تفاصيل الخبر

”درب الجبـــل“ مسلك عمــره 7 آلاف عــام يمشيــه مئــات  اللبنانيـيــن والاجـانب كل عـام والهــدف حمايتــه اولاً!

20/04/2018
”درب الجبـــل“ مسلك عمــره 7 آلاف عــام يمشيــه مئــات   اللبنانيـيــن والاجـانب كل عـام والهــدف حمايتــه اولاً!

”درب الجبـــل“ مسلك عمــره 7 آلاف عــام يمشيــه مئــات  اللبنانيـيــن والاجـانب كل عـام والهــدف حمايتــه اولاً!

 

بقلم عبير انطون

7

كل عام تنطلق المسيرة السنوية التي تنظمها <جمعية درب الجبل> <Lebanon Mountain Trail> والتي تمتد طيلة ثلاثين يوما في 24 محطة. الجمعية العضو في الشبكة الدولية للمسالك < World Trail Network> هي الاولى في المشي من ضمن مجموعات على المسلك الاكبر في لبنان اذ انه يمتد من منطقة عندقت في عكار شمال لبنان حتى منطقة مرجعيون في الجنوب على ارتفاع يترواح ما بين 570 و2011 مترا فوق سطح البحر بحيث يجتاز ما يفوق 70 قرية وبلدة جبلية رابطا ما بينها عبر معابر قدم وطرق زراعية. فما هي هذه الجمعية وماذا عن اهدافها؟ من يسلك الدرب لهذا العام في موعد سنوي بلغ عامه العاشر؟ وماذا يخبرنا كريستيان اخرس وهو من فريق عمل <درب الجبل> عن المسيرة القائمة لهذه السنة ومغامراتها؟

مسار تاريخي...

 بدأت <جمعية درب الجبل> عملها في العام 2007 بهدف التشجيع على السياحة الريفية المستدامة وحماية التراث الذي يساهم في الترويج لفرص اقتصادية للمناطق الريفية، وهي تنشط عبر مشاريع في كل ما يتعلق بالتنمية والتربية والدعم والصيانة للمسالك بالتعاون مع الجماعات المحلية. وتعمل الجمعية على المحافظة على المسلك التاريخي <الألفي> الذي يعود الى سبعة آلاف عام، وهو مسار ثقافي - اقتصادي بامتياز اذ انه يحتضن اكثر من مئة معلم تراثي وثقافي واقتصادي ويرتكز على التنمية المحلية، كما ويهدف <درب الجبل> الى التأكيد على تصميم الشعب اللبناني في الحفاظ على تراثه. والجميل انه، وفي كل عام تطالب بلديات جديدة بضمها الى <درب الجبل> كمثل بسكنتا، اهمج، دوما، وبكاسين والتي اصبحت مسالك رديفة للمسار الاصلي.

ويضم المسلك الاصلي 29 قرية شمالية و 23 قرية في جبل لبنان الشمالي و 10 قرى في جبل لبنان الجنوبي و 16 قرية في الجنوب، وثلاث محميات طبيعية كمحمية أرز الشوف ومحمية إهدن وارز تنورين على ارتفاعات تتراوح بين 600 إلى 2000 متر فوق مستوى سطح البحر. ويوجد على طول الدرب 11 بيت ضيافة، وساحتان في حصرون والمتين، وثلاث إستراحات ما ينشط السياحة البيئية حيث المناظر الخلابة والانهار والأودية وموقع تخييم عين دارة، بالاضافة إلى <درب بسكنتا الأدبي> مثلا، اذ يمر الدرب في بعض القرى التي أعطت شعراء وكتّاباً مبدعين، وينشر الوعي حول أهمية المباني التاريخية وضرورة الحفاظ عليها.

لبنانيون وأجانب على الدرب...

 

 كريستيان أخرس من فريق عمل <درب الجبل> منذ العام 2011 يعرّف بالجمعية ويختصر هدفها: انه تنموي ثقافي بيئي ورياضي، ونحن نجتاز المناطق اللبنانية من بلدة الى بلدة ما يعود عليها بالانماء وعلى بيوت الضيافة فيها. فمنذ العام 2009، ولمرتين في العام الاولى نمشي في مسيرتين: اولى تنطلق في شهر آذار ( مارس ) تحت عنوان <ثرو واك> والثانية في تشرين الاول/ اوكتوبر لمدة 15 يوما تحت اسم <فال تريك>.

 نبدأ مسيرتنا من مرجعيون وننتهي بعندقت في عكار او نسلك الطريق المعاكس من الشمال باتجاه اقصى الجنوب... نمشي في النهار من خمس الى سبع ساعات واحيانا اكثر، وفق خرائط دقيقة يزود بها المشاركون معنا فضلا عن تزويدهم بمسودة كتاب <درب الجبل> حيث المعلومات الواردة فيه ميدانية وصحيحة... يقطع المشاركون المحطات الـ24 معتمدين على جدول زمني يحدد اوقات ومواقع الانطلاق والاستراحة والوصول، وقائد الفريق لهم بالمرصاد. والجميل ان السائرين على الدرب 5يبدون آراءهم ويحمل كل منهم مسؤولية خاصة، فهذا يقرأ الخرائط وذاك يبدي رأيه بضرورة تعديل ما او كتابة لافتة للمشاة الى ما هنالك.

