها، وبقاء التنظيمات الارهابية مثل <داعش> و<النصرة> قابضة على زمام الموقف، كان وراء حماسه الجديد لدعم النظام السوري. أولاً بالمعدات العسكرية الحديثة، بما في ذلك طائرات ودبابات وصواريخ، مع التلويح بورقة التدخل العسكري البري إذا طلب النظام السوري هذا التدخل.

   ولفتح باب الشرق الأوسط أمام الدور الروسي كان استقبال <بوتين> يوم الاثنين الماضي في قصر <الكرملين> لرئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو>.

   ومن يدري؟! فقد يطلب وزير خارجية سوريا وليد المعلم مثل هذا التدخل العسكري الروسي البري إذا ضاقت سبل النجاة للنظام السوري أمام طرقات الارهابيين على أبواب دمشق. وقد لفتني وأقلقني قول وزير الدفاع الفرنسي <جان إيف لودريان> ان فرنسا تخشى على لبنان إذا تمكن الارهابيون من السيطرة على مداخل دمشق.. ويملك <لودريان> من المعلومات أكثر مما نملك. ومجيء الرئيس الفرنسي <فرانسوا جان-ايف-لودريانهولاند> الى لبنان، بعد قمة الأمم المتحدة في أواخر هذا الشهر، يدخل في باب المعلومات التي أشار إليها وزير دفاعه <جان إيف لودريان>.

 

المعارضات المسلحة

 

   وليست الولايات المتحدة، ورئيسها <باراك أوباما> في معزل عن هذا القلق، وما المحادثات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا، إلا محاولة لفرض الحصار على هذا القلق العالمي. ومن خلال محادثات وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> في لندن وبرلين خلال الأسبوع الماضي، يمكن الاستخلاص بأن الولايات المتحدة لا تمانع في الدور الروسي على الأرض السورية، وفي الحل السياسي الذي تتبناه موسكو على أساس اتفاق <جنيف واحد> أي انتقال السلطة في سوريا، دون أن يكون الرئيس بشار الأسد موضوع بحث. وإذا ظلت واشنطن وباريس مصرتين على رحيله، فالرحيل لا يكون الآن، بل عام 2017، مع انتهاء ولايته الدستورية.

   وروسيا تدعم مشروع حلها السياسي بقاعدة عسكرية جديدة في سوريا، وتحديداً في بلدة جبلة، الى جانب قاعدة طرطوس، وهذا يعني المفاوضات المسلحة للملف السوري..

   وقد يكون الحل السوري قد اقترب ولكن ليس قبل شهور. إن لم نقل سنوات، وتكون سوريا قد فرغت من أهلها السنة والمسيحيين، وصار في إمكان لعبة الأمم أن تفرض نفسها..