وعلى المشارك في السير ان يكون مجهزا بشكل جيد، يقول كريستيان، ومزوداً بكل ما قد يحتاجه من حقيبة ظهر فيها الضروريات وبعض المأكل والمشرب الخفيف. لا يرافقنا فريق طبي الا اننا مدربون على الاسعافات الاولية في حال حدوث اي طارئ. التعب مسموح لكن الاستسلام ممنوع!

 بلغ عدد المشتركين العام الماضي اكثر من 30 متطوعا وناشطا بيئيا وروادا كثيرين من لبنان ومن 14 دولة اجنبية. لهذا العام يشترك 230 شخصا ينقسمون في مجموعات لا تتعدى الثلاثين في كل منها. قسم يبدأ من الجنوب وآخر من الشمال ويلتقون في بلدات في الوسط ثم يكمل كل فريق سيره بحسب الروزنامة المحددة. الرقم يزداد عاما بعد آخر ويرتفع عدد الاجانب من حول العالم، فمع كريستيان وحده هذه المرة 15 اجنبيا من اصل 29 وهي مجموعته كلها، فيما الجنسيات تتراوح ما بين دول اميركا واميركا الجنوبية وكندا واوروبا وهولندا واستراليا، وهؤلاء اما لبنانيون يحملون جنسية هذه البلدان او انهم من اهل هذه البلدان نفسها، والتواصل معهم لم يعد صعبا مع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم...

 

التمويل... والعين الساهرة

<جمعية درب الجبل> لبنانية بحت، لا تنتمي الى اية جهة سياسية أو مذهبية وهي لا تتوخى الربح. المشروع مموَّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومن تنفيذ شركة <إيكوديت>، التي وجدته ينطوي على أوجه بيئية واقتصادية واجتماعية من شأنها تسليط الضوء على لبنان كوجهة جديدة للسياحة البديلة، كذلك هو يساهم في حماية التراث الطبيعي في الريف اللبناني، وفي اكتشاف قرى تتميز بجمالها الطبيعي وتقاليدها، وفي تعزيز إدارة المحميات الطبيعية. ومن شأن المشروع دفع العجلة الاقتصادية في القرى وخلق فرص عمل لسكانها، فالسياح المشاة يحتاجون الى خدمات مرشد محلي ويستريحون في بيوت ضيافة يملكها سكان القرية ويشترون المنتجات القروية، الأمر الذي يعزز الصناعات الحرفية الصغيرة.

 لـ<جمعية درب الجبل> مثيلات لها في دول عدة. لا تنسيق مع تلك حتى الآن الا ان هنالك صداقات تجمع بين افرادها ومرتادي الجبال في الجمعيات الاجنبية، وهذه الصداقات تشمل البرازيل وكندا وكوريا وغيرها من البلدان.

أما أسوأ الصعوبات التي يمكن ان يتعرض لها السائر في الجبل وقوعه في المرض، الزكام او غيره يقول لنا كريستيان الذي لا يعرف شخصيا اي وهن، فهو يعرف المسالك كلها و<شغلتنا ندير هالمشروع> كما يقول.

للاشتراك في السير عبر <درب الجبل> لا بد من مبلغ يدفع وهو يتراوح بحسب عدد الايام التي يود المشارك السير فيها مع الفريق، وهذه مطواعة، فقد يكون البدل المالي لشهر بكامله وفق روزنامة الجمعية، وقد يكون لاسابيع او لايام. كذلك فان جزءا من المبلغ المتقاضى يذهب الى المحميات للحفاظ عليها، فهذه المحميات اللبنانية تعرف تنوعا بيئيا فائق الغنى، وفيها انواع نادرة من الشتول والاعشاب وكذلك من الحيوانات والطيور، والجمعية التي تأخذ على عاتقها الهم البيئي ايضا، تدق جرس الانذار امام اي خطر تلحظه في هذا المجال... كذلك فإن لجنة التربية في <درب الجبل> تعول على الجيل الجديد في تغيير نظرته الى البيئة وتسعى الى تنفيذ خطة لهذا الشأن مع عدد من المدارس الرسمية القائمة في القرى الجبلية الواقعة على هذه الدرب التاريخية الفريدة.

 

القضم...!

1

لا يمكن لكريستيان اختيار مشهد طبيعي واحد في منطقة ما ليقول انه الأجمل... <كل منظر احلى من التاني> ولا تكاد قرية تخلو من موقع مميز يقول، وهي خلابة في فصلي الربيع والخريف حيث السواقي والاودية والينابيع المتدفقة فضلا عن النباتات والطيور الموسمية، ولا ننسى المعالم الأثرية كالمعابد والقلاع والاديرة...

 لكن ماذا عن الكسارات والمرامل التي تشوه هذه الجبال؟ <لعنة> عليها يجيبنا، وهي عدا عن تشويه المنظر وتلويث البيئة فإنها تغير <درب الجبل> ومسلكه. ومن خلال مشاهداتنا السنوية فان نسبة التعديات والاساءة البيئية الى ارتفاع وهذا لا يمكن الحد منه سوى بتطبيق القوانين. وفي اكثر من محطة، تتحرك <جمعية درب الجبل> وتتواصل مع المعنيين وتتعاون مع الجهات الرسمية والبلديات وهيئات المجتمع المدني لوضع الخطط البعيدة المدى للمحافظة على هذا الارث الجمالي، وللحث على اتخاذ الاجراءات حيال هذه المجازر والتنبه لأخطارها.

كذلك يشير المشرف على الدرب الى عوامل اخرى تغير المسلك منها شق الطرقات الجديدة او تراكم النفايات فضلا عن نوعية الاراضي بين مشاعات او املاك عامة او خاصة، وقد خسر المسلك التاريخي حتى اليوم حوالى 100 كلم منه بسبب الانهيارات او البناء العشوائي للطرقات والبيوت. وهناك ضرورة قصوى لتزنير هذا المسلك حتى لا يتم قضمــــه فيتــــم مــن حولــــه انشـــاء مــا يسمـــى بـ<كولوار دو بـــــروتكسيون> او <ممـــــراً للحمايـــــة والمحافظــــــة عليـــه>، من هنا كان شعار سير المسلك لهذا العام تحت عنوان <Hike It Protect It>.

 ففي كل سنة ترفع الجمعية شعارا ويمشي من يسلك <درب الجبل> لأجل قضية محددة، وقد حملت مسيرات الاعوام السابقة شعارات مختلفة بينها مرة للاكل البيئي التراثي ومرة لاجل الطيور على سبيل المثال.

ونسأل  كريستيان:

ــ ماذاعن استضافة اهل المناطق والبلدات التي يمر بها سائرو الدرب والذين يقضون ليلتهم في موتيلات صغيرة او بعض الاديرة او في بيوت ضيافة؟

- باتوا يعرفوننا وينتظروننا يقول الناشط البيئي، ولولاهم ما كان مشروعنا لينجح. ترحابهم رائع، اصيل كما الضيافة اللبنانية... يستمتع الزائرون بالتذوق من المنتوج المحلي والحلوى المنزلية الطيبة لتلك الضيع والبلدات، فتعمد هذه بدورها الى تقديم لوائح طعام قوامها منتوجاتها الموسمية.

ويضيف كريستيان:

- الاستراحة في بيوت الضيافة تنسج علاقات وطيدة بين سكان البيت وزواره فيتعرفون منهم الى حكايات القرية وتاريخها واهلها، كذلك فان بيوت الضيافة مفتوحة كما المسار طوال ايام السنة لمن يريد سلوكه، مما يؤدي الى تنمية هذه المناطق ودعم اهلها ولو جزئيا للبقاء في أرضها كما ويحرك عجلتها بعض الشيء. انها الى الجانب الاقتصادي، دعوة للتعرف الى تراثنا باوجهه المتعددة الذي تركه لنا الاجداد ولتحفيز حمايته إذ للمحافظة عليه يجب ان نتعرف به وبقيمته اولاً...

استخدام التكنولوجيا ليس محرماً عند سلوك <درب الجبل> لا بل العكس أنه مشجع عليه، ليس طبعا بهدف الاطلاع على درب المناطق والمواقع على خرائط الكترونية على موقع <غوغل> مثلا، انما لالتقاط الصور الخلابة التي يتمتع السائرون بتخليدها ونشرها لمشاركتها مع الجميع من حول العالم.

لا زالت وزارة السياحة بعيدة عن مشروع <درب الجبل> بانتظار قيمين يكترثون للسياحة الداخلية لدعمها والاضاءة عليها، وبانتظار وزير قريب من هذا القطاع، اما جذب المشاهير للترويج لهذه السياحة عبر التعاون مع نجوم فن واعلام وغيرهم فلم يحدث بعد، وهي ليست غاية تسعى اليها الجمعية وان كانت جميلة، فالاساس يبقى الحفاظ على <درب الجبل> وصونه وتطويره وإنشاء دروب أخرى متفرعة أو موازية له، فضلا عن الحفاظ على الموارد الطبيعية والمعالم الأثرية والعمرانية المتاخمة له، وتعزيز الفرص الاقتصادية بشكل مستدام من خلال تشجيع السياحة البيئية الداخلية.